إعادة البناء المعرفي إن الإنسان كائن عاقل ومتفرد يولد ولديه ميل وقدرة للتفكير بشكل عقلاني مستقيم وغير عقلاني؛ فعندما يسلك ويفكر بطريقة عقلانية يكون فعالاً ومنتجاً سعيداً نشطاً محققاً لذاته، وعندما يفكر بطريقة غير عقلانية يشعر بالخوف والقلق وبالتالي يعاني من المشكلات والاضطرابات فيصبح قاهرا لنفسه، ولذلك على الفرد أن يعمل على تنمية طرق تفكيره اللاعقلانية (العلي، ٢٠٠٤).
ويمكن تعريف العقلانية على أنها الأسلوب المنسق، والمنطقي، والمرن في التعامل مع الأحداث الخارجية والواقع لتحقيق الأهداف القريبة والبعيدة، وهي تسهم في تحقيق هدفين هامين هما المحافظة على الحياة، والإحساس بالسعادة النفسية والتحرر من الألم، في ظل التفاعل الملائم مع العواطف (حسن والجمالي، ٢٠٠٣).
أما اللاعقلانية فهي أسلوب تفكير خاطئ، غير منسق وغير منطقي، جامد في التعامل مع الأحداث الخارجية والواقع، يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق الهدفين السابقين (الشربيني، ٢٠٠٥).
ذكر سيوارد (1997 ,Seaward ) أن من بين الاستراتيجيات التي يمكن أن تستخدم من قبل الأفراد الذين يواجهون الضغوط النفسية إستراتيجية إعادة البناء المعرفي، إذ أن الأفكار والمنبهات التي تصل العقل قد تكون سلبية أو ايجابية، وهذا ما يطلق عليه الإدراك الحسي، إن الأفكار اللاعقلانية قد تسبب تأثيراً شديداً للفرد، لذلك فإن إعادة بناء الإدراك المعرفي تعني إعادة بنائه من الحالة السالبة إلى الحالة الموجبة أو المحايدة. وأن الهدف من عملية إعادة البناء المعرفي هو مساعدة الأسرة والوالدين في تخفيف الحزن أو التوتر النفسي من خلال تصحيح التصورات.
وأشارت (المغربي، ١٩٩٣) إلى دراسة قام بها ريتشي (Richie ) لمعرفة العلاقة بين المعتقدات اللاعقلانية من جهة والاضطراب الانفعالي وسوء التكيف من جهة ثانية، أظهرت النتائج وجود علاقات بين المقاييس الفرعية لاختبار الأفكار اللاعقلانية وبين الجنس ومستوى التعليم، ووجدت علاقات سالبة بين المعتقدات اللاعقلانية وبين
التكيف النفسي والمستوى الانفعالي.
ويذكر هنا أن الإنسان يحتاج إلى أربعة أمور ضرورية للحياة والسعادة وهي: الإحساس أو الشعور، الانفعال، الحركة والعمل، التفكير، ويفترض أن هذه الأمور الأربعة تحدث في تصرفات الإنسان متداخلة بعضها في بعض ونادرا ما يستطيع الإنسان أن يمارس أيا منها متفردة عن الأخريات لذلك فالإنسان يتصرف في ترابط ومنطقية فهو يحس ويتحرك، يفكر ويفعل في نفس الوقت (أبو أشعر، ٢٠٠٧).
إن التفكير والانفعال والسلوك أضلاع مثلث واحد يصاحب بعضها بعضا تأثيرا وتأثرا، هذا ويعد الانفعال في حقيقته نوع من التفكير غير العقلاني المنحاز ذاتيا، وهو أيضا يعتبر عملية اتجاهية معرفية حيث يستجيب البشر للمواقف الحياتية المختلفة بشكل ينطوي على حكم حدسي وفكري مسبق، وبالتالي يأتي القرار النهائي بالاستجابة لتلك المواقف منسجما مع ما يحققه الانفعال الأصلي أو يحول دونه (البنوي، ٢٠٠٥).
يشير(حسين، 2007: 164) إلى أن البنية المعرفية تتمثل في تلك) الأفكار والصور العقلية والتخيلات والتوقعات والمعاني( وهي ذات علاقة وثيقة بالانفعالات والسلوكيات المختلة وظيفيا، فمن بين مميزات البنية المعرفية التي أشار إليها (جلال وآخرون،2007 : 208) ما يلي:- أنها ثابت ويصعب تغيره- أنها مكتسبة من خلال الخبرات الحياتية وأنماط التربية- تشمل جميع العمليات المعرفية من أفكار آلية وتخيلات، و ادراك.
