منتدى المعلم مصطفى دعمس التربوي
منتدى المعلم مصطفى دعمس التربوي
منتدى المعلم مصطفى دعمس التربوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى المعلم مصطفى دعمس - منتدى تربوي شامل
 
الرئيسيةالبوابةالمنشوراتبحـثأحدث الصورالتسجيلدخول
منتدى تربوي شامل للأستاذ مصطفى دعمس
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» شركة تركيب كاميرات مراقبة بالرس
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالأحد مايو 05, 2024 7:02 pm من طرف ثناء مجدى

» ورقة عمل الشهر الثاني للفصل 2
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالثلاثاء أبريل 23, 2024 11:48 pm من طرف مصطفى دعمس

» شركة تنسيق حدائق بعنيزة
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالثلاثاء أبريل 09, 2024 6:41 pm من طرف ثناء مجدى

» شركة مقاولات بالهفوف
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالأربعاء أبريل 03, 2024 4:57 pm من طرف ثناء مجدى

» شركة تنسيق حدائق بالباحة
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالخميس مارس 14, 2024 12:20 am من طرف ثناء مجدى

» شركة تركيب المصاعد بالقصيم
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالجمعة مارس 08, 2024 8:32 pm من طرف ثناء مجدى

» شركة مقاولات بجدة
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالسبت مارس 02, 2024 11:01 pm من طرف ثناء مجدى

» ورقة عمل الوحدة الخامسة
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالإثنين فبراير 26, 2024 11:44 pm من طرف مصطفى دعمس

» كيفية التسجيل في حملة الراجحي المجانية للحج
الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالإثنين فبراير 26, 2024 6:21 pm من طرف gogou

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
منتدى
التبادل الاعلاني

 

 الأخلاق السامية والرقي الإنساني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد العمواسي
عضو نشيط
محمد العمواسي


عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 15/10/2022

الأخلاق السامية والرقي الإنساني Empty
مُساهمةموضوع: الأخلاق السامية والرقي الإنساني   الأخلاق السامية والرقي الإنساني Emptyالأحد أكتوبر 16, 2022 7:30 pm


الأخلاق السامية والرقي الإنساني


إن الأخلاق السامية -أو بتعبير آخر "أخلاق الفضل"- تمثل الجمال الزائد، الذي يجعل الحياة أحلى وأسعد، وهي لهذا أخلاق لم يشترك فيها كل البشر، فبحسب كل قوم منها
الأخلاق السامية والرقي الإنساني
الأخلاق السامية مشترك إنساني:


لعلَّه مما يتفق مع طبيعة البشر وطبيعة الحياة، أن تكون هناك أسسٌ لا ينبغي التهاون فيها، وأن يكون فيها -كذلك- جمال وزخارف وإضافات تُضفي مزيدًا من السحر والحيويَّة والإبداع عليها؛ فلا بُدَّ لكلِّ إنسانٍ من مخٍّ وقلبٍ وأجهزةٍ هضميَّةٍ وعصبيَّةٍ لكي يستمرَّ حيًّا، ولكن مِنَ الساحر أن يكون له فوق ذلك عينان مبصرتان، وأذنان سامعتان، ولسانٌ ذوَّاق، وشَعْرٌ مسترسل، ويدان سليمتان، وساقان قائمتان، وأجمل من هذا أن تكون العينان جميلتين، والشعر ناعمًا، واليدان قويَّتين.. وهكذا.
إنَّ الأخلاق السامية -أو بتعبيرٍ آخر "أخلاق الفضل"- تُمثِّل هذا الجمال الزائد، الذي يجعل الحياة أحلى وأسعد، وهي لهذا أخلاق لم يشترك فيها كلُّ البشر، فبحسب كلِّ قوم منها يكون سحر حضارتهم وخلودها.
وأرى أنَّ الأمَّة الإسلاميَّة هي الأمَّة التي اجتمعت فيها هذه الأخلاق السامية، أو أخلاق الفضل؛ فهي الأمَّة التي صدرت عن آخر وحيٍ من السماء إلى الأرض، فكانت بهذا خاتمة الأمم، وكان منهجها آخر حجرٍ في بناء الكمال، وإنَّ هذا ما يُعَبِّر عنه الحديث الشريف؛ إذ يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ"[1]. فكأنَّ الرسالة التي خطَّتْ مجراها في تاريخ الحياة، وبذل صاحبها جهدًا كبيرًا في مدِّ شُعاعها، وجمع الناس حولها لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم، وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم؛ حتى يسعوا إليها على بصيرة[2].
وانطلاقًا من هذا أقول: إنَّ الرؤية الإسلاميَّة تعترف بوجود أخلاقٍ كريمةٍ عند السابقين من الأمم. فنحن نعترف بنبوَّات الرسل السابقين أجمعين، وهؤلاء لهم جهودهم وآثارهم الكريمة في غرس وتنمية الأخلاق الإنسانيَّة، ثُمَّ يأتي الإسلام فيسعى نحو "إتمام" و"تكميل" ما وُجد من مكارم الأخلاق؛ ولهذا فإنَّنا سنجد أنَّ الأمَّة الإسلاميَّة ذات اشتراك مع كلِّ أمَّةٍ من الأمم في خُلقٍ واحدٍ على الأقل؛ إذ لا تخلو أمَّةٌ من خُلقٍ كريمٍ واحدٍ على الأقل، وذلك الخلق الكريم هو من صميم الرسالة الإسلاميَّة، ثُمَّ سنجد دائرةً تتسع وتضيق بين الأمَّة الإسلاميَّة وغيرها من الأمم في هذه الأخلاق السامية -أخلاق الفضل- بحسب ما عند تلك الأمَّة من هذه الأخلاق.
كذلك لن تعدم أُمَّتان أن تشتركا في شيءٍ من الأخلاق الفاضلة، وأن تُمَثِّل لديهما هذه المساحة من الاشتراك بالإضافة إلى مساحة الأخلاق الأساسيَّة مجالًا للتعاون والتفاهم والحوار والإثمار، فما دام وُجد الإنسان فقد وُجد في الأمَّة حُبُّ الارتقاء والسموِّ والإعجاب بالجمال الإنساني، الذي تُمَثِّله أخلاق الفضل هذه.
وعلى العكس بالنسبة إلى لأخلاق الأساسيَّة، فإنَّنا لن نستطيع هنا حصر الأخلاق السامية؛ لأنَّها بابٌ واسعٌ وجمالٌ ممتدٌّ فسيح، ومن ذا الذي يجمع الجمال في نقاط، أو يحبسه في وصفٍ من ألفاظٍ وعباراتٍ بكلماتٍ وحروف؟! إنَّنا هنا نفتح الباب الواسع أمام الأمم جميعًا لتنظر في أخلاقها وفي أخلاق الأمم المنتشرة على هذه الأرض، ثُمَّ تلتقط مناطق التوافقات فتبني عليها التفاهمات وأشكال التعاون المتبادل.


خصوصيَّات الأديان:

في إطار الحديث عن الأخلاق ثمَّة خصوصيَّة تبدو واضحة؛ ذلك أنَّ النظام الأخلاقي في الأديان هو نظامٌ نازلٌ من السماء من عند الإله الحكيم الخبير، خالق هذا الكون والأعلم بتفاصيله، والأقدر على صياغة النظام الذي يُصلحه، كما أنَّه هو الذي يُراقب ويُحاسب، ثُمَّ هو يوم القيامة يُجازي بالثواب والعقاب على اتِّبَاع وتنفيذ هذا النظام الأخلاقي؛ فهو بهذا نظام متجاوِزٌ للمصلحة والمنفعة، وأقوى من سطوة العادات والتقاليد والأعراف، وهو نظامٌ مطلَقٌ لا يتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان، والأخلاق فيه تتمتَّع بالثبات والسمو، وتُكسى بثوب الترغيب.
وفي ظلِّ وجود فكرة الآخرة نرى أخلاق الزهد في الدنيا والتسامح والعفو والإحسان إلى الناس -خاصَّةً الفقراء والمحتاجين والضعفاء- وأمثالها من الأخلاق التي يُثمرها الإيمان بالآخرة، ونراها في غاية القوَّة في الإسلام والمسيحيَّة على وجه الخصوص.
إنَّنا نقرأ في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تدعو إلى الزهد في الدنيا، وعدم التعلُّق بها، نجد هذا في قوله تعالى: (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ) [آل عمران: 153]. وفي قوله U: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) [الحديد: 23]. وفي قوله Y: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 28]. وكذلك قوله سبحانه وتعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 16، 17].
وممَّا يترتَّب على هذا الزهد اختفاء التحاسد وتمنِّي ما في يد الآخرين، قال سبحانه وتعالى: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 131]. وقال U: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: 54].
وقريبًا هذا المعنى ما جاء في الكتاب المقدَّس، ورد في سِفْر الخروج من العهد القديم: "لا تَشْتَهِ بيتَ قريبك. لا تَشْتَهِ امرأةَ قريبك ولا عبده ولا أمته، ولا ثوره ولا حماره، ولا شيئًا ممَّا لقريبك"[3].
وحين جاء شاب إلى المسيح عليه السلام وقد حفظ الوصايا؛ ليسأله ماذا بعد حفظ الوصايا، أجابه قائلًا: "إن أردت أن تكون كاملًا، فاذهب وبع أملاكك وأعطِ الفقراء فيكون لك كنزٌ في السماء، وتعال اتبعني"[4]. فلمَّا مضى الشاب الغني حزينًا لهذه الإجابة قال المسيح عليه السلام لتلاميذه: "الحقُّ أقول لكم: إنَّه يعسر أن يدخل غنيٌّ إلى ملكوت السموات. وأقول لكم -أيضًا-: إنَّ مرور جملٍ من ثقب إبرةٍ أيسر من أن يدخل غنيٌّ إلى ملكوت الله"[5].
والمسيحيَّة كلُّها قائمةٌ على فكرة الزهد في ملكوت الأرض والتطلُّع إلى ملكوت السماء، ويُمثِّل المسيح عليه السلام هذه الصورة النموذجيَّة في الزهد التامِّ، كما أنَّ الرهبانيَّة المسيحيَّة تُمثِّل الصورة الأخيرة من التيارات التي تقوم على الزهد الكامل في الدنيا، وهي ترتكز على أسسٍ أربعة: البتوليَّة، الوِحدة، التجرُّد، الطاعة[6]، وعلى الرغم من هذه الأسس التي تتحدَّى أقوى الغرائز البشرية فإنَّ تيار الرهبنة بفعل كونه "عقيدة دينيَّة" ما يزال تيارًا قويًّا ومنتشرًا على مساحةٍ واسعةٍ بين المسيحيِّين.
ولا يمنع هذا بطبيعة الحال أن تُوجد مثل هذه الصفات -صفات الزهد والتسامح والعفو- في أممٍ أخرى، أو عند فلسفاتٍ أخرى، حتى وإن لم يكن الإيمان بالآخرة موجودًا فيها، لكنَّها بالقطع لا تُوجد بمثل هذه القوَّة والاضطراد والتأثير؛ إنَّ الأمر لا يعدو أن يكون بعض أفراد حكماء ومعهم بعض أتباعهم، الذين لا يبلغون -في أحسن الأحوال- إلَّا أن يكونوا طائفةً صغيرة، ويُمكن لصفات الزهد والتسامح والعفو أن تُوجد لغرض تجميل الحياة، أو تحقيق السعادة، أو الفوز بالرضا النفسي والصفاء الروحي.. وغيرها من الغايات؛ فاختلاف الغايات هو ما يُميِّز بين الأديان السماويَّة وبين غيرها من الأديان والفلسفات.
