[size=35]اشكالية التغير الثقافي [/size]
من حيث مفهومه وأصوله وعوامله
اعداد: مصطفى دعمس
مفهوم التغير الثقافي:التغير الثقافي هو عبارة عن التحول الذي يتناول كل التغيرات التي تحدث في أي فرع من فروع الثقافة، بما في ذلك الفنون والعلوم والفلسفة والتكنيك، كما يشمل صور وقوانين التغير الاجتماعي نفسه (Herskovits,1969,p 255)، كما يشمل فوق كل ذلك كل التغيرات التي تحدث في أشكال وقواعد النظام الاجتماعي.
- التغير الثقافي عملية تحليل وتفكك يتولد عنها كثير من العلل والانتكاسات وهي الثمن الاجتماعي.
- التغير الثقافي يقوم على الحركة المفاجئة السريعة.
- التغير الثقافي يعتمد على رأس المال الأجنبي، أي أنه ينجم عن الاتصال الخارجي.
- التغير الثقافي ينتج بصورة أساسية عن الاختراع أو التجديد سواء أكان مادياً أم اجتماعياً كظهور الديانات والفلسفات والقوانين الاجتماعية(الرشدان،1999،ص258).
- التغير الثقافي هو الذي يقتصر على التغيرات التي تحدث في ثقافة المجتمع.
ويعبر التغير الثقافي عن تغير يحدث في مكونات الثقافة، أي في بنائها أو في عناصرها ومضمونها حسب تعريف (هولتكرانس).(رشوان، 1982 :42)
يرتبط مفهوم التغير الثقافي بمفهوم آخر هو (التعجيل الثقافي) وهو يعني زيادة معدل التغير الثقافي فأوجبرن (Ogburn,1975) يفترض أن التراكم يرجع إلى صفتين في العملية الثقافية: أحدهما ثبات الأشكال الثقافية والأخرى إضافة أشكال جديدة.( الخريجي،1983،ص262)
يعرف درسلير التغير الثقافي بأنه: "تحول أو انقطاع عن الإجراءات المجربة والمختبرة والمنقولة عن ثقافة الماضي مع إدخال إجراءات جديدة، ويمس الاعتقاد والأذواق الخاصة بالمأكل والمشرب والملبس والتقاليد والفن والأخلاق والتكنولوجيا هذا بالإضافة إلى التغيرات التي تحدث في بنيان المجتمع ووظائفه".( الخريجي،1983،ص265)
يلاحظ الباحثون أن التغير الثقافي يتسارع كلما تعرض المجتمع لأزمة ما.
إن التغير الثقافي يعد عملية انتقائية، حيث أنه عندما يواجه أعضاء المجتمع تقاليد أو عناصر ثقافية أو إجراءات فإنما يتقبلون تلك التي يتصورون أنها مفيدة وتتلاءم مع قيمهم وهي مرغوبة اجتماعياً.
وكذلك نجد أن التغير الثقافي يتضمن مجموعة من المفاهيم التي تحل عليه ومنها التثاقف، والتفكك، والانحراف، والتطور، والتغير التدريجي، والإبداع، والتكامل، والنقل، وإعادة الإحياء، وإعادة التفسير.
فإذا نظرنا إلى التثاقف وجدناه يعني عملية التغير من خلال الاتصال الثقافي الكامل، أي اتصال بين ثقافتين يؤدي إلى زيادة أوجه التشابه بينهما في معظم الميادين الثقافية، ويتضمن هذا المصطلح أيضاً عملية الاستعارة الثقافية، وكذلك يشير مصطلح تجديد إلى العملية التي تؤدي إلى قبول عنصر ثقافي جديد وهي صورة من صور التغير الثقافي أيضاً.
غير أن الغالب من هذه المصطلحات هو الاتصال، والاختراع، والاكتشاف، والانتشار.
وتجدر الإشارة إلى أن التغير الثقافي أعم وأشمل من التغير الاجتماعي الذي يشير إلى التحولات على النظم الاجتماعية والوظائف التي تضطلع بها.
تعريف تايلور التقليدي للثقافة: "ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع"، وعلى ذلك يعد التغير الاجتماعي جزءاً من التغير الثقافي أو جانباً منه فحسب(Tylor,1871).
أصول التغير الثقافي:هناك نظرة قديمة تربط التغير بالارتدادية، أي أن الاتجاه القديم في التغير كان اتجاهاً سلبياً حيث تمسكوا بالرأي المتشائم وبأن التغير يؤدي إلى عواقب وخيمة.
وفي القرون الوسطى عولج التغير متأثراً باهتمامات الناس في تلك الفترة حيث كان اهتمامهم منصباً على القوى الخارقة في توجيه التغير، ومن ثم انحصر اهتمام الإنسان في فهم التغير على أساس معتقداته، وتصوراته الأسطورية، حيث الاعتقاد بأن الأهداف الخاصة يحققها الله، ويمثل هذا المذهب منتهى الارتدادية والتشاؤم ولم يكن فيه نقطة مضيئة سوى أمل الإنسان في وجود حياة سعيدة في المستقبل.
يمكن تحديد الشروط والتوجيهات المرتبطة بدراسة التغير الثقافي فيما يلي:أ – أن التغير الثقافي ليس ظاهرة منعزلة، وإنما ظاهرة عامة وشاملة في كل مجتمع وكل ثقافة مهما اتسمت بالثبات أو الجمود وعلى ذلك ينبغي أن يقترن التغير بالثبات بأن نضع التغير على طرف والمحافظة الثقافية على الطرف المناقض له، ونبدأ الدراسة.
ب – الموضوعية في الدراسة بأن ينتزع الباحث الانثروبولوجي نفسه، ويجردها عن الثقافة التي يدرسها سواء في حالة الثبات أو التغير.
ج – ضرورة تفاعل دارس التغير مع الثقافة بنفس طريقة تفاعل الأعضاء المنتمين إليها.
د – إذا التزم الباحث بالنظرة الكلية للثقافة، فإنه سوف يقف على الصورة الكلية للتغير والثبات من حيث المعوقات والمنشطات.( (Herskovits,1969,p 447
هـ - تملي دراسة التغير الثقافي على الباحث أن يستوعب التنوع والتباين في الثقافة بشكل لا يقل عن استيعابه لتنوع وتباين الأنماط السلوكية.
إن دارسي الثقافة قد أولوا معظم اهتمامهم نحو دراسة التغير أكثر من اهتمامهم بتحليل ودراسة الثبات، ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين:
الأول: الاهتمام بالتطور التاريخي ولذلك تركزت البحوث والدراسات على دراسة الثبات في المجتمعات البدائية تأكيداً لنظريات التطور، وتدعيماً لقضاياها.
الثاني:سهولة دراسة التغير عن دراسة الثبات وهو سبب منهجي بحت مستمد من طبيعة المشكلة.
عوامل التغير الثقافي:
1 – الاكتشاف:
يعبر عن الاكتشافات بمحصلة الجهد البشري المشترك في الإعلان المبدع عن جانب من جوانب الحقيقة القائمة بالفعل، ومن محصلات الجهد البشري المبدع كاكتشاف الرافعة مثلاً والدورة الدموية، ولا يصبح الاكتشاف عاملاً محدثاً للتغير الاجتماعي إلا بعد استخدامه من قبل المجتمع.
2 – الاختراع:
لا يقتصر على الجانب المادي من الثقافة بل يتضمن الجانب غير المادي، ويرى وليم أوجبرن أن الاختراع مفتاح التغير الثقافي، وأن الثقافة ككل وليدة الاختراع، ويعرف ميرل الاختراع بأنه: توليف جديد لسمتين ثقافيتين أو أكثر مع استخدامهما في زيادة محصلة المعرفة الموجودة بالفعل، ومن أمثلة الارتباط بين سمتين، اختراع جورج سلدن في عام 1895م للمحرك الذي يعمل بالسائل والغاز معاً، ويمكن أن نقسم الاختراعات إلى مادية كالقوس والرمح والهاتف والطائرة واختراعات اجتماعية كالمؤسسات والحروف الأبجدية، والحكومة الدستورية، وفي كل حالة من الاختراعات يتم الاستفادة من العناصر القديمة والارتباط بينها وتجديدها بحيث تصبح صالحة لاستخدامات جديدة.
يذكر بارنت أن الاختراع أو التجديد لا يأتي من فراغ، بل لابد لحدوثهما من يأتينا خلفيات معرفية واختراعات سابقة ومقدمات بمعنى أنه كلما ازدادت عناصر الثقافة (من خلال عملية التراكم الثقافي) ازدادت الاختراعات، كما أن هذا التزايد يعبر في الوقت ذاته عن عملية التراكم الثقافي، وكلما زادت الاختراعات زادت المادة المتاحة للاختراع.
