معايير اختيار الزوج والزوجة
اعداد: أ. مصطفى نمر دعمس
للزواج أھداف سامیة، وثمرات یانعة تعود بالخیر على الفرد والمجتمع، كونه عبادة وطريقًا إلى جمع الحسنات والصدقات؛ لامتثاله لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والتأسِّي به وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولستَ تنفقُ نفقةً تبتَغي بها وَجْهَ الله إلَّا أجرتَ بها، حتى اللُّقْمة تجعلها في في امرأتك))( صحيح البخاري).
الزواج فيه سكن ومودَّة ورحمة، وهو طريقة من طرق تحصيل السعادة وراحة البال، وخاصة إذا كانت الزوجة صالحةً والزوج تقيًّا. الزواج يساعد على الاستقرار النفسيِّ والاجتماعي، ويساعد على التقدُّم العملي والعلمي، ويقوِّي المسلم على الإقبال على الله تعالى، ويجعله منتجًا متفاعلًا مع مجتمعه. حيث يعتبر الزواج هو عماده الأسرة الثابتة التي تحفظ الحقوق والواجبات, فالشخص يشعر بأنها رابطة مقدسة تعلو بإنسانيته, ٕوإنها علاقة روحيه نفسيه تليق برقي الإنسان (عشا،2004).
ومن فوائد الزواج إنشاء وشائج الصلة، وتقوية الترابط بين الناس بعضهم البعض؛ لأن الله تعالى جعل الصهر قسيمًا للنسب.
قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54]، والروابط بين الناس إمَّا قرابة، أو مصاهرة بالزواج.
وعن أبي أیوب الأنصاري قال: قال رسول االله صلى الله عليه وسلم: " أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِین:َ الحَیَاء،ُ وَالتَّعَطُّر،ُ وَالسِّوَاك،ُ وَالنِّكَاحُ"، وجعل االله الزوجة سكنا للزوج، وھي شریكة حیاته، وأم أولاده، والراعیة في بیته، والزوج كذلك: لا تستقیم حیاة الأسرة إلا به، ومن ثم فالزوجان ركن أساسي في بناء الأسرة فإن صلحا صلحت الأسرة واستقام أمرھا، وإن فسدا فسدت الأسرة وانھارت وتجرعت كؤوس الشقاء.
من أجل ذلك عنى الإسلام باختیار الزوجین ، فاختيار الشريك يجب أن يكون من منطلق التكافل وليس من باب المصلحة, فالمصالح مع الأيام تذهب وتنقضي ولكن يبقى هناك باب اسمه المودة والمحبة بين الشريكين لكي يكملوا حياتهم مع بعض (هروش, 2010). لذا فإن الاختيار السليم لشريك الحياة هو بداية الطريق نحو التوافق الزواجي لبلوغ السعادة التي يسعى إليها الفرد (الشريفين, 2003). فالزواج القائم على رضا الطرفين وقبولهما, هو زواج سليم أسسه صحيحة, وقادر على حماية هذا الزواج فمن حق الفتاه رؤية الشاب والتعرف إليه ضمن الإطار العائلي ووفقا للعادات والتقاليد المعروفة, ومن حقها إبداء الرأي بالقبول أو الرفض (أبوهنا،2006)
ويعد اختيار الشريك من أهم الأحداث التي تمر في حياة الفرد، فهو الذي يقرر ممن يتزوج ومتى حيث يضع الأفراد (ذكور واناث)، ومعايير ومواصفات عديدة. ومن أبرز هذه المعايير المعيار الشكلي، والمعيار المادي، والمعيار النفسي، والمعيار الثقافي، والمعيار الديني، والمعيار الفكري الاجتماعي (الساعاتي, 2002).
وقد رغَّب القُرآن الكريم في الزواج في آياتٍ شتَّى؛ فتارةً يردُ ذلك بصيغة الأمر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]، وتارَةً يَصِفُ الزوجة بالسَّكن؛ كما في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]، وذكر سبحانه أنَّه جعَل بين الزَّوجين مودَّة ورحمة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، وفي هذا المعنى يقولُ سبحانه: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، ولهذا قيل: "لا ألفة بين رُوحَيْن أعظم ممَّا بين الزوجين".
