تقديم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد :
فإن التربية عملية شاقة تشمل النفس والجسد والعقل والسلوك والروح والوجدان والأخلاق والإنسان والمجتمع والحياة برمتها ، لذا كانت بحق رسالات الأديان التي توجت بالإسلام هي رسالات تربية وإصلاح وتقدم وترق.
والتربية لا تتحدد بزمان أو مكان أو بيئة ، وإنما تحتاج إلى ممارسة ومتابعة وتعاون جميع العقلاء لإنجاح مهمتها ، حتى تتآزر جهودهم في تحقيق الغاية المرجوة منها ، لذا كانت شرائع الإسلام في العقيدة والعبادة والمعاملات دائمة متجددة ملازمة لحياة الإنسان ، تبشر وتنذر ، وترغب وتحذر.
ولا غرو في أن تظل الهداية الربانية وجهود الأنبياء والمرسلين والمصلحين هي النبراس الأول للتربية والمنار المضيء للأجيال ، والحكم الفاصل في نظريات التربية قديما وحديثا.
وما الزواجر والمواعظ المتكررة ومناهج الترغيب والترهيب المتلازمين غالبا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، إلا عوامل ناجحة وحاسمة في تحقيق أهداف التربية الناجحة والوصول إلى الكمال المنشود ، وإعداد الفرد الصالح الملتزم بالأخلاق والقيم الصالحة كالتزامه بالعقيدة والإيمان بالله عزوجل.
وإن هذا الإنسان بأطماعه وحرصه على كسب أكبر قدر من فوائد الكون ليحتاج إلى الحد من أطماعه ، وتخفيف حدة حرصه ووضع ضوابط فعاله أمام جشعه ، ومنع استرساله بما تملي عليه قوته وجبروته ، وذلك حتى تكون المنافسة بينه وبين بني جنسه شريفة لا نزاع فيها ولا صراع ، ولا يتحقق ذلك إلا بأصول راسخة من التربية التي تضمن له السعادة والطمأنينة والاستقرار ، وتكون عاملا مهما في التوصل لتحقيق الآمال العراض في حياته ، بل لتمنحه القدرة على فهم الحياة ، وتزوده بطاقات روحانية هائلة يتغلب بها على مصاعب الدنيا ومعكرات المعيشة.
ومن بداهة القول أو نافلته التأكيد عى أن رسالة الدين وتاجه الإسلام تقوم على منهج التربية الصالحة لإعداد الجيل المؤمن الذي يسعى لخيري الدنيا والآخرة ، وخير نفسه وغيره من أبناء المجتمع على قدم المساواة ، حتى لا يكون هناك في ساحة الحياة أحقاد ولا أطماع ، ولا صراعات ونزاعات ، ولا انحرافات ومفاسد ، ولا جبن وتخاذل ، ولا فتور وخمول ولا حسد ولا تغابن وغش ، وإنما شأن ديننا وعقيدتنا إعداد النفس المؤمنة الصالحة التي لا تعرف اليأس والقنوط ، وتتميز بالإقبال على الحياة بروح طيبة متفائلة راضية ، متعاونة أمينة متفائلة راضية ، متعاونة أمينة على مصالح الأمة وتطلعاتها ، تفيد وتستفيد ، وتعطي ولا تمنع ، وترحم ولا تقسو ، وتصفو ولا تكدر ، وتتنامى ولا تخبو وتتقدم ولا تتأخر ، وتكون هي الطليعة في كل شيء نافع مفيد للإنسان والإنسانية جمعاء.
وإن أهم ما علمنا الإسلام في مجال التربية هو خلق الأمانة ، حتى يكون المربي أمينا على حاجات الناس ، وتكوينهم وتطلعاتهم ، فلا تعصف به الأهواء والشهوات ، والميول والتيارات ، والنزعات الهدامة ، فيضيع مقدرات الأمة ويسيء لعقول أبنائها ويجعلها في شتات وضياع. وعلي المربي أن يكون دائما مراقبا ربه ، خائفا من عقابه وعذابه ، لا يتردد عن قول الحسن وفعله والترغيب فيه ، والتنفير من القبيح والنهي عنه.
