علامات الساعة الكبرى ونزول عيسى بن مريم عليه السلام - محمد حسان
2 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
الفجر
عدد المساهمات : 48 تاريخ التسجيل : 26/11/2010
موضوع: علامات الساعة الكبرى ونزول عيسى بن مريم عليه السلام - محمد حسان الأحد أكتوبر 09, 2011 11:05 pm
ملخص الخطبة
1- ميلاد المسيح المُعجِز 2- رفع المسيح إلى السماء 3- نزول المسيح في آخر الزمان
الخطبة الأولى
<P style="MARGIN-RIGHT: 10px" align=right> أحبتي في اللـه:
في رحاب الدار الآخرة
هذا هو لقاءنا الخامس مع السلسة الكريمة ولا زلنا مع حديث حذيفة بن أسيد الغفاري:
اطلع علينا النبي ونحن نتذاكر فقال النبي : ((ما تذاكرون؟)) فقالوا: نذكر الساعة فقال: ((إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر، الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم))([1]).
وها نحن الآن على موعد مع إحدى هذه العلامات الكبرى ألا وهي نزول عيسى عليه السلام.
أيها الحبيب الكريم: أعرني قلبك وسمعك وعقلك فإن الموضوع من الأهمية بمكان، وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من بين أيدينا فسوف أركز الموضوع في العناصر التالية:
أولاً: عيسى بن مريم والميلاد المعجز.
ثانياً: بل رفعه اللـه إليه.
ثالثاً: نزول عيسى من السماء إلى الأرض.
أسأل اللـه تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أولاً: عيسى بن مريم والميلاد المعجز
أخي في اللـه لن أجد لك بداية أرحب ولا أجمل أبدأ بها حديثي معك الآن أجل من هذه الكلمات الجميلة في قوله تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ آل عمران:35 -37 ].
وقبل أن نتجول سويا في بستان هذه الكلمات الرقيقة الرقراقة أقول لك إنه لأول مرة في تاريخ البشرية الطويل منذ أن خلق اللـه آدم من تراب ينسب نبي لأُمِه.
مريم هي الأنثى الوحيدة في الوجود كله التي اختصها اللـه من بين النساء قاطبةً ليودعها سره الأكبر في أصفى حمل وأعجز ميلاد، فمريم هي الفتاة العذراء النقية التقية التي اصطفاها اللـه جل في علاه من بين نساء العالمين فنفخ فيها من روحه ومنحها هذه المكانة الرقيقة الرقراقة من بين أمهات الدنيا جمعاء.
فأمها حنة بنت فاقود وصلت إلى سن اليأس، فتمنت على اللـه أن يرزقها الولد، واللـه على كل شىء قدير فاستجاب اللـه دعاءها وابتهالها إليه، فتحرك الحمل في أحشائها بقدرة من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السموات بقدرة من يقول للشيء كن فيكون. فلما تحرك الحمل في أحشائها أحبت أن تشكر اللـه على هذه النعمة فقالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم .
نَذَرَتْ ما في بطنها لله جل وعلا "أي لخدمة بيت المقدس"، جزاء على ما رزقها هذه النعمة. بعد ما وصلت لهذه السن.. وبعد مرور أشهر الحمل وضعت بنتا جميلة رقيقة طيبة، فنظرت إليها بحزن وقالت رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .
فقالت حنة: رباه إني وضعتها أنثى وأنت أعلم مني بما وضعت أي: أنت الذي رزقتني وقدرت لي ذلك، فليس الذكر كالأنثى في القوة والجلد وخدمة الأقصى وإني يا رب أعيذها بك من شر الشيطان وذريتها - وهو ولدها عيسى بن مريم فاستجاب اللـه لها.
قال رسول اللـه : ((ما من مولود يولد، إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه))([2]).
