تميزت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بخصائصٍ منها:
أ) عمومها: كان الأنبياء السابقون يرسلون إلى أقوامهم خاصة، وربما إلى قبيلة واحدة من القوم، وربما إلى عائلة واحدة، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت رسالته عامة شاملة إلى جميع الناس، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ﴾ [الأعراف: 158]، فكان خطابه إلى الناس بالصيغة العامة، بينما الأنبياء السابقون كانوا يخاطبون أقوامهم بقولهم (يا قومي...)، ويقول جل من قائل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ [سبأ: 28]، ويقول عز وجل: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الحج: 49]، ويقول جل جلاله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة"[1].
ب) نسخها لجميع الرسالات، والشرائع السابقة: يقول عز وجل: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [المائدة: 48]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... لو أن موسى عليه السلام كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني". ويقول أيضاً: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به كان من أصحاب النار"[2].
ج) كمالها وخلودها: يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ﴾ [المائدة: 3]، لقد ختم الله الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وختم النبوات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله جل جلاله: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"[3].
د) يسرها وسهولتها: إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة، لذا كانت شرائعها ودينها يمتاز باليسر والسهولة، يقول جل جلاله: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، ولقد رفع الله جل جلاله عنها الإصر والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، يقول جل جلاله: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6][4]. ويقول: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].
هـ) الرسالة هي المعجزة والمعجزة هي الرسالة: فالرسالة المحمدية متضمنة القرآن الكريم، والقرآن معجزة الإسلام العظمى الخالدة إلى يوم القيامة، ولم تكن معجزات الأنبياء السابقين إلا معجزات مادية ملازمة لشخص النبي، وانتهت بانتهاء النبي، ولم يبق إلا الحديث عنها، أما معجزة القرآن الكريم فإنها باقية مستمرة، تقام الحجة بها في جميع العصور وعلى أهل كل جيل من الأجيال.
[1] أخرجه البخاري من حديث جابر رقم (427) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً، 1 /168.
[2] رواه أحمد في المسند، رقم (15195).
[3] أخرجه مسلم رقم (2286) باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، 4 /179.
[4] انظر هذه الخصائص وغيرها في معالم الثقافة الإسلامية، د. عبدالكريم عثمان، ص50، وما بعدها، والخصائص العامة للإسلام.