*بسم الله الرحمن الرحيم*
*( المسلمُ لا يغشُّ ولا يأكلُ أموالَ الناسِ بالباطلِ )*
__________________________
الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
من صفات المسلم أنه صادق أمين، صادق في أقواله، أمين في أفعاله، يتقي الله تعالى في كل أحواله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقترب مما نهى الله عنه، ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أسوتنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، فحري بالأمة الإسلامية أن تكون أمّة الصدق والأمانة، التي حملت أمانة المسؤولية وورثت رسالة الأنبياء، حتى عمّ الأمن والطمأنينة ، وانتشرت الفضيلة، وتنامى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانت خير أمةٍ أخرجت للناس، لذلك أمر الله تعالى المؤمنين بالتحلي بهذه الصفات العظيمة في كل زمان ومكان، فقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة: 119، فالصادق لا يغش الناس ولا يخدعهم، ولا يفرق صفهم أو يثير الفتنة والنعرة فيما بينهم لأتفه الاسباب فسلامة الصدر دلالة على صدق النوايا، وكذلك لا يحاول أن ينال مكاسب زائلة بالكذب والغش والخداع، لأن هذه الصفات تخالف فطرة المؤمن بالله سبحانه وتعالى، وتخالف مبادئ الصدق والحق الذي جاء بها الإسلام.
والحق أن الغشَّ صفة قبيحة تأبى نفس المسلم أن تتصف بها لقوله صلى الله عليه وسلم: (… منْ غشَّ فليس منّا) صحيح مسلم، ولا ريب أن التعامل بالغش ظاهرة سلبية خطيرة، وسبب لنزع البركة من الأموال، ويؤدي إلى الشقاء والتعاسة، وذهاب لذّة الحياة، وقلّة التوفيق من الله تعالى وسبب لعدم استجابة الدعاء، وهو معرّض للوعيد الشديد من الله تعالى يوم القيامة.
هذا وان من ينزه نفسه عن الغش بطبيعة الحال لا يأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك نال التاجر الصدوق الأمين مكانة عالية عند الله تعالى لأنه تخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي عُرف بـ"الصادق الأمين" فالتاجر الصدوق الأمين له مكانة عالية عند الله تعالى، فإن كان التاجر أميناً صادقاً شاع الأمن في المجتمع، وانتفى الجشع، وساد التكافل، لذا اعتنت الشريعة الإسلامية عناية كبيرة بحفظ هذا المال وحسن إدارته، وعلقت به الأحكام الشرعية، التي تصونه عن عبث المعتدين وأطماعهم.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن » التاجر الصدوق الأمين مع النبين والصديقين والشهداء« سنن الترمذي، فهذه المكانة العالية التي ينالها التاجر الصدوق الأمين عند الله تعالى، بسبب أنّ المال قوام الحياة، بل هو شقيق الروح في الأهمية، وفي تعلّق النفس به، وهو سبب ازدهار الحضارات ونماء الأمم، والتاجر هو القائم على إدارة جانب مهم لأركان الأمة وهو قوتها الاقتصادية، فإن كان التاجر أميناً صادقاً شاع الأمن في المجتمع، وانتفى الجشع، وساد التكافل، لذلك فقد اعتنت الشريعة الإسلامية عناية كبيرة بحفظ هذا المال وحسن إدارته، وعلقت به الأحكام الشرعية، التي تصونه عن عبث المعتدين وأطماعهم، فقال صلى الله عليه وسلم : «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» سنن الدارقطني، كما ربط النبي صلى الله عليه وسلم حرمة المال بحرمة الدماء والأعراض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب..» متفق عليه، فدم المسلم وماله وعرضه له حرمة عظيمة عند الله عز وجل ولا يجوز امتهانها مهما كانت الاسباب.
وجعل الله تعالى التعدي على أموال الناس وأكلها دون وجه حق بالغش والخداع من كبائر الذنوب والمعاصي، فقال تعالى: وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة: 188.
وحّذر المسلمين من الوقوع في هذا الذنب العظيم، ونبّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن من يغش الناس في معاملاتهم فإنه غير مكتمل الإيمان، وأن تصرفاته وسلوكه وأخلاقه يعتريها خلل لا بد من تقويمه، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني» صحيح مسلم.
إن هذه الضوابط الشرعية التي وضعها الإسلام كان لها أكبر الأثر في قوة الإسلام وانتشاره في أقطار الدنيا شرقاً وغرباً، حيث كان التجار هم خير سفراء للإسلام، وقد تجلّت فيهم أخلاقه سلوكاً عملياً قويماً في تصرفاتهم، وأمانتهم في المعاملة، وصدقهم في البيع والشراء، فأضحوا خير سفير لقيم الإسلام ومبادئه، وأقبل الناس على دين الله أفواجاً لمّا رأوا الإخلاص في المسلمين وابتعادهم عن الغش والخداع في المعاملة، لذلك فإن كلّ فرد من المسلمين لا بدّ أن يكون مرآة تنعكس فيه صورة الإسلام الصحيح، وهو على ثغرة من ثُغر الإسلام فينبغي أن يكون سلوكه وخُلقه دعوةً إلى الله تعالى، سواءً كان عاملاً في عمله، أو طبيباً، أو معلماً، أو تاجراً، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم يحفظون أماناتهم، ويرعونها، ويؤدون الحقوق لأصحابها، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون: 8.
وأما من يخادع الناس، ليأكل أموالهم بالباطل، ويغشَّهم في المعاملة، لأجل منفعة دنيوية عاجلة، فإنه بذلك الفعل قد ابتعد عن هدي الإسلام، وضيّع الأمانة التي أمر الله تعالى بحفظها، وانقاد وراء نفسٍ دنيئةٍ تلهث وراء شهوات زائلة، ومتعةٍ ستجرُّ عليه شؤماً، وعذاباً أليماً يوم القيامة.
فمن الآثار السلبية للغش في التعامل مع الناس أنه سبب لنزع البركة من الأموال، فإن الكسب الحلال يبارك الله فيه وإن كان قليلاً، ينمو ويكون عوناً لصاحبه على طاعة الله، والمال الحرام يمحق الله بركته وإن كان كثيراً، لا ينتفع به صاحبه وإن بقي في يده، وقد يسلط الله عليه من يتلفه فيتحسر عليه صاحبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» متفق عليه، وهو كذلك سببٌ في الشقاء والتعاسة، وذهاب لذّة الحياة، فمن كثُر ماله من غشّ الناس وخداعهم، ابتلاه الله تعالى بأن يُغلق عليه مفاتيح الخير والبركة، وتفتح له الطريق المؤدية إلى النار، يقول تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا، وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء: 160-161.
ومن العقوبات الربانية العاجلة في الدنيا للغش قلّة التوفيق وعدم استجابة الدعاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ " صحيح مسلم.
وأما في اليوم الآخر، فإن جزاء من يغُش الناس ويأكل أموالهم بالباطل يوم القيامة، سيجد موازين العدل منصوبة يوم القيامة تأخذ الحقوق لأصحابها، وتطرح أهل الفساد في النار، وقد توعد الله تعالى هذه الفئة بأشد الوعيد، يقول الله عزّ وجل: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ المطففين1-6، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به» سنن الترمذي.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران : 102.
*عباد الله :* إن من صور الغِش، أن يغُش الإنسان في أداء وظيفته ومسؤوليته، فالواجب على كل مواطن أن يكون أميناً وناصحاً للأمة؛ يحفظ أموال الأمة وأوقاتها بصدق وإخلاص وعناية؛ حتى تبرأ ذمته، ويطيب كسبه، ويُرضي ربه، وينصح لوطنه ولأمته، هذا هو الولاء لله والانتماء للوطن، عن جرير بن عبد الله، قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم» صحيح البخاري.
وكما يحرم الاعتداء على الأموال الخاصة فإنه يحرم كذلك الاعتداء على المال العام، بل هو أشد حرمة، قال صلى الله عليه وسلم: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة» صحيح البخاري.
هذا، وإننا نعيش هذه الأيام مع موسم قطاف شجرة الزيتون المباركة واستخراج زيتها الطيب في أكله والإدهان به، وإننا لنعتزّ بتصديره إلى دول العالم ، فالواجب الشرعي يقتضي الابتعاد عن الغش بكل صوره لنكون الأنموذج في أخلاقنا الإسلامية النبيلة، وحتى تزداد البركة، ويعم الخير بإذن الله تعالى، فإن جزاء من يغُش الناس، ويأكل أموالهم بالباطل في الآخرة أنه يجد موازين العدل منصوبة يوم القيامة تأخذ الحقوق لأصحابها، وتطرح أهل الفساد في النار، والعياذ بالله تعالى.
إن الواجب على المسلم ألاّ يغش نفسه بترك العناية بجسده، أو مأكله، ومشربه فمن ترك الوقاية من الأمراض والعدوى فقد غشَّ نفسه وأوقعها في الضرر والمهالك ، والعاقل ينصح نفسه قبل غيره، فإذا ابتعد عن غش نفسه فإنه لا يغش غيره لأنه ذاق طعم الصدق في نفسه.
ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس حيث قال: لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،87) 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
*سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد ، إنه سميع مجيب*
*والحمد لله رب العالمين*