«كيف تعرف الله؟»
نؤمن بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله:
قال الله تعالى: " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [الأنفال : 1]، وقال تعالى: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " [الأحزاب: 36].
فينبغي على كل مؤمن أن يتوقف في أسماء الله وصفاته على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
كما قال الشافعي رحمة الله: «آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله»([1]).
وكما قال الإمام أحمد: «ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه»([2]).
نؤمن بأن صفات الله حقٌّ بلا تأويل ولا تعطيل:
فنؤمن بكل ما وصف الله به نفسه أنه حق.
* وأن لله تعالى يدين: قال تعالى: " يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ " [الفتح : 10]، وقال تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ" [ المائدة : 64].
* ونؤمن بأن لله تعالى «وجه»: قال تعالى: " وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " [الرحمن : 27]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «حجابه النور –أو النار-، لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»([3]).
* ونؤمن بأن لله تعالى «عين»: عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: «سأقول لكم فيه قولًا لم يقله نبيٌّ لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور»([4]).
* ونؤمن بأن لله تعالى «ساق»: قال تعالى: " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ " [القلم : 42].
* ونؤمن بأن الله تعالى يتكلم: قال تعالى عن كلامه لموسى عليه السلام: " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا " [النساء : 164].
وقال له أيضًا: " إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي " [الأعراف : 144].
فالله - سبحانه وتعالى - يتكلم متى شاء وكيف شاء، فبكلامه سبحانه يعطى ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل، قال تعالى: " [ يس: 82].
* ونؤمن بأن القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم هو من كلام الله سبحانه وهو من صفاته ليس مخلوقًا. قال تعالى: " وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ " [البقرة : 99].
* ونؤمن بأن الله تعالى سيكلمنا يوم القيامة: سبحان الله، ويا له من أمرٍ عظيم وشرف جسيم، اللهم اجعلنا ممن تكلمه بالرحمة.
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة»([5]).
* ونؤمن بأن الله تعالى يُرى يوم القيامة: لمن أسعده الله برؤيته من أهل كرامته ومحبته، ويا لها من نعمةٍ تسعد بها قلوب المحبين، ويا لها من نظرة تلذُّ بها أعين المشتاقين، وتنضر لها وجوه المقرَّبين. قال تعالى: " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)
إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) " [القيامة ] . فاللهم اجعلنا منهم يا رب....
* ونؤمن بأن الله تعالى يتنزل إلى السماء الدنيا: تَنزُّلًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه. قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ؟»([6]).
وهكذا لا نؤول أسماء الله وصفاته التأويل الفاسد كما أوّل أهل الباطل([7]): «يد الله» بالقدرة، و«وجهه» سبحانه بالقبلة، واستواءه على عرشه بالاستيلاء... وهكذا. عليهم من الله ما يستحقون.
ما جاءت النصوص بتأويله من الأخبار:
فكما علمنا أنه لا يصح تأويل أسماء الله ولا صفاته كما بينا في الصفحات السابقة، فإنَّ هناك أخبار عن الله سبحانه يجب أن تأوَّل على ما يليق به سبحانه، ولكن ذلك بشروط منها:
أولا : أن الذي أوَّلها هو الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى: " وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ " [ آل عمران : 7].
فمن ذلك تأويل الله وبيانه لنصوص أخبر الله فيها عن نفسه.
مثال: قوله تعالى في الحديث القدسي: «مرضت فلم تعدني». قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين.
تأويلها: قال: «أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده»([8]). فكان المرض هنا هو مرض عبد من عباد الله والعيادة أيضا هي عيادة للعبد المريض.
ومثال آخر: كقوله تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني».
التأويل: فكان تأويلها أن رجلًا استطعمه فلم يطعمه، فقال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين. قال: «استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي»([9]).
فكان الاستطعام هنا هو استطعام الناس الجوعى للأغنياء، فتفهم هذه النصوص في ضوء النصوص الدالة على ما يجب من كمال الله وعظمته وغناه كما جاء في قولة تعالى: " مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) نَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)[الذاريات].
ثانيًا : وجود نصوص توضح الصفات لله سبحانه على وجه الكمال:
وذلك على ما يليق بالله سبحانه، وهذا قد عُلِم باستقراء النصوص فيجب تأويلها بتلك النصوص الدالة على كمال الله وجلاله سبحانه.
مثال: النسيان:كما في قوله تعالى : " نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ " [التوبة : 67]، وكقوله تعالى لرجل من أهل النار: «اليوم أنساك كما نسيتني»([10]).
قال أبو عيسى الترمذي: ومعنى قوله: «اليوم أنساك». يقول: اليوم أتركك في العذاب. هكذا فسروه. فتُفهم هذه النصوص في ضوء نصوص أخرى تبين كمال الله سبحانه وقدسيته عن كل نقص ونزاهته عن كل عيب.
فالله سبحانه لا ينسى، كما قال (موسى عليه السلام): " لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى " [طه : 52].
مثال آخر: الاستقراض: قال تعالى: " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً " [ البقرة : 245].
فيفهم بقوله: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر : 15]، وكقوله سبحانه في الحديث القدسي: «يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني»([11]).
-----------------------------------
([1]) شرح لمعة الاعتقاد (ص36).
([2]) ترجمة الإمام أحمد للذهبي (27).
([3]) رواه مسلم.
([4]) رواه البخاري (2829).
([5]) رواه البخاري ومسلم.
([6]) رواه البخاري.
([7]) ومن الفرق الضالة التي أولت صفات الله تعالى: الجهمية –المعطلة والأشاعرة.
([8]) رواه مسلم.
([9]) رواه مسلم.
([10]) رواه الترمذي (4/2428).
([11]) رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه.