موضوع: الإنسان..مآله ومصيره الإثنين نوفمبر 22, 2010 8:04 pm
الحمد لله الذي جعل دار كسب وعمل، والآخرة دار ثواب وعقاب، { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }]الملك:2]، وأشهد ألا إله إلا الله الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله الداعي إلى الله بإذنه، اللهم صل وسلم على سيدنا وآله وصحبه الذي جاهدوا في الله حق جهاده، فعاشوا أعزة وماتوا سعداء.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }]القصص:88].
أيها الناس! كل مدة في الدنيا إلى انتهاء، وكل حي فيها صائر إلى الفناء، وكل شيء ما خلا الله باطل...وكل نعيم لا محالة زائل.
{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }[الرحمن:26] { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ }[الرحمن:27]، فبينما الإنسان يجرُّ في ثياب صحته، متمتعاً بنعمة العافية، فرحاً بقوته وشبابه، لا يخطر له الضعف على قلب، ولا الموت على بال، إذ هجم عليه المرض، وجاءه الضعف بعد القوة، وحل الهم من نفسه محل الفرج، والكدر مكان الصفاء، ولم يعد يؤنسه جليس، ولا يريحه حديث، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قد سئم ما كان يرغبه في أيام صحته، وصار لا يشتهي الغذاء، ويكره تناول الدواء، على بقاء في لبه، وصحة في عقله، يفكر في عمر أفناه، وشباب أضاعه، ويتذكر أموالاً جمعها، ودوراً بناها، وقصوراً شيدها، وضياعاً جدَّ وكدَّ في حيازتها، ويتألم لدينا يفارقها، ويترك ذرية ضعافاً يخاف عليهم الضياع من بعده، مع اشتغال نفسه بمرضه وآلامه، وتعلق قلبه بما يعجل شفاءه، ولكن ما الحيلة إذا استفحل الداء ولم يفد الدواء؟ حار الطبيب ويئس الحبيب؟ { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ }[ق:19].
عند هذا يستشعر الندم على ما مضى، ويحس بعواقب التفريط والإهمال، وقد تغير لونه، وغارت عيناه، ومال عنقه وأنفه، وذهب حسنه وجماله، وخرس لسانه، وصار بين أهله وأصدقائه، وإخوته وأقاربه، وأحبابه وجيرانه: ينظرون ما يقاسيه من كرب وشدة، ولكنهم عن إنقاذه أو تخفيف كربه عاجزون.
وبعد أن كانوا يحبون حياته وبقاءه، صاروا يتمنون موته وراحته، وهو يعلم أنه عما قليل مأخوذ من بينهم، حيث لا يقدرون على منعه، ولا يستطيعون رد روحه إلى بدنه: { فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ }[الواقعة:83]، { وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ }[الواقعة:84]، { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ }[الواقعة:85] { فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ }[الواقعة:86]، { تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ }[الواقعة:87].
ثم لا يزال يعالج سكرات الموت، ويشتد به النزع، وقد تتابع نَفَسُه واختل نبضه، وتعطل سمعه وبصره، كما تعطل قبل ذلك لسانه، حتى إذا جاء الأجل ونفذ القضاء، وفاضت روحه إلى السماء، صار جثة هامدة، وجيفة بين أهله وعشيرته، قد استوحش من جانبه، وتباعدوا من قربه، ومات اسمه الذي كانوا يعرفونه، كما مات شخصه الذي كانوا يأنسون به، وأصبحوا يقولون (الميت) بعد أن كانوا ينادونه باسمه حياً، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم أخذه الغاسل فجرده من ثيابه، وصار يقلبه بين يديه عرياناً، ويضع يده في سوءته وعورته، وقد كان يستحي من ذلك ويخجل منه حال حياته.
ثم أدرج في أكفانه، كما يدرج المتاع في لفافته، وبعد الصلاة عليه، يحملونه إلى حفرة عميقة ضيقة، مظلمة موحشة.
وتركوه فيها وحيداً فريداً،لا أنيس له ولا رفيق سوى عمله ورحمة مولاه، فيضمه القبر وتحضره الملائكة، يسألونه عن اعتقاده في الله ورسوله وكتابه، وعن طاعته وعبادته، وكيف كانت معاملته للناس؟
أما المؤمن الطائع فملهم موفق مكرم مرحوم، وأما المنافق العاصي فمضطرب مخذول مهان معذب، والقبر بعد روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
فيا عباد الله! كفى بالموت واعظاً، فأكثروا من تذكره، وأطيلوا التفكير فيما بعده، من مخاوف القبر وأهوال يوم القيامة؛ فإن تذكر الموت يحمل على الاستعداد له، ويكف المرء عن الشرور والغواية، ويهون عليه كثيراً من هموم الدنيا، والدنيا كلها متاعب وهموم، والآخرة راحة وصفاء: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }[العنكبوت:64]، وفي الحديث القدسي عن رب العزة يقول الله تبارك وتعالى: " من استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر لنعمائي، كتبته صديقاً، وبعثته يوم القيامة مع الصديقين، ومن لم يرض بقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر لنعمائي، فليطلب له رباً سواء".
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
فأيها الناس! الدنيا عمل ولا حساب، والآخرة حساب ولا عمل، والناس فيها أقسام ثلاثة: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقون المقربون، ولكل قسم منها جزاء مناسب لعمله؛ فإن كان المرء من السابقين المقربين، فله بعد الموت راحة ورحمة، وإحسان عظيم، ورزق كريم، ونعيم يفوق الوصف، وإن كان من أصحاب اليمين، فله أنس وتحيات من إخوانه أصحاب اليمين، مع تكريم الملائكة له: { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ }[الرعد:23]، { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }[الرعد:24].
وإن كان من أصحاب الشمال فله ماء شديد الحرارة، يشوي الوجوه، ويقطع الأمعاء، يتناوله بعد أن يأكل من الزقوم طعام الأثيم، يغلي في البطون كغليان الماء على النار.
قال الله تعالى في هذه الأقسام الثلاثة إجمالاً بعد الموت: { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ }[الواقعة:88]، { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ }[الواقعة:89]، { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ }[الواقعة:90]، { فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ }[الواقعة:91]، { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ }[الواقعة:92]، { فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ }[الواقعة:93]، { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } [الواقعة:94]، { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ }[الواقعة:95]، { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } [الواقعة:96].
وأما العاصي الذي مات على غير توبة، فيعاقب على جريمته، ثم يتفضل الله عليه بدخول الجنة آخر الناس، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتوبوا إلى الله قبل ألا تتوبوا!
klmrsas
عدد المساهمات : 17 تاريخ التسجيل : 16/11/2010
موضوع: رد: الإنسان..مآله ومصيره الأربعاء ديسمبر 29, 2010 7:48 pm
وردة الجبل عضو نشيط
عدد المساهمات : 153 تاريخ التسجيل : 20/09/2011
موضوع: رد: الإنسان..مآله ومصيره الثلاثاء سبتمبر 20, 2011 11:06 pm