العيد في اللغة:
قال في مختار الصحاح: العيد واحد الأعياد، وقد عيدوا تعييدا أي شهدوا العيد .
وقال في الصحاح في اللغة: والعيدُ: ما اعْتَادَكَ من همٍّ أو غيره. قال الشاعر:
فالقَلْبُ يَعْتادُهُ من حُبِّها عيدُ
وقال آخر: أمْسى بأسماءَ هذا القَلْبُ مَعْمودا إذا أقولُ صَحا يَعْتـادُهُ عـيد والعيدُ: واحد الأعياد، وإنما جمع بالياء وأصله الواو للزومها في الواحد، ويقال للفرق بينه وبين أعواد الخشب. وقال اخرون: العيد مأخوذ من العود وهو الرجوع والتكرار، وهو اسم لكل ما يُعتاد ويعود ويتكرر، وسُمي العيد عيدًا لعوده وتكرره. ولان العيد يقرن بالبركة فلابأس بالاشارة الى معناها: قال محمد بن أبي بكر الرازي في مختار الصحاح: برك * البعير من باب دخل أي استناخ .... و * البركة * كالحوض والجمع * البرك * قيل سميت بذلك لإقامة الماء فيها وكل شيء ثبت وأقام فقد * برك * و * البركة * النماء والزيادة و * التبريك * الدعاء بالبركة. قال الجوهري في الصحاح : والبَرَكَةُ: النماءُ والزيادةُ. والتَبْريكُ: الدعاءُ بالبَرَكَةِ. ..... ويقال: بارَكَ الله لك وفيك وعليك، وبارَككَ. وقيل في اصل اطلاق هذه اللفظة ان العرب كانت تسمي محط رحال الجمال برك الجمال او مبرك الجمال , هذا المكان والذي يكون منخفضا بعض الشيئ عن سطح الارض، لذا تتجمع فيه المياه وبكثرة عند سقوط الامطار وعليه يظهر الزرع والاعشاب وتكون هذه الخضرة مستمرة لوجود الماء. فالبركة تطلق على كل شيئ لا ينضب بل ويتجدد، او ان به استمرارية فى العطاء وكذلك العيد. معنى العيد في الإسلام قال تعالى سبحانه وتعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) )المائدة:112،113،114( . قال الإمام علي (ع): (ان العيد هو عيد لمن قبل الله صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد). وعن الإمام الحسين (ع) انه قال في بعض الأعياد، (ان الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه، فسبق فيه قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخيب فيه المقصرون). في الايات الشريفة السابقة اشارة معنى العيد فنزول المائدة عليهم تحقيق لدعائهم وتثبيتاً لقلوبهم وتصديقا لإيمانهم ليعيشوا السرور في معنى التفضل والاكرام الإلهي، ولتكون مناسبة يتذكرونها ويخلّدونها مع الأجيال التي تسير على دربهم وتعتقد بدينهم. وفي حديث الامام علي (ع) توضيح لمعنى العيد وفلسفته فهو سرور من قبل الله سبحانه صيامه وعبادته ولذا كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد لوصول المؤمن اقصى ما يتمناه. لا شك أن مناسبة العيد من مناسبات الفرح والسرور بنعمة الله ورحمته، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم وطاعته واتباع اوامره والشعور بطعم العبودية، إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته ورحمته وتفضله على عباده كما قال تعالى : (قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (يونس : 58 ). جعل الإسلام الاحتفال بالعيد مرتبطا بمعان ذات قيمة عالية، ومتعلقا بعبادة ترفع من شأن الإنسان واعتباره ليصل الى مراتب تسمو به ليحقق بذلك انسانيته، كما جعل العيد مظهرًا رائعاً لتحقيق العواطف البشرية والروابط الإنسانية، والتقاء الجميع كبارًا وصغارًا على معاني الفرحة والسعادة والشعور بالالفة والوحدة بين ابناء المجتمع الاسلامي . العيد من المناسبات والمعاني الرمزية التي تثير شعورًا عامًا بالسعادة والبهجة بين عموم المسلمين خصوصاً لمن ينظر إلى العيد على أنه يوم الجائزة التي تستحق الفرح والسعادة، فالوصول إلى فرحة العيد لا تأتي إلا من طريق الصيام الذي يقع العيد على مسيرة ثلاثين يوما منه، وحكمة الصوم الكبرى هي القدرة على ضبط النفس وتحقيق حريتها من كل شيء إلا الخضوع لخالقها وأوامره، والنجاح في تحقيق هذه القدرة هو مقياس الأخلاق والفضائل التي تستحق السعادة والاحتفال ببلوغ المراد من شهر رمضان، وكما قال الامام الحسين (ع) فسبق فيه قوم ففازوا بطاعتهم ونالوا رضوان الله سبحانه وتعالى الذي هو غاية المنى (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة 72). وهذه المناسبات السعيدة والأعياد تزيد من التواصل والتراحم بين النفوس، فإن كان هناك بعض الشوائب العالقة في علاقة المؤمن بأسرته او ارحامه او اصدقائه، ففي هذه الأيام المجال الرحب لنبذها والقضاء عليها ، وعودة الصفاء والمحبة بين القلوب لتعيش الاجواء الهنيئة في ظلال العيد السعيد . العيد مناسبة كريمة تعود فيها البسمة إلى الشفاه والفرحة إلى القلوب ، ويتجلى فيها كرم الضيافة وخشوع النفوس واطمئنانها بالشكر والحمد والثناء والتكبير وذكر الله تعالى وتقديم الأضاحي وصلة الرحم وإسعاد الفقراء والأقارب والأطفال، فحين يتردد التكبير صباح يوم العيد، وترج المساجد بالتهليل وتسيل الدموع حزنًا على فراق رمضان الحبيب شهر المغفرة والعتق من النار، شهر الخير والصبر والكرم والبركة والمحبة والاخاء والطاعة والعبادة والمغفرة . يهدينا الله الرحيم الكريم بهدية العيد وهي أيام فرح وسرور ونسمات تخيم على الجميع، وهذه المناسبة تؤكد المعاني الرائعة للعيد السعيد وتجسيدها لتغسل النفوس ، وتصقلها لاستقبال مرحلة جديدة مليئة بالحب والعطف والحنان والتواصل من جديد مع الأهل والأقارب والاصدقاء لينعم الجميع بفرحة العيد . فأيام العيد مجال رحب واستثمار مضمون لنشر بذور المحبة والسعادة والايمان والطاعة. (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (التوبة 105) |