في ظل الثورات التي تشهد بعض البدان العربية مطلع عام 2011 بدأالتاريخ العربي المعاصر ُيصنع من جديد؛لأن الثورات العربية قامت ضد ظلم الحكام وغالبيتها سلمية ورضوا ان يكونوا شهداء على ان يسفكوا دم مسلم بري حتى ممّن هم خدم الحكام؛إنه زمن تهييج الشعب العربي قبل نصف قرن عندما كانت تُرفع صور الزعامات والشعارات الثورية المراهقة، كانت الحشود تأتي بأوامر من سلطات الانقلابات، وكانت القضايا التي يُنادى بها مغرية، الوحدة العربية، الاشراكية كرمز للعدالة، وهزيمة الاستعمار والامبريالية، لكن مبرر الهيجان الشعبي خف ثم انتهى نتيجة انكشاف الواقع الذي تسبب في هزائم عسكرية، وانهيارات اقتصادية وعُري تام لتلك الأنظمة ونهجها..
كُتب التاريخ مليئة باحتفالات الثورات العربية، لكن في الحقيقة لم تكن بينها ثورة بمعناها الشعبي، بل كلها كانت انقلابات أو تغييرات قسرية. أولها الثورة العربية الكبرى عام 1916.. كانت مجرد فكرة ولم تصبح ثورة.
وثورة الضباط الأحرار المصرية في عام 1952 كانت انقلابا عسكريا، تلتها في أنحاء العالم العربي عشرات الانقلابات، كلها سمت نفسها ثورات شعبية، حتى وقعت أحداث تونس. المشهد الثوري الحقيقي الوحيد في المنطقة هو الثورة الخمينية في عام 1979، لكن إيران ليست بالبلد العربي حتى تقارن بتونس.
الثورة التونسية تاريخيا حالة مختلفة عربيا، وهذا ما أدهش الكثيرين، تونس كانت خارج رادار المراقبين ومستبعدة من قائمة الدول المرشحة للاضطرابات، لاعتبارات، من بينها قبضة زين العابدين بن علي الأمنية الحديدية. وبسبب انهياره اليوم تعيش الكثير من الأنظمة العسكرية والأمنية هذا «الهاجس التونسي»؛ لأن هياكل الحكم مشابهة لتونس، انقلابات، أو عن انقلابات موروثة. الهيكل التونسي كان يقوم على منع الانقلابات المضادة، ومنع التمرد على النظام. ثورة تونس أثبتت أن هذا النظام قابل للتحطيم.
اليوم لم نجد للتيارات السائدة قديماً أي دور لا الاشتراكيين، ولا الأحزاب القومية، أو اليمينية تستقطب الحركة الدائبة في المجتمع العربي الراهن عندما فوجئ الداخل والخارج بانفجار الشوارع العربية التي يقودها شباب لم يدخلوا مدارس تغييب العقل، أو جامعات اختزال الإنسان بالزعيم أو التنظيم الوسطي والمتطرف، وكل ما له بالطروحات الكلاسيكية أو المعاصرة التي استفادت من فشل الأنظمة لتكون البديل التلقائي لوراثتها..
حتى الجيش الذي قام بدور الحامي وخاصة في مصر، يعمل على إيجاد البديل من خلال ما طرحه شباب الثورة، في وقت جاءت الحركات الأخرى بلا نصير من القوة العسكرية، بل خرجت الجماهير لتأخذ الدور دون خيالات أو خلق عداوات مع نظام إقليمي أو خارجي، وهذا التركيز على الشأن الداخلي، هو ما يفسر بأن الكرامة العربية المهانة منذ أول انقلاب وإلى اليوم، كانت السبب التلقائي والرئيسي في الانفجارات الكبيرة..
في خضم هذا المد الهائل بدأت تظهر دعوات تحرّم الديمقراطية، وإشراك المرأة في أي دور، وأخرى دعت إلى هدم معالم حضارية تاريخية هي الجاذب للسياحة، ومناداة بإقصاء أصحاب أديان وعدم إشراكهم في مراكز الدولة أو الأخرى الحساسة، وفي القائمة تحرّك طائفي وقبلي، واستغلال من قبل القاعدة والحركات المتطرفة الأخرى لإيجاد منافذ لها من خلال فوضى الشارع..
