omar
عدد المساهمات : 38 تاريخ التسجيل : 16/11/2010
| موضوع: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عيشه الأربعاء ديسمبر 14, 2011 5:02 am | |
| أسبغ الله - سبحانه وتعالى - نعمه على عباده ظاهرة وباطنة، فهو الذي خلقهم ورزقهم، ووهبهم العقول والأسماع والأبصار، ومنحهم الصحة والعافية، فهم يتقلبون في نعم الله وفضله، ولو ذهب الإنسان يتأمل في نعم الله عليه فإنه لا يدرك لها عداً ولا إحصاءً، واقتضت حكمته - سبحانه وتعالى - أن يتفاوت الناس في أرزاقهم ومعاشهم، فهذا قد بُسط له في دنياه، وآخر قد قدر عليه رزقه، ولم يؤت سعة من المال، وجعل سبحانه وتعالى في نبيه وصفوة خلقه صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة، حيث اختار له أن يعيش في دنياه حياة الكفاف، فكان أزهد الناس في الدنيا مع قدرته عليها، وتعلق قلبه بربه؛ فأعرض عن الدنيا، وأقبل على الآخرة، حتى إنه صلى الله عليه وسلم لما مات لم يترك شيئاً كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - :"مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ" ([1])، وتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ ([2])، والحديث عن مظاهر زهده صلى الله عليه وسلم في عيشه يطول، ولكننا نترك المجال للأحاديث. والروايات تتحدث عن عيش النبي صلى الله عليه وسلم، وتصف لنا هديه وزهده في طعامه، وشرابه، ولباسه، ومسكنه ومركبه، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يدعو ربه فيقول:"اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا "([3])، القوت: هو ما يسد الرمق، وفي رواية: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا"، والكفاف: الكفاية بلا زيادة ولا نقص، ومن مظاهر زهده صلى الله عليه وسلم في الطعام أنه مضى لسبيله، ولم يشبع هو وأهله ثلاثة أيام تباعاً من خبز بُرٍّ كما في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها -:"مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ"([4])، وفي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ، فقيل لها: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ([5])، وفي مسند أحمد من حديث أنس رضي الله عنه: " لَمْ يَجْتَمِعْ لَرسول الله صلى الله عليه وسلم غَدَاءٌ وَلَا عَشَاءٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ " ([6])، أي: عندما ينزل عليه الضيوف، وخطب النعمان بن بشير رضي الله عنهيوماً على المنبر فقال:"أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ"([7]) ، والدقل: هو التمر الرديء، وكان صلى الله عليه وسلم إذا وجد طعاماً أكل، وإلا صبر، وربما نوى الصوم، فعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ:"قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ" ([8])، وبلغ من شدة زهده صلى الله عليه وسلم أن صعبت هذه المعيشة على زوجاته، فطالبن بالتوسعة قليلاً في العيش، فنزلت هذه الآيات:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً" ([9])"([10])، فاخترن حياة الزهد والتقشف، وآثرن ما عند الله والدار الآخرة، ومع ذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحرم على نفسه الطيبات، بل كان يستمتع منها بما يتيسر، فلم يكن يرد موجوداً من الطعام، ولا يتكلف مفقوداً، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه لا يعيب طعاماً قط، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنهقال:"مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ" ([11])، ولما قدم له الضب وعافه لم يحرمه وأُكل على مائدته، وحث صلى الله عليه وسلم على القصد والاعتدال في الطعام والشراب، ففي حديث المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ" ([12]) وورد في وصف فراشه صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -:"إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ" ([13])، ويصف عمر رضي الله عنهفراشه صلى الله عليه وسلم فيقول:"دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ... فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" ([14])، وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهقال:"نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً فَقَالَ: مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا"([15]) ، ويصف لنا أنس رضي الله عنهمركبه صلى الله عليه وسلم في الحج فيقول:"حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَقَطِيفَةٍ لَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ"([16]) .وأما هديه صلى الله عليه وسلم في لباسه فقد كان صلى الله عليه وسلم في غاية الزهد فيه، واقتصر منه على ما تيسر، ففي الصحيحين من حديث أبي بردة رضي الله عنهقال:"دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ وَكِسَاءً مِنْ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُلَبَّدَةَ قَالَ: فَأَقْسَمَتْ بِاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ" ([17])، والكساء الملبد: أي المرقع، لقد كان صلى الله عليه وسلم زاهداً في كل جوانب حياته، مُهوناً من أمر الدنيا حتى قال:"لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ" ([18])، وقال:"لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" ([19]) فهذه لمحة موجزة عن عيش صفوة الخلق، وخاتم النبيين، وهي تُذكر المسلم بحقارة الدنيا، وهوانها على الله، وتسكب في القلب الرضا والطمأنينة، والقناعة بما قسم الله للإنسان، وفي الحديث:"قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ" ([20]) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] - أخرجه البخاري ح ( 4461 ) [2] - أخرجه البخاري ح ( 2916 ) ، ومسلم ( 1603 ) [3] - أخرجه البخاري ح ( 6460 ) ، ومسلم ح ( 1055 ) [4] - أخرجه البخاري ح ( 2970 ) ، ومسلم ح ( 5416 )[5] - أخرجه البخاري ح ( 2567 ) ،ومسلم ح ( 2972 )[6] - أخرجه أحمد ح ( 13447 )[7] - أخرجه مسلم ح ( 2977 ) ، والترمذي ح ( 2372 ) ، وقال: حديث حسن صحيح . [8] - أخرجه مسلم ح ( 1154 ) [9] - سورة الأحزاب 28 -29 [10] - أخرجه البخاري ح ( 4786 ) ، ومسلم ح ( 1475 ) [11] - أخرجه البخاري ح ( 3563 ) ، ومسلم ح ( 2064 ) [12] - أخرجه أحمد ح ( 16735 ) ، والترمذي ح ( 2380 ) وقال: حديث حسن صحيح. [13] - أخرجه البخاري ح ( 6456 ) ، ومسلم ح ( 2082 ) [14] - أخرجه البخاري ح ( 2468 ) ، ومسلم ح ( 1479 ) [15] - أخرجه الترمذي ح ( 2377 ) ، وقال: حديث حسن صحيح [16] - أخرجه ابن ماجه ح ( 2881 )[17] - أخرجه البخاري ح ( 3108 ) ، ومسلم ح ( 2080 ) [18] - أخرجه الترمذي ح ( 2320 ) ، وقال: حديث صحيح غريب من هذا الوجه [19] - أخرجه البخاري ح ( 6446 ) ، ومسلم ح ( 1051 ) [20] - أخرجه مسلم ح ( 1054 ) | |
|
وردة الجبل عضو نشيط
عدد المساهمات : 153 تاريخ التسجيل : 20/09/2011
| موضوع: رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عيشه الأحد ديسمبر 18, 2011 10:18 pm | |
| | |
|