omar
عدد المساهمات : 38 تاريخ التسجيل : 16/11/2010
| موضوع: قواعد نبوية الأربعاء ديسمبر 14, 2011 4:14 am | |
| لا يلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين (1) هذه قاعدة من القواعد النبوية المحكمة في أبواب الأدب التي دلّ عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين" (2). لقد ذكر أهل العلم في ضبط كلمة (يلدغ) وجهين يحسن التنبيه لهما؛ لأثرهما في فهم هذه القاعدة: الوجه الأول: لا يُلدغُ - بضم الغين - على أن (لا) نافية، فيكون هذا على وجه الخبر، ومعناه: أن المؤمن هو الكيّس الحازم، الذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيُخدع مرةً بعد أخرى ولا يفطن، والمراد في أمر الدين.الوجه الثاني: لا يُلدغِ - بكسر الغين - على أن (لا) ناهية، فعلى هذا يكون المعنى: لا يُخْدَعن المؤمنُ، ولا يُقربنّ من ناحية الغفلة، فيقع في مكروهٍ أو شرٍ وهو لا يشعر، وليكن فطناً حذراً، وهذا التأويل يصلح أن يكون لأمر الدين والدنيا" (3). إن هذه القاعدة النبوية "أدبٌ شريف، أدّب به النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمتَه، ونبههم كيف يحذرون ما يخافون سوءَ عاقبته، وهذا الكلام مما لم يُسبق إليه النبي صلى الله عليه وسلم" (4) أي في التعبير عنه، وإلا فمعناه مركوز في الفطر، ومستقر لدى العقلاء - فضلاً عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - ولهذا لما طلب إخوة يوسف -عليه الصلاة والسلام- من أبيهم أن يبعث معهم أخاهم بنيامين، قال لهم يعقوب عليه الصلاة والسلام كلمة هي ترجمة حرفية لهذه القاعدة النبوية: "قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ"[يوسف: 64] وفي خواتيم سورة التوبة، نعى الله على المنافقين عدم اعتبارهم وادكارهم فقال تعالى: "أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ".ولما بوّب البخاري على هذا الحديث أعقبه بقول معاوية رضي الله عنه: (لا حكيم إلا ذو تجربة)، أي: لا تحصل الحِكمة حتى يجرِّب الأمور، ويعثر فيها؛ فيعتبر بها، ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها.ويروى هذا الحرف بلفظ: (لا حليم إلا ذو تجربة) والمعنى: لا يكون حليماً كاملاً إلا من وقع في زلة وحصل منه خطأ؛ فحينئذ يخجل، فينبغي لمن كان كذلك أن يستر من رآه على عيب؛ فيعفو عنه (5).وكما أن هذا المعنى الذي دلَّت عليه هذه القاعدة مطلوبٌ في أمر الدنيا؛ فكذا في أمر الآخرة، فالمؤمن يمتنع من اقتراف السيئات التي تضره مقارفتُها، ثم متى وقع في شيءٍ منها؛ فإنه في الحال يبادر إلى الندم والتوبة والإنابة، ولهذا لما سئل الإمام أَحمد بن حنبل - رحمه الله - عن معنى هذه القاعدة النبوية: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"، نبّه على معنى شريف من أشرف معانيها، وقلّ من ينتبه له: فقال: إن وقع مرة في ذنب فلا يعد فيه (6)ا.هـ. ومن تمام الاعتبار بهذه القاعدة في هذا الباب: أن يحذر غاية الحذر من ذلك السبب الذي أوقعه في الذنب، كحال من أدخل يده في جُحرٍ فلدغته حَيَّة؛ فإنه بعد ذلك لا يكاد يُدخِل يَده في ذلك الجُحر؛ لما أصابه فيه أول مرة.وفي التنصيص على "المؤمن" في هذا الحديث، إشارة إلى أن الإيمان كما يَحمِلُ صاحبَه على فعل الطاعات، ويرغِّبه فيها، ويحزنه لفواتها؛ فكذلك يزجره عن مقارفة السيئات، وإن وقعت بادر إلى النزوع عنها، ولم يَعُد إلى مثل ما وقع فيه.ومن دلالات هذه القاعدة النبوية: الحث على الحزم والكَيْس في جميع الأمور، ومن لوازم ذلك: تعرف الأسباب النافعة ليقوم بها، والأسباب الضارة ليتجنبها.ومن دلالاتها: الحثّ على تجنب أسباب الرِّيب التي يخشى من مقاربتها الوقوع في الشر.