- تحتوي على مكون سلوكي، إذ من خلالها يتم تحديد طرق التصرف في المواقف المختلفة بما يتناسب مع نظام المعتقدات الخاص بالفرد.فإعادة البناء المعرفي للفرد تعتبر من بين أبرز وأهم الأساليب الخاصة بالعلاج المعرفي، فقد أشار واندي وآخرون (2005,All & Wendy ) أنها تسهم في تحديد الاضطراب والاختلال المعرفي، الأمر الذي يشكل لديهم أفكار أكثر دقة وقابلة للتكيف، وسيتم حاليا التطرق إلى الخطوات التي تمر بها عملية إعادة البناء المعرفي كما أشار إليها (علاء الدين،2013 : 22) كالتالي:1. تقييم مدى صالحية الأفكار والمعتقدات الخاصة بالعميل2. تقييم توقعات وتنبؤات العميل3. تقييم عزو العميل لأسباب الأحداث السلبية
وتمثل نظرية اليس (Ellis ) في العلاج العقلي الانفعالي مركز وجوهر العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي، واستند اليس(Ellis ) في بنائه لهذا النموذج على افتراض رئيس، وهو: أن الاضطرابات النفسية هي نتاج التفكير غير العقلاني الذي يتبناه الفرد، لذلك يعتقد إن السبيل إلى الحد من المعاناة النفسية، هو التخلص من أنماط التفكير الخاطئة وغير العقلانية، فهو يرى أن المشكلات النفسية لا تنجم عن الأحداث والظروف وانما عن التفكير غير العقلاني(عمارة، 2008).
ويعتمد العلاج المعرفي السلوكي على الإقناع الجدلي التعليمي، بما يتضمنه من فنيات عديدة في تقديم منطق العلاج وشرحه للمسترشد، قناعه بضرورة الإلتزام في العلاج وقيامه بالدور المطلوب منه، وتوضيح العلاقة بين الأفكار اللا منطقية وبين ما يعاني منه المسترشد، ويتم الإقناع من خلال عملية تعلّم وتعليم تستند على العلاقة العلاجية بين المرشد والمسترشد (محمد، 2000).
البناء المعرفي لتحليل المواقف(Situation of Analysis on Ability Cognitive): عملية معرفية إدراكية يقوم الفرد فيها بإعادة صياغة القوانين الإدراكية وتتداخل فيها مفاهيم مثل الكفاءة الذاتية والتفاعل التبادلي بين الفرد والبيئة وبعض العوامل الشخصية والنفسية والإدراكية.
الأساليب المعرفية: أشار )عسكر، :2009 168( إلى أن الأساليب المعرفية تنطلق من فكرة أساسية مفادها أن مصدر الضغوط ليست هي المواقف الضاغطة في حد ذاتها، وانما نوعية رد الفعل من جانب الفرد هو الذي يحدد النتيجة النهائية، إذ يعتمد هذا الأسلوب وفق نظرية بيك (Beck) في )بن زروال، :2008 134( على الطريقة التي يفهم بها الفرد الحدث، هي التي تحدد الاستجابة الانفعالية له.
وفي هذا الصدد قدم كوهين Cohen في )ضريبي، :2010 628( مجموعة من الاستراتيجيات المعرفية لمواجهة الضغوط تمثلت في:
1. التفكير العقلاني Thinking Rational: وهي استراتيجية يلجا من خلالها الفرد إلى التفكير المنطقي بحثا عن مصادر القلق وأسبابه المرتبطة بالضغوط.2. التخيل Imagining: إستراتيجية يتجه فيها الفرد إلى التفكير في المستقبل.3. الإنكار Deniam: عملية معرفية يسعى من خلالها الفرد إلى إنكار الضغوط.4. حل المشكلة Solving Problem: نشاط معرفي يتجه من خلاله الفرد إلى استخدام أفكار جديدة ومبتكرة لمواجهة الضغوط وهو ما يعرف بالفتح الذهني.5. الفكاهة (الدعابة) Humor: استراتيجية تتضمن التعامل مع الضغوط والأمور الخطيرة ببساطة وروح وفكاهةـ وبالتالي قهرها والتغلب عليها، كما أنها تعتمد على الانفعالات الإيجابية أثناء المواجهة.فقد أكدت دراسة أماني سعيد إبراهيم(2006)، فاعلية النموذج المعرفي من خلال تغيير الأفكار السلبية في تنمية التفكـير الايجابي، والتخفيف من مستوى الضغوط النفسية لدى عينة الدراسة. هذا وفي نفس المجال تعددت الأساليب والتقنيات المستخدمة للمدرسة المعرفية السلوكية التي هـدفت للتقليـل والحـد من الضغوط النفسي لدى طلبة الجامعة، فقد اعتمدت بعض الدراسات على منحى العلاج العقلاني الانفعالي الذي تنـشد به نظرية "اليس "الذي يركز على تلك الأفكار اللاعقلانية التـي يتبناهـا المـريض في إحـداثها للـضغط النفـسي، ومـن بـين الدراسات التي اعتمدت على هذا المنحى نذكر دراسة أمينة إبـراهيم حـسن الهيـل 2002 التـي هـدفت دراسـة فعاليـة برنامج إرشادي العقلاني الانفعالي في خفض الضغوط النفسية لدى طالبات المرحلة الثانوية بقطر، والتي أشـارت نتائجهـا إلى أن البرنامج الإرشادي إلى فاعلية البرنامج العلاجي في خفض الضغوط النفـسية وترجـع فاعليتـه إلى اسـتبدال التفكـير اللاعقلاني بتفكير عقلاني عن طريق الفنيات التي يعتمد عليها العلاج العقلاني الانفعالي، كما أثبتت الدراسة أيضا فاعليتـه بعد فترة المتابعة.
