الغذاء والصحة
أن علم التغذية، كعلم مستقل، علم جديد نسبيًّا ظهر في القرن العشرين. وقد تطور من علمي الكيمياء والفيزيولوجيا بعد التجارب التي قام بها لافوازييه Lavoisier 1743-1794 في فرنسا قبل قرنين من الزمن.
إلا أن معرفة الإنسان للغذاء والتغذية واهتمامه بهما بدأ منذ القدم. فقد كان الغذاء محور اهتمام الإنسان على مر العصور، يبذل جهده في سبيل الحصول عليه. وقد تنبه قدماء المصريين إلى أهمية الغذاء، وبينوا أن الإكثار منه يسبب كثيرًا من الأمراض، وكانوا يصفون بعض الأطعمة لعلاج بعض الأمراض.
اذا استعرضنا ما جاء عن الغذاء في العصر العربي الإسلامي نجد الكثير عن الأطعمة وضرر الإفراط بها والاهتمام بأنواع مخصصة منها. فقد ورد النهي عن التخمة والإكثار المفرط من الطعام على لسان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه". وجاء في الأحاديث الشريفة تخصيص ذكر بعض الأطعمة كاللحوم والتمر والعسل واللبن. وشاع في العصر الإسلامي الاهتمام بالنظم الغذائية للحالات المرضية المختلفة، ووصف أطعمة محددة لحالات مرضية معينة استنادًا إلى القول المأثور "المعدة بيت الداء، والحِمية رأس كل دواء". ( التكروري و المصري، 1989)
وكانت معالجة الأمراض بالنظم الغذائية من أهم أسس العلاج الطبي لكثير من الأمراض في المستشفيات في الحواضر الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي. وجاء تخصيص الأغذية في كتب الأطباء المسلمين كالرازي "850- 932" وابن سينا "980-1037". فلو استعرضنا كتاب "القانون في الطب" لابن سينا لوجدنا فيه ذكر الكثير من الأغذية وخصائصها ومنافعها واستعمالاتها المختلفة لعلاج الأمراض. وقد لخص ابن سينا كتاب القانون في منظومته المشهورة "الأرجوزة في الطب". وبنظرة سريعة إلى هذه المنظومة يتضح الاهتمام الكبير بالأغذية والتداوي بها. ومن الأمثلة الأخرى على الكتب التي ألفها العلماء العرب المسلمون في التغذية كتاب "منافع الأغذية ودفع مضارها" للرازي، وكتب: "الأغذية"، و "دفع مضار الأغذية"، و "الحِمْيَات"، و "الأشربة" لابن ماسويه "777-857"، وكتاب "تدبير الأصحاء بالمطعم والشراب" لحنين بن إسحق "808-873"، و "الأرجوزة في الحميات" لابن عزروت، و "الأرجوزة في الأغذية والترياق" للسان الدين بن الخطيب "1313-1375" .(خير الله، 1946)
أهمية التغذية للصحة الجسدية:لقد عرفت منظمة الصحة العالمية الصحة بأنها "حالة المعافاة الكاملة بدنيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا لا مجرد انتفاء المرض أو العجز"( 1956 World Health Organizantion)ويرى السير هارولد هيمزورث (Himsworth, H، 1968)، بأن التغذية هي دراسة تأثير الغذاء "الطعام" ومكوناته على الكائن الحي. ومن هنا فإن التغذية الجيدة ضرورية للصحة وللمحافظة على الأنسجة سليمة. فالطعام يزودنا بالعناصر الغذائية، وإذا لم نأخذ من هذه العناصر الاحتياجات اليومية التي تحقق "التوازن" balance، فإن كثيرًا من الأمراض والأعراض المرضية تحدث. ذلك أن لكل عنصرمن العناصر الغذائية وظيفة أو أكثر داخل الجسم، وأن نقص أي منها يؤدي إلى الأعراض المرضية، كما أن الإفراط في بعضها يؤدي أيضًا إلى حالات مرضية.
فالتغذية الجيدة للفرد ضرورية للنمو والتطور السليمين، وهي ضرورية لصيانة ما يتلف من أنسجته وخلاياه ولقيامه بوظائفه ونشاطاته الحيوية بكفاءة ولمقاومة المرض والعدوى. والتغذية ضرورية لسلامة الجسم والعقل، وقديمًا قيل العقل السليم في الجسم السليم.
النظام الغذائي الصحي
يساعد اتِّباع نظام غذائي صحي على الوقاية من سوء التغذية بأشكاله كافة، فضلاً عن الأمراض غير السارية، بما في ذلك مرض السكري وأمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان.
النظام الغذائي غير الصحي وقلة النشاط البدني من أبرز المخاطر العالمية التي تهدد الصحة.
تبدأ الممارسات الغذائية الصحية في مرحلة عمرية مبكّرة - فالرضاعة الطبيعية تعزّز النمو الصحي وتحسّن التطور المعرفي، وقد تكون لها فوائد صحية أطول أمداً مثل الحدّ من خطر زيادة الوزن أو البدانة والإصابة بالأمراض غير السارية في مرحلة عمرية لاحقة.