ومن دلالاتها: أن الذرائع معتبرة، وقد حذّر اللهُ المؤمنين من العود إلى ما زينه الشيطان من الوقوع في المعاصي، فقال:"يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"[النور:17]؛ ولهذا فإن من ذاق الشر من التائبين تكون كراهته له أعظم، وتحذيره وحذره عنه أبلغ؛ لأنه عرف بالتجربة آثاره القبيحة" (7). وبعد: فإن المؤمن إن لدغ من جهة توبته، ووقع مرةً أخرى في الذنب، فإن ذلك لا ينبغي أن يحمله على الاستمرار، فإن الربّ تواب يحب التوابين، وليعلم أن هذا العودَ للذنب يفتحُ له باباً من أبواب العبودية، والتواضع، والخشوع والذل، والشعور بالضعف والقصور، وفي المقابل: استشعار كمال الله تعالى، وشدة افتقاره إلى ربه، وأن هذا العوْدَ ينبغي أن يورثه رغبةً في كثرة الأعمال الصالحة، ونفرةً قويةً عن السيئات؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" (8). ولهذا تجد التائب الصادق أثبت على الطاعة، وأرغب فيها، وأشد حذراً من الذنب، مِن كثير من الذين لم يبتلوا بذنب، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد، فإنه لما قتل رجلاً بعد أن قال: لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله"؟ أثّر هذا فيه جداً حتى تمنى أنه لم يسلم إلا يومئذ! وبقي هذا الأثر معه إلى أن وقعت الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم، فامتنع أن يقتل أحداً يقول: لا إله إلا الله" (9).وبما سبق يتبين أن الإيمان لا يتفق مع الغفلة، بل يقتضي الحذر والحيطة.وينبغي للمؤمن أن يفرق بين سلامة القلب وبين البله والغفلة، "فسلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعلم به، وهذا بخلاف البله والغفلة؛ فإنها جهل وقلة معرفة، وهذا لا يُحمد؛ إذ هو نقص، وإنما يَحمَد الناسُ من هو كذلك لسلامتهم منه، والكمال أن يكون القلب عارفاً بتفاصيل الشر، سليماً من إرادته، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لست بخِبٍ ولا يخدعني الخِب"، وكان عمر أعقل من أن يُخْدَع، وأورع من أن يَخْدع" (10). ودلّت القاعدة على أن الذين لا يتعظون بالمَثُلات، ولا يستفيدون من التجارب؛ لم يكمل الإيمان بعدُ في نفوسهم، وإن كانوا في أنفسهم صالحين، ولكثير من العبادات محققين، فالمؤمن كيّس فطِن، شيمته الاعتبار بالتجارب.وتتسع دلالات هذه القاعدة النبوية لتشمل الدولة والأمة بأكملها، فإن من علامة توفيق الله للدول والأمة والأئمة والحكام: أن يعتبروا بما مضى من الحوادث والتجارب، التي مرّت بهم أو مرّت بغيرهم، ولهذا كان من لطيف خطابات الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام – لأممهم: تذكيرهم بما جرى لغيرهم، فهذا هود يقول لقومه:"وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ"[الأعراف: 69]، وهذا صالح يذكر قومه: "وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ"[الأعراف: 74]، وتأمل قوله تعالى:"قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ"[آل عمران: 137] وما جاء في معنى هذه الآية الكريمة؛ فإنك تجد من أعظم فوائده وعبره: عدم تكرار الأخطاء، والاعتبار بأسباب هلاك الأمم، وسقوط الدول.ومن دلالات هذه القاعدة: الإرشاد إلى الاستشارة، سواء في أمر الدين أو الدنيا، وسواء على مستوى الفرد أو الأمة؛ فإن الأمور فيها العظيم وفيها الحقير، وفيها الخاص وفيها العام، والخطأ في بعضها ليس كالخطأ في الآخر، والاستشارة تقلل فرصة الخطأ، وإن وقع لم يندم؛ لأنه بذل وسعه وطاقته.وبالجملة.. فهذه القاعدة النبوية الشريفة "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" شاملة لأمر الدين والدنيا، وأمر الفرد والجماعة.اللهم اجعل لنا فيما نقرأ ونسمع ونرى عظة وعبرة، وأيدنا بعونك، وأرشدنا بتوفيقك __________________(1) فيض القدير (6/ 454): وذا من جوامع كلمه التي لم يسبق إليها.(2) البخاري ح(5782)، مسلم ح(2998).(3) ينظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/329)، الآداب الشرعية (1/306).(4) شرح صحيح البخاري لابن بطال: (9/ 307).(5) ينظر: فتح الباري: (10/ 529-530).(6) طبقات الحنابلة: (1/124).(7) بهجة قلوب الأبرار: (ص: 158).(8) مسلم ح(2749)عن أبي هريرة.(9) منهاج السنة النبوية: (2/ 431-432).(10) كتاب الروح (243) . | |
|
وردة الجبل عضو نشيط
عدد المساهمات : 153 تاريخ التسجيل : 20/09/2011
| موضوع: رد: قواعد نبوية الأحد ديسمبر 18, 2011 10:24 pm | |
| | |
|