اهتمت التربية بالأسس النفسية بعد أن كان الاهتمام منصبا على عقل الإنسان بشكل رئيس ويرجع ذلك إلى أن الإنسان كل متكامل لا يمكن تجزئته والتربية تسعى إلى الارتقاء بنمو الإنسان العقلي والجسدي والخلقي، وقد أدى الاهتمام بعلم النفس ومراعاة الأسس النفسية التي يقوم عليها التعلم بالمتعلم إلى شكل أفضل، وإلى اختيار أفضل الطرق لتحقيق أهدافها، ويقع علي عاتق المعلمين والمخططين التربويين وراسمي السياسات التربوية وواضعي المناهج لدي قيامهم بواجباتهم أن يأخذوا بعين الاعتبار الأمور التالية:
الذكاء والقدرات والاستعدادات، والفروق الفردية، والطبيعة الإنسانية ، الحاجات والدوافع، والانتباه والإدراك والتذكر والنسيان والتفكير والاستدلال، والتعلم ونظرياته وطرقه والعوامل المؤثرة فيه.
وفيما يلي شرح موجز لهذه الأسس :-
1- الذكاء
يعرف الذكاء بأنه (قدرة الفرد على الفهم والابتكار والتوجيه الهادف للسلوك) وهو أيضا (القدرة على التكيف ) ومن خلال هذين التعريفين يمكننا استنتاج الحقائق التالية:
أ- الذكاء كلمة مجردة أو تكوين افتراضي لا يشير إلى شيء ملموس وإنما نستدل عليه من خلال آثاره .
ب-الذكاء قدرة ذاتية تميز الإنسان عن غيره وتمكنه من القيام بأفعال لا يستطيعها من لا يملك سمة الذكاء.
ج- الذكاء نشاط عقلي يعتمد على الإدراك والمعرفة .
د- الذكاء يسبق الخبرة والتعلم، وهو نتاج تفاعل الوراثة والبيئة، فالإنسان يولد مزودا بقسط معين من الذكاء وتعمل البيئة على تنميته .
ه- الذكاء عملية تتعلق بوظائف العقل لذا فهو عملية معقدة تسعى إلى إدراك العلاقة بين مجموعة من الأحداث التي تحدث في وقت واحد.
ويؤثر الذكاء باعتباره أساسا مهما في عملية التعليم , وفي توفير القدرة للفرد علي الابتكار والتعلم وحل المشكلات وحسن التصرف , وإدراك العلاقات بين الأشياء .
أنواع الذكاء :
· الذكاء العملي : ويرتبط هذا النوع من الذكاء بالمهارات الأدائية العملية وقدرة الإنسان على التعامل مع المواقف العملية أو مع الأدوات والآلات والمهارات ذات الطابع العملي ، فمثلا هناك من هو ناجح في إتقان صنعة في حين لم يكن ناجحا في الدراسة.
· الذكاء النظري : ويتميز صاحب هذا النوع من الذكاء بالقدرة على التعامل مع الرموز والأفكار والصيغ الكلية والتحليل الدقيق للمسائل المجردة .
· الذكاء الاجتماعي : ويتميز صاحبه بالقدرة على التكيف الاجتماعي والانسجام مع البيئة الاجتماعية بشكل سريع ومقبول، ويحتفظ بعلاقات واسعة مع الجميع .
مراتب الذكاء :
قسم العلماء الأفراد بحسب نسبة ذكائهم إلى تقسيمات أربعة هم :-
أ. الموهوبون وهم فئتين ، الأذكياء جدا وتكون نسبة ذكائهم ما بين (120-140)، والعباقرة الذين تزيد نسبة ذكائهم عن (140) .
ب. متوسطو الذكاء وهم الغالبية العظمى ويقسمون إلى :
- فوق الوسط وتكون نسبة ذكائهم من (110-120).
- الوسط وتكون نسبة ذكائهم (90-110).
