جرى تصنيف أول كتاب معنون بـ"كتاب الطبخ"، على يد ابن سيار الوراق في النصف الثاني من القرن العاشر في بغداد العباسية، وكان عنوانه الكامل "كتاب الطبيخ وإصلاح الأغذية والمأكولات وطيبات الأطعمة المصنوعات مما استخرج من كتب الطب وألفاظ الطهاة وأهل اللب"، واعتبر أقدم كتاب طبخ جاء إلينا من العصور الوسطى، ويتميز بسعة وصفاته وشموليته واختياراته في الطهي التي جاءت في الغالب بتكليف من أحد الرعاة الأغنياء (يحتمل أن يكون سيف الدولة الحمداني)، وكان يهدف إلى وصف الأطباق والأطعمة التي يتناولها الخلفاء والأمراء و كبار الشخصيات
وجرى تصميمه ليشبه كتب الطبخ الموضوعة على الطاولة في زمننا الحالي؛ حيث خدمت القصائد الشعرية الرائعة والحكايات المسلية المخلوطة بالوصفات نفس الغرض من كتب الطعام المتداولة اليوم، وشمل العديد من الموضوعات المتعلقة بالطعام، منها الفوائد الصحية لأطباق الطعام، وآثارها الصحية على الجسم أو القلب أو المزاج.
وفي أبواب كتاب الورّاق فصول عما يوافق الشباب والشيوخ من ألوان الطبخ، والألبان والأجبان، والحبوب والخبز من الحنطة والرز، وما يوافق المعدة العليلة من الأطعمة المأكولة، والشوي في التنور وشوي اللحم في القدور، وتدبير الماء المشروب بالثلج وغيرها.
وحقق مخطوطة ابن السيار المستشرق الفنلندي كاي أورنبري، وزميله اللبناني سحبان مروة عام 1987 من مخطوطة بجامعة هلسنكي، واحتوت المخطوطة الكاملة على أكثر من ستمئة وصفة طعام جرى تقسيمها من قبل المؤلف لأكثر من 130 فصلا، وشملت الحلوى وأطعمة المرضى أو المسيحيين الصائمين، ووصفات لتنظيف الأيدي وآداب المائدة والمنادمة وأنشطة ما بعد الطعام وأشعار الأكل، إضافة إلى أدوات المطبخ المناسبة لكل طعام، ونصائح للتخلص من روائح الطعام بعد الطهي، وتنظيف الأيدي والأسنان والفم.
كتب الطبخ العربية
ولم يكن كتاب الورّاق فريداً من نوعه، فقد استند إلى العديد من المؤلفات التي سبقته، ومنها أشعار إبراهيم بن المهدي في الطبخ، وكتابي ابن ماسوية وابن دهقانة وغيرهم، ويذكر الورّاق في كتابه 15 نوعاً مختلفاً من الخبز، مفصلاً في طريقة عمل كل منها، ويذكر طعاماً يشبه المنسف الأردني، وحلوى تشبه الكعك العراقي "كليجة"، ووصفات للحم المشوي تشبه السائدة حالياً.
ولم يغفل الورّاق "الطعام النباتي" إذ شرح أطباقاً نباتية سماها "مزورات" وضم كتابه كذلك العديد من الحلويات مثل "القطايف" المعروفة باسمها حتى الآن والمكسرات المملحة.
وضم الكتاب العديد من النصائح للتغذية الصحية منه تناول الفاكهة قبل الطعام وليس بعده، وعدم الإطالة في النوم بعده، واشتمل كذلك على أمثال ونوادر وقصص وحكايات عن ليالي الخلفاء والأمراء التي كانت عامرة بالأطعمة الفاخرة ذات الرائحة الذكية.
ومثل كتاب الوراق اشتهر أيضاً مجلد "كنز الفوائد في تنويع الموائد" في مصر المملوكية، ورغم أن مؤلفه مجهول فإنه يعد كتاب الطبخ الوحيد الناجي من مصر، وآخر مجلد طهي رئيسي من المنطقة العربية الإسلامية بأسرها من القرن 14.
وبخلاف وصفات الأطعمة اشتمل الكتاب على أطعمة مملوكية اشتهرت في القاهرة، ومنها الحامض والحلو والمقلي والمشوي والأسماك والمشروبات والمهضمات، وكذلك وصفات للتطيب والصابون والبخور وتدل الأسماء المتداولة في الكتاب على أصول المؤلف المجهول ولهجته المصرية.
واحتوى فصل الحلويات لمؤلف المخطوط على 81 وصفة تشكل دليلًا على وفرة السكر في الأسواق المصرية وتكلفته المعقولة في الوقت الذي كان فيه السكر في أوروبا لا يزال سلعة نادرة تستخدم بكميات صغيرة في علاجات طبية.