منتدى المعلم مصطفى دعمس التربوي
منتدى المعلم مصطفى دعمس التربوي
منتدى المعلم مصطفى دعمس التربوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى المعلم مصطفى دعمس - منتدى تربوي شامل
 
الرئيسيةالبوابةالمنشوراتبحـثأحدث الصورالتسجيلدخول
منتدى تربوي شامل للأستاذ مصطفى دعمس
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» ورقة عمل الشهر الثاني للفصل 2
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالثلاثاء أبريل 23, 2024 11:48 pm من طرف مصطفى دعمس

» شركة تنسيق حدائق بعنيزة
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالثلاثاء أبريل 09, 2024 6:41 pm من طرف ثناء مجدى

» شركة مقاولات بالهفوف
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالأربعاء أبريل 03, 2024 4:57 pm من طرف ثناء مجدى

» شركة تنسيق حدائق بالباحة
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالخميس مارس 14, 2024 12:20 am من طرف ثناء مجدى

» شركة تركيب المصاعد بالقصيم
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالجمعة مارس 08, 2024 8:32 pm من طرف ثناء مجدى

» شركة مقاولات بجدة
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالسبت مارس 02, 2024 11:01 pm من طرف ثناء مجدى

» ورقة عمل الوحدة الخامسة
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالإثنين فبراير 26, 2024 11:44 pm من طرف مصطفى دعمس

» كيفية التسجيل في حملة الراجحي المجانية للحج
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالإثنين فبراير 26, 2024 6:21 pm من طرف gogou

» تسليك مجاري بحفر الباطن
الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالجمعة فبراير 23, 2024 2:14 am من طرف ثناء مجدى

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
منتدى
التبادل الاعلاني

 

 الثقافة .. بين الوحدة والصراع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد العمواسي
عضو نشيط
محمد العمواسي


عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 15/10/2022

الثقافة .. بين الوحدة والصراع Empty
مُساهمةموضوع: الثقافة .. بين الوحدة والصراع   الثقافة .. بين الوحدة والصراع Emptyالأحد أكتوبر 16, 2022 7:25 pm



اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.