- دون الوسط من ( 80-90)
ت. الأغبياء ، وهم فئة من الناس قادرة على التعلم ولكنها غير قادرة على التصرف إزاء المشكلات التي تحتاج للتحليل والربط وتكون نسبة ذكائهم ما بين (70-80).
ث. ضعاف العقول ، وهم غير قادرين على التعلم أو إدارة شئون حياتهم دون إشراف من الغير ومن أشكال هذه الفئة (الأهوج) ونسبة ذكائه ما بين (50-70)، والأبله ما بين (20-50)، والمعتوه وتكون نسبة ذكائه أقل من (20) .
ويعد الذكاء عاملا أساسيا في التحصيل الدراسي والنجاح في مختلف جوانب الحياة ، وترتكز التربية على معرفة مراتب الذكاء لوضع التقسيمات المنطقية للمراحل الدراسية ووحدات المنهاج ، وعلى الرغم من أن الذكاء ليس العامل الوحيد الذي يؤثر في عملية التحصيل الدراسي، إلا أنه من العوامل المهمة بالإضافة إلى عوامل القدرة والاستعداد والانتباه ... إلخ .
2- الاستعداد
وهو العمر الزمني الذي يسمح للطفل بدخول خبرة تهيأت له فيها فرص النجاح , فدخول الطفل الي المدرسة وهو في عمر ست سنوات يمكنه الاستعداد أن يمسك القلم ويكتب ويقرأ ويتعامل مع بعض المفاهيم البسيطة .
ويبرز الاستعداد لدي الطفل تجاه سلوك يرغب في أدائه من خلال توافر عدة مؤشرات أهمها :-
أ- حماس الطفل ونشاطه وميله إلي ممارسة وتعلم خبرات جديدة .
ب-نجاح الطفل في أداء مهمة .
ت-توافر النضج الجسدي والعقلي الذي يمكن الطفل من أداء الخبرة والمهارات الجديدة .
ث-الذكاء الذي يفوق العمر الزمني الحقيقي للطفل والذي يبرز في مواقف أخري.
خصائص الاستعداد وسماته :
أ- العمومية والخصوصية , فالاستعداد العام يؤهل الفرد للنجاح والاستعداد الخاص يؤهله للتفوق .
ب-القوة والضعف , فالاستعداد يقوي داخل الفرد تجاه الرياضة مثلا ًويضعف أمام الرياضيات .
ت- الوسطية لدي أغلب الناس في القدرات حيث يقل المتفوقون والمبادرون والمبدعون، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليقه على طبيعة الناس وقدراتهم ( الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ).
ث-فطري مكتسب , فالاستعداد يكون وراثيا ً فطريا ً كامتلاك الطفل لقوة في قدميه تجعله قادرا ًعلي الحركة أكثر من غيره, ويكون الاستعداد أيضا ً بيئيا ً مكتسبا ً مثل اكتساب مهارات معينة وإبداء الاستعداد لتنفيذها .
ج- الاستعدادات لا تبدو واضحة متمايزة في مرحلة الطفولة بل تبدأ بالتخصص والتمايز مع مطلع المراهقة وذلك نتيجة الخبرة والتدريب .
3-القدرات
القدرة هي كل ما يستطيع الفرد أداؤه في اللحظة الأخيرة الحاضرة من أعمال وهي إما أن تكون موروثة ( كالقدرة علي الرضاعة أو مكتسبة كالقدرة على السباحة ) وتنقسم القدرات إلي عدة أنواع :-
أ- القدرات اللفظية : وتتعلق بتكوين الكلمات ولفظها بطريقة صحيحة .
ب-القدرة العددية : وتظهر باستخدام الأرقام والعمليات الحسابية.
ت-القدرة المكانية : وتبرز في إمكانية تصور الأماكن ووصفها.
ث-القدرة علي التذكر : كالربط بين موقف معين وموقف سابق .
