إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وقدوتنا ونبينا إلى يوم الدين وبعد:
الحمد الله القائل في كتابه:
)اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ& خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ& اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ& الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ&عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(العلق 1-5
" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ". فصلت : 53.
" هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ " لقمان : 11
" وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ " الجاثية : 4
" وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ " الذاريات : 21
وقال تعالى: " فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) " سورة الطارق: 5-8.
" أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ " سورة يس:77- 79.
أحبتي في الله! هذا الكتاب ليس لمجرد الاطلاع أو المعرفة، بل هو عبادة لله تعالى،
واستجابة للأمر الإلهي لنا: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ)
إن التفكر في آيات الله الدالة على عظمته هو أوسع باب ندخل منه إلى الله ، وإن التفكر في آيات الله الدالة على عظمته هو أقصر طريق نصل به إلى الله ، لأن هذه الآيات تضعك أمام عظمة الله عز وجل ، وتدرك بعد هذا النظر قدرة الله على إعادة خلقه بعد الموت: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ). فالتفكر في خلق الله هو عبادة عظمى لا تقل أهمية عن الصلاة والصوم والزكاة، لأن هذا التفكر يهذِّب النفس ويجعل الإنسان أكثر تواضعاً أمام عظمة الخالق، ومعرفة بالله عز وجل وتطبيق لمنهجه أقرب آية تدلنا على عظمة الله. بل ويزيد المؤمن إيماناً وتسليماً لله عز وجل.
وخلال ممارستي لمهنة التدريس وخبرتي في التعليم خلال سنوات الخمسة عشرالماضية في تدريس مادة العلوم كنت استخدم طرقاً وأساليب متنوعة أوجه فيها الطلاب إلى التفكر والتمعن في قدرة الخالق عز وجل في جسم الإنسان أو سائر المخلوقات الأخرى ،أو أي موضوع آخر في العلوم؛لأن تعليمنا للطلاب ليس دراسة إنما عبادة لله وحباً وشوقاً و إيماناً وتسليماً للبارىء المصور.
كما إنني من خلال تأليفي لمجموعة من الكتب التربوية كنت اركز على الرسالة المهنية التي يحملها المعلم،وعلى الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم ومن أهمها :
1- الإيمان بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم نبيًّا ورسولاً.
2- التصور الإسلامي الكامل للكون والإنسان والحياة، وأن الوجود كله خاضع لما سنَّه الله تعالى، ليقوم كل مخلوق بوظيفته دون خلل أو اضطراب.
فمثلاً في كتابي ( الاستراتيجية التعليمية ) أشرت في مقدمة الكتاب إلى أن "رسالة التعليم لها قدسية في كافة الشرائع والأديان السماوية ، وقد حثنا الدين الإسلامي السمح على العلم والتعلم ؛ باعتباره ركناً أساسياً في العقيدة الإسلامية،وأمراً إلهياً. فكانت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تحث على الاستزادة من العلم والتعلم ، وترفع من شأن العلماء وقدرهم وكانت أول كلمات اللّه عز وجل الى نبيه الكريم «اقرأ» ".
وبما إن إعجاز القرآن أمر متعدد النواحي متشعب الإتجاهات كما يقول د. فاضل السامرائي في كتابه ( لمسات بيانية في نصوص من التنزيل) " ومن المتعذر أن ينهض لبيان الإعجاز القرآني شخص واحد ولا حتى جماعة في زمن ما مهما كانت سعة علمهم واطلاعهم وتعدد اختصاصاتهم، إنما هم يستطيعون بيان شيء من أسرار القرآن في نواح متعددة حتى زمانهم هم، ويبقى القرآن مفتوحاً للنظر لمن يأتي بعدنا في المستقبل ولما يجدّ من جديد. وسيجد فيه أجيال المستقبل من ملامح الإعجاز وإشاراته ما لم يخطر لنا على بال."
كما أخْبِر تَعَالَى عَنْ تَشْرِيفه لِبَنِي آدَم وَتَكْرِيمه إِيَّاهُمْ فِي خَلْقه لَهُمْ عَلَى أَحْسَن الْهَيْئَات وَأَكْمَلهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان فِي أَحْسَن تَقْوِيم "ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى نِعَمه عَلَى عِبَاده أَنْ جَعَلَ لَهُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة وَهِيَ الْعُقُول وَالْفُهُوم الَّتِي يَذْكُرُونَ بِهَا الْأَشْيَاء وَيَعْتَبِرُونَ بِمَا فِي الْكَوْن مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه وَأَنَّهُ الْفَاعِل الْمُخْتَار لِمَا يَشَاء .
فنحن ـ طوال حياتنا ـ نرى بهذا الجسم ونسمع ونتنفس ونمشي ونركض ونتذوق طعم اللذائذ . ويملك هذا الجسم ـ بعظامه وعضلاته وشرايينه وأوردته وبأعضائه الداخلية ـ نظاماً وتخطيطاً دقيقاً، وكلما نزلنا إلى التفصيلات الدقيقة لهذا النظام ولهذا التخطيط قابلتنا حقائق مدهشة؛ لذا وضعت كتابي هذا (الإعجاز العلمي في السنة والقرآن في جسم الإنسان) ، وما هو إلا خلاصة جهد لكثير من العلماء والأطباء والمفكرين في عالمنا العربي والإسلامي،أو الغربي أمثال البروفسيور( مارشال جونسون) وغيره الذين كان لهم الفضل في ربط الإعجاز العلمي في القرآن والسنة مع الاكتشافات الحديثة في أجزاء جسم الإنسان. ولنرى ما كشفه العلم وماحققه بعد اكتشاف الآلات المكبرة والمجاهر وبعد البحث والتجارب ما يبهر العقول وتدهش له النفوس الذي يدعو إلى الوقوف الطويل المصحوب بالإيمان العميق والتسبيح لله البارئ المصور عز وجل.
وقد تمت مواءمة الكتاب مع أحدث المراجع العلمية والطبية،والرجوع والتوثيق مع أهم كتب التفسير والحديث واللغة،راجياً أن ينال إعجاب الجميع وأن يفيدوا منه ..
الخلية سر الحياة
تُعدّ الخلية الحية وحدة الحياة الأساسية، وهي وحدة البناء والوظيفة في جسم الكائن الحي, والتي تعتبر أحد البراهين الناطقة على وجود الله تعالى .
وعلى الرغم من الاختلاف الذي يبدو للوهلة الأولى بين الأقسام والأجزاء المختلفة للجسم فإنها تتكون جميعها من اللبنة نفسها، ألا وهي الخلية .
يتركب كل شيء في جسمنا من الخلايا التي يقارب حجم كل واحدة منها جزءاً من ألف جزء من المليمتر المكعب، فمن مجموعة معينة من هذه الخلايا تتكون عظامنا، ومن مجموعات أخرى تتكون أعصابنا وكبدنا والبنية الداخلية لمعدتنا وجلدنا وطبقات عدسات عيوننا . وتملك هذه الخلايا الخواص والصفات الضرورية من ناحية الشكل والحجم والعدد لأي عضو تقوم بتشكيله هذه الخلايا في أي قسم من أقسام الجسم .
فمتى وكيف ظهرت هذه الخلايا التي تكلفت بالقيام بكل هذه المهمات والوظائف المختلفة ؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستسوقنا إلى ساحة مملوءة بالمعجزات في ذرة منها . إن خلايا جسمك البالغ عددها مئة تريليون خلية قد نشأت وتكاثرت من خلية واحدة فقط، وهذه الخلية الواحدة ( التي تملك نفس خصائص خلايا جسمك الأخرى ) هي الخلية الناتجة عن اتحاد خلية بويضة والدتك مع خلية نطفة والدك .
كثيراً ما توجه آيات القرآن نظر الإنسان لكي يلتفت ويتمعن ويتأمل في خلقه ونفسه :
ومن هذه الآيات قوله تعالى :
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ الأعراف:11
" نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ " الواقعة:56
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ النور:45
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا الفرقان:54
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ الروم:8
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ السجدة:7
فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ الطارق:5-6
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ العلق:1-2
لقد تجمعت خلاصة ولب جسم الإنسان ( المتكون من ستين أو سبعين كيلوغراماً من اللحم والعظم ) في البداية في قطرة ماء واحدة . ولاشك أن تطور البنية المعقدة لجسم الإنسان ( الذي يملك عقلاً وسمعاً وبصراً .. ) من قطرة واحدة شيء محير وغير عادي .
ومما لا ريب فيه أن مثل هذا التطور والتحول والنمو لم يكن نتيجة مراحل عشوائية ولا حصيلة مصادفات عمياء، بل كان أثراً لعملية خلق واعية وفي غاية الروعة . (1)
حيث كل جزء في جسم الإنسان قد خلق لحكمة تشهد بأن الله ما خلق الإنسان عبثا.(2)
(1): هارون يحيى، إحدى
روائع ، الكتب للمؤلف التركي هارون يحيى - كتاب معجزة خلق الإنسان‘ص77
(2): عبد المجيد الزنداني ، توحيد الخالق (1-3) ، مؤسسة الكتب الثقافية ،بيروت، لبنان ،ط4، 1991م، ص136
يبلغ وزن الخلية جزءاً من المليار جزء من الغرام. أما قطرها فيقع على العموم بين جزء من عشرة آلاف من الملليمتر , وعشر الملليمتر .
فى جسم الإنسان 60 مليون مليون خلية (60 تريليون خلية) والتي تتجمع في مجموعات كل مجموعة تقوم بعمل واحد ، ومن عملها يتشكل النسيج ومن مجموعة الأنسجة التي تتضافر لتؤدى وظيفة واحدة هي تشكيل العضو. ومن مجموعة الأعضاء تتشكل أجهزة الجسم المختلفة كالجهاز الهضمي والعصبي ... الخ ومن مجموعة الأجهزة هذه يتشكل الكائن الحي بإعجازه وتفرده وبنائه المدهش المحير.
• يستهلك الجسم من خلاياه حوالي 125 مليون خلية فى الثانية الواحدة أي بمعدل 7500 خلية في الدقيقة الواحدة .
• والخلايا أنواع وتختلف في أعمارها. فمنها ما لا يعيش إلا أياماً قليلة. ومنها الخلايا التي تعيش وسطياً حوالي شهرين.وهناك الخلايا التي تعيش ما عاش الإنسان. تولد بعدد محدود مقدر , وتبقى كما هي لا تزيد إلا فى حالة واحدة وهى النمو السرطاني الخبيث , كما أنها لا تنقص إلا بالآفات التي تدمر الخلايا وتتلفها .