ينبغي أن يكون مدخول الطاقة (السعرات الحرارية) متوازناً مع استهلاك الطاقة. ولتجنّب زيادة الوزن غير الصحية، يتعيّن ألا تتجاوز النسبة الكلية للدهون 30% من إجمالي مدخول الطاقة.
Abdelhamid A, Bunn D, & Brown T, 2015))
ويتعيّن أن تكون نسبة ما يتم تناوله من الدهون المشبّعة أقل من 10% من إجمالي مدخول الطاقة، ونسبة ما يتم تناوله من الدهون المتحوّلة أقل من 1% من إجمالي مدخول الطاقة، مع تغيير استهلاك الدهون بعيدًا عن الدهون المشبّعة والدهون المتحوّلة إلى الدهون غير المشبّعة ، وباتّجاه تحقيق هدف القضاء على الدهون المتحوّلة المنتَجة صناعياً .(Nishida C & Uauy R, 2009)
يُمثّل الحدّ من تناول السكريات الحرة إلى أقل من 10% من إجمالي مدخول الطاقة جزءاً من أي نظام غذائي صحي. ويُقترَح المضي في خفضها إلى أقل من 5 % من إجمالي مدخول الطاقة لتحقيق فوائد صحية إضافية. (World Health Organization, 2015)
جاء ما ملخصه من كتاب إحياء علوم الدين (الغزالي،2011)ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف ، ومنها :1- صفاءُ القلبِ وإيقادُ القريحة وإنفاذ البصيرة ، فإنّ الشبعَ يورثُ البلادةَ ويُعمي القلب ، ولهذا جاءَ في الحكمة ( مَن أجاعَ بطنَه عظُمت فكرتُه وفَطُن قلبُه ) .2- الانكسارُ والذلُ وزوالُ البَطَرِ والفرحِ والأشرِ ، الذي هو مبدأُ الطغيانِ والغفلةِ عن الله تعالى .3- أن لا ينسى بلاءَ الله وعذابه ، ولا ينسى أهلَ البلاء ، فإن الشبعانَ ينسى الجائعَ وينسى الجوع ، والعبدُ الفطنُ لا يجدُ بلاءَ غيرِه إلا ويتذكرُ بلاءَ الآخرة .4- من أكبر الفوائد : كسرُ شهواتِ المعاصي كلّها ، والاستيلاءُ على النفسِ الأمّارةِ بالسوء ، فإنَّ منشأَ المعاصي كلِّها الشهواتُ والقوى ، ومادةُ القوى والشهواتِ لا محالة الأطعمة . قال ذو النون : ما شبعتُ قطُّ إلا عصيتُ أو هممتُ بمعصية .5- دفعُ النومِ ودوامُ السَّهر ، فإنَّ مَن شَبِع كثيرًا شرب كثيرًا ، ومن كثر شربُه كثرَ نومه ، وفي كثرةِ النومِ ضياعُ العمر وفوتُ التهجدِ وبلادةُ الطبعِ وقسوةُ القلب ، والعمرُ أنفسُ الجواهرِ ، وهو رأسُ مالِ العبدِ ، فيه يتجر ، والنومُ موت ، فتكثيره يُنقِصُ العمر .6- صحةُ البدن ودفعُ الأمراض ، فإن سببَها كثرةُ الأكل وحصولُ الأخلاط في المعدة ، وقد قالَ الأطباء : البِطْنةُ أصلُ الداء ، والحِميةُ أصلُ الدواء . الأسس الصحية لتناول الغذاء (*) قبل التمارين
1- أن يحتوي الغذاء على كمية كافية من الطاقة الحرارية لمنع الشعور بالجوع أو الإرهاق عند التمرين.
2- أن يحتوي على أطعمة سهلة الهضم وأن يتم تناولها قبل وقت كافٍ من التمارين.
3- الامتناع عن الأطعمة التي تسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي وتؤدي للانتفاخ.
4- تجنب تناول الشاي والقهوة والمشروبات الغازية قبل التمارين لأنها مدرة للبول.
5- الحرص على تناول كمية من السوائل.
التغذية بعد التمرين
1- شرب السوائل بكثرة لتعويض الفاقد.
2- تعويض الصوديوم بتناول أطعمة غنية بالملح.
3- تعوض البوتاسيوم بتناول عصير البرتقال، الموز، البطاطس.
لماذا ننصح بتناول الوجبة قبل وقت كافٍ من التمارين?
وقد ثبت علمياً أن ممارسة الرياضة بعد تناول الوجبة الغذائية مباشرة يؤدي إلى:
1- استهلاك الجسم للسكريات الموجودة بالدم نتيجة زيادة هرمون الأنسولين الذي يرتفع دائماً بعد تناول الوجبة الغذائية مما يمنع استهلاك الدهون المخزنة في الجسم فلا ينقص الوزن.
2- الغثيان والآلام المعوية نتيجة لعسر الهضم حيث يتحول الدم من القناة الهضمية لتغذية العضلات أثناء حركتها.
(*): الغذاء : هو ما استحوذ عليه البدن ، فأحاله إلى طبعه ، كالخبز ، فإن البدن يجعله كيلوساً ، ثم دماً ، ثم لحماً وعظماً ، وغير ذلك من أعضائه. ( مفتاح الطب : 146 الفصل 8 في قوانين الأدوية والأغذية ).