لكنَّ الشاهد الذي أقصده بالتحديد هو أنَّ الأديان السماويَّة، ومعها الأمم التي تُؤمن بصفات الزهد والتسامح، لا سيَّما البوذيَّة وبعض ديانات الهند وشرق آسيا، هذه الأمم تتَّسع فيما بينها مساحاتُ التوافق والتفاهم؛ ومن ثَمَّ التعاون والبناء.
أمَّا ما تتفرَّد به الأديان في المجال الأخلاقي، ويُمَثِّل دائرة أشدَّ خصوصية فيما بينها، فهو أنَّ هذه الأخلاق -التي يُغَذِّيها الإيمان- تدور حول الإله، أو بتعبيرٍ آخرٍ يُشترط فيها "الإخلاص لله"، فالمؤمن يتحلَّى بهذه الأخلاق لا لشيءٍ على الإطلاق إلَّا لأنَّ الله أمره بهذا، وهو حذَّر دائمًا من أن يختلط بهذا غرضٌ آخر غير أن يقصد بهذا العمل إرضاء الله سبحانه وتعالى.
ففي الإسلام لا معنى لأن تُعطي الفقير ما يحتاجه من المال إذا أنت فعلتَ ذلك وفي داخلك رغبةٌ في أن يراك الناس تفعل هذا؛ إنَّ هذا يُضيع الأجر عند الله، كما أنَّه لا أجر من الله سبحانه وتعالى إذا أخرجتَ من مالك ثُمَّ أعقبت هذا بكلمة تَفَضُّل تجرح شعور الفقير؛ يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) [البقرة: 264]. ووصف القرآن المنفق الذي لا يفعل هذا لوجه الله U بوصف في غاية البشاعة، أنَّه "قرين الشيطان"؛ قال Y: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) [النساء: 38].
بل لا معنى لأن تُجاهد وتبذل رُوحك ودماءك إن لم يكن لأجل الله وحده؛ فقد جاء رجل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قال: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ"[7].
والرياء في نظر الإسلام خُلق في غاية الخطورة؛ إذ تعتبره الشريعة نوعًا من أنواع الشرك بالله U؛ ففي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"[8].
ولقد تكرَّرت إدانة الرياء في الكتاب المقدس، لا سيَّما في العهد الجديد، ففي إنجيل متى: "ويلٌ لكم أيُّها الكتبة وَالْفَرِّيسِيُّونَ المراءون! لأنَّكم تُشبهون قبورًا مُبَيَّضَةً، تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظامَ أموات وكلَّ نجاسة. هكذا أنتم -أيضًا-: من خارج تَظهرون للناس أبرارًا؛ ولكنَّكم من داخل مشحونون رياءً وإثمًا"[9].
وجاء في رسالة بولس إلى أهل روميَّة: "المحبَّة فلتكن بلا رياء، كونوا كارهين الشرَّ ملتصقين بالخير"[10]. والمعنى نفسه نراه في رسالته الثانية لأهل كورنثوس: "في طهارة في علم في أناة في لطف في الروح القدس في محبَّةٍ بلا رياء"[11]. وكذا في رسالة بطرس الأولى: "طهِّروا نفوسكم في طاعة الحقِّ بالروح للمحبَّة الأخويَّة العديمة الرياء، فأحبُّوا بعضكم بعضًا من قلبٍ طاهرٍ بشدَّة"[12].
ومن السمات المميِّزة -أيضًا- التي وُجدت في الشرائع الثلاثة -شريعة موسى، وشريعة عيسى، وشريعة محمَّد عليهم السلام- هو التأسيس للعدل ثُمَّ الدعوة إلى الفضل، وفي هذا فهمٌ عميقٌ للطبيعة البشريَّة، التي تحتاج إلى العدل بشكلٍ أساسيٍّ ضروري، ثُمَّ هي قابلةٌ للسموِّ إلى الفضل ومَدْعُوَّة إلى ذلك، فلا يُجبر أحد على السموِّ إلى منزلة الفضل وترك الحقِّ، ولا يُلام مَنْ ترك العدل إلى الفضل، وفي القرآن الكريم قال سبحانه وتعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40].
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "الشرائع ثلاثة: شريعة عدل فقط، وشريعة فضل فقط، وشريعة تجمع العدل والفضل؛ فتُوجب العدل وتندب إلى الفضل، وهذه أكمل الشرائع الثلاث، وهي شريعة القرآن، الذي جُمع فيه بين العدل والفضل، مع أنَّا لا نُنكر أن يكون موسى عليه السلام أوجب العدل وندب إلى الفضل، وكذلك المسيح عليه السلام -أيضًا- أوجب العدل وندب إلى الفضل، وأمَّا مَنْ يقول: إنَّ المسيح عليه السلام أوجب الفضل، وحرَّم على كلِّ مظلومٍ أن يقتصَّ من ظالمه، أو أنَّ موسى عليه السلام لم يندب إلى الإحسان. فهذا فيه غضاضة بشريعة المرسلين، لكن قد يُقال: إنَّ ذِكْرَ العدل في التوراة أكثر، وذِكْرَ الفضل في الإنجيل أكثر، والقرآن جمع بينهما على غاية الكمال"[13].