إن الثقافة مشترك خاص له قدرة كبيرة على تكوين صلات فكرية وسلوكية واجتماعية واقتصادية وسياسية.. بين الأمم والشعوب؛ لذلك لا يمكن تغافل أو تجاهل الفكرة
الثقافة .. بين الوحدة والصراع
مفهوم الثقافة:
لا يُمكن لنا في هذا المقام السريع أن نُناقش أو نتناول قضيَّة الثقافة بكافَّة أبعادها أو حتى معظمها؛ ذلك أنَّ مشكلة الثقافة موغلة في الفكر الإنساني، ولهذا لم يخلُ جيلٌ من الأجيال المتعاقبة -في أيِّ بلدٍ كان- من تعريفٍ للثقافة أو تَنَاوُلها أو طَرْحِها ومعالجتها بما يعنُّ له، وما يستخلصه من نتائج وعبر؛ فالثقافة تجربة حيَّة معاشة لا نستطيع الفكاك منها أو التجرُّؤ عليها؛ لأمرٍ في غاية البساطة يتمثَّل في كوننا أجزاءً من المنظومة الثقافيَّة في أيِّ مجتمعٍ نعيش فيه؛ ولذلك كان من الطبيعي أن نطرح هذه القيمة الإنسانيَّة العالميَّة من منظورنا، الذي يرى -بلا ريب- الثقافة مشتركًا إنسانيًّا يُساعد على التقارب والتعارف ومن ثَمَّ التعايش، صحيحٌ أنَّ الثقافات الإنسانيَّة لا حصر لها، لكن هذا التنوُّع في غاية الإفادة لعمليَّة التواصل الإنسانيَّة، وهذا ما سنراه بعد قليل.
والواقع أنَّ الثقافة تُعتبر على نحوٍ ما مُتَّفِقَة بين المجتمعات، وعلى نحوٍ آخر مختلفة كذلك؛ فإذا نظرنا إليها على قدرٍ عالٍ من التجريد نجد قدرًا كبيرًا من التشابه بين الثقافات، أو بمعنًى آخر: إنَّه الاتفاق في العموميَّات، والاختلاف في التفاصيل؛ وإذا كانت الثقافة قد حظيت في الماضي باهتمام علماء الأنثروبولوجيا الذين عكفوا على دراسة المجتمعات البدائيَّة- فإنَّ هذه الظاهرة قد أصبحت موضوعًا للعديد من العلوم الاجتماعيَّة في مقدِّمتها علم الاجتماع؛ نسبةً إلى الارتباط بين الثقافة والمجتمع؛ إذ تُؤَدِّي الثقافة دورًا مهمًّا في حياة الإنسان، بل هي جزءٌ مهمٌّ في حياة الإنسان كعضوٍ في مجتمع، ومن هنا تحتلُّ الثقافة مكانًا بارزًا في دراسات علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافيَّة والاجتماعيَّة[1].
ولذلك تشعَّبت التعريفات ودلالات العلماء والمفكِّرين لهذه القضيَّة الإنسانيَّة العالميَّة، التي حفزتهم واستنفرتهم للكتابة فيها؛ فــ مالك بن نبي يرى أنَّها علاقةٌ متبادلةٌ بين شِقَّين متَّحِدَين -وإن كانا منفصلين- في وظيفةٍ محدَّدة: أحد عضويها الفرد، والثاني المجتمع، ويقول: "والفروق الموجودة بين تفسيرات الثقافة مختلفة باختلاف المدارس من جانب، وباختلاف أساتذة المدرسة الواحدة من جانبٍ آخر، هذه الفروق إنَّما ترجع في جوهرها إلى هذا التبادل، الذي يبتغي كلُّ فردٍ في نطاقه أن يُعطي الأسبقيَّة أحدَ الجانبين حسب استعداده وأفكاره، فبعض الناس يُقَدِّم الجانب النفسي وبالتالي الفردي، معتبرين الثقافة قضيَّة الإنسان، وآخرون يُقَدِّمُون الجانب الاجتماعي ذاهبين إلى أنَّ الثقافة قضيَّة المجتمع؛ إذ هي تُمَثِّل في نظرهم صورةً اشتراكيَّةً بالمعنى التكويني للكلمة"[2].
وليس ثمَّة غبار على ما قاله المفكِّر الراحل مالك بن نبي؛ فالإنسان بطبيعته السويَّة لديه استعداد وقابليَّة كبيرة للتنوُّع والتغيُّر في حركةٍ حيَّةٍ ديناميَّة، وهذا هو ما أفضى إلى تباين أشكال الحياة، وأشكال فهم الحياة، وصور التعبير عن الحياة، وسُبل الأخذ بالحياة والتعامل معها.. تنوُّعٌ في النظر إلى الكون والوجود وعناصر الحياة، ففي التنوُّع والتعدُّد والاختلاف حياة الإنسانيَّة وارتقاؤها؛ ومن ثَمَّ تنوُّع في فهم أبعاد وتجليات المكوِّنات الثقافيَّة للثقافة ذاتها[3].
ولعلَّ من أقدم التعريفات للثقافة وأكثرها ذيوعًا حتى الآن لقيمته التاريخيَّة تعريفَ إدوارد تايلور الذي قدَّمه في أواخر القرن التاسع عشر في كتابه عن "الثقافة البدائيَّة"، الذي ذهب فيه إلى أنَّ الثقافة هي: "كلُّ مُرَكَّبٍ يشتمل على المعرفة والمعتقدات، والفنون والأخلاق، والقانون والعرف، وغير ذلك من الإمكانيَّات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوًا في مجتمع". ونلاحظ أنَّ هذا التعريف يُبرز العناصر اللاماديَّة لحياة النَّاس في جماعة؛ كالأخلاق والقانون والعرف، التي تنشأ نتيجةً للتفاعل الاجتماعي، وتأخذ طابعًا إلزاميًّا، إلى جانب العنصر المادِّي للثقافة، علاوةً على العلاقات بين الناس، وبين العناصر المكوِّنة للثقافة[4].
وهناك بالطبع ما لا يُحصى من التعريفات الأخرى للثقافة؛ منها التعريف الشهير البسيط الذي قاله عالم الاجتماع روبرت بريستيد، وقد ظهر في أوائل الستينيَّات من القرن العشرين؛ حيث قال: "إنَّ الثقافة هي ذلك الكلُّ المركَّب، الذي يتألَّف من كلِّ ما نُفَكِّر فيه، أو نقوم بعمله، أو نتملَّكه كأعضاءٍ في مجتمع"[5].

تطبيقات الثقافة
على أننا يجب ألَّا نَنْجَرَّ خلف هذه الجدالات والرؤى للثقافة دون نتائج أو فعاليَّات؛ بل يُمكن أن نستفيد بما سبق للتأكيد على رحابة رؤية العقليَّة العالميَّة للثقافة؛ ولذلك فإنَّنا نرى أنَّ الثقافة هي الفكر الذي يترتَّب عليه سلوك العامَّة والخاصَّة، وهنا تتمثَّلُ الأهميَّة الكبرى للثقافة؛ فاقتناع القادة والساسة بفكرٍ ما يترتَّب عليه بلا ريب تغيير في أنماط وسلوكيَّات الشعوب؛ خاصَّةً إذا كان النهج الفكري والثقافي قد تبنَّتْهُ الدول والحكومات.

الشيوعية:
والأمثلة على ذلك لا تُحصى؛ فالشيوعيَّة التي أذعنت تحت لوائها عشرات الدول والأقاليم هي في مبدئها فكر الألماني هيجل، ومن بعده ماركس وإنجلز، ثُمَّ جاء لينين ليُنَفِّذ هذه الرؤية الفكريَّة الجديدة، وجاءت نهاية الحرب العالميَّة الأولى وهزيمة روسيا فيها إلى تفجُّر الثورة البلشفيَّة على الأفكار النمطيَّة التي أَدَّت إلى تخلُّف الدولة الروسيَّة عن ركب الدول الإمبرياليَّة، وقد أدَّى انتصار البلاشفة عام 1917م وإعلان السلطة الثوريَّة حقَّ تقرير المصير لشعوب المستعمرات وأشباهها، لتختار بين الاستقلال والاتحاد الفيدرالي مع الدولة المركزيَّة (جمهوريَّة روسيا السوفيتيَّة الاشتراكيَّة) وتفضيل شعوب المستعمرات الاختيار الثاني القائم على الانضمام إلى الاتحاد الفيدرالي، الذي تغيَّر اسمه إلى "اتحاد الجمهوريَّات السوفيتيَّة الاشتراكيَّة" الذي تشكَّل من 15 جمهوريَّة، عُرف اختصارًا بالاتحاد السوفيتي، واستطاع الفكر الاشتراكي الجديد أن يضمَّ 126 قوميَّة مختلفة، وامتدَّت مساحته الشاسعة إلى أكثر من 22 مليون كيلو متر مربع مشكِّلًا نصف مساحة القارَّة الأوربيَّة، و40% من مساحة القارَّة الآسيويَّة، ليستمرَّ الاتحاد السوفيتي ما يقرب من 73 سنة متَّصلة تلتئم هذه الأمم والقوميَّات حول هذا الفكر الاشتراكي الجديد، بل إنَّ هناك أممًا أخرى قد آمنت بالفكر الاشتراكي واتَّخذته ثقافةً وأيديولوجيَّةً لها مثل الصين وكوبا ومصر وغيرهم[6].
إِذَنْ ساعدت الثقافة الجديدة -بصرف النظر عن قناعتنا بها- على تجميع عشرات الدول تحت لوائها، كما ساعدت على التقريب بينهم، فأضحت الثقافة الاشتراكيَّة نموذجًا للمشترك الخاصِّ بين عشرات الدول، فأن تكون اشتراكيًّا فذلك يعني أنَّ هناك روابط قويَّة بينك وبين الروسي والصيني والكوبي، ولو لم تكن عوامل اللغة والعرق والجنس والدين واحدة، وهذا أكبر دليلٍ على كون الثقافة رأس المشتركات الخاصَّة.

الرأسمالية:
والأمر ذاته نراه في الفكر الغربي الرأسمالي الذي تجلَّى في المعسكر الغربي: الولايات المتحدة وغرب أوربَّا منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، هذا الفكر القائم على القطبيَّة الأميركيَّة ينضوي تحت لوائه عشرات الدول والحكومات، التي تُطَبِّق السياسة الإمبرياليَّة الأميركيَّة، وبعيدًا عن السلبيَّات والإيجابيَّات التي ترتَّبت على اعتناق الدول لهذا الفكر وتلك الثقافة، فيجب أن نُصَرِّح بأنَّ الثقافة الأميركيَّة أضحت ثقافةً عالميَّةً عامَّةً تتمسَّك بها كثيرٌ من الشعوب، ويظهر ذلك في المظاهر السلوكيَّة والاجتماعيَّة، حتى أضحى العالم كأنَّه الشركة الكبيرة بثقافتها ومنظومتها وإدارتها التقليديَّة المعهودة، وقد أفرز هذا الفكر والثقافة بفضل التكنولوجيا الحديثة مصطلحًا جديدًا تمثَّل في "العلمانيَّة"، هذا المصطلح الذي لا يُمكن أن يتجاهله الفكر التحليلي للواقع المعاصر.
وفي ظلِّ العلمانيَّة تذوب الثقافات، وتُصبح الثقافة الكبرى هي الثقافة المستمدَّة من الأقطاب الكبرى وعلى رأسها أميركا، ولا شكَّ أنَّ هذه الثقافة عملت في العشرين عامًا الأخيرة على تبعيَّة الشعوب للإدارة والفكر والرؤية الأميركيَّة، ولا يُمكن أن نتجاهل نجاحها الذي حقَّقته وما زالت في بلداننا.
وبعيدًا عن تقييمنا لهذه التجربة المعاشة؛ فقد استطاعت هذه الثقافة الرأسماليَّة أن تُقَرِّب بين عشرات من الأمم والشعوب، سواءٌ من باب التجارة أو التكنولوجيا أو من ناحية الفكر والثقافة، فترى عشرات الأمم والشعوب لا ينفكُّون عن مدح التجربة الأميركيَّة، ومحاولة تحقيق هذا الحلم[7].

تصارع الثقافات
وفي ظلِّ هذه القوى الثقافيَّة الكبرى وقدرتها الكبيرة على استقطاب واستجلاب الشعوب فإنَّ الثقافة مشتركٌ خاصٌّ له قدرةٌ كبيرةٌ على تكوين صلاتٍ فكريَّةٍ وسلوكيَّةٍ واجتماعيَّةٍ واقتصاديَّةٍ وسياسيَّة.. بين الأمم والشعوب؛ لذلك لا يُمكن تغافل أو تجاهل الفكرة القائلة بتصارع الثقافات، بل قد يترتَّب على هذا التصارع نُذُر حربٍ أو حروبٍ طاحنةٍ بالفعل.
وما الحرب الباردة التي قامت بين الولايات المتحدة حاملة لواء الفكر الرأسمالي الإمبريالي وبين الاتحاد السوفيتي حامل لواء الفكر الشيوعي الاشتراكي إلَّا أكبر دليلٍ على تصارع الثقافات، ومحاولة نشر الفكر بين أكبر قدرٍ ممكنٍ من البشر، وقد رأينا أنَّه بعد انتهاء الحرب العالميَّة الثانية سعت هاتان القوَّتان إلى نشر أفكارهما، ومحاولة السيطرة على أكبر مساحةٍ ممكنةٍ من العالم، والعمل على ضمِّ أكبر عددٍ من الدول إلى صفوفهما، وأصبح الصراع بين المبادئ التي تُؤمن بها كلٌّ من القوَّتين التي تتحكم في سياستها واقتصادها.
وقد دفع هذا الصراع إلى سباق بين الكتلتين في ميدان التسلُّح -خاصَّةً فيما يتعلَّق بالأسلحة النوويَّة والأقمار الصناعيَّة- وهكذا دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة ممثِّلة المعسكر الغربي، والاتحاد السوفيتي ممثِّل المعسكر الشرقي فيما عُرف بالحرب الباردة، وصرف كلٌّ من المعسكرين ملايين الدولارات لنشر نفوذه العالم، وامتدَّ هذا الصراع وهذه المحاولات لنشر النفوذ إلى مختلف قارات العالم، وبدا أشدَّ خطرًا من الحروب السابقة[8].
وممَّا يلفت الانتباه أنَّ النتائج التي تمخَّضت أثناء هذه الحرب كانت متنوِّعة، ولكن أبرزها تمثَّل في انكفاء كلِّ معسكرٍ على نفسه، عاملًا على زيادة الروابط الثقافيَّة والفكريَّة لكونفيدراليَّته، حتى أصبح الأفراد متشبِّعين بهذه الثقافة أو تلك، وهو ما قوَّى من الرابطة التعارفيَّة فيما بينهم، فكما ظهر حلف الأطلنطي في المعسكر الغربي ظهر حزب وارسو ومن بعده بغداد في المعسكر الشرقي، والحرب دائرةٌ في إفشال قدرةٍ كلٍّ منهما للآخر على استجلاب أو استقطاب أو حتى إخراج العناصر الأساسيَّة من اللعبة.
وعلى كلٍّ فالذي أردتُ التنبيه إليه أنَّ للثقافة -وأقصد بها الفكر الذي يترتَّب عليه سلوك الخاصَّة والعامَّة باتجاهٍ ما- دورها المحوري الكبير في تقارب الشعوب أو حتى تصادمها، وقد مرَّت بنا تجربتان في غاية الأهميَّة لا شكَّ أنَّهما النموذجان اللذين تجمَّعت حولهما الثقافات الإنسانيَّة وارتضته في النصف الثاني من القرن العشرين؛ ومن ثَمَّ كانت هذه الإطلالة -وإن كانت سريعة- مهمَّة من حيث التأكيد على ما استخلصناه من نتائج.
وثمَّة تجربة تدور رحاها هذه الأيَّام لا بُدَّ من التنويه بها والإشارة إليها؛ وهي محاولات العلمانيَّة والإمبرياليَّة الغربيَّة الوقوف أمام الفكر السلفي الإسلامي، والفكر السلفي الإسلامي المعاصر له أنصارٌ ومُؤَيِّدون لا يُمكن أن يتنحوا عنه أو يتركوه؛ ذلك أنَّ له جذورًا لا يُمكن استئصالها، أو حتى مجرَّد التشكيك فيها.
والحقُّ أنَّ تاريخ الفلسفة الغربيَّة لا يخلو من فلاسفة وقفوا أمام السلفيَّة بمعناها العامِّ؛ فقد ورد لفظ "السلفيَّة" صراحةً في كتابات أرنولد توينبي وبعض الفلاسفة الفرنسيِّين في القرن الثامن عشر الميلادي؛ كردِّ فعلٍ لمآسي الثورة الفرنسيَّة وآثارها المدمِّرة على المجتمع والدين والأخلاق، ولكن ظهر المعنى مستورًا في افتراضات أوجست كونت، فإنَّ تقسيمه للمراحل التي مرَّت بها الإنسانيَّة وفقًا لقانون الأحوال الثلاث يحمل مدلول افتراض أنَّ تاريخ العالم يسير قدمًا إلى الأمام، وأنَّ المرحلة القادمة أرقى من الحاليَّة أو السابقة، وبتأثير ذلك الافتراض ظهر اصطلاحات "إنسان القرن العشرين والحادي والعشرين"، والرقِّي المتوقَّع في هذه القرون، وكأنَّ السنوات المقبلة باعتبارها مُعَبِّرة عن المستقبل كفيلة بحلِّ المشكلات، ونجد المدلول ذاته في الفلسفة الماركسيَّة، التي تتوقَّع تحقيق نظامها الاقتصادي والسياسي في المجتمع وفقًا لقانون التناقض الهيجلي، الذي يفترض أنَّ كلَّ ما هو آتٍ متطوِّرٌ عن سلفه.. وهكذا[9].
وقد ترتَّب على هذه الحروب الفكريَّة -التي لم تستطع أن تستأصل شأفة وقوَّة السلفيَّة الإسلاميَّة- أن وقعت الصدامات المسلَّحة، التي نرى آثارها في العراق وأفغانستان والصومال.. فهذه الصدامات والحروب هي في أعماقها حروب ثقافيَّة، كان من الأولى تجنُّبها والابتعاد عنها؛ لأنَّ إقناع الآخر بثقافةٍ مغايرةٍ عن ثقافته بواسطة القهر والعنف والإبادة لا يُمكن أن ينتج عنه شيءٌ ذو قيمةٍ تُذْكَر، اللهمَّ إلَّا ما نراه من قتلٍ وحربٍ ودمار، ومن ثَمَّ فإنَّ الثقافة من أقوى المشتركات الخاصَّة بين الشعوب المقتنعة بها والمعتنقة لها، ومع ذلك فقد تترتَّب عليها حروبٌ طاحنةٌ قد تمتدُّ لأعوامٍ لا يعلم مداها إلَّا الله.
ومع أنَّنا نقول: إنَّ الفكر قد يُوَحِّد عدَّة شعوبٍ داخل كيانٍ كبير، إلَّا أنَّ هذا الفكر من الممكن أن يُفَرِّق عدَّة شعوب داخل الأُمَّة الواحدة، وأبرز مثالٍ على ذلك التيارات الفكريَّة والثقافيَّة داخل الإسلام ذاته، خاصَّةً في العصر الحاضر الذي شهد صراعات وصلت في بعض الأوقات إلى صدامات مسلَّحة بغرض نشر الفكر بالقوَّة؛ ولذلك كان الحوار أحد أهمِّ السبل المؤدِّيَة إلى التقارب، وأنَّ الثقافة الكبرى قد تحوي في طيَّاتها ثقافات متنوِّعة وجب احتواؤها من خلال التحاور والتقارب.

المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.


[1] مجموعة من الباحثين: نظرية الثقافة، ترجمة علي سيد الصاوي، ص9.
[2] مالك بن نبي: مشكلة الثقافة، ص43.
[3] مايكل كاريذرس: لماذا ينفرد الإنسان بالثقافة، ص9.
[4] مجموعة من الباحثين: نظريَّة الثقافة، ص9.
[5] المصدر السابق: الصفحة نفسها.
[6] مجموعة من المؤلفين: النار والجليد، الإمبراطورية الحمراء من المهد إلى اللحد، ص22.
[7] للاستزادة انظر: عبد الوهاب المسيري: العلمانية الجزئيَّة والعلمانيَّة الشاملة.
[8] شوقي الجمل وعبد الله عبد الرازق: تاريخ أوربَّا من النهضة حتى الحرب الباردة، ص303.
[9] مصطفى حلمي: السلفيَّة بين العقيدة الإسلاميَّة والفلسفة الغربيَّة، ص10.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الثقافة .. بين الوحدة والصراع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الوحدة الخامسة
» حل أسئلة الوحدة ص71
» تمرينات على الوحدة الأولى
» منهاج العلوم الحياتية للصف التاسع - الاردن
» خلاصة الوحدة الأولى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المعلم مصطفى دعمس التربوي :: الفئة الأولى :: الملتقى الثقافي-
انتقل الى: