ربيع الإسلاميين.. وخريف الليبراليين

عدد المساهمات : 38 تاريخ التسجيل : 16/11/2010

الربيع العربي الذي ابتدأ بموجات الترحيب والدعم والتأييد الغربي قبل العربي، هو الربيع الذي حمل بين ثناياه خريفًا يقض أعمار الماضي، ويطلق أزهارًا جديدة لربما تتفتح بألوان محببة إلى قلوبنا، لكنها مسمومة بالماء الذي سوف نشربه من ينابيع هذه الأزهار.. هو الربيع الذي قلتم عنه إنه ثورة العرب والشباب والفيس بوك.

نحن في بلاد الربيع لم نفاجأ، بل كنا نعلم أن هذا الربيع قد أسميتموه كذلك، ولو كنتم على يقين أن نتائجه عكسية لأسميتموه الخريف العربي، ولقاتلتم جنبًا إلى جنب مع حلفائكم الليبراليين لإبقائهم على النظام السابق.

هذا الربيع أتى على أيدي شباب عانوا القهر والجوع، وأناس ماتت أطفالهم بين ثنايا العشوائيات في المناطق العربية وضاعت أحلامهم في أزقة وأروقة الشوارع الضيقة.

وهو ربيع أتى من أطفال في عمر الربيع، ماتوا على أزقة الطرقات بحثًا عن العلاج دونما أن يمنحهم سيف الفقر المسلط على رقابهم أي بريق أمل لنجاة، وهو الظلم والفساد والاستبداد، وهو اغتصاب البراءة والأحلام، وهو التجاهل والبطالة، كل هذا هو الربيع العربي الذي لم يجد ملجأ إلا إلى الله تعالى، ليدعوه سبحانه بالسر والعلن، ويطلب منه أن يأتي بهزة أرضية تطيح بالأنظمة الظالمة، وتبقي الشعوب على الأرض.

نعم، تختلف لغاتنا ويختلف لون بشرتنا ولربما تقاليدنا، لكننا كلنا في لحظة اليأس والضعف نتوجه إلى الله. الكل يسأل: ما دخل هذا الكلام بما يحدث في العالم العربي؟ أقول: إن العلمانية والحرية التي لم يكن لها حدود، والتي طالت الأغنياء وسحقت الفقراء وقلبت العادات والتقاليد وأباحت المحرمات، كان نتائجها اللجوء إلى مسكن وحيد، وهو التوبة والعودة إلى الله تعالى، من خلال مكان واحد وهو "بيت الله"، الذي لا تصل إليه الكبائر، نعم هذا ما حدث في بعض دول العالم العربي، ولن يبقى عند هذا الحد، بل سيطال كل الدول العربية، لأن الليبراليين هم طبقة بسيطة وقليلة من فئات المجتمعات العربية، وهم طبقة محصورة وضيقة بالمتنفذين وعائلاتهم وأقربائهم وأصدقائهم، أما باقي الشعب فهو ينتظر لحظة الانقضاض على هذا الوحش الذي افترس أحلامه البسيطة.

وهنا أنوه إلى أن فلسطين والضفة الغربية بالذات ليست ببعيدة عما يدور في العالم العربي على الإطلاق، فمن يعتقد أننا معزولون فهو مخطئ، فنحن نعاني الفقر، ونسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني تحت خط الفقر، ونعاني الظلم والاضطهاد والفساد دون محاسبة أو مواجهة، لكن ما نختلف به عن باقي الشعوب العربية أننا نعاني الأمرين، الفساد والاحتلال، وما بينهما ضاعت أحلامنا، لكن في أقرب فرصة وفي أي انتخابات قادمة لن يتوانا الشعب الفلسطيني عن أن ينتخب الإسلاميين من جديد أين كان مسماهم، ولربما نشهد السلفيين وحزب التحرير وغيرهم، لذا فإن على القيادة الفلسطينية إن كانت تخاف على مناصبها أن تستفيق، فالإسلاميون سيطرقون أبوابنا من جديد، وأن ينهوا ملف المصالحة العالق، وأن يكفوا عن محاربة كل منهم الآخر، فالسلفيون على أبوابنا واقفون، إن طبقوا الشريعة بما أراد الله عز وجل فأهلًا بهم، وإن أرادوا تطبيق رؤية أخرى، فلا أهلًا ولا سهلًا بهم.

منذ أعوام وأنا أقول: إننا سوف نتجه قريبًا إلى الله عز وجل، وهذا الجيل الذي تشاهدونه بالجينز والجل وقصات الشعر المعروفة وغير المعروفة، لا يغركم مظهره، لأن باطنه مخفي، وهو العودة دائمًا إلى الله سبحانه وتعالى، الكل لم يصدق، لكن خانتني التوقعات، فأنا منحت العالم العربي خمس سنوات من أجل العودة إلى الإسلام، وكتبت مقالات عدة حول هذا الموضوع، كان آخرها بعنوان: "هل نحن أمام نظام عالمي جديد“ يحمل طابع الدين الإسلامي”؟. لكنه كان الإسلام بحد ذاته لا بطابعه، نعم نحن الآن نطرق أبواب الدولة الإسلامية.

الكل يستغرب كيف أقول هذا الكلام، وأخرج عن المألوف، وأنه غير واقعي، فمن قام بالثورات هم الليبراليون وليس الإسلاميون. أقول نعم صدقتم، لكن ما أدراكم بالنوايا الداخلية لي. إن جزءًا من أصحاب الثورات لليبراليون، لكن جزءًا آخر كان من الإسلاميين.

وفي الواقع فإننا لا نواجه مشكلة مع الإخوان المسلمين، فالإخوان الآن معتدلون فكريًّا، ويتقبلون الآخر، وقد عانوا الاضطهاد، ولديهم خبراتهم الكافية في الحياة السياسية، ولكن مشكلتنا مع "التفريخ" الناتج من داخل الإخوان، أو بمصطلح آخر "التفقيس"، أو بمصطلح السياسة "الانقسام".

وبما أن العالم رحب بديمقراطيتنا وبربيعنا العربي فعليه أن يبدأ بالحوار مع الإخوان المسلمين، والأهم أن يبدأ بالتحاور معهم في فلسطين، وخاصة مع حركة حماس، لأنه لو فات الوقت لن ينفع الندم، فحماس لن تنسلخ عن الإخوان مهما حدث، وهي تزاد قوة أكثر من ذي قبل، لذا فنصيحتي لمن صفق للربيع العربي أن يقف الآن ويصافح يد هذا الربيع التي لا مفر منها على الإطلاق، نحن مقبلون على تغير جذري في الساحة العربية، لربما ليس مباشرة، ولكن بعد فترة سنتين أو لربما أربع سنوات.

ورسالتي للإخوان: دعونا نشرب من نبع العدل والسلام والتسامح الذي دعا إليه ديننا الحنيف، كما بيَّنه كتاب الله المنزل "القرآن الكريم".