في هذه الأجواء بدأت هناك ظواهر تتحدث عن نوع، وأهداف، ودساتير الدول القادمة، وهل تكون عسكرية بواجهة مدنية، كما هو سائد في أزمنة ماضية في تركيا، أم من خلال أحزاب لم تتدرب على جذب الجماهير لتعلن تحالفاتها للحصول على أكثرية في البرلمانات، أم إسلامية يختلط في نظامها المتطرف مع الوسطي؟
هي مخاوف مبررة، لكن لا أعتقد أن جيل الثورة بعيد عن هذه (السيناريوهات) لأن العودة للشارع يمكن أن تتكرر طالما الوعي الذي كرسته دعوات التغيير يملك الرصيد الأكبر بين المواطنين من مختلف طبقاتهم، وهي الحالة النادرة في كل ثورات التاريخ، بمعنى أن الخصومة لن تكون مع أي تشكيل يقدم إذا مانفذ المطالب المطروحة، وإلا سيجد نفسه معزولاً بقوة وسائل التواصل الاجتماعي، ولايمكن سلب الشباب قيماً ضحوا من أجلها، وقادوها بروح سلمية نادرة..
لقد انطلقت الثورات بسلاح وعيها، ومن ينكر هذا السبب ينفصل عن حقيقة الواقع العربي، والذي جسّد معنى جديداً له سقف محدد في تنفيذ المطالب المشروعة كأهم سببٍ لأهم قضية..
وما يستدعي توقفاً طويلاً في هذه المرحلة هو ما تدخله الثورات العربية على علاقات الأكثرية والأقليات في المنطقة. فالثورات أحيت مخاوف مبررة ومشروعة عند الأقليات الدينية في مصر وسورية، ولا مفر من الاعتراف بأن تاريخ هذه العلاقات لا يحتوي على ما يدعو الى اطمئنان الأقليات، في حين أن النماذج الحاضرة – في العراق خصوصاً- تشكل كابوساً لم تفلح التطمينات اللفظية في رفعه. فالطائفيه هي من تراث ألأنظمه الإستبدادية في الحكم بواسطتها حكمت وسادت ، لقد مارست هذه الأنظمة اللعبةالطائفية وبرعت فيها ، فحرضت طائفه على طائفة ، وجيشت طائفة ضدأخرى ,وضمت بذلك أستمرار حكمها لعقود.فمثلاً منذ استلام حافظ الأسد عمل النظام على تسويق نفسه بأنه المدافع عن الأقليات والضامن لحقوقهم وأن زواله يعني زوالهم وسيطرة الأكثرية السنية التي لن تعترف بهم ولا بحقوقهم وكأن سورية لم يكن فيها أقليات قبل حافظ الأسد ولو بحثنا قليلاً في تاريخ سورية ولا سيما بعد خروج الفرنسيين لوجدنا أنها عاشت فترة مزدهرة من الديموقراطية والحرية و استلم المسيحي وغيره من أبناء الطوائف التي تعتبر من الأقلية مناصب هامة جداً في الدولة كفارس الخوري وكان ذلك بانتخابات حرة نزيهة وليست كانتخابات حافظ أسد أو ابنه.
على كل الأحوال الثورات العربية هي نصر من الله للشعوب المضطهدة وليس لأحد فضل على أحد فالفضل لله والنصر من الله ..ومازلت الثورات العربية الحقيقية لم تبدأ بعد وكل ماجرى هو مقدمات فقط قد نرى بعد عام على الاقل او عامين ثورات حقيقية يسود فيها القصاص الذي يشفي الصدور الغاضبة كما عبر عنها حنظلة (ناجي العلي) إنها ثورة حتى النصر.وأن زمن الاستبداد والظلم قد ولَى وبدأ تاريخ جديد يصنع نفسه بنفسه
مع تحيات : الاستاذ مصطفى دعمس