منذ 1400 عام مضت بدأت الحرب الشعواء ضد أم المؤمنين "عائشة عليها السلام" من قِبل
جماعات رسمت لنفسها طريقاً زائغاً منحرفاً، فجنّدوا كتّابهم ومثقفيهم للنيل ممن روت للمسلمين ربع الشريعة الإسلامية، لم يتوانوا عن اختلاق الافتراءات، فلعنوها واتهموها بالفاحشة والشرك، وزعموا بأنها سبب تشكيك المسلمين بنبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام..
هذه الحرب لم تتوقف حتى يومنا هذا وإن تقطّعت، فهذه الفترة تشهد تسارعاً في وتيرة الافتراءات التي أبكت قلوب المسلمين الذين هبّوا نصرة لأمهم.."فلسطين" بحثت في مناقب السيدة "عائشة" وأطلعت قراءها عليها:
طفولة لافتة
مكة المكرمة هي التي حظيت وكان لها شرف أن تكون عائشة بنت أبي بكر الصديق إحدى سكانها حيث ولدت فيها في السنة الرابعة بعد البعثة، ونشأت رضي الله عنها في بيت عامر بالإيمان، ممتلئ بنور القرآن، فأبوها الصديق أبو بكر صاحب رسول اللَّه وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من آمن من الرجال، وأول خليفة للمسلمين بعد رسول اللَّه..
أما أمها السيدة أم رومان بنت عامر، فقد كانت من أشرف بيوت قريش وأعرقها في المكانة، واتسمت بالفطنة والذكاء الشديدين اللذين كانا يلفتان انتباه من رآها وتعامل معها على الرغم من صغر سنها.
زوجة للمصطفى
لم تقضِ "عائشة" الملقبة صدقاً بـ"أم المؤمنين" سنوات طويلة في بيت أهلها، فقد بدأتْ مرحلة جديدة في حياتها حينما بنى النبي الكريم فيها وتزوجها وهي لم تكن تتجاوز التاسعة من عمرها، وكان بيت النبي الذي دخلته "عائشة" البكر الوحيد من بين أزواج النبي، عبارة عن حجرة واحدة من الطوب اللَّبِن والطين، ملحق بها حجرة من جريد مستورة بالطين، وكان باب حجرتها مواجهًا للشام بمصراع واحد من خشب، سقفه منخفض وأثاثه بسيط: سرير من خشبات مشدودة بحبال من ليف عليه وسادة من جلد حَشْوُها ليف، وقربة للماء، وآنية من فخارٍ للطعام والوضوء.
ومع ذلك فقد عاشت أُمّنا حياة هادئة مستقرة تملّكها السرور، ولم تطلب النفيس ولا الحرير، فوقفت إلى جانب زوجها صلوات الله عليه في السرّاء والضرّاء، ورسم الإيمان حياتهما، وتلقّت وافر العلم حيث روَت الكثير من الأحاديث عن الرسول..
أما رسول الله المصطفى فقد ميّزها بقلبه عن بقية نسائه فكان لرضوان الله عليها مكانة خاصة لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا ؟!، وهي أحب نسائهم إلى قلبه، فقد سأل: أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال :عائشة قال: فمن: الرجال ؟ قال: أبوها، وهي التي احتضن حجرها رأسه حينما حانت لحظة رحيله ومفارقته للحياة، حتى أنها كانت تصف هذه اللحظة بقولها:"إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وبين سحري ونحري"، ودفن صلى الله عليه وسلم حيث قُبض في بيتها.
واقعة مثخِنة!!
لم تقف "عائشة" مكتوفة الأيدي أمام النوازل والشدائد التي كانت تحلّ بزوجها وحبيبها فقد شاركته إياها، ولم تكتفِ بذلك فخرجت معه إلى الغزوات، فما أن جاءت غزوة بني المصطلق، حتى أجرى النبي القرعة بين نسائه لتخرج معه واحدة في السفر، وكان من عادته أن يفعل ذلك مع أزواجه إذا خرج لأمر، فخرج سهمها –أي وقعت القرعة عليها- فخرجت معه حتى إذا فرغ النبي من غزوته، وعاد المسلمون منتصرين، فاستراحوا لبعض الوقت في الطريق، فغادرت السيدة عائشة هَوْدجها، فانسلّ عِقدها من عنقها، فأخذت تبحث عنه.
