"" قرأت في مكان ما أن رجال إحدى القبائل الإفريقية عندما التقوا بالإنسان الأوربي الأبيض لأول مرة نظروا إلى بعضهم البعض بدهشة، وتساءلوا: هذا الرجل، لماذا قام بسلخ وجهه ؟!""
عبارة كتبها مصطفى خليفة في روايته ( القوقعة ) واصفا هول ما لاقاه من زبانية النظام السوري زمن الأب الهالك المشؤوم، والآن فقط في زمن الابن الناعم نعومة الأفعى والبارق بريق السراب، أدركت السرّ وراء استدعائه لهذا الوصف، فكل الوجوه التي تظهر ممثلة للنظام السوري ، أو مدافعة عنه توحي لك بذات الظلال، وترفع لذهنك نفس التساؤل: لمَ انسلخ هؤلاء من آدميتهم، فمارسوا كل هذا الشر؟!!
بلا خجل تستمر اللعبة العابثة بين المراهقة العجوز المدعوة جامعة الدول العربية، والنظام السادي السوري، والثمن دماء آلاف من إبناء الشعب البُرَءاءُ من كل جريمة إلا من جريمة وحيدة تسمى:( حرية ) انتظروها طويلا وقرروا اقترافها أخيرا بعد نفاذ الصبر!!
ومن المفترض أن يكون مجلس الجامعة العربية مجتمعا بصفة دائمة، لكنه سيجتمع السبت القادم لينظر في عدم التزام النظام السوري ببنود المبادرة العربية، ولا ندري هل سيترتب على اللقاء إجراء حقيقي لحماية الشعب السوري، يمحو عار التواطؤ والمشاركة بالدم الحرام؟! أم سنكرر المهزلة، وندخل في مهلة جديدة وشوطٍ إضافيٍّ ليتناول النظام الممانع وجبة أخرى من أبناء سوريا يطفئ بها جوعته، ويكسر بها عزيمة الأحرار؟!!
فاليوم يكثر الجدل - بلا طائل - في تصوّر شكل الحل، إذ يؤكد الرسميون جميعا رغبتهم في أن يكون الحل سياسيا، وفي الإطار العربي، في الوقت الذي لا يقدم فيه النظام المارد من آدميته إلا الحل الأمني كمخرج شرعي من الأزمة، في حين يؤكد الشعب السوري وبلا أدنى تشكك أنه قرَّر أن لا يكرر أخطاء الماضي، ولن يعود إلى الوارء مهما دفع من ثمن، ويظل الحوار الذي يتصدر العناوين هو حوار الطرشان: لغة العجز العربي، ورواية النظام الهمجي، والدم السوري؟!!
أمام هذه المعادلة وبوضوح أدعو إلى تدويل الأزمة، ولا أعدُّ ذلك استدعاء للأجنبي أو إعطاء شرعية للمحتل كي يتدخل في منطقتنا، لأننا وعلى مدار السنوات التي حكمت بها حكومات الدمى العربية المعاصرة كنا طوع أمر الأجنبي، وتحت سيطرته، وضالعين في تنفيذ سياساته ومشروعاته في فلسطين والعراق وأفغانستان، سياسيا وعسكريا وتربويا واقتصاديا واجتماعيا.
يكفينا كذبا وتزويرا ومخادعة، فلم تكن الشعوب يوما عميلة لأحد في حين وُلِدت كلُّ النظم العربية الحالية في مشفى العمالة للآخر، فلندع الأمور تسير في نصابها، ففي الدنيا بقية خير، ونبض من إنسانية والتقاء في مصالح، فلنجرب ذلك ولا نضحك على أنفسنا بتحريم أو تجريم ما أبحناه وحللناه بالأمس.
لقد مارس الجاهليون العرب القدماء نفس السلوك مع الفئة المؤمنة في مبدأ الدعوة، مما اضطر النبي - صلى الله عليه وسلم – إلى الإذن بالهجرة إلى الحبشة وقال: ( إن فيها ملك لا يظلم عنده أحد) فما نقول اليوم في جاهلية آل الأسد التي فاقت كل جاهلية عربية أو هتلرية أو موسولينية؟؟!
لم يُقتل في مكة إلا اثنان: (سمية وزوجها عمار) وكان ذلك كافيا لطلب الحماية باللجوء إلى المجتمع الدولي حينها عندما عجزت البيئة المحلية عن تحقيقها، ونحن اليوم أمام آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين والمشردين، وفي ظل نظم عربية عاجزة عن تقديم أي مساعدة للشعب المذبوح، وفتح باب الهجرة من سوريا متعذر ؛ لأنه يعني باختصار خلوَّ سوريا كلها إلا من العصابة الأسدية وجيشها وشبيحتها ومرتزقة البعث الأثيم.
أيها العرب، أعمى من لم يقرأ في عيون أطفال سوريا أنهم قرروا العيش في غير ثياب آبائهم، وباشروا تغيير واقعهم بأنفسهم، يخرجون على مدار الساعة، وهم على موعد مع سكين السلاَّخ، ومثقاب الكهربائي، وكير الحداد يهتفون للحرية بلا أقنعة، وبوجوه سافرة متحدّية رافضين عيش المذلة مقبلين على الموت برغبة، يرددون مع المتنبي رائع حكمته:
ذَلَّ مَنْ يَغبطُ الذّليلَ بعيشٍ *** رُبَّ عيشٍ أخفُّ مِنْهُ الحِمَامُ
الربيع العرب قادم لا محالة وما أعجب إلا مِن متخوفٍ من حلوله، وهو الذي تنتظره كل موجودات الطبيعة، وأحيائها الراقية والوضيعة، حتى الجرابيع والخنافس تتأهب له وتتوق، لكنّ سارقي السلطة فلا بلادنا مرعوبون من إطلالته، لأنه كشف عنهم الغطاء وأظهر قبحهم المستور، ولا شك في أن النظم البعثية الثورية هي الأشد قبحا في تجربة أمتنا المعاصرة، حصدت من عقولها وشبابها ما لم تحصده آلة الإمبريالية والصهيونية مجتمعة.
انكشفت السوأة وظهر العيب، وآن للشعوب أن تُزيل عن كواهلها هذا الحمل البغيض من الكذب، وتنبعث من جديد لترسم مستقبلها في ضوء أمانيها وأشواقها ورسالتها الخالدة، وترتد إلى جذورها، وتتخلص من نظمها وأسباب تخلفها، وترسم خريطة علاقاتها في إطار مصالحها ومبادئها الإنسانية، وتصافح كل قوى الخير في العالم، وتجالد عن حقها بالاتجاه الصحيح، بلا مساومات أو صفقات يعقدها القراصنة باسم الوطنية والمقاومة والممانعة.
وليعلم الجميع أن التاريخ لم يعرف قذارة توازي قذارة البعث السوري، ولو رحت تتعب خيالك في تجسيم نظام يسبقه فيها لما أسعفك الخيال، لدرجة أن مزبلة التاريخ ينتابها الغمّ والهمُّ وهي تسشعر أن وصول النزلاء الجدد بات وشيكا، وهي محقة فيما ينتابها من همّ وغمّ.
ولنعلم من قصة الهجرة أن وطن الإنسان أمنه، ودولته كرامته، وحكومته حريته، وليس بوطنٍ ذلك الذي تغيب فيه حرية الإنسان وكرامته وحريته وعدالته سواء حكمه أمير المؤمنين أم فرعون وقيصر وكسرى
منقول :الســوســنـة