3 – الانتشار:
يشير تعريف الانتشار للعمليات التي تنتج تماثلاً ثقافياً بين مجتمعات متباينة، كما أن معظم التغيرات الثقافية التي تحدث في جميع المجتمعات الإنسانية المعروفة، تتطور من خلال الانتشار، وتتم عملية الانتشار بين مجتمع وآخر فقط، وإنما قد تحدث داخل المجتمع الواحد بانتشار الخصائص الثقافية من جماعة لأخرى.
ويعتبر الانتشار عملية انتقائية، إذ تقبل جماعة إنسانية بعض الخصائص الثقافية لجماعة أخرى مجاورة لها بينما ترفض البعض الآخر.
ويميز معظم علماء الاجتماع والانثروبولوجيا بين ثلاث عمليات منفصلة للانتشار هي:
1 – الانتشار الأولي: وهو يحدث من خلال الهجرة، وأوضح مثال على هذه العملية التغييرات التي حدثت في الثقافة الأمريكية جراء هجرة أعداد كبيرة من الأفراد.
2 – الانتشار الثانوي: تشتمل هذه العملية على النقل المباشر لعنصر أو أكثر من عناصر الثقافة المادية كنقل التكنولوجيا من العالم المتقدم إلى العالم النامي.
3 – انتشار الأفكار: قد تحدث هذه العملية دون هجرة مباشرة، أو نقل لعناصر تقنية، إلا أنها تحدث تغيرات ثقافية كبيرة، ومن أمثلة انتشار الأفكار، الدعوى للحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
إن عملية الانتشار كانت محل جدل ونقاش علمي من جانب علماء الاجتماع والانثروبولوجيا، فمنهم من أرجع التشابه بين السمات الثقافية إلى انتشارها، وعرف أصحاب هذا الاتجاه بعلماء المدرسة الانتشارية، ومن العلماء من أرجع التماثل إلى التشابه في البيئات الاجتماعية المتماثلة ثقافياً، وعرف أصحاب هذا الاتجاه الأخير بعلماء المدرسة التطورية.
تعتبر الاستعارة الثقافية نوعاً من أنواع التجديد الثقافي الذي يعتمد على الاتصال بين المجتمعات من خلال أساليب متعددة كالحرب والزواج، وطلب العلم، والمؤسسات التعليمية كالجامعات، ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، ونتيجة للاتصال يستعير المجتمع بعض العادات التي توجد في مجتمع آخر، وقد يستعير المجتمع نمطاً ثقافياً كاملاً أو جزءاً من كل ثقافي.
4 – وسائل الاتصال الإعلامي:
إن تطور وسائل الاتصال الجماهيري ووسائل النقل، قد أثر بشكل واضح في تطور الثقافة وانتشارها وفي اتجاهات علماء الاجتماع في دراسة التغير الثقافي، إذ قامت المحاولات العلمية المبكرة في رؤيتها للانتشار الثقافي على فكرة المراكز الثقافية وانتشار الثقافة منها إلى مناطق أخرى، وأن يأخذ الانتشار شكل دوائر، أي أن الثقافة تنتشر في دوائر منتظمة بمعدل ثابت السرعة وفي وسط متجانس.
إن التطور التقني المذهل في مجالات الانتقال والاتصالات الإعلامية باستخدام الأقمار الصناعية يجعل العالم أشبه بقرية اليكترونية، ويضعف من مصداقية الزعم بالانتشار الثقافي القائم على المراكز الثقافية، إذ تدخل وسائل الاتصال الحديثة كعامل قوي التأثير في عملية الانتشار الثقافي.
المراجع:استيتة، دلال ملحس.2014، التغير الاجتماعي والثقافي. عمان: دار وائل للنشر والتوزيع، ط4.
الخريجي، عبد الله،1983، التغير الاجتماعي والثقافي، رامتان للنشر،جدة، السعودية .
الرشدان، عبدالله، 1999، علم اجتماع التربية، عمان، [الاردن]: دار الشروق للنشر و التوزيع.
رشوان، حسن عبدالحميد. تطور النظم الاجتماعية وأثرها على الفرد. الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، 1982Herskovits,m. cultural anthropology: Indian press, Bombay,1969
Ogburn, William, The Influence Of Invention And Discovery. McGraw, New York ,1933.
Tylor, Edward, B. Primitive Culture: John Murray, London , 1871.