استراتيجيات الإبداع الجاد
ومن المميزات الرئيسة لنظرية الإبداع الجاد إنها تتضمن مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن توظيفها لتنمية مهارات الإبداع الجاد ومن هذه الاستراتيجيات :
أولاً : إستراتيجية التركيز Focus Strategy
التركيز هو أقصى درجات الانتباه ، وهو القدرة على تجاهل كل ما يشتت الفكر ومتابعة الأمور المهمة فقط ، والتركيز عكس التشتت ، وهي عملية ليست سهلة نظراً لوجود مشتتات عديدة حول الإنسان سواء من المحيطين به أو من مؤثرات بيئية بمختلف أنواعها .
كما يعرف التركيز بأنه الطريقة التي يستطيع من خلالها الفرد أن يقرر وبشكل دقيق ما الذي يفكر فيه بالضبط في هذه اللحظة .
التركيز جزء هام جداً في الإبداع ، وهو جزء أكثر أهمية مما يظن كثير من الناس ، أن البحث عن نقاط التركيز غير المعهودة وغير الملحوظة هو أسلوب إبداعي
كما وضعت الجمعية الأمريكية لتطوير المناهج والتعليم مهارات التركيز ضمن مهارات التفكير الأساسية التي يمكن تعليمها وتعزيزها في المدرسة
والتركيز نقطة البداية لأية جلسة تفكير إبداعي بهدف توليد أفكار جديدة , والتركيز نوعان : النوع الأول هو التركيز على مناطق أو مجالات عامة , ويستخدم عندما لا نعرف المشكلة أو الهدف , لكن ببساطة نبحث عن أفكار في مجال واسع , أما النوع الثاني من التركيز فهو التركيز الهادف , الذي يكون محدداً من خلال الهدف الذي ستعمل على تحقيقه, أو المشكلة التي سيعمل على حلها بشيء من التجديد . يرى دي بونو أن المبدعين يقدموا أفكاراً جديدة لكل المشكلات ما عدا المشكلة التي طلب منهم التفكير فيها ؛ وذلك لان التركيز كان بطريقة غير دقيقة ومؤكدة عندما تعاملوا مع الإبداع ؛ لذلك يعطى الإبداع أحياناً اسماً سيئاً ؛ لان المبدعين لا يركزون انتباههم على المشكلة التي طلب إليهم القيام بإيجاد حلول لها . أورد دي بونو ثلاثة احتمالات لأنواع الانضباط في إستراتيجية التركيز هي :
1.انضباط التركيز Discipline of Focus
بمعنى أن تكون واضحاً جداً بما تقوم به أثناء لحظة التفكير ، وبالتالي تحصل على النتيجة التي تريدها من خلال ضبط التركيز.
2.انضباط الطريقة Discipline of method
ويشير ضبط الطريقة إلى المعرفة المنضبطة لما نحاول القيام به في أية لحظة ، وبالتالي تمثل الطريقة الإجراء الذي نتبعه أثناء التركيز ، ومن ثم تكون مجموعة الخطوات والإجراءات التي نقوم بها .
3.انضباط الوقت Discipline of Time
ويشير هذا الاحتمال من الانضباط إلى وضع وقت محدد ، والعمل من خلال ذلك الوقت ، وهذا يعني أن انضباط الوقت يجعلك تركز فيما تقوم به من عمل
أن ضيق الوقت يعوق عملية الإبداع ويقطعها ، ولكن الوقت بحد ذاته لا يزيد من القدرة على الإبداع ، فالوقت يزيد من إمكانية حدوث الإبداع فقط بطريق الصدفة
ثانياً : إستراتيجية الدخول العشوائي Random Entry
إستراتيجية الدخول العشوائي هي أداة لإنتاج أفكار جديدة حول المشكلة ، وذلك بالإظهار المتعمد لأفكار عشوائية وغير مترابطة
عادة ما نفكر بأفكار تقليدية مستقاة من خبراتنا السابقة عند مواجهة مشكلة ما ، من هنا تأتي هذه الإستراتيجية لاستخدام كلمة عشوائية غير مرتبطة بالموقف وبطريقة مقصودة لتفتح لنا باب أمام أفكار جديدة
تعمل هذه التقنية لمواجهة التصور الذاتي النفسي الذي يعمل على إبقاء الفرد "داخل الصندوق" الذي يمثل ادراكاته وافتراضاته ، وأنماطه الفكرية ، بما يدفع ذلك الفرد للقيام بالمزيد من المحاولات العشوائية لحل مشكلة .
