لا يخفى على أحد التدخلات الأمريكية والغربية فى مسار الثورة، نتيجة للتخوف من عودة الإسلام لتوجيه دفة الحياة للأمة الإسلامية، خصوصًا بعد صعود التيارات الإسلامية بالانتخابات البرلمانية, فى تونس والمغرب ومصر, ولذلك لابد أن يتضح للمناخ المحلي والعالمي انفتاح وسماحة الفكر الإسلامي مع التيارات الفكرية الأخرى داخل أوطاننا، فضلاً عن الآخر الحضاري عالميًا، وتحديدًا لابد أن يتأكد الجميع أن الإسلام ضد كل أشكال التعصب والعنف ويدعو إلى الحوار والتعاون المثمر مع الآخر كفريضة إسلامية وليس فقط كفضيلة لكن مع ضرورة الحفاظ على الهوية الإسلامية من خلال محاور الحوار الآتية:
1- الثقافي: لا يمكن أن تنجح العولمة بدون اعتبار للخصوصية الثقافية للمسلمين، وحتى القوة العسكرية لا تستطيع ذلك لأن كل ثقافة لها خصائصها المتميزة دون أي تعارض مع إمكانية الحوار والتعاون بين الثقافات المختلفة، الأمر الذي لا يفهمه الغرب جيدًا، فحيوية الثقافات وتنوعها هي التي تجعل الإنسانية قادرة على تحقيق الإنجازات والإسلام يدعونا إلى التعارف على الأمم الأخرى وصولاً إلى السلام العالمي.
2- الإعلامي: يسيطر الإعلام الغربي على المناخ العالمي دون فهم واحترام لحقيقة الثقافة الإسلامية. كما تستخدم هذه السيطرة في تصوير الاعتداءات العسكرية على الدول الإسلامية وكأنها حرب تحرير وتصوير دفاع المسلمين عن أنفسهم وأراضيهم وثقافتهم على أنه إرهاب؛ مما أدّى إلى إلصاق تهمة العنف بالإسلام والمسلمين في حين أننا لم نسمع مطلقًا عن اتهام أي دين أو فكر آخر بسبب تصرفات أتباعه.
3- السياسي: التعددية السياسية وقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب هي من صميم الفكر الإسلامي بل من الاختراعات الإسلامية التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كانت القبائل تتقاتل على أبسط الأمور، ولقد شهد التاريخ بذلك لعدة قرون قبل الحضارة الغربية الحالية. لكننا نلاحظ إصرار الغرب على العكس، حيث يتهمون الإسلام وليس فقط المسلمين بالتخلف في هذه المجالات، والحقيقة أن القصور في المسلمين وليس في الإسلام؛ نتيجة الوهن والضعف والتراجع الحضاري ،لكننا نتوقع جميعا بداية خطوات التقدم والنهضة بعد الثورات المصرية والعربية.
4- الاقتصادي: تتمثل العولمة اقتصاديًا في التكتلات الكبيرة من شركات وبنوك متعددة الجنسيات، تُسيطر على الاقتصاد العالمي، مع عدم إتاحة الفرصة للمسلمين لإحداث أي تقدم اقتصادي أو علمي أو تكنولوجي؛ لضمان ليس فقط التبعية الاقتصادية للغرب، بل أيضا التبعية السياسية والثقافية، الأمر الذي يدفع للمواجهة بدلاً من التعاون الذي يستهدفه الإسلام، وأكدت عليه تسعة قرون من الحضارة الإسلامية.
- العولمة أصبحت واقعًا لابد من التعامل معه بشكل إيجابي، والصراع الحقيقي ليس مع العولمة في حد ذاتها كعملية تفاعل بين الشعوب، الأمر الذي أقره القرآن الكريم {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض}، ولكن الصراع ضد القيم والتوجهات الغربية من حيث العنصرية وازدواجية المعايير.
- هذه الازدواجية والعنصرية التي تريد الحرية والديمقراطية للشعوب الغربية فقط دون الإسلامية, خصوصًا عندما انتفضت شعوبنا طلبًا للحرية والكرامة، فوجئنا بالهجمة الغربية الشرسة بالدعم المادي والإعلامي لتيار الثورة المضادة، التي تستهدف إجهاض عملية التحول الديمقراطي في مصر حتى لا نختار حكامنا وفقًا لهويتنا العربية الإسلامية حتىّ تستمر عملية استنزاف ثرواتنا وخيراتنا, فكلما ازدادت معدلات الانهيار في الأوضاع الاقتصادية الغربية، خصوصًا الأمريكية، كما لاحظنا في احتجاجات وول ستريت الأخيرة؛ كلما ازدادت حدة الهجمة الغربية للسيطرة على ثورة شعوبنا، وفي المقابل لابد أن تزداد قوة تمسكنا بهوتنا الإسلامية.