ولما عادت "الطاهرة" كانت القافلة قد رحلت دون أن يشعر الرَّكْبُ بتخلفها عنه، وظلَّت وحيدة في ذلك الطريق المقفر الخالي حتى وجدها أحد المسلمين، وهو الصحابي الجليل صفوان بن المعطل - رضي اللَّه عنه - فركبت بعيره، وسار بها، ما كلمها ولا كلمته، حتى ألحقها برسول اللَّه، وكان آنذاك وقت الظهيرة، وقتاً مكشوفاً والمنطقة أصلاً وادٍ مكشوف..
هنا كان أعداء اللَّه المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أُبي بن سلول قد تلقفوا الخبر ونسجوا حوله الخزعبلات التي تداعت إلى أُذن الرسول، فاتهموها بالزنا والفاحشة -حاشاها-، فأثّرت هذه الشائعات في نفسه، ونزلت كالصاعقة عليه وعلى أبيها وأمها وجميع المسلمين، ولم تكن تدري بما حلّ بها.
وحينما علمت بذلك أصاب الحزن قلبها وإن واجهت الحادثة برباطة جأش، وعن ذلك قالت: وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتي ويومًا، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكى استأذنتْ امرأة من الأنصار، فأذنتُ لها، فجلست تبكي معي..
فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول اللَّه فجلس - ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها- وقد مكث شهرًا لا يُوحى إليه في شأني شيء، فتشهَّد، ثم قال: "يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممتِ بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب اللَّه عليه".
يوم تكلّم القرآن فيها!!
لم يكن الحبيب صلى الله عليه وسلم يقصد جرح مشاعر حبيبته، إنما حرج الموقف وصعوبته فرضا عليه ذلك، فظلّت على حالها هذا، ولم تجد أمامها إلا قول يوسف عليه السلام: فّصّبر جّمٌيلِ..ضاقت عليكِ أمنا فواجهتي الضيق بالجلد والصبر، وعشتِ شهراً من الأسى والألم الذي أوجع قلبك وأعياه، حتى جاءك فرج من الله فتكلّم القرآن فيك أماه وبرأك من فوق سبع سموات وأنزل الله في أمرك إحدى عشرة آية؛ لأنه يعلم براءتك وتقواك، فقال تعالى في سورة النور (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
نعم لقد أثبت القرآن براءتك أنتِ والصحابي الجليل صفوان ابن المُعطل، وتصدى لتلك الشائعات والاتهامات، في هذه التبرئة قالت "عائشة": واللَّه ما ظننتُ أن يُنزِل في شأني وحيًا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يُتكلم بالقرآن في أمري، ولكنى كنت أرجو أن يرى رسول اللَّه في النوم رؤيا تبرّئني..".
لا تحزني أُمّنا..
لا تحزني أمّ المسلمين، فأنت عنوان الطهر والإيمان والعقل الرزين، وهؤلاء ليسوا سوى مرجفين افتروا عليك بما لم يكن فيك، وكفاكِ أنه نزل فيكٍ قرآن يتلى ببراءتك إلى يوم الدين،
وكم من أمّ غيورة على دينها وتكنّ لك كامل الحب قد أسمت مولودتها باسمك الطاهر، كردٍ على من هاجموكِ وأنت في الخلد بجوار ربّك.
حبيبة أشرف خلق الله حسبك أنه مع كل هجمة مسعورة يزداد حبّ المسلمين لكِ، فأنت عِرض المسلمين جميعاً، وعنوان العفّة والطهارة فسحقاً لكل من تطاول عليكِ، ومقامك سيظل رفيعاً مهما طال الزمن..هذا نص رسالة وُقعت بماء قلوب المسلمين الذين توعّدوا بهؤلاء المتطاولين السفهاء.
المصدر: فلسطين أون لاين