يعتقد دي بونو "الكلمة العشوائية " هو أن الكلمة ليس لها ارتباطات خاصة . إنها تقترح علينا نقطة بداية جديدة ، تزيد من فرص الوصول إلى طريق لم نكن لنصله لو فكرنا بالموضوع بطريقة مباشرة
يعرّف دي بونو "إستراتيجية الدخول العشوائي" هي نوع من التركيز المبدع نلجأ إليه عندما نكون بحاجة إلى توليد أفكار جديدة , ونختار كلمة بشكل عشوائي من بين الأفكار المطروحة للمناقشة .
أما المواقف التي يمكن أن تُستخدم فيها إستراتيجية الدخول العشوائي والتي تسمى أحيانا إستراتيجية الكلمة العشوائية (Random Word) فهي استخدام خاص في المواقف آلاتية :
1.الركود Stagnant
عندما يفكر الإنسان مرات عديدة حول الموضوع نفسه فمن الممكن أن تنفذ الأفكار منه ، فيكون في حالة من تكرار الأفكار بأشكال مختلفة قليلاً ، عندئذ يكون استخدام إستراتيجية الدخول العشوائي مفيداً في إيجاد أفكار بديلة .
2.الإبداع السريع Quick Creativity
إن إستراتيجية الدخول العشوائي هي الأسرع والأبسط من بين استراتيجيات الإبداع الجاد ، فعندما يتطلب الأمر توليد بعض الأفكار الجديدة وسط اجتماع ما مثلاً عندها يمكن تقديم الكلمة العشوائية .
3.المنتجات والخدمات Products and Services
من المحتمل أن تكون إستراتيجية الدخول العشوائي اقل فائدة من بعض الاستراتيجيات في تغيير الأنظمة ، أو الإتيان بتحسينات ، ولكن هذه الإستراتيجية تكون فعالة جداً في تقديم الأفكار لمنتجات أو خدمات جديدة.
4.اعتبارات جديدة بشكل كلي Totally new Considerations
إن تم استخدام إستراتيجية الدخول العشوائي بشكل ماهر ، فيمكن لهذه الإستراتيجية أن تفتح اعتبارات جديدة بشكل كلي ، والتي لم تكن أبدا قيد الاعتبار من ذي قبل ، فقد تقود أو لا تقود إلى أفكار جديدة نافعة
يعتقد دي بونو أن هذه الإستراتيجية هي الأسهل من بين كل الاستراتيجيات الإبداعية
ثالثاً : إستراتيجية البدائل Alternatives Strategy
يعتقد دي بونو أن أساس العملية الإبداعية هو البحث عن بدائل إذ يعرّف الإبداع أحياناً انه البحث عن البدائل .
ان فكرة البدائل تفيدنا بأن هناك أكثر من طريقة لعمل شيء ما ، والنظر الى الامور .أن الاعتراف بامكانية وجود بدائل والبحث عنها امر اساسي في التفكير الابداعي . وفي الحقيقة أن أساليب التفكير الابداعي المتعددة تهدف الى التوصل الى بدائل جديدة لحل المشاكل التي تواجهنا
وإن جوهر الدافعية الإبداعية هو الاعتقاد بان هناك طرقاً أخرى لعمل الأشياء ، وان الطريقة الحالية ليست الوحيدة لعمل هذا الشيء . وغياب الدافعية الإبداعية هو الاعتقاد بان الطريقة الحالية لعمل الأشياء هي أفضل طريقة ، أو الطريقة الوحيدة . ويعتقد دي بونو إن البحث الإبداعي عن البدائل لا يتم إلا بوجود ثلاثة شروط : امتلاك القدرة على توليد البدائل ، واتخاذ القرار فيما يتعلق بالتركيز على بديل واحد أو أكثر من دون البدائل الأخرى، ووجود الرغبة في البحث عن البدائل .
يرى دي بونو أن هناك مجموعة من الدوافع التي تدفع الفرد للبحث عن بدائل ، يمكن إجمالها في النقاط آلاتية :
1. الحاجة الواضحة Obvious Need
عند البدء في حل مشكلة ما ، فانك تحتاج إلى اخذ الأساليب البديلة بالاعتبار ويمكن أن تسعى إلى البحث عن تعريفات بديلة للمشكلة نفسها ، وعندما تحاول الوصول إلى بعض الأهداف أو تنفيذ بعض المهام فانك سوف تحتاج إلى بدائل .