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا أي إنه تقبل نذر أمها حنة وجعل شكلها مليحاً وأعطى لها منظراً بهيجاً ويسر لها أسباب القبـول وقرنهـا بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا وما ذلك إلا لأنها كانت يتيمة ويقال أنها كانت سَنَةَ جَدْبٍ فكفلها زوج خالتها لكي تكون تحت رعاية خالتها وحنانها ولا منافاة بين القولين، وقيل أنه زوج أختها وقد ذكر القرآن لنا أيضا وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ آل عمران: 44 ].
أي ما كنت معهم يا محمد لتخبرهم عن معاينة ما جرى، بل أطلعك اللـه عليه كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم لما اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفل هذه الطاهرة التقية الورعة ليكن له الأجر، فحين خرجت بها حنة إلى بني الكاهن بن هارون أخى موسى عليهما السلام. وقالت هي نذيرة، ولا يدخل المسجد حائض، ولكني نذرتها، وأنا لا أردها إلى بيتي. فقال زكريا: ادفعوها لي فخالتها تحتي، فقالوا: بذلك تطيب أنفسنا لأنها ابنة إمامنا. وقالوا: نقترع وبالفعل اقترعوا ،فما هي القرعة؟!
أن يرموا الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة في نهر الأردن وقالوا أي قلم يثبت ولا يجري مع التيار بل يعاكسه هو كافلها وبالفعل حدث ووقع ذلك على قلم واحد ،... ترى من صاحب هذا القلم؟!
إنه زكريا عليه السلام... وذلك لحكمة يعلمها اللـه... ويعلمها لنا ألا وهي لتتعلم مريم وتقتبس من النبي الزكي زكريا عليه السلام العلم والفقه وكان إمامهم وكبيرهم وسيدهم وعالمهم ونبيهم حين ذاك.
قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا
تعجب زكريا من هذا الطهر والزهد والعفاف والتوحيد الذي وصلت به مريم البتول إلى مكانة عالية عند اللـه عز وجل فكلما دخل عليها وجد عندها رزقا.
ثم قال لها زكريا عليه السلام: يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا أي من أين لك هذا الرزق؟!
قالت البتول الطاهرة: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ أي ذلك لا دخل للمخلوق فيه بل هو من الخالق، وهو يرزق من يريد بغير حدود تحده.
وهكذا أيها الأحبة الكرام
اصطفى اللـه مريم في بستان الورع بين أزهار التقى والنقاء والعفاف والصلاح، هذه هي الزهرة والنبتة الطيبة، نشأت مريم في هذا المكان وهذا الجو الإيماني الطاهر العفيف فاصطفاها اللـه وبشرها بهذه البشارة التي انفردت بها دون نساء العالمين ويالها من بشارة يالها من خصوصية اختص اللـه بها الطاهرة..
وفي يوم من الأيام خلت مريم لنفسها لقضاء شأن من شئون العذراء الخاصة... وفجأه انحبس صوتها وشخص بصرها ،إنها مفاجأة مذهلة تأخذ بالعقول بل وتصدع الأفئدة، بشر سوي في خلوة العذراء البتول الطاهرة. وسرعان ما استغاثت برب الأرض والسموات ولجأت إليه بشدة وقالت: أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا .
انظر إلى الفطنة والذكاء والورع! لم تقل أعوذ بالجبار منك ولم تقل أعوذ بالغفار منك وإنما استجاشت الرحمة في قلبه بذكر الرحمن فقالت أعوذ بالرحمن منك، أي ارحم ضعفي! ارحم أنوثتي! ارحم خلوتي!!
ولكن قدر اللـه لها مفاجأة أعظم. أن أنطق هذا البشر السوي في خلوة البتول الطاهرة ليقول لها: لا تخافي ولا تحزني فأنا رسول ربك إليك لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قالت: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا لم أكنْ أبداً صاحبة فاحشة، فهي لم تتصور مطلقا وسيلة للإنجاب غير وسيلة التقاء الرجل بالمرأة وهي لم تتزوج بعد، ولم تفكر أيضا ألبته في الرذيلة، وهنا يأتي الرد القاطع الحاسم فيقول الملك والرسول الكريم قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا .
فهنا حدث أمر غير مألوف ما اعتادت عليه الخليقة فَنَفَخنَا فِيهَا مّن رُوحِنَا لتنجب عيسى عليه السلام، أي نفخ الملك جبريل في أعلى القميص بأمر من اللـه عز وجل وهذا ليبين للخلق طلاقة قدرة الخالق، إنها قدرة لا تحدها حدود، إن من يحاول أن يصل بعقله القاصر إلى حدود قدرة اللـه كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلاً من مكان إلى آخر وما هي بناقلته إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ يس:82 ].
فلا تفكر بعقلك القاصر البتة لتصل إلى منتهى قدرة الملك.
قل للطبيب تخطفتـه يــد الردى ياشافـي الأمـراض مـن أرداك ؟ قل للمريض نجى وعوفي بعد مـا عجــزت فنون الطب من عافاك؟ قل للصحيح مات لا من علـــة من يـا صحيـح بالمنايـا دهاك ؟ بل سل الأعمى خطاً وسط الزحـام بـلا صدام من ياأعمى يقود خطاك؟ بل سل البصير كان يحذر حفــرةً فهوى بهـا مـن ذا الذي أهواك ؟ وسل الجنين يعيـش معزولاً بـلا راع ولا مـرعى من ذا الذي يرعاك ؟ وســل الوليد أجهش بالبكاء لدى الولادة من الـــــذي أبكاك ؟ وإذا ترى الثعبـان ينفـــث سمه فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟ واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا الســم يملأ فـــــاك ؟ واسأل بطـون النحل كيف تقاطرت شهداً وقـــل للشهد من حلاك ؟
ولقد ظهر الحمل.. والراجح من أقوال المفسرين أن الحمل بعيسى كان حملا عاديا تسعة أشهر وأنه لا ريب أن اللـه جلا وعلا كان قادراً ولا زال سبحانه على أن تحمل مريم بعيسى وتضعه في لحظة واحدة، ولكن أراد اللـه بها أن يختبر مدى صبرها ومدى تحملها على هذا الابتلاء العظيم التي لا تستطيع أن تقدر عليه إلا مريم ابنة عمران العذراء البتول، فهذا من تمام الابتلاء.
وبدأت بوادر الحمل تظهر على الطاهرة المطهرة، وهنا نظر يوسف النجار - ذلك الرجل الذي كان يخدم بيت المقدس - إلى بطن الطاهرة تعلو يوما بعد يوم ويتعجب ولكن كثيراً ما كان يدفع أي خالجة تمر بذهنه لعلمه بطهر البتول، ولكن ها هي جبلية البشرية قد غلبته، وما استطاع أن يكتم هذه الخوالج عن لبه فقال لها: يا مريم إني سائلك عن شيء ولكن لا تعجلي علي، فقالت الطاهرة العذراء: سل ما شئت يا يوسف وقل قولاً جميلاً. فقال لها يوسف: هل ينبت زرع بلا بذر؟! وهل ينبت شجر بلا غيث أو مطر؟! وهل يكون ولد بغير أب؟!!! فقالت مريم: نعم يا يوسف هو كذلك. قال: وكيف يكون ذلك يا مريم؟!! قالت: ألم تعلم أن اللـه أنبت الزرع يوم أنبته من غير بذر!! وأنبت الشجر يوم خلقه بغير غيث أو مطر، وخلق آدم يوم خلقه بغير أب أو أم!!قال يوسف: أعلم أن اللـه على كل شيء قدير! اللـه أكبر..
هكذا قال عيسى الذي ما زال في المهد لا حول له ولا قوة له إلا باللـه أنا عبد اللـه، وأعطاني الإنجيل وجعلني نبياً، وأمرني بالصلاة، والزكاة ما دامت بي حياة، ومحسناً إلى العذراء أمي، ولم يجعلني من الجبارين في الأرض ولا من الأشقياء.
ويكمل لنا القرآن قصة عيسى عليه السلام ويقول: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم:34 - 36].
تعالى اللـه عما قاله النصارى فالكمال صفة من صفاته! أيحق له أن يتخذ ولداً؟!
ولِمَ يتخذ ولد وهو الغني عن خلقه ولن تغنى الخليقة عنه؟!!
فاللـه هو الغني عن الولد والصاحب والزوج.
فيا عبـاد المسيـح لنـــا سؤال نريد جــوابه ممن وعـــــاه إذا مات الإلهُ بصنــــــــع قــوم أماتوه فهل هـــذا إله ؟! ويــا عجــباً لقبـر ضم ربـاً وأعجب منه بطن قـــد حــواه أقام هناك تسعــاً مــن شـهور لدى الظلمات مـن حيــض غزاه وشق الفرج مـولوداً صغيـــراً ضعيفــــاً فاتحاً للثـــدي فاه ويأكل ثــم يشرب ثم يأتـــي بلازم ذاك هـــل هــذا إله ؟! تعالى اللـه عـن إفـك النصارى سيســأل كـلهم عمـــا افتراه
وصدق اللـه إذا يقول قل هو اللـه أحد يا من تشركون باللـه... فاللـه لا ند له.. ولا كفء له.. ولا شبيه له.. ولا زوج له... ولا ولد له ولا والد له لَيسَ كَمثْلِه شَيءٌ وَهُو السَّمِيعُ البَصِير [الشورى:11].
([1]) رواه مسلم رقم (2901) في الفتن ، باب مايكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال ، وأبو داود رقم (4311) في الملاحم ، باب أمارات الساعة ، والترمذى رقم (2184) في الفتن ، باب ماجاء في الخسف .
([2]) رواه أحمد رقم (7182) ومسلم رقم (2366) في الفضائل ، باب فضل عيسى بن مريم وهو في صحيح الجامع رقم (5785).
الخطبة الثانية
<P style="MARGIN-RIGHT: 10px" align=right> أحبتي في اللـه: أرى أنه من الجمال أن أختم هذا العنصر بهذا الحوار المبارك الجميل الذي برىء به ربنا ساحة نبيه عيسى عليه السلام.
زعـم اليهـود عليهم لعائن اللـه المتتابعة أنهم قتلوا عيسى بن مريم وصلبوه، وزعم النصارى بجهل وغباء أن عيسى صلب وقتل ودفن وخرج من قبره بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الرب أبيه، وهو ينتظر إلى يوم الخلاص ليقضى بين الأحياء والأموات!! كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا
قال أهل التفسير: إن اللـه عز وجل لما أراد أن يرفع نبيه عيسى إلى السماء بعد ما انطلق اليهود لقتله ألقى اللـه شبه عيسى على يهوذا الأسخريوطي الخائن الذي أخذ اليهود ليدلهم على مكان عيسى فابتلاه اللـه فألقى عليه شبه عيسى فأخذه اليهود فقتلوه وصلبوه وهذا قول.
والقول الآخر: ثبت عن ابن عباس بسند صحيح كما روى ابن أبي حاتم والنسائي بسند صححه الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة النساء.
قال ابن عباس رضي اللـه عنهما: "لما أراد اللـه أن يرفع عيسى خرج إلى بيت فيه إثنى عشر رجلا من الحوارين فقال: نبي اللـه عيسى: إن منكم من سيكفر بي بعد أن آمن بي، ثم قال لهم: أيكم يقبل أن يلقى عليه شبهى ليقتل مكاني ليكون معي في درجتي في الجنة فقام شاب أحدثهم سناً (أصغر الجالسين) فقال له: أنا، فقال: اجلس، فجلس، ثم أعاد عيسى القول مرة ثانية فقام نفس الشاب فقال له: اجلس فجلس، ثم أعاد عيسى قوله للمرة الثالثة فقام نفس الشاب فقال عيسى هو أنت فألقى اللـه على هذا الشاب شبه عيسى ورفع اللـه عيسى إلى السماء".
وجاء الطلب من اليهود أي الذين يطلبون عيسى لقتله فأخذوا هذا الشاب فقتلوه فصلبوه فكفر بعض أتباع عيسى ممن آمنوا به كما ذكر لهم قبل قليل.
ثم ينزل اللـه عز وجل عيسى بعد ذلك لحكم عديدة خذوا منها:
أن اللـه تبارك وتعالى سينزل عيسى عليه السلام ليكذب اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه، وليكذب النصارى الذين جهلوا هذه الحقيقة، وليبين للناس جميعا أن محمدا وأن الموحدين معه من أمته أولى الناس بعيسى عليه السلام لأنه سيحكم العالم كله بكتاب اللـه وبشريعة محمد رسول اللـه .
سينزل عيسى ليموت في الأرض فما قولك إذاً في قول اللـه تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران: 55].
والجواب كما قال جمهور المفسرين :
أن الوفاة في الآية معناها الوفاة الصغرى وهي النوم كما في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [الأنعام:60].
وكما في قوله: اللَّـهُ يَتَوفَّىالأنْفسَ حِينَ مَوتِهَا [الزمر:42].
أي في منامها كما في قول المصطفى إذا استيقظ من منامه: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور))([1]).
إنى متوفيك أى ألقى اللـه عليه سِنَةً من النوم، وهذه هي الوفاة الصغرى باتفاق ثم رفعه اللـه عز وجل ثم ينزله اللـه تبارك وتعالى في الوقت الذي يشاء.
ثالثاً: نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء.
بين اللـه جل وعلا أنه رفع عيسى إليه إلى يوم الوقت المعلوم الذي سينزل فيه إلى الأرض مرة أخرى ليكون علامة كبرى من العلامات الدالة على قيام الساعة فقال في قرآنه: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرض يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف: 57-61].
انتبه جيدا ففي قراءة ابن عباس ومجاهد وإنه لعلم للساعة أي نزول عيسى أمارة وعلامة على قيام الساعة.
بل وروى ابن جرير بسند صحيح أن ابن عباس رضي اللـه عنهما قال: وَإِنَّهُ لَعلمُ لِلسَاعَةِ أى خروج عيسى عليه السلام، فإن نزل فهذه علامة كبرى تدل على قرب قيام الساعة، وقال اللـه تعالى في الآية التي ذكرت آنفا وَإِنَّ مِّن أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ أى قبل موت عيسى عليه السلام.
وقد بينت السنة الصحيحة المتواترة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء.
ففى الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى اللـه عليه وسلم قال: ((والـذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكمـاً مقسـطاً فيكسـر الصليـب ويقتل الـخنزيـر ويضع الـجزيـة ويفيـض المال حتى لا يقبله أحد))([2]).
وانظر ماذا قال الحبيب في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي اللـه عنه قال رسول اللـه عليه وسلم: ((ليس نبى بينى وبين عيسى بن مريم وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، إنه رجل مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالسمين ولا بالنحيف مائل إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر ماء من غير بلل))([3]).
وفى رواية النواس بن سمعان في صحيح مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة أنه صلى اللـه عليه وسلم قال: ((ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين)) في الرواية الأولى التي ذكرت آنفا ((بين ممصرتين)) أي ثوبين مصبوغين بصفرة خفيفة يسيرة ((واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفع رأسه تحدر منه جمان كحبات اللؤلؤ)). يتوجه نبى اللـه عيسى من دمشق إلى بيت المقدس وقد أقيمت الصلاة فإذا رأى الإمام الفطن الذكى اللبق نبى اللـه عيسى عرفه وتقهقر للخلف ليتقدم نبى اللـه عيسى فيقول له نبى اللـه: لك أقيمت فإن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللـه لهذه الأمة فيصلى نبى اللـه عيسى خلف إمام المسلمين فإذا انتهوا من الصلاة انطلق نبى اللـه عيسى إلى باب بيت المقدس وأمرهم أن يفتحوا الباب فإذا فتحوا الباب رأوا الدجال خلف الباب ومعه سبعون ألف من اليهود بالسيوف فإذا نظر الدجال إلى نبى اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء فيريد الدجال أن يهرب فيتبعه نبى اللـه عيسى ويدركه عند باب لد مدينة معروفة الآن بفلسطين فيقتله، ويريح الناس من شره.
