من الأمور الأولية التي يجب أن يفهمها ويعيها جيدا كل من يفكر جادا وينبغي مخلصا لإدراك الصفة الأساسية أو بعبارة أخرى وأوضح الصفة المميزة للإنسان المسلم الصحيح أن يعلم أن “الرحمة” الخالصة الصافية من كل الشوائب المشوهة لنصاعتها وحقيقتها ونزاهتها هي الصفة الأساسية الملازمة حقا وصدقا لكل من ينسب نفسه إيمانا وإخلاصا إلى دين الإسلام وينتمي إلى مجتمعه القويم ، وأما الانحراف عن هذه الطبيعة الجذرية أو الخروج عن هذه الدائرة الإلزامية بأي مبرر أو سبب ظاهر أو خفي فإنما يخرجه عن الإطار الصحيح لشرف الانتماء إلى هذا الدين الحنيف ، ومن ناحية أخرى فلا ينبغي لأي إنسان عاقل محايد أن يلصق ظاهرة الخروج أو الشذوذ عن هذه القاعدة الأساسية من جانب فرد أو أفراد أو حزب أو جماعة ينتمي إلى الإسلام اسما أو رمزا أو على أحسن التقديرات عرفا وتقليدا دون أن يفهم مبادئه بوعي .
أما المصدر الأكيد والمنبع الأصيل والمرجع الوحيد لمعرفة تعاليم الإسلام الحقة ولاغتراف جرعاته الناجعة فهو القرآن الكريم وإرشاد الرسول الأمين فدعنا الآن نقوم بعرض موجز سريع لبعض الإرشادات القرآنية والبينات النبوية الصريحة الجلية حول لزوم المسلم التزام خلق الرحمة مع كل كائن في هذا الوجود مهما كانت الظروف والمناسبات والعقبات التي تعترض أمامه حينا فآخر .
وجدير بالذكر والاعتبار أن الهدف المنشود والغاية القصوى من البعثة المحمدية إنما هو نشر الرحمة في العالمين جميعا فيقول رب العالمين مخاطبا لرسوله الأمين بكل صراحة وقوة :”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء : 107) . ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم عن مركزه هذا الوجود وهدف حياته فيه : “إنما أنا رحمة مهداة” ، والرحمة صفة من صفات الله تعالى وسمى نفسه الرحمن الرحيم ، وكتب على نفسه الرحمة ووسعت رحمته كل شيئ في الوجود كما أرشد بنفسه من محكم كتابه إذ قال : فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة” (الأنعام : 54) .
وبما أن الرحمة من صفات رب العالمين وسمى نفسه الرحمة والرحيم وبعث رسوله وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين جميعا وكذلك وصف رسول هذه الأمة ونبي الثقلين بصفة الرحمة ولقب الرحيم فقال :” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ” (التوبة : 28) ، حتمية التحلي بصفة الرحمة في كل مرافق الحياة تجاه كل الكائنات كجزء لا يتجزأ من نظام حياته الإسلامية الإلزامية ويعمل جاهدا لنشر صفة الرحمة في أسرته وبيئته ومجتمعه وفي المجتمع البشري كافة وفي معاملاته كلها ، حتى في دنيا الحيوانات وأن الإرشادات النبوية كثيرة ومعروفة في أمر الرأفة بالحيوانات والرحمة بها ونهيه عن إيذاء أي حيوان مهما كان تافها وصغيرا ، وكفى للمسلم نورا وهدى للالتزام بصفة الرحمة في كل الظروف مهما كانت الاستفزازات العفوية أو العمدية لجره إلى حافة الطرفة أو الشدة وإخراجه من دائرته الإسلامية المحكمة بسياج الرحمة والصبر على المثيرات والثبات أمام الاستفزازات والنظر في العواقب الوخيمة كفى له هذا الإرشاد الحكيم للرسول الكريم : “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” .