2. المزيد من البدائل More Alternatives
غالباً ما يقال أن الجيد هو عدو الأفضل : وهذا يعني انه عند الحصول على بديل جيد نقف ولا نبحث عن مزيد من البدائل . إننا بحاجة إلى البحث عن مزيد من البدائل لإيجاد الأفضل .
التحسين Improvement
عندما تعتقد انه يوجد طريقة أفضل لحل مشكلة ، عندئذ تسعى إلى طريقة بديلة لتنفيذ هذه العملية أو حل هذه المشكلة ، ومفهوم الأفضل قد يعني اقل كلفة أو أكثر بساطة أو أسرع أو اقل أخطاء ، لذا يمكن ببساطة البحث عن طرق بديلة لتنفيذ العملية أو حل المشكلة ، ومن ثم تفحص هذه البدائل لنرى ما هي الفوائد التي نجنيها .
رابعاً : إستراتيجية التحدي Challenge Strategy
تقوم أساساً هذه الإستراتيجية على رفض التسليم بكل الأفكار التقليدية ، كما ترمي للنظر لتلك الأفكار بعين ناقدة قادرة على إيجاد بدائل للمفاهيم والأفكار التي اعتاد الناس عليها . هذه الإستراتيجية تجعل الفرد أكثر حساسية تجاه المسلمات والحقائق ، وتدفعه إلى الفحص والتحدي للإتيان بما هو أفضل
يذكر دي بونو أن التحدي الإبداعي يختلف تماماً عن التحدي ألانتقادي . لان التحدي ألانتقادي يعمل على إعداد تقييم للوضع ومعرفة أن كانت الطريقة التي يتم العمل بها ملائمة أم لا ، أي أن التحدي ألانتقادي هو تحد تحكيم . أما التحدي الإبداعي فهو لا يقوم على الانتقاد ، والحُكم ، وتصيد الأخطاء ، بل يعمل خارج نطاق التحكيم ، أي هو تحدي الفردية
قد تكون إستراتيجية التحدي هي الأساس المهم في كل عمليات الإبداع ، دون تحد نكون راضين عن الأشياء كما هي ، وبالتالي لا نحاول القيام بتحسين الأشياء أو تغييرها . ويرى دي بونو أن هناك عدداً من الافتراضات الأساسية تقودنا للاعتقاد بان الطريقة الحالية يجب أن تكون الأفضل ، وهذه الافتراضات هي :
1. أن جميع أنواع البدائل اختيرت وان أفضلها قد تم اختياره .
2. أن عدداً من الطرق المختلفة قد تشترك في المنافسة على الحل ، والطريق الفائز هو الذي نستخدمه.
3. أن كان هناك طريق فانه قد يكون وجد من قبل .
4. أن الطريق الحالي تطور عبر الزمن ؛ ولذلك فهو الأفضل .
5. أن أية طريقة جديدة هي مجازفة كبرى ، بينما الطريقة الحالية معروف كيفية العمل بها .
بالتحدي نعتقد أن الطريقة الحالية لعمل الأشياء ليس بالضرورة الأفضل كونها : حددت بسلسلة معينة من الخبرة ؛ إذ تستطيع الآن أن تضع الخبرة مع بعضها في طرق مختلفة ، أو كونها الطريقة الأفضل في وقتها ، لكن اليوم تطورت التكنولوجيا وتغيرت الحاجات ، أو كونها ثبتت ولم يقم احد بتحديها ، إذ قد تكون هناك طريقة أفضل منها بكثير .
وبشكل عام عدم الرضا أساس الاتجاه الإبداعي هذا الشعور بأن (( ما هو مناسب يعتبر غير مناسب )) ينجم لعدة أسباب : الشعور بالأناقة والروعة وحُب الجمال ، التدريب أو العادات العقلية . وان عدم الاقتناع قد ينتج أيضاً عن أسباب عاطفية أو لحاجة لتكوين شخصية الفرد التي لها أفكارها الخاصة بها
وهناك علاقة وثيقة بين التحدي والبدائل ، فبالتحدي عادة نتلمس البدائل ، كما أن هناك علاقة بين التحدي ونقطة التركيز ، لأننا نستطيع أن نتحدى أي شيء ، كما انه من الضروري أن ندرك أن التحدي ليس هجوماً أو انتقاداً .