ج- القدرة علي الاستدلال : وذلك بالاستدلال علي الأصل من خلال الفرع أو الأثر
( والسير يدل علي المسير )
والقدرات إما أن تكون فطرية موروثة لا تحتاج لتدريب لكنها تتقوي بالتدريب (كالحركة والمشي ). أو مكتسبة يحصل عليها الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية والتربية .
خصائص القدرة
أ- القدرة لاحقة للاستعداد وملازمة له، فإذا توفر الاستعداد النفسي لفعل أمر ما فإن القدرة هي التي تدفع الفرد لتنفيذ ما استعد لفعله ،
ب- القدرة ترتبط بالعمر الزمني للإنسان فهي عند الأطفال تكون غير متمايزة تماما ، لكنها تبدأ في التمايز عند مستويات التعليم الثانوي والجامعي.
4- الفروق الفردية
تؤثر قدرات الناس واختلاف إمكاناتهم العقلية والجسدية في عملية التعلم وتتمايز هذه الفروق تبعا ً للموقف وقدرة الفرد في التعامل معه, ومن أهم أسباب وجود الفروق الفردية هي الوراثة والبيئة .
العوامل المؤثرة في مدي الفروق الفردية :
أ0 العمر الزمني : حيث تزداد الفروق بين الناس بزيادة العمر ومن هنا يتم توجيه الأفراد وتقسيمهم إلي مراحل تعليمية مختلفة .
ب. مستوي التعقيد في السلوك : فكلما ازداد التعقيد في أداء سلوك معين كلما برزت الفروق الفردية بشكل أوضح سواء كان هذا السلوك عقلي أو بدني.
ج . التدريب : حيث يتفق معظم الباحثين أن الفروق الفردية تزيد بالتدريب , فالفرد يختلف أداؤه قبل التدريب عن أدائه بعد التدريب، فتزداد الفروق بين الشخص الذي يتلقى تدريبا ً عن الشخص غير المدرب .
د- النوع : فالذكور تتضح لديهم القدرات الجسدية بفارق واضح عن الإناث في حين تزداد العاطفة عند النساء .
5- الحاجات والدوافع
الحاجات :
تعرف الحاجة بأنها حالة من النقص والافتقار يصاحبها نوع من التوتر والضيق الذي ينقضي ويذهب بتلبية الحاجة وانقضاؤها .
والحاجات تنقسم إلي :-
أ- حاجات جسمية فسيولوجية مثل الأكل والشرب والملبس والمسكن
ب-حاجات نفسية وهي ست حاجات :-
- الحاجة إلي الطمأنينة ( من بات أمنا ً في سربه , معافاً في بدنه مالكاً قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا )
- الحاجة إلي الحب المتبادل ( ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار ).
- الحاجة إلي تقدير الآخرين : فالإنسان يحب أن يكون مقدراً مقبولا عند الآخرين حتى ينطلق وينجز ( إن الله إذا أحب فلانا ً نادي في ملائكة السماء يا ملائكتي إني أحب فلانا فأحبوه ثم ينادي الملائكة في أهل الأرض يا أهل الأرض إن الله يحب فلانا ً فأحبوه فيكتب له القبول في الأرض ) .
- الحاجة إلي النجاح : لأن من شأن ذلك أن يعزز الإنسان نحو تحقيق نجاح آخر ويحقق التكيف المطلوب للفرد مع ذاته ويعزز ثقته بنفسه
- الحاجة إلي الحرية ك التي تسمح له في اختيار الطريق الذي يسلكه واحترام رغبته في تأكيد ذاته في حدود معينة .
- الحاجة إلي سلطة ضابطة توجهه وتساعده علي تعليمه القيم والتعرف إلي السلوك المرغوب المنضبط في حدود الشرع .
وتختلف الحاجات باختلاف عمر الإنسان , وتفيد معرفة الحاجات في التخطيط التربوي وتوفير أجواء تعليمية تربوية مناسبة .