قال المصطفى قولاً عجيباً كما في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وصحح السند الحافظ ابن حجر من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه وفيه أن رسول اللـه قال: ((فيهلك في زمان عيسى الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك اللـه المسيح الدجال، وتنزل الأمنة في الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم))([4]).
استحلفك باللـه أن تنظر لبداية الحديث يقول الرسول تهلك كل الملل إلا الإسلام...
سبحان اللـه..!! واللـه أكبر!!
أبشر أيها الموحد.. أبشر يا من تحب " لا إله إلا اللـه ".
وفي رواية أبي أمامة وسندها صحيح قال المصطفى : ((فيكون الذئب مع الغنم كأنه كلبها ويمر الوليد على الأسد فلا يضره وتمر الوليدة على الحية فلا تضرها، رفع الظلم واستقر الأمن والأمان والرخاء وزادت البركة حتى تنزل الأمنة في الأرض)).
بل في رواية النواس بن سمعان قال : ((فيقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل (اللبن) حتى أن اللقحة (الوليدة التي وضعت ولدها) من الإبل لتكفي الفئام من الناس (الجماعة) واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفَخِذَ من الناس.... ))([5]) سبحان اللـه..!!
وهكذا تعيش الأرض حالة لا نسيج لها في التاريخ كله، حتى قال المصطفى في الحديث الذي رواه الديلمي والضياء المقدسي وصححه في الصحيحة الألباني من حديث أبي هريرة أن الحبيب النبي قال: ((طوبى لعيش بعد المسيح، طوبى لعيش بعد المسيح، يؤذن للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات حتى إذا بذرت حبك على الصفا لنبت ولا تشاحن ولا تحاسد، ولا تباغض، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض))([6]).
([1]) رواه البخارى رقم (6312) في الدعوات باب ما يقول إذا نام ، والترمذى رقم (3413) في الدعوات باب ما يدعو به عند النوم ، وأبو داود رقم (5049) في الأدب باب ما يقال عند النوم .
([2]) رواه البخاري رقم (2222) في البيوع ، باب قتل الخنزير ، ومسلم رقم (155) في الإيمان ، باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأبو داود رقم (4324) في الملاحم باب خروج الدجال ، والترمذى رقم (2234) في الفتن ، باب ما جاء في نزول عيسى عليه السلام .
([3]) رواه أبو داود رقم (4324) في الملاحم ، باب خروج الدجال ، وصححه الألبانى في الصحيحة (2182) وهو في صحيح الجامع رقم (5389) .
([4]) مسند أحمد رقم (8902) .
([5]) رواه مسلم رقم (2937) في الفتن وأشراط الساعة ، باب ذكر الدجال .
([6]) صححه شيخنا الألبانى ، في الصحيحة حديث رقم (1926) .
مصطفى دعمس المدير العام - الأستاذ مصطفى دعمس
عدد المساهمات : 1749 تاريخ التسجيل : 15/11/2010 العمر : 53 الموقع : منتدى المعلم مصطفى دعمس
موضوع: رد: علامات الساعة الكبرى ونزول عيسى بن مريم عليه السلام - محمد حسان الأربعاء أكتوبر 19, 2011 11:32 pm
علامات الساعة الكبرى ونزول عيسى بن مريم عليه السلام - محمد حسان