أسس اختيار الزوجة
الزوجة ھي اللبنة الأساسیة في بناء الأسرة فھي ربة البیت، وأم الأولاد والراعیة لھم، فإن صلحت صلح حال الأسرة، وإن فسدت تجرعت الأسرة كاس الشقاء. ومن ثم ینبغي لمن أراد أن یتزوج أن یضع نصب عینيه عدة صفات أساسیة في المرأة التي یختارھا زوجة له. فحث النبي صلى الله عليه وسلم في اختیار الزوجة بأن تكون صالحة ذات خلق ودین، عن أبي ھریرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: « تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَع:ٍ لِمَالِھَا وَلِحَسَبِھَا وَجَمَالِھَا وَلِدِینِھَا، فَاظْفر بِذَاتِ الدِّین،ِ تَرِبَتْ یَدَاكَ (صحيح البخاري) . وقد ذكر الإمام أبو حامد الغزالي أن الخصال المطیبة للعیش التي لا بد من مراعاتھا في المرأة لیدوم العقد وتتوفر مقاصده ثمانیة: الدین، والخلق، والحسن، وخفة المھر، والولادة، والبكارة، والنسب، وأن لا تكون قرابة قریبة (الغزالي ،2/35).
وبناء على ما سبق فأول أسس اختيار الزوجة هو أن تكون ذات دین، وعن عبد االله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّنْیَا مَتَاع،ٌ وَخَیْرُ مَتَاعِ الدُّنْیَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» (أخرجه مسلم) ثم يأتي حسن الخلق عند اختيار الزوجة، ويرى أبو مرق (2003)، أن اختيار الزوج لزوجته على أساس الدين والصلاح يجنب الأطفال الكثير من الصفات والأخلاق المذمومة التي يتعلمها الطفل من أمه.
والجمال مطلوب لأن الزوجة إذا كانت جمیلة كان ذلك أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته، ولذلك شرع النظر قبل النكاح. ومما یدل على اعتبار الجمال ما رواه أبو ھریرة أنه قال: «قِیلَ لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النِّسَاءِ خَیْرٌ؟ قَال:َ «الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَر،َ وَتُطِیعُه إِذَا أَمَر، وَلَا تُخَالِفُه فِي نَفْسِھَا وَمَالِھَا بِمَا یَكْرَهُ»
ولقد ورد في إمام وآخرون (2004)، أن أهم الصفات المفضلة عند اختيار شريكة الحياة, أن تكون متدينة, وحسنة الخلق والصلاح، وأن تكون من أصل طيب المنبت, وذات جمال، وحسنة الوجه، وأن تكون بكر وولودا، ويفضل ألا تكون من القرابة القريبة للزوج.
أسس اختيار الزوج
إذا كان الإسلام قد دلنا على الأسس والقواعد التي ینبغي للزوج أن یضعھا نصب عینيه في اختیار الزوجة، فإنه كذلك قد وضع ضوابط في اختیار الزوج، وھذا ما أشار إلیه النبي صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " رواه الترمذي وغيره. وعند النظر للحديث، فإنه واضح وصريح في حسن الاختيار، حيث ارتكز على صلاح الدين وصلاح الأخلاق، فعند توفر ذلك، يقينا سيكون زوجا صالحا.
فالمرأة المسلمة لا يجوزُ لها الزَّواج برجلٍ مُشرِكٍ بأيِّ شكلٍ من الأشكال، وجاءَ تحريمُ ذلك بنصِّ القرآن الكريمِ في قوله تعالى: (وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ).
ويُشتَرَطُ في الخاطبِ المتَقَدِّمِ لطلبِ يدِ المرأةِ أن يتحلَّى بالكفاءة، والكفاءةُ هي المُماثَلة والمُساواة في أمورٍ مخصوصةٍ تختَلِفُ بعضَ الشَّيءِ عند الفقهاء، ونفصِّلُ في الآراء في هذا الموضوع فيما يأتي (الجزيري ،2003):
الرَّأيُ الأوَّل: رأيُ الحنفيّة: والكفاءةُ عندهم أن يُماثِلها في ستِ أمورٍ هي: النَّسبُ، والحِرفةُ، والدِّيانةُ، والمالُ، والحريَّةُ، وإسلامُ الأصولِ.
الرَّأيُ الثَّاني: رأيُ المالكيَّة: والكفاءةُ عندهم أن يُماثِلها في أمرينِ اثنين هُما: الدِّينُ، والسَّلامةُ مِنَ العيوبِ.
الرَّأيُ الثَّالث: رأيُ الشَّافعيَّة: والكفاءةُ عندهم أن يُماثِلها في أربعة أمورٍ هي: النَّسب، والدِّينُ، والحُريَّةُ، والحِرفَة.
الرَّأيُ الرَّابع: رأي الحنابلة: والكفاءةُ عندهم أن يُماثِلها في خمسة أمورٍ هيَ: النَّسب، والحريَّةُ، والصَّنعةُ، والدِّيانةُ، والمالُ.