ومن متطلبات الأمانة كثرة الاطلاع على العلوم والمعارف القديمة والحديثة ، والتعرف على ما لدى الآخرين من نظريات بناءة ، ليختار ما هو صالح منها ، وينتقي ما هو مفيد ، ويتجنب ما هو ضار ، وإمامه ومنهجه وهدفه وغايته هو الالتزام بنظام الدين والإسلام والخلق الفاضل وأخص بنود الأخلاق خلق الحياء ، إذ لا فائدة من علم بلا أخلاق ، ولا أخلاق بل حياء.
ومن أهم أصول التربية الاجتماعية وركائزها العتيدة في شرعة الإسلام التحلي بروح الأخوة الإنسانية والإيمانية بالله تعالى ، حتى يحس المربي من أعماق نفسه بشعور قوي نحو غيره ، ألا وهو الانتماء لهذه الرابطة الأخوية الأصيلة والتي يكون العطاء والعمل بموجبها.
إن الأمانة والأخوة صمام الأمان للتربية الناجحة ، ولعل أخلص القائمين بالتربية هم الموجهون الدينيون الذين لا يرجون جزاء ولا شكورا ، فتراهم يتحرقون من أجل إيصال الكلمة الطيبة لغيرهم والتذكير بالعمل الصالح مناط الحياة الفاضلة.
وبعد ، فإن التربية أخطر عملية يتأثر بها الإنسان وعليها يتوقف نمو الإنسان إلى أقصى الحدود المرسومة له ، وبها يصلح لأداء المهمة المنوطة به.
وحين تبرز أمة على مسرح التاريخ ، وتتفوق على الأمم المعاصرة والسابقة لها ، وتصبح أشد منها قوة وأكثر رقيا ، وتحقق العدل والحياة الكريمة لأفرادها ؛ ثم تريد أن تكشف السر الذي جعلها خير الأمم ، فادرس المنهج الذي ربت عليها صغارها ؛ فجعلتهم أبطالا صالحين وعلماء راسخين.
وإن القرآن الكريم هو دستور التربية الناجحة ؛ لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنزله لهداية الخلق وارشادهم ، كما جاء في قوله سبحانه :
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) سورة الإسراء : (9).
وهو يتضمن أعظم منهج تربوي عرفه البشر. وقد جربته أمة كانت تعاني من الفرقة والضعف والجهل والتأخر ، فأصبحت أرقى الأمم وأعلمها وأقواها ، وبقيت كذلك قرونا عديدة ، وهي تنهل من معينه الفياض ، وتأوي إلى ظله الوارف ، ثم حدثت عوامل جعلتها تنحرف عنه ؛ فمنيت بالتمزق والتخلف.
وهي الآن تحاول أن تلحق بمن سبقها في مضمار الرقي ، ولكنها تتعثر في سيرها ، وتجد العقبات والمزالق في طريقها. فإذا أرادت أن ترقى القمة مرة ثانية ، وأن تأخذ بيد البشرية الضالة ، وأن تنقذها من شفا الحفرة التي توشك أن تقع فيها ؛ فيجب أن تعود إلى ذلك المنهج القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وبجانب القرآن الكريم توجد السنة النبوية ، وهي مبينة لمعانيه ، ومتممة لأحكامه. وهي مثله تحوي على منهج تربوي قويم ، ولا ريب في ذلك ، فقد كان الرسول صلىاللهعليهوسلم أعظم المربين وأكبر المصلحين ؛ ربى أمة بكاملها على أسس سليمة ومبادئ قويمة فكانت خير أمة أخرجت للناس. قال الله عزوجل :
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) سورة آل عمران : (164).
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الجمعة 2 ولذا يجب على من يحاول استخراج منهج القرآن في التربية أن يرجع إلى السنة ليكتمل عمله ، وتعظم الفائده منه.
الحاجة إلى التربية
يحتاج إلى التربية كل كائن حي ينمو ويكبر ، ويتعلم ويزداد قوة ، ويتأثر بالتدريب والتوجيه. والكائنات قسمان : جامدة وحية. أما الكائنات التي نحسبها جامدة ، والتي لا تتغذى ولا تنمو ، فلا تخضع لأي عملية تربوية. وأما الكائنات الحية من نبات وحيوان وإنسان فهي التي تخضع للتربية ، ويجعلها المربون حقلا لأعمالهم. ولكل كائن ما يناسبه. وأبسط هذه الكائنات وأقلها حاجة إلى التربية النبات. وأشدها تعقيدا وأكثرها حاجة إلى التربية الإنسان. وإليك تفصيل ذلك :
أ ـ تربية النبات :
لا يهتم الناس بتربية كل أنواع النبات ، وإنما يهتمون بتربية أنواع مخصوصة تفيدهم في الغذاء أو البناء أو يصنعون منها الألبسة والمفروشات ، أو يتمتعون بالنظر إلى أوراقها الخضراء وأزهارها الجميلة ويبتهجون باستنشاق روائحها الشذية.