خامساً : إستراتيجية الحصاد Harvesting Strategy
أن بعض الناس في دورة التفكير الإبداعي يخرجون بنتائج ضئيلة ؛ لأنه في نهاية جلسة التفكير الإبداعي عادة تؤخذ فقط الأفكار المحددة والتي تبدو عملية وذات قيمة ومعنى ، لكن هذا فقط جزء من النتاج الحقيقي للإبداع ، وفي الوقت نفسه يمكننا أن نصبح أكثر مهارة وملاحظة للأفكار الجديدة ، والمفاهيم الجديدة التي تظهر ، فعندما تبدأ بالحصاد يكون مهماً أن تمتلك أفكاراً واضحة لما تم التدرب عليه في الجلسة الإبداعية
إستراتيجية الحصاد هي عبارة عن الجهد المتعمد الذي يقوم به الطلبة وذلك من أجل تخمين ما الذي استفدناه من المناقشة والتفكير .
كما تعرف هي طريقة متعمدة ومقصودة نحاول من خلالها أن نجمع النواتج الإبداعية التي ظهرت خلال الجلسة الإبداعية ؛ بحيث نتمكن من تصنيف الجهد الإبداعي ، ومن الأدوات التي تستعمل في إستراتيجية الحصاد ما يأتي :
قائمة الحصاد Harvesting Checklist
البنود أو الفقرات القائمة هي نوافذ للنظر من خلالها على نواتج الإبداع ، ونحن ننظر من خلال نافذة محددة ، ونضع ما نراه من خلال هذه النوافذ :
1. الأفكار المحددة Specific Ideas
هذه نافذة الأفكار التي تبدو ذات قيمة وعملية ومفيدة ، وهذا ربما هو الذي يبحث عنه في التفكير الإبداعي الجاد .
2. طلائع ( بدايات ) الأفكار Beginnings of Ideas
عبر هذه النافذة تُرى طلائع أو بدايات الأفكار ، سواء كانت جيدة أم سيئة ، إذ إن الأفكار نادرة الاستعمال هي أفكار مرغوبة ، مثل الأفكار غير القابلة للاستخدام ، لكن أحياناً تبدو مثيرة ، أو غير عادية ، أو قيّمة ، ونحن ندون هذه الأفكار .
3. المفاهيم Concepts
ربما تظهر المفاهيم مباشرة ، وعلى الرغم من ذلك نادراً ما نستطيع وضع عنوان للتقدم الإبداعي ، وفي عملية التذكر عادة من السهل استخراج الأفكار التي استُخدمت ، وكذلك الجهد المبذول في استخراج الأفكار التي تكون خلف الأفكار التي وضعت في العنوان ، إذ من المحتمل استخراج عدة أفكار من فكرة واحدة ، فالأفكار مهمة جداً ؛ لأن إحدى هذه الأفكار قد تكون مهمة ، ثم من الممكن – عادة – أن نجد طريقة بديلة لجعل هذه الأفكار قابلة للتطبيق .
4. المناحي Approaches
المنحى هو طريقة واسعة للنظر إلى المشكلة أو الموقع ، ويمكن أن ندعوها قاعدة للأفكار ، أو الإرادة ، وفي النهاية يجب أن نعمل قائمة مختلفة للمناحي التي اقترحت أو استُعملت ، وللتعامل مع هذه الأفكار من الضروري تدوينها عند ذكرها مباشرة كي لا تضيع .
5. التغيرات Changes
التغيير من الملاحظات الجديرة بالاهتمام ، هذا التغيير قد يكون في الاتجاه أو في المفاهيم وقد يكون التغيير في كيفية النظر للأشياء ، وأحياناً يحدث التغيير بشكل مفاجئ ، وفي أحيان أُخرى يحدث تدريجياً ، حتى أن الناس يشاركون بشكل غير واعٍ في كيفية التغيير الضخم الذي يحدث .
6. النكهة Flavor
الصفة المميزة لجلسة التفكير الإبداعي تعود بشكل عام إلى جوهر الأفكار ، في بعض الجلسات يغلب عليها بشكل واضح الصفة المميزة ( النكهة ) للإبداع ، وتنبع القيمة المميزة للأفكار من الملاحظة التي تساعد على اكتساب صفة أخرى للتفكير الإبداعي .
نلاحظ مما سبق إن إستراتيجية الحصاد هي طريقة منضبطة لتصنيف المخرجات ( النواتج ) الإبداعية إلى فئات معينة