مرحلة الشباب هي مرحلة حيوية في حياة الإنسان(1). فهي مرحلة مع بدايتها يبدأ النضج واكتمال التكوين من ناحية، ومرحلة زيادة احتمالات التعرض للمخاطر والمؤثرات الخارجية من ناحية أخرى، نتيجة أنها مرحلة بداية التفتح على الحياة من منطلق حدة الشهوات وانطلاقة التفكير والانفتاح على البيئة المحيطة، وحب التعرف والاستطلاع. فالشهوات قد تقوده لعمل الممارسات والمواقف الخطأ، وتفتح العقل وانطلاق التفكير وحب الاستطلاع قد تدفع إلى المجهول أو إلى المزالق الفكرية الخطيرة إذا لم يكن هناك التبصير والتحذير والتوجيه. والذي يزيد حدة المشكلة ووجوب التصدي لمعالجتها ارتفاع نسبة الشباب من عدد السكان في معظم الدول العربية والإسلامية، حيث وصلت إلى حوالي %30 من السكان.
وقد اهتم الإسلام بالشباب، ووضع الكثير من الأسس والقواعد لرعايتهم والعناية بهم، وبيَّن دورهم الكبير وأثرهم البارز في حركة المجتمع .. فقد جاءت الإشارة إلى الشباب وبيان همتهم العالية في حمل مسؤوليات الإيمان في قوله تعالى : { إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى }(2). قال القرطبي في تفسيره قوله تعالى : { إنهم فتية } : »الشباب وأحداث حكم لهم بالفتوة حين آمنوا بلا واسطة«(3).
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الأجر العظيم الذي يناله الشاب الذي يتغلب على الشهوات ودوافع الأهواء وهو في سن الشباب فيقبل على عبادة الله سبحانه وطاعته، فبين أن الشاب الذي ينشأ في عبادة الله ينال أجر من يظلهم الله بظله يوم القيامة، وهم سبع فئات، بينهم الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم : »سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلى ظله ..« وذكر الثاني منهم : شاب نشأ في عبادة ربه(4).
ومن هنا جاءت توصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للشباب بالزواج بقوله : »يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء«(5).
وقد كان عليه الصلاة والسلام يعتمد على الشباب، ويكلفهم بالمهمات الصعبة. ويكفي أن نشير هنا إلى تكليفه صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بقيادة الجيش الذي قرر عليه السلام إرساله لبلاد الشام بعد معركة مؤتة، وأسامة كان في السابعة عشرة من عمره، وفي الجيش العديد من كبار الصحابة وقد توفى الرسول صلى الله عليه وسلم قبل تحرك الجيش لأداء مهمته فقام أبو بكر الصديق في ظل خلافته بتحريكهم(6).
---------------------------
(1) تعددت الأنظار بخصوص المقصود بفئة الشباب. فالنظر الذي يوسع بالمفهوم يجعله بين سن 39-15 سنة، والنظر الذي يضيق يجعله بين سن 24-15 سنة. فتوصل الإحصائيات نسبة الشباب في الوطن العربي بالمفهوم الأول إلى حوالي %33 من السكان، وبالمفهوم الثاني إلى حوالي %21 من السكان، وأما السكان الذين تقل أعمارهم عن 24 سنة فتوصلها الإحصائيات إلى حوالي %70 من السكان. انظر الشباب في الأردن، د. علي الزغل : ص .12-10
(2) سورة الكهف، الآية .13
(3) تفسير القرطبي : ج 10، ص 364؛ وانظر تفسير القاسمي : ج 11، ص .4027
(4) أخرجه البخاري ومسلم، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان : ج 1، ص .216
(5) أخرجه البخاري ومسلم، مختصر صحيح مسلم، المنذري : ص 207 ؛ الفتح البرباني. النبهاني : ج 3، ص .402