ما الأخلاق السامية؟

هناك الكثير من الأخلاق السامية، أخلاق الفضل، التي تجعل الحياة حياةً إنسانيَّةً راقية، وقد اخترنا على سبيل المثال أخلاق: الإحسان، والعفة، والعفو، والذوق.
وهي مجرَّد نماذج أحب أن أُقَدِّمها في إطار شرح المراد من الفكرة، والفكرة -لمرَّةٍ أخرى- هي تلك المساحة القائمة بين الإنسانيَّة من المشتركات الأخلاقيَّة، التي إذا وُضِعت في بُؤْرة الاهتمام لاستطاعت الإنسانيَّة أن تبني آفاقًا واسعةً من التفاهم والتعاون والتنافس الخلَّاق، غير أنَّ أخلاق الفضل أو الأخلاق السامية كثيرةٌ جدًّا، وهي تُمَثِّل كمًّا إضافيًّا بين العديد من الأمم فوق القاعدة الأولى التي تُمَثِّلها الأخلاق الأساسيَّة.
لا بُدَّ لكلِّ أُمَّتَيْنِ ولكلِّ مجموعةٍ من الأمم أن تنظر فيما بينها إلى هذه المشتركات الأخلاقيَّة، وحينها ستكتشف الأمم أنَّ تاريخها وقيمها وأخلاقها تدفعها إلى مستوًى أعلى من السلوك الإنساني الجميل، غير هذا السلوك القائم في عالم اليوم بمراحل كبيرة.

المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.

[1] الحاكم (4221) عن أبي هريرة، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والبيهقي: السنن الكبرى (20571)، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (45).
[2] محمد الغزالي: خلق المسلم، ص7.
[3] سفر الخروج 20/17.
[4] إنجيل متى 19/21، وإنجيل مرقس 10/21، وإنجيل لوقا 18/22.
[5] إنجيل متى 19/23، 24، وإنجيل مرقس 10/23-25، وإنجيل لوقا 18/24، 25.
[6] الأنبا يؤانس: مذكرات في الرهبنة المسيحية، ص14.
[7] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (2655) عن أبي موسى الأشعري، ومسلم: كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (1904).
[8] مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله (2985) عن أبي هريرة، وابن ماجه (4202)، وأحمد (7986)، وابن حبان (395).
[9] إنجيل متى 23/27، 28.
[10] رسالة بولس إلى أهل رومة 12/9.
[11] رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 6/6.
[12] رسالة بطرس الأولى 1/22.
[13] ابن تيمية: الجواب الصحيح 5/58، 59.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأخلاق السامية والرقي الإنساني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجانب الإنساني في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المعلم مصطفى دعمس التربوي :: الفئة الأولى :: الملتقى الثقافي-
انتقل الى: