نشأة قصيدة النثر
لم تولد قصيدة النثر من فراغ،وإنما كانت هناك محاولات تجديدية في الشعر العربي الحديث منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، فقصائد محمد سعيد الحبوبي (ت 1916) وجميل صدقي الزهاوي (ت 1936) ومعروف الرصافي (ت 1945) ومحمد رضا الشبيبي (ت 1965) كانت تختلف في الموضوعات عن قصائد شعراء القرن التاسع عشر ، حيدر الحلي (1886) وعبد القادر العمري (1861) وعبد الغفار الأخرس (1874) وغيرهم.
وفي مصر كان محمود سامي البارودي قد أعطى الشعر القديم روحَهُ من جديد وسار على نهجه شعراء مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم... الذين مزجوا بين القديم والحياة اليومية والسياسية لعصرهم، وكانت مدرسة " الديوان" عباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكري وإبراهيم المازني من أكثر الدعاة إلى التجديد في الشعر العربي لتأثرهم المباشر بالمراحل التي قطعها الشعر الغربي في أوروبا وقد نقلوا قصائد كثيرة إلى اللغة العربية أو تأثروا بها ونسجوا على منوالها قصائداً كانت تفوح منها روح التجديد، وكانوا من أشد النقاد تعرضاً للشعر القديم لا سيما شعر أحمد شوقي وأفردوا في ذلك صفحات طويلة من دوريتهم الديوان ، وتبعهم جماعة أبولو في الدعوة إلى الشعر الوجداني المعبر عن المشاعر والأحاسيس الذاتية وتضخيمها وفق رؤى الموجة الرومانسية التي اجتاحت العالم في حقبة سابقة وكان الشعر المهجري ( الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية ) مزيجا من نفحات الشعر الغربي ومداد الشعر العربي، فالخروج من القوافي الموحدة ونظام الشعر الواحد وتعدد الأوزان من السمات المتكررة في شعرهم فضلاً عن الرؤى الرومانسية في التعبير المبالغ عن ألآمهم وأحاسيسهم وتصوير الحياة الآلية في الغرب. [url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn1]1[/url]
وفي العراق كان جميل صدقي الزهاوي – على الرغم من عدم اتقانه للغات أجنبية – من أكثر الدعاة إلى التجديد والحداثة قائلاً " أن ينظم الشاعر عن شعور عصري صادق يختلج في نفسه لا عن تقليد ، وذلك ما كان يفعله شعراء الجاهلية....." [url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn2][1][/url]
البداية الفعلية لقصيدة النثر، والرواد : لعلّ ممّا يُجَلِّي مضمون الدعوة إلى ما سُمِّي بـ ( قصيدة النثر ) ما كتبته الأديبة خُزامى صبري عن كتاب الأديب محمّد الماغوط " حزن في ضوء القمر " ، حيث تقول: " مجموعة شعريّة لم تعتمد الوزن والقافية التقليديتين . وغالبيَّة القرّاء في البلاد العربية لا تُسمّي ما جاء في هذه المجموعة شعرا باللفظ الصّريح.
ولكنها تدور حول الاسم فتقول انه ( شعر منثور ) أو ( نثر فني ) وهي مع ذلك تعجب به وتقبل على قراءته ، ليس على أساس انه نثر يعالج موضوعات أو يروي قصة أو حديثاً،بل على أساس انه مادة شعرية.لكنها ترفض أن تمنحه اسم الشعر.[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn3]3[/url]
ويُعرِّف الأستاذ أنيس المقدسي ( النثر الشعري ) بأنه: " أسلوب من أساليب النثر تغلب فيه الروح الشعرية من قوّة في العاطفة وبعد في الخيال وإيقاع في التركيب وتوفر على المجاز . "[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn4]1[/url].
إذاً ـ ومن خلال ما سبق ـ تتضح المعالم التي أرادوها لقصيدة النثر ، أو الشعر المنثور ، أو سمّها ما شئت ، وهي:
أولا: إسقاط الوزن ، فلا مكان للموسيقى في الشعر المنثور ، وإلا لكانت شعراً ، ولما تجادل فيها النقاد ، فهي تُسقط الوزن التقليدي ( البحور العروضية باستخدامها في الشعر العربي القديم ) ، والتفعيلة المفردة كما عند أصحاب الشعر الحر.
ثانيا: أنّ الشعر المنثور غير ذلك النثر الخيالي ـ في نظر أصحابه ـ.
ثالثا: الاعتماد على اللغة المجازية والتخييل ، والتحشيد العاطفي .
أما ما يتعلق بالنشأة: ، فـ " لقد بات واضحا ً أن تاريخ حركة الحداثة في الشعر العربي بدأ مع ما حققه كل من بدر شاكر السيّاب ونازك الملائكة فيما سُمِّي " الشعر الحر " أو " الشعر المتحرر " أو " الحديث " الذي قام على وحدة التفعيلة وزحافاتها الجائزة والتنويع فيها ، وتجسد بعدم تقيده بعدد ثابت من التفعيلات في كل بيت ، وتنوع القوافي .
وفي تنوع آخر كان أصحابه يطمحون إلى خلق أشكال فنية جديدة ترتفع بالشعر إلى مستوى ( النص الشعري ) المتفرد والبعيد عن الأشكال التي عرفتها القصيدة ـ ولدت قصيدة النثر " [url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn5]2[/url] . وكان ذلك في النصف الثاني من القرن العشرين ، كما يذكر ذلك الدكتور بسام قطّوس[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn6]3[/url] .
وترى الأديبة نازك الملائكة أن ظهور هذا النمط الذي يُسمّي النثر شعرا كان على أيدي طائفةٍ من أدباء لبنان الذين تبنتهم مجلة ( شعر)[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn7]4[/url] .
ويعتبر الأستاذ أنيس المقدسي أنّ ( الشعر المنثور ) " محاولة جديدة قام بها البعض محاكاة للشعر الإفرنجي " [url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn8]5[/url] . وذكر أنّ ممّن عُرف بذلك كثيرون ، على رأسهم جُبران خليل جُبران ، وأمين الريحاني .
غير أنّه يرى أنّ ظهور هذا النوع ( قصيدة النثر ) كان في الربع الثاني من القرن العشرين ، كما في مجموعة " عرش الحب والجمال " لمنير الحسامي ، وقد نشرها عام 1925 م ، والتي قدّم لها الريحاني فقال : " هو ذا ديوان شعر لشاب هام بالحب والجمال والفضيلة ونبذ في صنعة الشعر القوالب والقياسات المعروفة كلها .." .
ويُعدّ " أدونيس " و " أنسي الحاج " أبرز منظري قصيدة النثر ، اعتماداً على ما كتبته سوزان برنار في كتابها " قصيدة النثر من بود لير إلى أيامنا " [url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn9]6[/url] . ودعمها من خارجها جبرا إبراهيم جبرا و سلمى الجيوسي.
أولاً : أشكاليات التسمية :
يقول الدكتور عز الدين المناصرة :"ما زال مصطلح ( قصيدة النثر) هو الأكثر استعمالاً وشيوعاً في النقد المعاصر من غيره من المصطلحات التي أطلقت على النمط الكتابي الشبيه بالشعر والنثر معاً. وهذه بعض الأسماء التي أطلقت على قصيدة النثر منذ نشأة الشبيه عام 1905م حين كتب أمين الريحاني أول نص من نوع ( الشعر المنثور) وحتى عام 2001م :
1- الشعّر المنثور 2- النثر الفني 3- الخاطرة الشعرية
4- قِطع فنية 5- النثر المركز 6- قصيدة النثر
7- شذرات شعرية 8- الكتابة الحرة 9- القصيدة الحرة
10- الجنس الثالث 11- كتابة خنثى 12- قصيدة الكتلة
وهناك أسماء كثيرة لهذا الشكل الفني ، وبتقديري أن هذا الخطأ الشائع خير من الصحيح الهامشي الثانوي الفرعي، كما أن الخطأ خير من التعميمات الشمولية المتناقضة. لهذا أرى أن مصطلح ( قصيدة النثر) ، أصبح أكثر شيوعاً ووضوحاً واستعمالاً في النصف الثاني من القرن العشرين ، بينما سيطر مصطلح ( الشعر المنثور) و مصطلح ( النثر الشعري) على النصف الأول من القرن العشرين للدلالة على قصيدة النثر في مرحلتها الأولى، دون أن يتطابقا تماماً".[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn10]1[/url]
ويقول أيضاً:" خلاصة الأمر أن ( الشعر المنثور) بعيداً عن القصدية أو عدمها أي انطلاقاً من المتحقق النصي، أنتج شكل السطر الشعري واستخدام بعض القوافي أحياناً، وأبعد الوزن والقافية . وأمين الريحاني قد ترجم مصطلح ( free verse) إلى ( الشعر المنثور) و( الشعر الحر) واستعمل الأول للدلالة على نصوصه".[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn11]2[/url]
ويعلق الدكتور عز الدين المناصرة على ما قاله جبرا ابراهيم جبرا – أحد رواد قصيدة النثر – فيما يتعلق بالتسمية حين قال: " وقد سمّيت هذا الشعر منذ البداية – شعرا حراً – وفق مفهومي للشعر الحر وهو مفهوم اختلفت فيه مع العديدين . وعُرف عني رفضي لنزوع الكثيرين من دارسي الشعر إلى تسمية هذه القصيدة بقصيدة نثر."[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftn12]3[/url]
يعلق د. عز الدين المناصرة : " طبعاً انطلاقاً من المرجعية الانجليزية ، يصرّ جبرا على التسمية ( الشعر الحر) ويبدو أن صراع التسميات هذا ، قد جاء نتيجة لمسألتين : أولاً : تنافس مثقفوا المرجعيتين الفرنسية والانجليزية على استعراض درجة معرفة المواصفات في الأصول الأوروبية.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref1]1[/url] : جماعة كركوك وقصيدة النثر، عمر ابراهيم توفيق والأستاذ سنان عبد الرحيم ، ط1، 2011، دار غيداء ، عمان،ص 33.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref2]
[1][/url] : الأوشال ، جميل صدقي الزهاوي، المقدمة ، 1934، بغداد
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref3]3[/url] : قضايا الشعر المعاصر ، نازك الملائكة ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 2004م، ص214 ، نقلا عن مجلة ( شعر ) العدد 11 ، 1959م.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref4]1[/url] :
الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث ، أنيس المقدسي ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1988م، ص420.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref5]2[/url] : أزمة القصيدة العربية : مشروع تساؤل ، عبد العزيز المقالح ، دار الآداب ، بيروت، 1985م،ص 71.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref6]3[/url] : الإبداع الشعري وكسر المعيار، ( رؤى نقدية )،د.بسّام قطّوس،لجنة التأليف والتعريب والنشر،جامعة الكويت ، 2005م،ص 89.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref7]4[/url] : قضايا الشعر المعاصر ، ص 214 .
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref8]5[/url] : الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث ، ص 420.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref9]6[/url] : المرجع السابق ، ص 421 .
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref10]1[/url] : إشكاليات قصيدة النثر، عز الدين المناصرة، ط1، 2002، دار الفارس، عمان،ص6.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref11]2[/url] : المرجع السابق، إشكاليات قصيدة النثر، ص9.
[url=file:///E:/woord/%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AB%D8%B1.doc#_ftnref12]3[/url] : جبرا ابراهيم جبرا : الأعمال الشعرية الكاملة – منشورات رياض الريس للكتب والنشر ( المقدمة – ص 9- 10 ) ، لندن ، ط1، 1990م.