وفي نفس السياق أشارت دراسة (الدردير،2010) التي هدفت إلى اختبار فعاليـة الإرشـاد العقـلاني الانفعـالي الـسلوكي في تنمية أساليب مواجهة الضغوط الناتجة عن الأحداث الحياتية وأثره على السعادة، حب الحياة، التفاؤل، حيـث توصـلت نتائج الدراسة إلى فاعلية البرنامج المقترح في تنمية أساليب المواجهة وخفض الإحـساس بالـضغوط، كـما أثبتـت الدراسـة فاعليته أيضا في رفع مستوى الإحساس بالسعادة وحب الحياة والتفاؤل .
ومن ناحية أخرى أكدت دراسة كراغو (1995, crago ) في (الشطرات، :2001 57-56) التـي اعتمـدت عـلى التحـصين ضـد التـوتر كأحـد الإجـراءات السلوكية المعرفية لخفض التوتر، حيث تم تصميم ثلاث مجموعات، المجموعـة الأولى اسـتخدمت التحـصين ضـد التـوتر بالإضافة إلى إعادة البناء المعرفي واستخدمت المجموعة الثانية التحصين ضد التوتر مع تقديم تعليمات أقـل للأعـضاء ولم يقدم إجراءات معرفية أو إجراءات للتوافق مع التوتر للمجموعة الثالثة ولكن تم تعليم أعضاءها مهارات تأكيـد الـذات وتمارين الاسترخاء، وقد أظهرت النتائج أن الإجراءات المستخدمة مع المجموعة الأولى كانت أكثر فاعلية في خفـض التـوتر من المجموعتين الثانية والثالثة.
وفي نفس السياق أكد هانز (1994hains ) في (دردير،2010 : 95) عـلى فعاليـة العـلاج الـسلوكي المعـرفي في تخفيـف الآثـار الانفعاليـة الـسلبية للمراهقين كرد فعل للضغوط النفسية، معتمدا في ذلك على التدريب على إستراتيجية التحصين التدريجي ضد الـضغوط، وقد توصلت الدراسـة إلى فعاليـة التـدريب التحـصيني ضـد الـضغوط النفـسية في التخفيف من الضغوطات النفسية.
وفي نفس السياق هدفت دراسة الأميري( 2001 ) إلى التحقق من فعالية برنامج إرشادي جماعي للتخفيف من الـضغوط النفسية لـدى طـلاب المرحلـة الثانويـة في الـيمن وقـد تألفـت عينـة الدراسـة مـن 24 طالبـا قـسموا إلى 3 مجموعـات، مجموعتين تجريبيتين ومجموعة ضابطة، وقد استخدمت الباحثة لتحقيق أهداف الدراسة برنامجا إرشاديا يتضمن إستراتيجية التحصين ضد الـضغوط وإسـتراتيجية حـل المـشكلات، كـما اسـتخدم مقيـاس الـضغوط النفـسية، وقد توصلت الباحثة إلى نتيجة مفادها أن للبرنامج الإرشادي الذي طبق عـلى عينتـين التجـريبيتين فعـال في خفـض الـضغوط النفسية لدى الطلبة.( الحمد، 2012، ص163)
وتوصل (الخياط والسليحات، 2012) إلى إثبات فعالية برنامج سلوكي معرفي في خفض الضغط النفسية لدى عينة من طلبة الجامعة، مع عدم قدته على تحسين مستوى التحصيل الد ارسي.
نستنتج من الطرح السابق مدى الفاعلية التي أسفر عليها العلاج المعرفي السلوكي باختلاف الأطر النظرية التي اعتمد عليها الباحثين في بنائهم للبرامج العلاجية.( كحلة،2009، ص6 ).