الدوافع
تعرف الدافعية بأنها حالة داخلية أو القوة الذاتية التي تحرك سلوك الفرد نحو تحقيق هدف معين يشعر بأهمية أو الحاجة إليه .
وظائف الدوافع ( الدافعية ):
1- إثارة الحماسة الكاملة داخل نفس الإنسان باتجاه أداء نشاط معين .
2- جعل السلوك موجها في استجابة لمواقف دون أخرى والتصرف بطريقة معينة فى مواقف معينة (تحديد شكل السلوك ) .
3- توجيه السلوك لتحقيق هدف معين وإبعاده عن العشوائية
تصنيف الدوافع حسب مصادرها وأهدافها:
1- دوافع أولية فطرية تولد مع الإنسان مثل دافع الجوع والعطش .
2- دوافع مكتسبة تكسب من خلال البيئة والخبرة وتختلف من شخص لآخر مثل الدافع الديني .
3- دوافع شعورية يتحكم فيها الفرد وتكون تحت سيطرته من حيث تعديليها أو إبقائها أو تأجيل التعبير عنها مثل دوافع الحب والكره .
4- دوافع لا شعورية تدفع الإنسان لبعض السلوكيات دون أن يعرف سبب هذه الدوافع مثل حالات التعدي غير المقصود أو عدم قبول شخص ما دون القدرة على معرفة السبب .
الأهمية التربوية للدوافع:
تكمن الأهمية التربوية للدوافع فيما يلي :-
1- تعتبر الدوافع هدفا تربويا ًيسعى المربون دائماً إلى استثارته وإبقائه حياً في نفوس الطلبة لتحقيق التعلم أو الإقبال على ممارسة تربوية مطلوبة .
2- تمثل الدوافع وسيلة لتحقيق أهداف تربوية مثل الوصول إلي تفوق فالدافع هنا وسيلة مهمة لتحقيق هدف التفوق .
3- تبرز أهمية الدوافع في كونها متعلقة بالحاجات الأساسية التي يرغب الإنسان في تحقيقها فإذا تحققت الحاجة نشطت الدوافع كمثيرات لتحقيق مزيد من النجاح .
6- الانتباه الإدراك
الانتباه والإدراك عمليتان متلازمتان، فالانتباه حالة من التركيز تجاه مثير معين، والإدراك هو تفحص هذا المثير وإدراك محتوياته بالحواس وفهمه ( فـأنا أنتبه إلي الصوت المفاجئ ثم أدرك أن الصوت هو طرق الباب) .
فالانتباه :- هو عملية توجيه العقل نحو اختيار مثير معين من بين عدة مثيرات تحيط بالفرد.
أنواع الانتباه :-
1- الانتباه الإرادي :- ويكون بتوجيه العقل نحو حدث مخطط أو موضوع يهم الإنسان فيركز فكره وانتباهه نحوه ومن أمثله هذا الانتباه , انتباه الإنسان وتركيزه أثناء مشاهدته فيلما أو مباراة كرة قدم.
2- الانتباه غير الإرادي :-
هو ذلك الانتباه الذي يأتي استجابة لمؤثر مرغوب لدي الفرد دون تخطيط مسبق أو قصد كانتباهه لأنشودة سمعها من الراديو وهو يحبها أو الانتباه لقصة يسردها المعلم في الحصة، وهذا النوع من أفضل أنواع الانتباه في العملية التعليمية .
3- الانتباه القسري :-
وهو الانتباه الذي لاستطيع المرء تجاهله مثل صوت عارض (قصف جوي) يفرض علي الإنسان من الخارج لكنه قد يشكل منطلقا ً للتحول من انتباه قصري إلي انتباه إرادي ومثال ذلك أن يركز الإنسان لمعرفة من المستهدف من القصف وحجم الدمار والشهداء .