وأول ما يجب على من يريد تربية بعض النباتات أن يحدد الغاية من تربيتها ، وهل يقصد التغذي بها ، أو الحصول على ثمارها ، أو الانتفاع بأخشابها ، أو غير ذلك؟
ثم يجب أن يدرس تركيب التربة التي يريد زراعتها ويختار المزروعات المناسبة لها. فالتربة تختلف في تركيبها والعناصر المؤلفة لها ، كما تختلف في ألوانها. وقد جعل الله هذا الاختلاف كالاختلاف في ألوان الثمار آية على قدرته. قال سبحانه وتعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ (7) بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) (8).
ولما كان الماء الذي يروي المزروعات متماثلا في تركيبه في كل الأصقاع ، فإن اختلاف التربة من مكان إلى آخر يجعل النباتات مختلفة في أشكالها وألوانها ، بما أودعه الله في كل منها من الخاصية التي تجعله يمتص من التربة العناصر المناسبة له دون غيرها. قال تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً (9) وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها (10) قِنْوانٌ دانِيَةٌ (11) وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً
وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ (12) انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ (13) إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (14).
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ (15) وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (16)
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ (17) سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ (18) فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ (19) لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً (20) كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) (21)
وإذا غرست التربة الطيبة بالأشجار الملائمة لها ، وأمدت بما تحتاج إليه ، فإنها تصبح جنات بإذن الله. قال الله عزوجل :
(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ (22) وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (23)
ثم يجب أن تختار النباتات المناسبة لمناخ المنطقة التي تزرع فيها. فأشجار المناطق الحارة لا تعيش في المناطق الباردة ، والنباتات التي تحتاج إلى رطوبة عالية لا تحتمل الجفاف الشديد ، ولكل نوع من المزروعات فصل تزرع فيه ، وما يزرع في الصيف لا ينمو إذا زرع في الشتاء ، فيجب أن تزرع النبتة في الفصل المناسب لها.
وبعد تهيئة الأرض وبذرها أو شتلها بالغراس تحتاج إلى الري بالماء الذي ينزل من السماء أو الذي ينبع من الأرض. قال سبحانه :
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (24) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (25)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ (26) يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ (27) فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً (28) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (29)
وحاجة النباتات إلى الماء تختلف في المقدار ومواعيد الري بحسب النوع والفصل والتربة والمناخ. فيجب جعل الماء بالمقدار المناسب وفي الوقت المناسب ، أو زرع ما يتناسب مع كمية الماء التي تنزل من السماء كل عام في الأرض البعلية.
وفوق ذلك يجب حرث الأرض وقلع الأعشاب الغريبة ، وقطع الأغصان اليابسة والتي تنمو بشكل غير مرغوب فيه. كما يجب إضافة السماد ومكافحة الحشرات والأوبئة. وهذا كله يحتاج إلى خبرة ودراية لا يحيط به غير المختصين بهذا الشأن.
فإذا روعيت كل هذه الأمور فإن المحصول يكون وفيرا وجيدا.
فإن كان حبوبا فإنها تتضاعف إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى :
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (30)
وإن كان أشجارا فإنها ترتفع عالية ، وتتفرع أغصانها. وتعطى ثمارا يانعة جيدة.
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ. تُؤْتِي أُكُلَها (31) كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (32)
وبذلك تحقق تربية النبات هدفها.
تربية الإنسان :
إن تربية الإنسان أشد تعقيدا وأكثر أهمية ، وهي تستغرق مدة أطول من تربية غيره من الكائنات.
فأما المدة التي يحتاج إليها الإنسان في التربية فتدوم طوال حياته ، لأنه لا يصبح كاملا وإن طالت تربيته ، فتراه يخطئ ويتعثر في سيره ، ويقع في المشكلات من حين إلى آخر. ومهما حصل من العلوم ، وتلقى من التربية يبقى محتاجا إلى المزيد منها. وهذا سر قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (55)
وتبقى علوم الإنسان محدودة وضئيلة لقصور عقله وقلة إدراكه :
(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (56)
ولذلك فإنه يحتاج إلى من يوجهه وينصحه ويربيه ويعلمه ما دام حيا وتعظم حاجته إلى التربية في المراحل الأولى من عمره ، وخاصة حين يصبح مميزا قادرا على الفهم حتى سن البلوغ والرشد ، أي ما بين السنة السادسة والسابعة إلى الخامسة عشرة والثامنة عشرة من عمره.
وأما أهمية تربية الإنسان فلمكانته المرموقة في هذا الكون ؛ فقد جعله الله خليفة في هذه الأرض :
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (57)
وسخر له ما في البر والبحر وما في السموات والأرض :
(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا (58) مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (59) وجعله من أكرم وأفضل المخلوقات :
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً). (60)
والإنسان لا يستطيع إعمار الأرض وتحقيق الخلافة فيها ، ولا يستطيع الاستفادة من ثروات الأرض وخيرات السماء على أحسن وجه ، ولا يستحق التكريم والتفضيل إلا بالتربية الرفيعة التي ينالها والعلوم الهامة التي تعلمها ؛ ولهذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم لما أخبرهم بأسماء الأشياء التي لم يتعلموها. قال سبحانه :
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي
بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ). (61)
وأما سبب تعقيد وصعوبة تربيته فلانه توجد فيه عدة عناصر ، ويتأثر بكثير من العوامل ولا تقتصر تربيته على جسمه كالنباتات والحيوانات ، بل يجب أن تشمل عقله وروحه وانفعالاته أيضا. وتفصيل ذلك نستأنفه بعد تحديد أهداف التربية.
الهوامش
__________________
(9) بعضه فوق بعض كسنابل الحنطة.
(10) ثمرها أول انعقاده
(11) عراجين النخل أي عناقيده تكون قريبة بعضها من بعض ومتدلية
(12) أي يشبه بعضها بعضا في الأوراق ، ويختلف في الطعم واللون
(13) نضجه
(14) سورة الأنعام : 99
(15) أي بعضها يتسلق العرائش كأشجار العنب ، وبعضها لا يحتاج إلى عرائش ، وبعضها يزحف على الأرض ، وبعضها يرتفغ عاليا.
(16) سورة الأنعام : 141
(17) حملت
(18) لا نبات فيه
(19) فسد ترابه
__________________
(20) عسرا بمشقة
(21) سورة الأعراف 57 ـ 58
(22) أي تخرج نخلتان أو أكثر من أصل واحد
(23) سورة الرعد : 4
(24) ترعون دوابكم
(25) سورة النحل : 11
(26) أدخله
(27) ييبس
(28) فتاتا
(29) لذوي العقول والآية في سورة الزمر : 21.
(30) سورة البقرة : 261
(31) تعطي ثمرها
(32) سورة ابراهيم : 24 ـ 25
(33) الأنعام هي الإبل والبقر والغنم والماعز
(34) تردونها إلى مراحها بالعشي.
(35) تخرجونها إلى المرعى بالغداة
(36) بجهدها
(37) بيان الطريق المستقيم
(38) حائد عن الاستقامة.
(39) سورة النحل : 5 ـ 9
(40) الفرث : ما في كرش الحيوانات وأمعائها من الغذاء
(41) سورة النحل : 66
(42) سخرناها
(43) سورة يس : 71 ـ 73.
(44) الحاجة هي حمل الأثقال إلى البلاد.
(45) الفلك : السفن. والآيتان في سورة المؤمن : 79 ـ 80
(46) الحمولة : الصالحة للحمل عليها كالإبل الكبار. والفرش : التي لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم. سميت فرشا لأنها كالفرش للأرض ، لدنوها منها. أو لأنها تتخذ منها المفروشات.
__________________
(47) سورة الأنعم : 142
(48) يبنون
(49) مسخرة لك
(50) سورة النحل : 68 ـ 69
(51) سورة المائدة : 4
(52) إحياء علوم الدين ج 2 ص 275.
(53) رجعي صوته بالتسبيح والقراءة.
(54) سورة سبأ : 10.
(55) سورة طه : 114
(56) سورة الإسراء : 85
(57) سورة البقرة : 30
(58) لتطلبوا
(59) سورة الجاثية : 12 ـ 13.
(60) سورة الإسراء : 70
(61) سورة البقرة : 21 ـ 23.