مصطفى دعمس المدير العام - الأستاذ مصطفى دعمس
عدد المساهمات : 1749 تاريخ التسجيل : 15/11/2010 العمر : 53 الموقع : منتدى المعلم مصطفى دعمس
| موضوع: حاجة الباحث في أصول التربية الإسلامية لعلوم الحديث الجمعة سبتمبر 15, 2023 12:02 pm | |
| كلية التربية كلية معتمدة من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم إدارة: البحوث والنشر العلمي ( المجلة العلمية) ======= حاجة الباحث في أصول التربية الإسلامية لعلوم الحديث إعـــــــــــــداد د/ سارة هليل دخيل الله المطيري قسم التربية الإسلامية-كلية التربية – جامعة أم القرى-المملكة العربية السعودية } المجلد الثامن والثلاثون– العدد الحادي عشر – نوفمبر 2022م { المستخلص استهدفت الدراسة إبراز أهمية دراسة علوم الحديث للباحث في أصول التربية الإسلامية، وذلك ببيان أسباب حاجته لهذا العلم، وأوجه استفادته من، وتحديد عدد من الضوابط التي تقيم مسار الباحث عند دراسة الحديث النبوي، وتشخيص عدد من الصعوبات التي يمكن أن تواجه الباحث في أصول التربية الإسلامية عند دراسة الحديث وعلومه، واقتراح بعض الحلول لها. منهج الدراسة: المنهج الوصفي، نتائج الدراسة: 1-تمكُّن الباحث في أصول التربية الإسلامية من علوم الحديث ضمان من الوقوع في أخطاء الفهم والاستدلال والاستنباط من السنة النبوية. 2- أهمية الـتزام الباحث التربوي بالمنهجية المقترحة في الدراسة الحالية عند دراسة الحديث النبوي، مثل: التأصيل الشرعي للباحث التربوي، والالتزام بمنهج التلقي عند المسلمين. 3- ضرورة التقيد بضوابط خاصة باستخلاص الفوائد من الحديث النبوي، تعين الباحث في أصول التربية الإسلامية على حسن الفهم والاستدلال والاستنباط. أهم التوصيات: 1-الإعداد الجيد للباحث في أصول التربية الإسلامية، من خلال تركيز الاهتمام بمادة علوم الحديث لطلبة الدكتوراه، وإقرار تدريسها في البرامج التي لا تشمل خطتها هذا المقرر. 2- الاستفادة من منهجية علماء الحديث في التوثيق، والتثبت، ونقد النظريات والعلوم التربوية المستعارة من الغير.3- الاستعانة بالتقنيات الحديثة والمتجددة التي وضعت لخدمة السنة النبوية في تخريج الحديث النبوي من مصادره، والوصول لطرقه وشروحه المختلفة.الكلمات المفتاحية: تكامل المعارف-المضامين التربوية-إعداد الباحث التربوي.مقدمة الدراسة: القرآن والسنة مصدران تشريعيان متلازمان، لا يمكن لمسلم أن يفهم دينه إلا بالرجوع إليهما، ولا غنى لمجتهد أو عالم عن أي منهما، حيث "جاءت السنة في الجملة موافقة للقرآن الكريم، تفسر مبهمه، وتفصل مجملة، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتشرح أحكامه وأهدافه، كما جاءت بأحكام لم ينص عليها القرآن الكريم"(الخطيب، 1991، ص.35).وقد اعتنت الأمة الإسلامية بالحديث النبوي، فأوعته حوافظها الفذة وبذلت من أجله أعظم الجهد، فوضع علماؤها علم الحديث وأقروا له القوانين وأسسوا له القواعد التي يتوصل به المسلم إلى معرفة السنة النبوية، وتنقية الأدلة الحديثية وتخليصها مما يشوبها من: ضعيف أو غيره.وفي السنة النبوية معين لا ينضب لكثير من العلوم والمعارف التي تتعلق بالشريعة، تستمد منها الأحكام والأدلة الشرعية، بل هي أساس للعلوم التطبيقية والكونية حيث تحدد غاياتها وأهدافها العليا، وتصحح مسارها وتضبط منهجها وتسير بها لتحقق العبودية لله تعالى وخدمة الإنسانية وعمران الأرض.وعلم التربية الإسلامية من أكثر العلوم ارتباطاً بعلم السنة، فالسنة النبوية أصل متين من أصوله؛ ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو مربي الأمة الأول ومعلمها على كل أحواله: في أقواله وأعماله وتقريراته.وفي دارسة السنة النبوية يحتاج الباحث في أصول التربية الإسلامية إلى معرفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والتثبت من درجته من حيث الصحة أو الضعف، تمهيداً للاستدلال به؛ "لأن المستدل بالسنة يحتاج إلى أمرين هما:1 - ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلّم.2 - ثبوت دلالتها على الحكم.فتكون العناية بالسنة النبوية أمراً مهماً؛ لأنه ينبني عليها أمرٌ مهم وهو ما كلف الله به العباد من عقائد وعبادات وأخلاق وغير ذلك" (العثيمين، 2003، ص.11).وهذا يفتح الطريق أمامه لدراسة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإدراك مضموناتها، ثم الاطمئنان إلى الاستشهاد بها في بحوثه، إذ أن الاطمئنان إلى صحة النص يجعل الطريق ميسرة للاستشهاد به، والاستنباط منه.مشكلة الدراسة وأسئلتها:العمل التربوي -على تعدد مستوياته- ضرورة لا تستغني عنها الأمة الإسلامية، فهو الوسيلة لنقل الأحكام الشرعية من الحيز النظري إلى العمل والتطبيق، حيث وصف الله سبحانه وتعالى نبيه بصفات المربين، فقال: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [القرآن الكريم، الجمعة:2]، ولذلك فالتربية عمل شرعي، وعبادة لله عز وجل، لابد لها أن تحاط بسياج الشريعة وتضبط بضوابطها، مما يوجب على الباحث التربوي في أصول التربية الإسلامية العناية بمصدري الشريعة الإسلامية لتكون هي الموجه والدليل له في كل أعماله. وقد احتوت السنة النبوية على الأسس التي تقوم عليها الجوانب المختلفة لتربية الإنسان، فتميزت بغزارة القيم والاتجاهات التي تتضمنها مع تنوع أساليبها ومراعاتها للفروق الفردية بين الناس، فمن يتتبع الأحاديث النبوية الشريفة يجد أنها تزخر بتلك القيم والاتجاهات والدروس المستفادة؛ وتفيض بتطبيقات عملية تهتم بغرس السلوك وإثراءه وتعديله.والباحث في أصول التربية الإسلامية بحاجة إلى التعرف على مصادر السنة الأصيلة، وتمييز صحيحها من غيره, كما أنه بحاجة إلى المنهج العلمي الصحيح لقراءة كتب السن، واستنباط أحكامها وإرشاداتها والفوائد منها، وهو في أثناء التأصيل لموضوع تربوي أو الاستدلال بالسنة النبوية على اختياراته العلمية في أبحاثه، قد يقع في شيء من الانحراف والبعد عن الدقة في الاستدلال والخطأ في التفسير والاستنباط والنتائج، خاصة في هذا العصر؛ لكثرة ما انتشر من أحاديث ضعيفة وموضوعه وتأويلات فاسدة يقودها الجهل أو يوجهها الهوى.وأقصر السبل وأكثرها دقة للوصول إلى المراد من دراسة السنة النبوية، وتجنب الأخطاء السابقة: ما سَنَّهُ علماء الحديث؛ من خلال منهجية واضحة الخطوات والمعالم، اصطلح على تسميتها بعلوم الحديث، والتي تضمن بإذن الله لدارس الحديث النبوي صحة السند والمتن والاستدلال، وتُساعده على فهم النصوص، وتيسر له حسن الاستنباط منها.ومع أهمية علوم الحديث واستشعار ضرورتها للباحث في أصول التربية الإسلامية عند دراستها أو عند دراسة الحديث النبوي إلا أنه قد تواجهه بعض الصعوبات بحكم بعدها عن تخصصه الدقيق، وقد أشار عدد من الباحثين المشاركين في الندوة العلمية الدولية الأولى حول علوم الحديث: واقع وآفاق، ومنهم البقاعي (2003، إبريل 337-350): إلى عدد من الصعوبات التي تواجه المختصين من دارسي علوم الحديث، وأرجعوها لعدد من الجوانب،منها ما يعود لطبيعة مادة علوم الحديث، ومنها ما يعود للدارس، وغير ذلك.وبناء على ما سبق سعت الدراسة الحالية لبيان حاجة الباحث افي أصول التربية الإسلامية لعلوم الحديث من خلال الاهتمام ببيان أوجه الاستفادة من هذا العلم، والضوابط المنهجية التي توجه عمل الباحث أثناء دراسة الحديث النبوي، وتشخيص الصعوبات التي قد تواجهه، واقتراح بعض الحلول المناسبة لها.وبناء على ما سبق يمكن صياغة السؤال الرئيس للدراسة: ما حاجة الباحث في أصول التربية الإسلامية لعلوم الحديث؟1- ما أهمية دراسة علوم الحديث للباحث في أصول التربية الإسلامية؟2- ما الضوابط المنهجية للباحث في أصول التربية الإسلامية عند دراسة الحديث النبوي؟3- ما الصعوبات التي تواجه الباحث في أصول التربية الإسلامية عند دراسة الحديث وعلومه؟ وما الحلول المقترحة لها؟أهداف الدراسة:استهدفت الدراسة ما يلي:- إبراز أهمية دراسة علوم الحديث للباحث في أصول التربية الإسلامية، وذلك ببيان أسباب حاجته لهذا العلم، وأوجه استفادته منه.- تحديد عدد من الضوابط التي تقيم مسار الباحث عند دراسة الحديث النبوي، من خلال ضوابط عامة تتصل بمنهجية البحث، وأخرى خاصة تتصل باستنباط الفوائد التربوية من السنة النبوية.- تشخيص عدد من الصعوبات التي يمكن أن تواجه الباحث في أصول التربية الإسلامية عند دراسة الحديث وعلومه، واقتراح بعض الحلول لها.أهمية الدراسة:تظهر أهمية الدراسة من تسليطها الضوء على حاجة الباحث في أصول التربية الإسلامية للعلم الذي يساعده في دراسة وفهم الحديث النبوي وهو المسمى بعلوم الحديث، وتكتسب أهميتها بصفته العلم الذي لا تقوم سائر العلوم الشرعية إلا به؛ فمن دخل فيها دون الإلمام به أخطأ وربما أدخل في الدين ما ليس منه، سواء كان مفسرًا، أو فقيهًا، أو أصوليًا، أو واعظًا، أو تربويًا.والحديث النبوي هو أحد أصول التربية الإسلامية التي إليه تعود ومنه تصدر في تربية أبناء المسلمين، فحتى تحقق التربية أهدافها وغاياتها لابد أن تنضبط بضوابط الشريعة الإسلامية، لتنطلق مما شرعه خالق الإنسان العالم بما يصلح حاله ومآله، والباحث التربوي يقف أمام الحديث النبوي دارسًا ومستنبطًا لفوائده؛ فيحتاج التزود بالعلم الذي يُمكَّنه من ذلك بما يضمن صحة الاستدلال وسلامة الاستنباط.وقد ركزت الدراسة على بيان أهمية علوم الحديث للباحث في أصول التربية الإسلامية ومدى حاجته إليها باستعراض جانبين أساسين، الأول منهما: إبراز الأسباب التي تدعو الباحث لتعلم علوم الحديث، والثاني: الاستفادة التي يتحصل عليها الباحث من هذا العلم.كما تظهر أهمية الدراسة من خلال وضعها ضوابط منهجية تساعد الباحث في أصول التربية الإسلامية عند دراسته الحديث النبوي.مصطلحات الدراسة:الحاجة: الأصل حائجة وهي ما يفتقر إليه الإنسان ويطلبه (أنيس وآخرون، 2004).علوم الحديث: مركب إضـافي يتكون من مفردتين: علوم، والحديث.فالعلوم جمع علم، والعلم في اللغة: مصدر بمعنى المعرفة (ابن منظور، 1414)، وهو إدراك الشيء بحقيقته والعلم اليقين، ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة في علم من العلوم كعلم النحو وعلم المعاني وغيرها (أنيس وآخرون، 2004).وأما الحديث فهو: ما يُحدث به الـمُحدث تحديثًا (الأزهري، 2001)، وفي اصطلاح المحدثين: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة (القاري، د.ت).فيكون المقصود بمصطلح علوم الحديث: "جميع العلوم والمعارف التي بحثت في الحديث من حيث روايته وجمعه في الكتب، أو من حيث بيان صحيحه من ضعيفه، أو من حيث بيان رواته ونقدهم وجرحهم وتعديلهم، أو من حيث بيان غريبه أو بيان ناسِخه ومنسوخه، أو مختلِفِه ومتعارِضِه، أو من حيث شرح معناه، واستخراج أحكامه، إلى غير ذلك" (أبو شهبة، 2007، ص. 23).ومن التسميات الأخرى لعلوم الحديث: علم مصطلح الحديث، وعلم أصول الحديث، وعلم المصطلح؛ اختصارًا.أصول التربية الإسلامية: يراد بها الأسس المرجعية التي تستمد منها التربية الإسلامية أحكامها وأهدافها وتوجيهاتها وأساليبها وطرقها التربوية، وهي مصادر التشريع الإسلامي، وفي مقدمتها القرآن والسنة النبوية (الحازمي، 2005). وبناء على ما سبق، فالبحث يعتني ببيان ما يفتقر إليه الباحث في أصول التربية الإسلامية ويلزمه طلبه من علوم الحديث لدراسة الحديث النبوي واستخلاص توجيهاته التربوية.منهج الدراسة:اتبعت الدراسة المنهج الوصفيلجمع المعلومات اللازمة وتحليلها بالرجوع إلى المصادر والمراجع المختصة في علوم الحديث والتربية الإسلامية، ومن ثم تحليل تلك المعلومات وتصنيفها والاستفادة منها بالشكل الذي يجيب على أسئلة الدراسة ويحقق أهدافها.الدراسات السابقة: لم تصل الباحثة لدراسات تناولت الربط بين علوم الحديث وأصول التربية الإسلامية لدى الباحث، هناك عدد من الدراسات تناولت كفايات الباحث التربوي الشخصية، أو الأكاديمية، والفنية الإجرائية، أو مهارته الشخصية، أو الرقمية، أو مهارات البحث العلمي ويقصد بها كتابة خطة البحث، وكلها لا تلتقي بهدف الدراسة الحالية.المبحث الأول: أهمية دراسة علوم الحديث امتدح خير البرية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أهل الحديث ووصفهم بالعدالة الفائقة على أهل زمانهم، فعن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" (البيهقي، 1994، ص53) وما ذاك إلا لأهمية هذا العلم وشرفه.ويمكن بيان بعض هذه الأهمية من خلال جانبين: الأول منها يختص بأهمية علوم الحديث لغيره من العلوم بشكل عام، والآخر أهميته للباحث في أصول التربية الإسلامية على وصويانجه الخصوص.أولاً: أهمية علوم الحديث لغيره من العلوم:مما يبين أهمية علم الحديث أن سائر العلوم الشرعية لا تقوم إلا به؛ فمن دخل في أي فرع من فروع العلوم الشرعية دون الإلمام به أخطأ وربما أدخل في الدين ما ليس منه, سواء كان مفسرًا أو فقيهًا أو أصوليًا أو واعظًا, وقد بين صاحب الروض الباسم –في معرض كلام طويل حول هذا العلم الأصيل-ذلك أيما بيان, ومما قاله: "إن علم الحديث هو علم الصدر الأول, والذي عليه بعد القرآن المعوّل, وهو لعلوم الإسلام أصل وأساس...وهو العلم الذي يسلك بصاحبه نهج السلامة...وهو العلم الذي يرجع إليه الأصولي وأن برّز في علمه والفقيه وإن برّز في ذكائه وفهمه، والنَّحوي وإن برّز في تجويد لفظه، واللُّغوي وإن اتّسع في حفظه, والواعظ المبصِّر, والصوفي, والمفسِّر, وكلهم إليه راجعون ولرياضه منتجعون" (الوزير، 1419، ص7-9).إن المتحدث في أمر العقيدة لابد أن يكون على معرفة بالحديث وعلومه, حيث أنه من المعلومِ أَنَّ أمورَ الاعتقادِ لا تثبتُ إلا بالقرآنِ وبما صحَّ من السُّنَّةِ النَّبويَّةِ، فإذا كان المتَحَدِّثُ في أمورِ العقيدةِ جاهلاً بعلمِ الحديثِ الشريفِ، صار في العقيدةِ كحاطب ليل, يُثْبتُ أُمورًا -هي عند أهلِ السنة والجماعة بدع وجَهالاتٌ- بموجبِ أحاديثَ ضعيفةٍ ومنكرةٍ. ويَنْفِي أمورًا -هي من عقيدة أهل السنة والجماعة- لجهلِهِ بما ثبَتَ من السُّنةِ النَّبَويَّة.والمفسر ربما يجتهد ويتعب نفسه غاية الجهد, وفى النهاية يجانب الصواب؛ ذلك لأنه بنى تفسيره على أحاديث ضعيفة أو آثار موضوعة، "وقد كان أوَّل العلوم تأثُّرًا بعلم الحديث هو علْمَ التَّفسير وعلوم القرآن؛ ذلك أنَّ وفاة النبيِّ الذي كان يفسِّر للصَّحابة معانيَ القرآن ويفصِّل لهم أحكامه - ألجأهم إلى أحاديثِه وسنَّتِه؛ إذ إنَّه أعلم النَّاس بكتابٍ أُنزل عليه، فراحوا يفسِّرون الكتاب بالسنَّة، وهو ما يسمَّى التَّفسير بالإسناد، ... وقد ظل علمُ التفسير حتى بعد أن استقلَّ واكتمل علمًا قائمًا بذاته" (الدرويش، 2013، ص7)، "شديدَ الارتباط بحديث الرسول، ولو في جانب منه على الأقل، وهو جانب التفسير بالمأثور" (الصالح، 1948، ص316).وكذلك الفقيه قد يَجِدُّ في مسألة يوضحها، أو حكم يبينه، أو نازلة من النوازل المتجددة عبر الزمن يحررها، ويحاول في كل ذلك بقدر ما آتاه الله من العلم والقدرة على الاجتهاد، ولكنه قد لا يوفق لأنه هو الآخر بنى رأيه على حديث ضعيف أو أثر موضوع وهو لا يشعر."وقد كان الفقه من العلوم التي تأثَّرت بالحديث، وهو ما دعا بعضَ العلماء إلى أن يدعوهما علمًا واحدًا باسم علم الفقه والحديث، ثم استقلَّ علم الفقه عن علم الحديث، ولكنَّه ظلَّ متأثرًا به؛ لأنَّ الكثير من هؤلاء الفقهاء كانوا في الأصل مُحَدِّثين، ومن ثَمَّ فقد طُبقت أسُس علم الحديث وقوانينه وقواعده في علم الفقْه، حتى صحَّ القول: لولا الحديث لما كان الفقه علمًا مذكورًا"(الصالح، 1948، ص316).وقد بين الخَطَّابيُّ (1932) في معالم السنن، يبين علاقة الحديث بالفقه، وكيف أن الحديث للفقه كالقاعدة والأساس للبناء، فالبناء السليم لابد وأن يكون قائما على أساس سليم، قال: "ورأيتُ أهلَ العلمِ في زمانِنا قد حصلوا حزبين، وانقسموا إلى فِرقتين: أصحابِ حديثٍ وأثرٍ، وأهلِ فقهٍ ونظرٍ، وكلُّ واحدةٍ منهما لا تتميزُ عن أختِها في الحاجةِ...؛ لأنَّ الحديثَ بمنزلةِ الأساسِ الذي هو الأصلُ والفقهُ بمنزلة البناءِ الذي هو له كالفرعِ، وكلُّ بناءٍ لم يُوضَع على قاعدةٍ وأساسٍ فهو مُنْهارٌ" (ص3).أما المؤرخون، فقد شوه بعضهم جمال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بما اختلقوه فيها ونسبوه إليها إما جهلاً وإما عمداً، فكان علمُ الحديث الحَكَمَ في ذلك كله، إذ نافح أهله عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وصحّحوا مسارات العلوم الشرعية، وميزوها من كل شائبة ودخيلة، فعظم الله أجرهم، وغفر زلاتهم، ورفع درجاتهم، وأسكنهم فسيح الجنان.ثانياً: أهمية دراسة علوم الحديث للباحث في أصول التربية الإسلامية:علم التربية أحد أهم العلوم في حياة الإنسان، وحتى يحقق علم التربية لأبناء المسلمين أهدافه وغاياته لابد أن ينضبط بضوابط الشريعة الإسلامية، لينطلق مما شرعه خالق الإنسان العالم بما يصلح حاله ومآله، وذلك بصدوره من معين الكتاب والسنة؛ فالتربية معنية بتعليم الأبناء ما يجب عليهم من أمور دينهم ودنياهم, ومن خلالها يتم تعليمهم كيفية التعامل مع أنفسهم ومع غيرهم من مخلوقات الله.وقد مرَّ سابقاً أهمية علوم الحديث لبعض العلوم وما كان لها فيها من سمة واضحة، وأثر بيِّن، وهذا القسم يبين على وجه الخصوص أهمية علوم الحديث للباحث في أصول التربية الإسلامية ومدى حاجته إليها من خلال جانبين أساسين، الأول منهما: وجود أسباب تدعو الباحث لتعلم علوم الحديث، والثاني: الاستفادة التي يتحصل عليها الباحث من هذا العلم.١-أسباب الحاجة لعلوم الحديث في تخصص أصول التربية الإسلامية:تُقدم السنة والسيرة النبوية باعتبارها أحد أصول التربية الإسلامية مادة خصبة للباحث التربوي، سواء في قضايا حياة الإنسان الكلية أو الجزئية، كما تُغطي مدىً واسعًا من الوسائل والأساليب التربوية الناجعة، والمناسبة لكافة المراحل العمرية.والباحث حين يتوجه بالنظر إلى كنوز الحديثِ الشريف يجد نفسه أمام كم هائل من النصوصٍ النبويَّة المبثوثة في كتب السنة، وفي حال أراد استنباط الفوائد والتطبيقات التربوية منها، فهو بحاجة أولاً إلى تقريب هذه النصوص إلى الـمُتلقي، بشرحها وبيان المراد منها, ومن المعلومِ أَنَّ الأمورَ الشرعية لا تثبتُ إلا بالقرآنِ وبما صحَّ من السُّنَّةِ النَّبويَّةِ، فإذا كان المتَحَدِّثُ في الأمورِ عارٍ من علمِ الحديثِ الشريفِ، صار يَخْبطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ، فَيُثْبتُ أُمورًا لم تثبت في أصلها، ويَنْفِي أمورًا ثبتت؛ لجهلِهِ بما ثبَتَ من السُّنةِ النَّبَويَّة.كما أن الباحث التربوي يجب أن ينضبط بضوابط فهم النصوص؛ ليضمن المسير الصحيح، يقول الشوكاني (1998): "فإنَّ المتصَدِّرَ للتَّصْنِيفِ في كُتُبِ الفقهِ وإن بَلَغَ في إتقانه، وإتقان علمِ الأُصولِ، وسائرِ الفنون الآليةِ إلى حدٍ يتقاصرُ عنه الوصفُ، إذا لم يُتْقِنْ علمَ السُّنَّةِ، ويعرِفْ صحيحَهُ من سقيمِهِ، ويُعَوِّلْ على أهلهِ في إصدارِه وإيرادِه، كانت مصنَّفاتُه مبنيَّةً على غير أساس" ( ص52-53.). ويُستدل من كلام الشوكاني: أنه إذا كان هذا حال المُصَنِف في علم الفقه، فإن الكلام مُنطبق على المُصَنِف في علم التربية؛ فهو مُحتاج لمعرفة علوم الحديث، وهذه الحاجة تظهر كلما أراد أن يستشهد بحديث نبوي على أمر من الأمور التربوية، أو أراد تحديد المعنى المقصود الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهنا لابد من إخراج الحديث إخراجًا علميًا دقيقًا سندًا ومتنًا.إن حرص كل باحث على التأصيل لرأيه أو لفهمه أو لما استنتجه من القرآن الكريم أو من السنة النبوية، والعمل على إقامة الحجة منهما على اختياراته العلمية سيؤدى كما هو معلوم إلى شيء من الانحراف، والبعد عن الدقة في الاستدلال إذا لم ينهج النهج الصحيح فيذلك.إننا في هذا العصر أحوج ما نكون إلى هذا العلم لكثرة ما انتشر من أخطاء وتأويلات فاسدة يقودها الجهل، أو يوجهها الهوى؛ فعلوم الحديث تيسر الطريق أمام الباحثين لتحقيق معاني المتون وإدراك مضموناتها، ثم الاطمئنان إلى الاستشهاد بها في علم التربية، إذ أن الاطمئنان إلى صحة النص هي أول الطريق للاستشهاد به.ولتوضيح المراد، يُضرب المثال بكتاب: تربية الأولاد في الإسلام لعبد الله علوان (1999)، الذي يُعَدُّ من أكثر الكتب انتشارًا بين التربويين من مختصين وغيرهم. وقلَّما تخلو مكتبة مسلمٍ منه، مع تبني كثير من الجامعات هذا الكتاب مقرراً في مناهج دراستها، ومع شهرة الكتاب إلا إنه احتوى عددًا من المخالفات (العتيبي، 1998)، ومن أمثلة الأخطاء المتعلقة بعلوم الحديث التي وردت في كتاب علوان (1999) استشهاده بكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، كحديث: "تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخوتهن" الذي عزاه مرفوعًا، فهذا الحديث موضوع كما ذكر الألباني (د. ت)، وقد استنبط علوان من هذا الحديث وغيره، عدد من الإرشادات لراغب الزواج من أجل إنجاب أبناء لهم صفات الطيب والشرف، ثم بنى عليها عدد من الوصايا، لعمر بن الخطاب, وعثمان بن أبي العاص, ثم ذهب إلى أبعد من ذلك؛ حيث عدَّ ما جاءت به هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة, من الحقائق العلمية والنظريات التربوية التي توصل إليها العلم الحديث(ص32-33). وهنا مكمن الخطر، فالباحث التربوي في مثل هذه الحال أمام أخطاء: أولها إمكانية وقوعه في الوعيد الشديد لمن كذب على النبي عليه السلام متعمدًا -فيما لو كان يعلَم مسبقا بدرجة الحديث-، ثم هو يبني استنتاجاته وتطبيقاته التربوية على حديث موضوع باطل، وما بُني على باطل فهو باطل، حين سيستفيد من تطبيقاته غيره من التربويين والمهتمين بشأن التربية.وهنا لا بد من بيان أمر مهم وهو هل يمكن للباحث التربوي أن يعمل بالحديث الضعيف؟يقول الإمام مسلم رحمه الله: "واعلم وفقك الله أن الواجب على كل أحد عَرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجها" (العتيبي، 1998، ص204).ويذكر العتيبي: أن من أهل العلم من أجاز رواية الحديث الضعيف والعمل به في فضائل الأعمال وفي الترغيب والترهيب، وهذا بخلاف ما عليه سلف الأمة من أهل الحديث أمثال الإمام البخاري والإمام مسلم وغيرهم رحمهم الله جميعًا.وعلى قول من قال بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، فإن التساؤل المطروح: هل التربية من فضائل الأعمال؟ هذا العمل الذي يترتب عليه –إن تم وفق الكتاب والسنة- صلاح الأبناء وتزكيتهم، وهو مهمة عظيمة قام بها الأنبياء والمرسلون والمصلحون على مرّ العصور, بل هو من أهم الأعمال وعبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى، وفي الحديث الصحيح غنيةٌ عن غيره.يقول شاكر (1996): لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة, بل لا حجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن.أما ما يخص الحديث الموضوع، فقد جعل (القاسمي، 2004) صاحب كتاب قواعد التحديث مبحثًا عنوانه: بيان ضرر الموضوعات على غير المحدثين، وأن الدواء لمعرفتها الرسوخ في الحديث، ونقل فيه ما نصه:"ومن أنواع الزيادة في الدين الكذب فيه عمدًا، وهذا الفن يضر من لم يكن من أئمة الحديث والسير والتواريخ, ولا يتوقف على نقدهم فيه, بحيث لا يفرق بين ما تواتر عند أهل التحقيق, وبين ما يُزوّره غيرهم, وليس له دواء إلا إتقان هذا الفن, والرسوخ فيه, وعدم المعارضة لأهله بمجرد الدعاوى الفارغة, وهو علم صعب يحتاج إلى طول المدة, ومعرفة علوم الحديث"(ص269).فهذا النص يبين حاجة الباحث التربوي للرجوع لأهل العلم بالحديث المختصين به لمعرفة الحديث المقبول من غيره.٢-أوجه استفادة الباحث في أصول التربية الإسلامية من علوم الحديث:تبين من خلال ما سبق أن علوم الحديث هي السبيل السليمة الموصلة إلى إخراج الكنوز التربوية للأمة من المصدر الثاني من مصادر التربية الإسلامية وهي السنة النبوية، وفيما يلي نماذج لأوجه الاستفادة:أ- القدرة على تخريج الحديث، ومعرفة أين يجد الحديث الذي يريد الاستشهاد به في كتب السنة، ومعرفة درجته إن كان في غير كُتب الصِحاح من خلال حُكم علماء الحديث عليه.ب- العودة إلى كتب السنة لمعرفة معاني الحديث، مع اعتماد فهم السلف لها في المقام الأول؛ لأن ذلك يساعد الباحث على اختيار الحديث المناسب، وهذا لا يمنع الباحث من الاجتهاد في فهم الحديث واستنباط الفوائد منه، ما دام الحديث يحتمل ذلك الفهم.ج- يمكن للباحث من خلال الاطلاع على الروايات المُتعددة للحديث الواحد أن يحصل على مزيد من الفوائد النفيسة؛ كأن يتبين له في إحدى الروايات ما يزيد نتائجه تأكيدًا، أو يوضح معنى خفي، مثاله: حديث الفطرة، الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه. فعند تتبعه في ثلاث كتب من كُتب السنة، سيجد الباحث ما يؤكد أن المقصود بالفطرة هي الإسلام: فعند البخاري رحمه الله نجد الحديث من عدة طرق، منها:1-عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ" (البخاري، 1987، ص125).2- عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ, ثُمَّ يَقُولُ: "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" [القرآن الكريم، الروم: 30] (البخاري، 1987، ص143).3- عن مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهْوَ صَغِيرٌ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" (البخاري، 1987، ص153).4- وفي الحديث الطويل الذي يرويه سمرة بن جندب رضي الله عنه, في الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم, وأنه آتاه آتيان فقالا له انطلق, وجاء في آخر الحديث: "...وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ..." (البخاري، 1987، ص58).وعند مسلم رحمه الله نجد الحديث من طرق أخرى، منها:5- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ». ثُمَّ يَقُولُ اقْرَءُوا: "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ" [القرآن الكريم، الروم: 30] (النيسابوري، د.ت، ص53).6- عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ: قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ"(النيسابوري، د.ت، ص53).7- عن أَبِى كُرَيْبٍ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ: "لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ" (النيسابوري، د.ت، ص53).8- عَنِ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَأَبَوَاهُ بَعْدُ, يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ؛ فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ, كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلْكُزُهُ الشَّيْطَانُ في حِضْنَيْهِ إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا" (النيسابوري، د.ت، ص53).وعند الترمذي نجد الحديث التالي:9- عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الملة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه، قيل: يا رسول الله: فمن هلك قبل ذلك؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين به" (الترمذي، د.ت، ص447)إن المتأمل للنصوص السابقة –تسع طرق للحديث-، يجد الكثير من الفوائد، ولكن الفائدة المهمة في الباب، هي تفسير معنى الفطرة بالإسلام أو التوحيد، وذلك بَيِّن من عدة وجوه منها ذكر أبو هريرة للآية: "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" [ القرآن الكريم، الروم: 30]، فطرة الله التي فطر الناس عليها، وترادف معنى الفطرة والإسلام والملة في كل الأحاديث، وبقاءه على الإسلام إن كان الأبوان مُسلمين، وأن من مات من أولاد المشركين دخل الجنة؛ لأنه مات على الفطرة وهي التوحيد لله تعالى. كما أن بعض روايات الحديث جعلت التهويد والتنصير والتشريك متساوية في النتيجة، وهي مخالفة الفطرة أي الإسلام.قال النووي (1392، ص207-208) في شرحه لصحيح مسلم: وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب: قال: الأكثرون هم في النار تبعا لآبائهم، وتوقفت طائفة فيهم، والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون: أنهم من أهل الجنة، ويستدل له بأشياء: منها حديث إبراهيم الخليل حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس.د- الاستفادة من المنهجية المُتَّبعة لدى علماء علوم الحديث، كمنهجهم في نقد الحديث سنداً ومتناً، فقد حرروا القواعد لنقد الأحاديث ومعرفة المقبول منها من المردود، وقد بذلوا في تحقيق هذه القواعد أقصى ما في الوسع الإنساني، احتياطاً لدينهم وحفظًا لشريعتهم أن يدخل فيها ما ليس منها.هـ- الاستفادة من منهج علماء الحديث في التمحيص والفحص الـمُتبع في علم رجال الحديث. وهو علم يهتم بـ: تاريخ الرواة، وعلم الجرح والتعديل، فتاريخ الرواة يتناول: أحوال الرواة، تاريخ الولادة، وبلاده، ومن روى عنهم، وغير ذلك. وعلم الجرح والتعديل وموضوعه: البحث في أحوال الرواة من حيث قبول رواياتهم أو ردها، ومعرفتهم معرفةً تمكن أهل العلم من الحكم بصدقهم أو كذبهم(الخطيب، 1991)، وهذا المنهج يفيد الباحث التربوي سواء فيما يجمعه الباحث التربوي من معلومات ونقولات في أبحاثه، أو فيمن يَجمع ويأخذ عنهم من علماء التربية. كما يدفعه أن يتريث فيما ينقله عن غيره، وإن يستبين ما يجده منقولًا في الكتب ويمحَّصه، وينظر إليه بمنظار الناقد البصير الذي لا يتوقف عند حد المكتوب بل يتعداه إلى البحث عن خلفية من كَتبه وغرضه من الكتابة، وهذا ينطبق ولاشك على ما يجده في الكتب التربوية من أحاديث وآثار لم يبين كاتبها درجة صحتها، وتأثيرها على الاستنتاجات المأخوذة منها.و- الإفادة من علوم الحديث وما تضمنته من ضبط الروايات في حياة المسلم اليوم، وتربيته على التثبت والتروي في الحكم على الناس، وهذا المنهج في أساسه منهج قرآني حث عليه القرآن الكريم، واستفاد منه علمائنا وسلفنا الصالح في علوم الحديث وغيرها، "فكم كان البعد عن أسس الرواية وضوابطها وقواعدها العامة في هذا العصر سبباً في نشر الأخبار غير الصحيحة وغير الموثوقة, وإصابة قوم بجهالة، وبث الرعب والخوف في قلوب الناس، ونشر الخلاف والفرقة بين أبناء المسلمين" (بيانوني، 2005، 169-174). | |
|
مصطفى دعمس المدير العام - الأستاذ مصطفى دعمس
عدد المساهمات : 1749 تاريخ التسجيل : 15/11/2010 العمر : 53 الموقع : منتدى المعلم مصطفى دعمس
| موضوع: رد: حاجة الباحث في أصول التربية الإسلامية لعلوم الحديث الجمعة سبتمبر 15, 2023 12:03 pm | |
| المبحث الثاني: ضوابط منهجية للباحث في أصول التربية الإسلامية لدراسة الحديث النبوي:الجهل بعلوم الحديث من أسباب الخطأ في الفهم والتطبيق، فالباحث الذي يقوم بمهمة دراسة الحديث النبوي، لابد أن يسير وفق منهجية واضحة المعالم تأخذ به نحو فهم صحيح لمراد الله تعالى من وحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وتُبصِّرُه بكيفية العمل بها وتمثلها في حياته.ويمكن عرض ضوابط هذه المنهجية في قسمين:أولاً: ضوابط عامة تتصل بمنهجية البحث:الضابط الأول: التأصيل الشرعي ومعرفة المصادر:فالتأصيل الشرعي للباحث في أصول التربية الإسلامية أمر ضروري، فهو مع كونه متخصصًا في علم التربية، إلا أنه ينبغي عليه أن يكون على معرفة جيدة بعلم العقيدة والفقه وأصوله والتفسير وعلومه، وعلوم الآلة كالنحو, مع ضرورة إحلال علم الحديث مكانة مميزة في ترتيب العلوم لطالب علم السنة النبوية. وضابط تحصيله لهذه العلوم الخارجة عن تخصصه: أن يجعل مقصودة من طلبه لهذه العلوم تكميل فهمه للعلم الذي أراد التخصص والتعمق فيه، حيث إن العلوم الإسلامية بينها ترابط كبير لا يمكن لمن أراد التخصص في علم منها أن يكون جاهلاً تمام الجهل بما سواه(الشريف، 1429).أما المعرفة بالمصادر فيقصد بها المصادر التي يُستقى منها الحديث النبوي وشروحه، وأنواع كل منها، وكيف يتعامل معها. فلابد أن تكون موثوقة ومعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، بحيث يرجع الباحث التربوي أولاً إلى الصحيحين البخاري ومسلم؛ فإن احتاج إلى غيرها من كتب السنن، فعل ذلك، وعليه أن يتأكد من حكم الأئمة والعلماء على الحديث من حيث درجته؛ إن لم يستطع معرفة ذلك بنفسه.الضابط الثاني: سلامة منهج التلقي: ينبغي على الباحث في أصول التربية الإسلامية أن يتخذ المنهج السليم في التلقي، القائم على:1- تعظيم القرآن والسنة: يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [القرآن الكريم، الحجرات:١]، فمن ذلك تعظيم كلام النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع أمره ونهيه، والتثبت عند فعل سنته: حيث كان السلف أدق ما يكونون في التثبت والتحري في فعلها، فلا يُحكِّمون رأيهم، ولا يستحسنون بعقولهم عبادة مهما كانت.2- فهم مقاصد الشريعة وقواعدها العامة: حيث إن استيعاب الباحث التربوي لحقيقة المنهج المتكامل في الإسلام، ومعرفته بالغايات التي رعاها الشارع في التشريع، على اختلاف مراتبها من ضروريات وحاجيات وأمور تحسينية، كل ذلك يُمَكِّنه من سلامة الفهم للحديث النبوي، وما يترتب على سلامة الفهم من سلامة الاستنباط للفوائد والعبر. ومن أمثلة القواعد التي يجب أن ينتبه لها الباحث التربوي، ويعرف كيف تطبق ومتى: العبرة بالعموم، أو إطلاق العام على الخاص، أو تخصيص الحكم وغيرها، كل ذلك مع مراعاة المستجدات التربوية المعاصرة، وفهمها في ضوء نصوص الكتاب والسنة.3- الاعتماد على صحيح السنة: فإن البيان التام هو ما بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فهو أعلم الخلق بالحق، وأنصح الخلق للخلق، وأصدق الخلق في بيان الحق، وفي صحيح السنة غنى عن ضعيفها، وقد مرَّ سابقًا الحديث عن حكم العمل بالأحاديث الصحيحة والموضوعة.4- صحة الفهم للنصوص: وهذه ركيزة مهمة لها منهجها وخطواتها، حيث تميز علماء السلف الصالح بالعناية بصحة فهم النصوص، خشية الوقوع فيما يخالفها نتيجة سوء الفهم، ولهم أصول في ذلك، وهي:- فهم السنة في ضوء القرآن.- الاعتماد على منهج الصحابة والتابعين وأتباعهم من أهل القرون الخيرة، رضي الله عنهم.- العناية بمعرفة العربية؛ إذ هي مفتاح الفهم.- جمع النصوص الواردة في الباب الواحد حيث تأتلف النصوص، والحديث إن لم تجمع طرقه لم تفهمه، حيث الحديث يفسر بعضه بعضاً.- معرفة مقاصد الشريعة والتشريع الإسلامي.5- التلقي للعمل: لم يكن السلف الصالح يدرسون الحديث بقصد الحفظ والاستظهار فقط، إنما كانوا يتلقونه للعمل في خاصة شؤونهم وشأن الجماعة التي يعيشون فيها، وشأن الحياة التي يحياها المجتمع. ثانيًا: ضوابط خاصة باستنباط الفوائد من السنة النبوية:إن استخراج الدروس والعبر والأحكام من السنة النبوية من أهم أهداف دراستها وأعظم فوائدها، لكن هذا الأمر يحتاج إلى ضوابط خاصة تضبط طريقة الاستنباط، منها:1- التأكد من صحة الحديث وصحة ألفاظه، وتوثيقه من مصدره، قبل دراسته واستنباط فوائده، حتى لا يضيع الجهد في دراسة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وفي التوثيق تسهيل الوصول للحديث وشروحه في مصادرها.2- بذل الجهد في جمع الروايات في الموضوع الواحد، ولهذا فائدة عظيمة في فهم المُراد من الحديث، فقد يجد في رواية ما يوضح الرواية الأخرى أو يزيد عليها أو يخصصها.3- العودة لشروحات الحديث، لمعرفة ما قاله العلماء فيه، كسبب وروده وشرح غريبه، وبيان فوائده.4- معرفة حدود العقل في فهم النصوص النبوية: فلا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ دَائِمًا مُوَافِقٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُخَالِفُهُ قَطُّ...؛ لَكِنْ قَدْ تَقْصُرُ عُقُولُ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ تَفْصِيلِ مَا جَاءَ بِهِ...فَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ تُخْبِرُ بِمَحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا تُخْبِرُ بِمُحَالَاتِ الْعُقُولِ" (الحراني، 2005، ص444). وبناء على ما سبق فإن النصوص الشرعية نوعان: منها ما يخضع لموازين العقل ومقاييسه، ومنها ما لا يخضع لها، وتختلف طريقة المسلم في التعامل مع هذين النوعين من النصوص، فبينما يعمل عقله في النـوع الأول، من أجل فهم حقيقتها واستنباط الأحكام منها، والوقوف على علتها وحكمتها، فإنه يقف أمام نصوص النوع الثاني موقف التسليم والانقياد إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقل يقر بأنها تتجاوز قدرته، فينصرف الجهد إلى تحقق صحة الرواية، والتسليم بما جاءت به (بيانوني، 2005).5- التعرف على سبب ورود الحديث ودلالة السياق([url=file:///C:/Users/AL-FAJR/Desktop/%D8%A8%D8%B9%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA %D9%86%D9%88%D9%81%D9%85%D8%A8%D8%B1/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D9%8A%D8%B1%D9%89.doc#_ftn1][size=8][1][/url]) الذي أتى فيه؛ لأنه من الأمور المُعينة على حسن الاستنباط؛ حيث يساعد على فقه الحديث وفهم معناه, ويمكن للباحث أن يجده في شروح الحديث، وقد نقل الإمام السيوطي في تدريب الراوي ما نصه: "والسبب قد ينقل في الحديث كحديث سؤال جبريل عليه الصلاة والسلام عن الإيمان والإسلام والإحسان، ...وحديث صل فإنك لم تصل وحديث خذي فرصة من مسك، وحديث سؤال أي الذنب أكبر، وغير ذلك. وقد لا ينقل فيه، أو ينقل في بعض طرقه، وهو الذي ينبغي الاعتناء به؛ فبذكر السبب يتبين الفقه في المسألة" (السيوطي، د.ت، ص395).[/size] ومن الأمثلة التطبيقية على ذلك: حديث عائشة -رضي الله عنها- "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة، قال: من هذه؟ قالت: فلانةُ تذكرُ من صلاتها. قال: مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يمل الله، حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه" (البخاري، 1987، ص17). وقد اختلف في المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم- :"مه"، هل هو نهي لعائشة عن مدح المرأة لأنها كانت حاضرة، أم أنَّ النهي لأن العمل لا يُمدح بمثله، قال ابن رجب:" ويحتمل -وهو الأظهر وعليه يدل سياق الحديث- أن النهي إنما هو لمدحها بعمل ليس بممدوح في الشرع" (البغدادي، 1422، ص150).6- أن يكون لدى الباحث في أصول التربية الإسلامية القدرة على تقريب الفوائد المُستنبطة من الحديث النبوي للمُستفيد منها، وبيان أوجه تطبيقها في الواقع، ليسهل عليه الاقتداء بها قولًا وفعلًا في كافة تعاملاته.أخيرًا لابد من التأكيد على الباحث التربوي أن يراعي ضابط التوثيق الذي يتطلبه المنهج العلمي في توثيق الحديث الشريف وعَزْوِه، لكي يفيد غيره من الباحثين ويسهل عليهم الوصول للحديث الشريف في مصادره، وكذلك الأمر بالنسبة لشروح الحديث.المبحث الثالث: الصعوبات التي تواجه الباحث في أصول التربية الإسلامية عند دراسة الحديث وعلومه، وبعض حلولها:هناك صعوبات يمكن أن تواجه أي باحث علمي، وخاصة فيما لو تناول في بحثه تخصصاً بعيداً عن تخصصه الأساس، والباحث في أصول التربية الإسلامية قد يعترضه مثل هذه الصعوبات، وفيما يلي عرض لبعضها مع عدد من الحلول.أولاً: الصعوبات التي تواجه الباحث في أصول التربية الإسلامية في دراسة الحديث وعلومه:هذه الصعوبات منها ما يعود إلى طبيعة علوم الحديث كمادة دراسية، ومنها ما يعود إلى الباحث نفسه.- صعوبات تعود إلى طبيعة مادة علوم الحديث(البقاعي، 2003، إبريل):1- جفاف مادتها، فعلوم الحديث قوانين يعرف بها أحوال السند والمتن؛ وهي مَصُوغَة بتعاريف جامعة مانعة، يصعب حفظها بدون فهمها، ويحتاج الباحث التربوي إلى شرح لفهمها، وتفكيك لعناصرها، وضرب للأمثلة.2- سعة علوم الحديث وكثرة تشعباتها، فسعة علوم الحديث تمنع الباحث التربوي من الإحاطة بما يريده منها, حتى لو كانت سهلة، فكيف إذا كانت قوانين، هذا عدا كثرة روايات الحديث الواحد, وتعددها واختلافها في كتب أئمة الحديث، أو في كتاب المؤلف الواحد أحيانًا، فإن أحاديث الأحكام وشرحها يحتاج إلى ولوج في مواد أخرى كاللغة والتفسير وأصول الفقه وغيرها، مما يحتاج الباحث فيه إلى خلفية لا بأس بها في العلوم الأخرى.3- اختلاف أئمة الحديث في تصحيح الحديث أو تعليله، واختلافهم كذلك في إطلاقه أو تقييده، وتخصيصه أو العمل بعمومه يمثل صعوبة أخرى.- صعوبات تعود إلى ذات الباحث في أصول التربية الإسلامية، ومنها:1- عدم قدرة الباحث على فهم بعض مباحث علوم الحديث، وعدم جديته في دراستها.2- عدم قدرته على تخريج الحديث، أو الوصول إلى حكمه، مع محاولته الجادة في ذلك.3- عدم وجود تحديد للقدر اللازم الذي تجب معرفته من علوم الحديث للباحث غير المتخصص فيها كالباحث في أصول التربية الإسلامية.ثانيًا: بعض الحلول الـمُقترحة للصعوبات التي تواجه الباحث في أصول التربية الإسلامية:1-المثابرة والجد في طلب علوم الحديث، والقراءة المتروية في كتب علوم الحديث بعد انتخاب أفضلها ممن يُعنى بالتمثيل والتطبيق، والاقتصار عليه -في ظل عدم التخصص- فذلك مما يمنع تشتت الباحث ودخوله في اختلافات المؤلفين، وله أن يعود في تحديد هذه الكتب إلى المختصين بعلوم الحديث.2-سؤال الباحث في أصول التربية الإسلامية للمختصين في علوم الحديث عن كل ما يُشكل عليه، سواء في تخريج الحديث أو الوصول إلى درجته أو السؤال عما يستغلق عليه في متنه، ويمكن أن يعرض عليهم ما توصل إليه من استنتاجات أو فوائد أو تطبيقات تربوية.3-الاستعانة بوسائل التقنية والبرمجيات الحديثة التي تسهل تخريج الحديث والوصول لحكمه ومصادره المختلفة وشروح الحديث، كما توفر الشبكة العنكبوتية الكثير من الأبحاث والمقالات التي تبين طريقة التعامل مع مصادر السنة ومناهج مؤلفيها وكيفية الوصول للأحاديث والحكم عليها، و أنواع من التقنيات الحديثة والمتجددة لخدمة السنة النبوية، كالمكتبة الشاملة، وهي مكتبة كبيرة مجانية تجمع عدداً كبيراً من الكتب الإسلامية المصورة وغيرها، تطور باستمرار، وتُمَكِّن الباحث من البحث في شاشات خاصة بالمتون أو بالشروح أو بربطهما معًا، وغير ذلك من الميزات.4-الرجوع للأبحاث والمقالات (المختصة بالمنهجية) حيث تبين طريقة التعامل مع مصادر السنة, ومناهج مؤلفيها، وكيفية الوصول للأحاديث والحكم عليها، وتشرح أنواع من التقنيات الحديثة والمتجددة لخدمة السنة النبوية.الخاتمة وأهم النتائج والتوصيات:عرضت الدراسة لقضية مهمة للباحث في أصول التربية الإسلامية، وهي أهمية علوم الحديث وحاجته لها، ففي المبحث الأول وضحت أهمية علوم الحديث لغيرها من العلوم وأهميتها للباحث في أصول التربية الإسلامية بشكل خاص، ثم تناول المبحث الثاني الضوابط المنهجية العامة التي لابد أن ينتهجها الباحث عند دراسة الحديث النبوي، كالتأصيل الشرعي ومعرفة المصادر ومنهج التلقي، ثم الضوابط الخاصة باستخلاص الدروس واستنتاج الفوائد من السنة النبوية, واختتمت الدراسة بمحث ثالث بين الصعوبات التي تواجه الباحث في أصول التربية الإسلامية عند دراسة الحديث وعلومه، وبعض الحلول العملية لها.ويمكن تلخيص نتائج البحث في النقاط التالية:1- تمكُّن الباحث في أصول التربية الإسلامية من علوم الحديث؛ ضمان من الوقوع في أخطاء الفهم والاستنباط والاستدلال من السنة النبوية.2- أهمية الـتزام الباحث التربوي بالمنهجية المقترحة في الدراسة الحالية عند دراسة الحديث النبوي، مثل: التأصيل الشرعي للباحث التربوي، والالتزام بمنهج التلقي عند المسلمين.3- ضرورة التقيد بضوابط خاصة باستخلاص الفوائد من الحديث النبوي، تعين الباحث في أصول التربية الإسلامية على حسن الفهم والاستدلال والاستنباط. التوصيات:1-الإعداد الجيد للباحث في أصول التربية الإسلامية، من خلال تركيز الاهتمام بمادة علوم الحديث لطلبة الدكتوراه، وإقرار تدريسها في البرامج التي لا تشمل خطتها هذا المقرر.2- المثابرة والجد من قبل الباحث في طلب علوم الحديث، والقراءة المتروية في كتبها، بعد انتخاب أفضلها ممن يُعنى بالتمثيل والتطبيق، وله أن يعود في تحديد هذه الكتب إلى المختصين بعلوم الحديث.3- استفادة الباحث في أصول التربية الإسلامية من منهجية علماء الحديث في التوثيق، والتثبت من كل ما يقرأه أو يسمعه، وكذلك في نقد النظريات والعلوم التربوية المستعارة من الغير.4- الاستعانة بالتقنيات الحديثة والمتجددة التي وضعت لخدمة السنة النبوية في تخريج الحديث النبوي من مصادره، والوصول لطرقه وشروحه المختلفة. قائمة المراجع: أبو شهبة، محمد. (2007). الوسيط في علوم ومصطلح الحديث. القاهرة: مكتبة السنة.ابن منظور، محمد بن مكرم. (1414). لسان العرب (ط٣). بيروت: دار صادر.الأزهري، محمد بن أحمد. (2001). تهذيب اللغة (محمد عوض، محقق). بيروت: دار إحياء التراث العربي.الألباني، محمد ناصر الدين. (د.ت.). صحيح وضعيف الجامع الصغير. (د.ن.).أنيس، إبراهيم ومنتصر، عبدالحليم والصوالحي، عطية، وأحمد، محمد خلف الله. (2004). المعجم الوسيط (مجمع اللغة العربية، محقق). القاهرة: مكتبة الشروق الدولية.البخاري، محمد بن إسماعيل. (1987). صحيح البخاري. القاهرة: دار الشعب.البغدادي، عبد الرحمن ان شهاب الدين. (1422). فتح الباري (ط2). تحقيق: طارق عوض الله محمد. الدمام: دار ابن الجوزي.البقاعي، علي نايف. (2003، إبريل). الصعوبات التي يواجهها الطلبة في مساق علوم الحديث أسبابها وعلاجها. في الندوة العلمية الدولية الأولى حول علوم الحديث: واقع وآفاق (ص ص. 350-337)، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، دبي، الإمارات.بيانوني، فتح الدين. (2005). ضوابط الرواية في القرآن الكريم دراسة تحليلية. مجلة معالم القرآن والسنة. (1).بيانوني، فتح الدين. (2007). شروط الاشتغال بعلم مشكل الحديث وقواعده. مجلة الإسلام في آسيا. 4(2).البيهقي، أحمد بن الحسين. (1994). سنن البيهقي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا. مكة المكرمة: مكتبة دار الباز.التبريزي، محمد بن عبد الله. (1985). مشكاة المصابيح (ط3). بيروت: المكتب الإسلامي.التخيفي، عبد المحسن. (2009، إبريل). دلالة السياق وأثرها في فهم الحديث النبوي، في الندوة الدولية الرابعة السنة النبوية: بين ضوابط الفهم السديد ومتطلبات التجديد (ص ص 247-304)، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، دبي، الإمارات.الترمذي، محمد بن عيسى. (د.ت.). سنن الترمذي. تحقيق: أحمد شاكر وآخرون. بيروت: دار إحياء التراث العربي.الحازمي، خالد حامد. (2005(. أصول التربية الإسلامية (ط٢). المدينة المنورة: دار الزمان.الحراني، ابن تيمية. (2005). مجموع الفتاوى. تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار (ط3). الإسكندرية: دار الوفاء.الخطابي، أحمد بن محمد. (1932). معالم السنن. حلب: المطبعة العلمية.الخطيب، محمد عجاج. (1991). المختصر الوجيز في علوم الحديث (ط5). بيروت: مؤسسة الرسالة.الدرويش، ياسر. (2013). الحديث النبوي في المعجم العربي من بداية القرن الخامس إلى نهاية القرن التاسع الهجريين، القاهرة: دار العصر الجديد.السيوطي، عبد الرحمن. (د.ت.). تدريب الراوي. تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، (لرياض: مكتبة الرياض الحديثة.شاكر، أحمد. (1996). الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير. الرياض: مكتبة المعارف.الشريف، حاتم عارف. (1429). نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية (ط2). الرياض: دار الصميعي.الشوكان، محمد بن علي. (1998). أدب الطلب ومنتهى الأرب. تحقيق: عبد الله يحيى السريحي. بيروت: دار ابن حزم.الصالح، صبحي. (1948). علوم الحديث ومصطلحه عرض ودراسة (15)، بيروت: دار العلم للملايين.العتيبي، إحسان محمد. (1998).كتاب تربية الأولاد في الإسلام في ميزان النقد العلمي. بيروت: مؤسسة فؤاد بعينو.العثيمين، محمد بن صالح. (2003). شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث (ط2). تحقيق: فهد بن ناصر السليمان. دار الثريا للنشر.القاري، علي بن سلطان. (د. ت). شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (محمد نزار وهيثم نزار، محقق). بيروت: دار الأرقم.القاسمي، محمد جمال الدين. (2004). قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث. تحقيق: مصطفى شيخ مصطفى. بيروت: مؤسسة الرسالة.النووي، يحيى بن شرف. (1392). المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (ط2). بيروت: دار إحياء التراث العربي.النيسابوري، مسلم بن الحجاج. (د.ت.). الجامع الصحيح. بيروت: دار الجيل.الوزير، محمد بن إبراهيم. (1419). الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، عناية: علي محمد العمران. مكة المكرمة: دار عالم الفوائد.
[url=file:///C:/Users/AL-FAJR/Desktop/%D8%A8%D8%B9%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA %D9%86%D9%88%D9%81%D9%85%D8%A8%D8%B1/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D9%8A%D8%B1%D9%89.doc#_ftnref1][1][/url] . دلالة السياق: قرينة –دليل-يُستعان بها على الفهم، وهذه القرينة تكون تارة ظاهرة تُدرك من غير فكر وروية، وتارة تكون خفية لا تدرك إلا بمزيد نظر وتأمل ( التخيفي، 2009، إبريل). | |
|