الزمان :حزيران 1967
المكان : منطقه المكرفت وادي شعيب حيث كانت هي الطريق المؤديه الي القدس عمان السلط وادي شعيب القدس
يتم قصف سيارة جيب عسكرية اردنية بواسطة الطيران الاسرائيلي ، تتم بعثرة السيارة الى اجزاء تشتعل النيران فيها ، يصحو الجندي الاردني " البلاونة " على بكاء طفلة رضيعة كانت ملقاة الى جانبه ، ياخذها ، يلتفت ذات اليمين وذات اليسار يبحث عن اهلها ، لا يجد من احد ، فقط اصوات القنابل ورائحة الحرب التي تغطي المكان.
ياخذ الطفلة ويمشي جريحا حافي القدمين على طول الطريق من المكرفت الى السلط صعوداً، تارةً يلوك لها في فمه من بقايا خبز الجيش القاسي لكي يطري لها في فمها الصغير لقمة تسكت جوعها ، وتارةً يطلب لها من بدو الطريق بعضاً من حليب وماء تسد به رمقها ، يلبون طلبه والدموع في اعينهم ثم يكمل طريقه صعوداً مشياً الى "السلط".
يجيئ الى المدينة رجل يسعى، جريحاً منهكاً ، حاملا طفلة غريبة رضيعة وقد أعيته الحيلة ماذا يكون من أمرها ، ثم يسأل في المدينة فيأتيه الجواب : " روح على الشيخ امين" ،
ما يلبث ان يأتي اليه ملقياً بجراحه ونصبه وهمه فيداوي القلب منه قبل الجرح، ويأخذ الطفلة منه ، ويعهد بها الى رجل من انبل عائلات السلط لم يكتب الله له ان يرزق بالاولاد ، فيضمها وزوجته الى بيته، ويربيها ابنة وحيدة مكرمة مدللة ومن ثم يكمل لها تعليمها حتى تصبح استاذة جامعية في مجال التمريض ، ومن ثم يزوجها الى طبيب كريم من عائلات جنوب الاردن الكبيرة وترزق منه بالبنين والبنات ...
الشق الآخر من القصة كان يحدث في غربي النهر ، تحديداً في مدينة القدس ، حيث كانت عائلة من عائلات المدينة العريقة هناك لا يهدأ لها ليل ولا نهار لما يزيد عن الثلاثين عاماً وهي تبحث عن طفلتهم الرضيعة التي فقدوها خلال تفجير اصاب سيارة جيب عسكري خلال حرب الايام الستة ، الأم افاقت على نفسها واخذت تبحث من غير هدى عن ابنتها ورجعوا الى القدس ولم يهنأ لهم عيش ولا بال وهم يحرثون الارض عن قصاصة خبر عن مصير ابنتهم ، وامهم تقول لهم انها تعلم من الله ما لايعلمون وانه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون وانها اكيدة من حياة ابنتها حتى اقترح عليهم احدهم بعد ردح من الدهر ان يبحثوا عن خبرها في "السلط" .
دخلوا الى السلط التي لا يعرفون بها من احد ، يجدون شيخا عجوزاً على باب منجرة على مدخل مدينة ، يقول لهم انه ان كان الخبر كما يقولون فليس لهم سوى سؤال رجل واحد : " روحوا عالشيخ امين" .
لك الله يا سيدي الشيخ امين الكيلاني ، دهور تعاقبت على السلط تغير فيها الحجر والمدر والشجر والناس ولم يتغير بها عنوان الخير والاحسان واغاثة الملهوف ، لكنها سنة الله في خلقه ، يقيم لهم اناساً من بينهم عنواناً للرحمة وواحات للاحسان....
طبعاً بقية القصة يمكن توقعها ما ان وصلت العائلة لسيدي الشيخ امين ، لكن ما لا يمكن توقعه ان يكون سيدي الشيخ قد احتفظ طوال هذه السنوات بالملابس التي جاءت الطفلة بها تحسبا لمثل هذا اليوم ، وتم اللقاء بين افراد العائلة وتمت كلمة ربك.
هي دماء واحدة وعائلات واحدة وقبل كل شيئ وطن واحد في شرق النهر وغربه هكذا كانت وهكذا يجب ان تكون ،
ربما تبدو قصتنا الآن اقرب للخيال ، وقد قدر لي ان اكون شاهداً على بعض مشاهدها، وهذا ما قدر لنا ان نشهده من فضائل هذا الشيخ الجليل، اما ما خفي (وهو الحريص دائما على ذلك) فهو اعظم، يعلمه مساكين وايتام السلط الذين كان يشكل لهم منزله في شارع الميدان منزلاً ومحلاً لهم. سيدا ، الشيخ امين الكيلاني ألله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته ويرحم جميع موتى المسلمين يارب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
منقول عن صفحة ( محمد سالم الطالب )