الأدلّة على شرط الكفاءة عند الفقهاء إنّ الكفاءةَ حقٌّ للمرأةِ ووليِّها معاً عند الحنابلةِ والشَّافعيَّة، ويعتبرها الحنفيَّةُ حقاً لوليِّ المرأةِ فقط،( ريان، 2005) ولا يختلفونَ في اشتراطِ تَحَقُّقها في الزَّوج ولكنَّهم يشترطونها للزومِ النِّكاحِ لا لصحَّتهِ، إذ لا يَبطُلُ النِّكاحُ عندهم إذا انتفتِ الكفاءة ( الزحيلي، ص 6738).وعن عائشة أمُّ المؤمنينَ -رضي الله عنها- قالت أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تخيَّروا لنطفِكم وانْكحوا الأَكْفاءَ وأنْكحوا إليْهم)( أخرجه ابن ماجه (1968))
وقد حذر الإسلام من الاغترار بالمظاهر الزائفة, والثروة دون الاهتمام بالدين, والمعيار الصحيح لاختيار الزوج هو الدين والأخلاق (أبو ليلى, 2001).
ويرى العيسوي (2003)، يفقد الزواج واحد من أهم عوامل نجاحه إذا لم تتوافر القيم المشتركة والمثل, والمعايير المشتركة, والعادات والتقاليد الاجتماعية حيث أن عقد الزواج عقد مقدس له خصوصيته ذو طابع ديني, حين أن قوامه المودة والرحمة والالفه, لذلك كان الإسلام حريصا على تكوين الأسرة السوية حيث نصح بالزواج من المرأة التي تجتمع فيها فضائل الدين أولاً قبل كل شيء, ثم المال والجاه والأصل والنسب المعروف.
المراجع
1- القرآن الكريم
2- أبو ليلى, فرج محمود. (2001). الزواج وبناء الأسرة. ط (2)، عمان: مطبعة العراب.
3- أبو مرق, جمال. (2003). سيكولوجية الإنسان في القران والسنة. فلسطين: مطبعة الرابطة.
4- أبو هنا، وسام. (2006). الكون بين الرجل أ والمرة في فضاءات علم النفس. دمشق: الدار الوطنية الجديدة.
5- إمام, كمال, جابر عبد الهادي. (2003). مسائل الأحوال الشخصية "الخاصة بالزواج والفرقة وحقوق الأولاد في النفقة والقانون. بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية.
6- الجزيري، عبد الرحمن. (2003م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 53-59، جزء 4.
7- ريان، أحمد علي طه ،2005، فقه الأسرة،الجامعة الامريكية المفتوحة، صفحة 167.
8- الزحيلي، وهبة، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها) ، (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر.
9- سنن ابن ماجة لأبي عبد االله محمد بن یزید القزویني ت ٢٧٥ ھـ. تحقیق: حمد فؤاد عبد الباقي. ط عیسى الحلبي.
10- سنن الترمذي. لأبي عیسى محمد بن سورة الترمذي ت ٢٧٩ ھـ. تحقیق: أحمد شاكر. ط مصطفى الحلبي.
11- الشريفين, أحمد عبد الله. (2003). التوافق الزواجي في ضوء بعض التغيرات الاجتماعية: دراسة ميدانية للقطاع الصحي في محافظة اربد، (أطروحة دكتوراه غير منشورة). جامعة اليرموك, إربد، الأردن.
12- عشا، غسان. (2004). الزواج والطلاق وتعدد الزوجات في الإسلام "الأحكام الفقهية وتبريرات الكتاب المسلمين المعاصرين". بيروت: دار الساقي للنشر والتوزيع.
13- العيسوي, عبد الرحمن. (2003). سيكولوجية الطفولة والمراهقة الأسرة وردها في حل مشكلات الطفولة. عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع.
14- الغزالي ، أبي حامد محمد بن محمد (ت ٥٠٥ ھـ ):إحیاء علوم الدین.. دار الفكر العربي.
15- صحیح الإمام البخاري (الجامع الصحیح). للإمام أبي عبد االله محمد بن إسماعیل ، دار الریان للتراث - الأولى ١٤٠٧ ھـ/١٩٨٧ م (مع فتح الباري).
16- صحیح الإمام مسلم. للإمام أبي الحسین مسلم بن الحجاج ت ٢٦١ ھـ. تحقیق: محمد فؤاد عبد الباقي. ط الحلبي.
17- هروش، رجاء عبد الحميد. (2010). اختيار شريك الحياة: دراسة ميدانية استطلاعية مقارنة بين جيلين. دمشق: دار كيوان للنشر والتوزيع.