كثيرا ما تسمع هذه العبارات وغيرها أثناء الحوار بين اثنين أو أكثر.. وغالبا ما يكون الأمر المتحاور بشأنه إما حقا خالصا أبلجا؛ أو باطلا خالصا لجلجا.. بمعنى أن المعني هنا ليس حوارا اجتهاديا يسعى فيه كل من الفريقين ليصل إلى الحق الذي يدين الله ـ تعالى ـ به فيفوز بأجرين إن هو أصاب؛ أو بأجر واحد إن هو أخطأ.. إنما الغالب فيها أنها حوارات تُطرح للتشكيك بمسلمات في شريعتنا أو كما يسمونها لتقريب وجهات النظر مع المخالف!
والمتابع لكثير من هذه المناقشات في عالم الانترنت وأيضا من خلال بعض البرامج الحوارية في الفضائيات؛ يجد أن أكثر من يردد هذه العبارات ويعير خصمه فيها هو ذاك المخالف للشرع المبغض للحق أو ربما المحارب له أيضا.. فغدت "الحماسة" تهمة يُعير بها أنصار الدين كلما همّوا في بيانه وكلما هموا بالصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ومن كثرة ما تفنن به أصحاب الهوى في أسلوب التعيير هذا وتنويع مصطلحاته ـ(تشنج.. انفعال.. حماسة.. اندفاع.. ضيق أفق..إقصاء..أحاد الخ) حتى ضعفت معنويات البعض منا فأصبحوا يتحرجون ويتحفظون في طرح الحق تحفظا أخل به؛ ويسكتون عن بعض المنكرات خشية أن يصمهم الخصم بالحماسة والاندفاع أو الإقصاء؛ فكسب هذا المخالف الجولة الأولى في المحاورة إذ قضى على وهج الحق وسخونته وثقة حامله به؛ فتساوى الخصمان حينها في كيفية المحاورة ونبرة الكلام وهدوء الأعصاب وتشكيك كل واحد منهما بما مع محاوره؛ وهذا بحد ذاته يعتبر ربحا للمخالف وهزيمة لداعية الهدى..والمفترض كان أن لا يقبلوا به ابتداء.
من الطبيعي جدا أن يكون حامل الحق الداعي إليه أكثر وهجا وحماسة من محاوره المخالف؛ وطبيعي جدا لحامل الحق أن يقصي الآراء المخالفة للشرع؛ ورأسه مرفوع معتز بهذا الحماس، واثق من هذا الإقصاء؛ لا يتردد ولا يتكسر في محاورتهم جبرا لخواطرهم أو خوفا من تعييرهم له فالحق أعز منهم وأجل.. وبالمقابل أيضا طبيعي جدا أن يكون المخالف للشرع هادئا هينا لينا ـ فيما يُظهره لنا ـ كلماته تدغدغ مشاعر محاوره إذ هي سلاحه الوحيد فلا حجة معه إلا هواه؛ والمراء، والقيل والقال، والكلام المعسول مطيته لتحقيق مبتغاه!
والمتابع الفطن يرى الشيء الكثير من هذا؛ فتجد أحدهم يستخدم في حواراته كلمات هي للغزل أقرب منها لطلب الحق فضلا عن بيانه؛ خدع الحروف؛عبارات ندية ودية للإيقاع بخصمه؛ فيأسره عاطفيا أولا و يمرر الباطل ثانيا وثالثا ليحرجه من إظهار الحق كله في المسألة المتحاور بشأنها؛ فيتنازل له صاحبنا ـ تحت تأثير سحر البيان وزخرف الكلام ـ ببعض الحق تنازلا يحسبه بسيطا؛ بل ربما عده منقبة ومرونة جديدة ساعده خصمه في الوصول إليها؛ وما هو إلا هزيمة له وانتصار لباطل خصمه من حيث لا يشعر هذا المجتهد!
قرأت لأحدهم مرة وهو يلجلج في الدفاع عن الروافض ـ عليهم من الله ما يستحقون ـ وأن لهم حق في ممارسة شعائرهم الباطلة قرب الأماكن المقدسة وغير ذلك من الحقوق المزعومة؛ منطلقا في حواره من القاعدة العصرية " التعددية وقبول الآخر"!
و صاحبنا كان متحمسا منطلقا من نصوص شرعية واجتهادات معتبرة؛ رافضا لفكرة محاوره؛ إلا أن نَفَس هذا المخالف كان أطول؛ فكان يتمظهر بالهدوء والعاطفة الجياشة تجاه خصمه مرددا: " يا أخي أعطيـــــــك حبي كله وأعطيـــــــــك ودي كله وخاااالص أشواقي وأمنياتي العطرة..
يا عزيزي اسمع مني واهدأ والخلاف لا يفسد للود قضية وتخلص من هذا الحماس وانبذ التعصب الطائفي والتشنج..
يا عزيزي لا تقصي أحدا فلعل وعسى وليت و..و.. الخ حيل الكلام ومعسوله؛ وما زال به يسطر له الصفحات تلو الصفحات حتى سحره وأوقعه في شراكه فتصالح الخصمان ورضيا والتقيا في نقطة معينة ما كان يحلم بها المخالف يوما ما وصاحبنا المسكين ما ظن أن يتراجع عن الحق يوما ما!!
~~~
مكمن الخلل أن يسوقنا الخصم لساحة نقاش معدة فصولها من قبل مضمونة نتائجها لباطلهم!
مكمن الخلل أن نتنازل عن بعض ديننا تحت ضغط الخصم وإيهامه لنا بأن النصر حليفنا والمصلحة لدعوتنا إن فعلنا وتنازلنا!
مكمن الخلل أن يحبنا ويرضى عنا ويُعجب بنا أصحاب البدع و الأهواء محبي الشهوات والشبهات فلنحذر جميعا!
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط، ولا تتحمل شبكة نور الإسلام أي مسؤولية عنها ولا تتبناها بالضرورة.