رئيس الوزراء التركي يتحول يوما بعد يوم إلى بطل في عيون العرب والمسلمين ، فهو لم يكتف فقط بفضح إسرائيل خلال عدوانها البربري على غزة ، وإنما حاول أيضا التصدي لادعاءاتها بعد وقف إطلاق النار، فخلال منتدى دافوس الاقتصادي وعلى مرأى ومسمع العالم كله وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، انسحب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوجان من قاعة المؤتمر، احتجاجا على قيام المنظمين بمنعه من التعليق على مزاعم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بشأن غزة.
والأمر المثير للإعجاب والتقدير أيضا أن انسحابه جاء بعد أن قاطع بيريز أكثر من مرة، وخاصة عندما خاطبه الرئيس الإسرائيلي، قائلا :" ماذا تفعل تركيا إذا قصفت بعشرات الصواريخ ، حماس لم تترك لنا الخيار"، ورد أردوجان الذي أغضبه تصفيق عدد من الحضور لمزاعم بيريز" إسرائيل هم أدرى الناس بالقتل، قبل إطلاق الصواريخ، قتلتم الأطفال على شاطئ غزة دون أي ذنب". وتابع" من المحزن أن يصفق الحضور لأناس قتلوا الأطفال ولعملية عسكرية أسفرت عن مقتل آلاف الأبرياء، ليس هناك مبرر لقتل المدنيين بشكل عشوائي"، وخاطب بيريز مجددا" رئيس حكومة إسرائيل تحدث أكثر من مرة أنه يشعر بالرضا لقتل أطفال غزة".
وقبل مغادرته، توجه للمنظمين بالقول:" بيريز تحدث 25 دقيقة وأنا لم أعط الفرصة لأتحدث نصف هذه المدة، ولذا سأغادر ولا أعتقد أنني سأعود إلى دافوس" ، وصفق عمرو موسي له بحرارة وقام بمصافحته بقوة وهو يغادر وكان يفكر هو الآخر في المغادرة إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أقنعه بالجلوس. وبعد مغادرته المؤتمر، عقد أردوجان مؤتمرا صحافيا مختصرا، قال خلاله إن ما قاله بيريز غير صحيح ولدينا كل الحقائق، وبعد ذلك أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن بيريز اعتذر لأردوجان خلال اتصال هاتفي.
هذا كان مقدمة مقالتي في جريدة الغد الأردنية العام الماضي بعنوان ( اردوغان رجل.. ليس من هذا الزمان ) وهاهو التاريخ يعيد نفسه لهذا الرجل أزاء مواقفه الرجولية في زمن الثورات العربية التي تشهده منطقتنا العربية وكأن أنه زمن جديد لصناعة تاريخ جديد في ظل التحولات والمشاهد غير المألوفة لواقعنا العربي في السابق فعلى سبيل المثال ما نلاحظه في المشهد السوري من الدماء الحرة ، الطاهرة ، الزكية التي تتدفق اليوم في ميادين الحرية والتغيير، تروي شجرة الكرامة ، تنساب لتسقي بستان المستقبل الزاهر، تغسل أدران الطغيان ، تندفع كالطوفان يهدم أسوار الاستبداد ، هي العسجد الثمين بل أغلى ، وهي الزبرجد الزاهي بل أجلى، نجوم ساطعة تتلألأ فتبدد ليل الظلم الحالك ، دماء حَرّى تنداح لترسم ملحمة النضال لشعب قرر أن يحطم أغلال الذل والهوان ، يرتقي نحو المجد ، ليعيش رافع الهامة ،ويرفع شعار نعم للكرامة وليسقط النظام.
وكلنا يعرف ماذا كانت مواقف الرجل اردوغان من النظام السوري في البداية من نصح وارشاد للنظام الذي فقد شرعيته نتيجة الظلم والاستبداد ليقف اردوغان مع الشعب السوري وتوفير مناخ للمعارضة وتشكيل مجلس انتقالي وبالرغم من هذا نجد من يلومون هذا الرجل ولا يلومون الصمت العربي. فمن كان يشكك بمواقف اردوغان فليرى التحولات التركية الإسرائلية بعد الحرب على غزة ثم الهجوم الاسرائيلي على اسطول الحرية وأخيرا توتر العلاقات التركية الإسرائلية بعد طرد السفير الاسرائيلي ...والسؤال لماذا لا نقارن مواقف اردوغان مع الزعماء العرب الذين فقدوا هيبتهم من شعوبهم بل أن أصناماً قد سقطت وأصناماً أخرى لا تعرف مصيرها.