بسم الله الرحمن الرحيم
(الغضب وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع)
• أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالتراحم فيما بينهم، وتطهير قلوبهم من البغضاء والشحناء، ونَزعات الجاهلية العمياء وخاصة الغضب الذي يؤدي إلى أحوال مذمومة وآثار سلبية على النفس والمجتمع، وعواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.
• من صور الهدي النبوي الشريف في السيطرة على الغضب إفشاء السلام بين الناس ليصير سلوكاً عملياً يمارسه المؤمنون فتنتشر قيم المحبة والمودة والأخوة بينهم، وأن يكظم المسلم غيظه، وإن كان قادراً على إنفاذه، لأن ذلك دليل على تقوى الله تعالى.
• ينبغي للمسلم أن يذكّر نفسه بالأجر العظيم والثواب الجزيل الذي جعله الله تعالى لمن حبس غضبه، وأن يستعين على إطفاء غضبه بالوضوء، وإن يغير الحال التي هو عليها فإن كان قائماً فليجلس وإن كان جالساً فليضطجع.
• ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس حيث قال: لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،87): 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
الآيات القرآنية (مُلزم)
الآية اسم السورة ورقم الآية
﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾ آل عمران: 134
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ الحجرات: 2
﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ الكهف: 24
الأحاديث النبوية (مُلزم)
طرف الحديث تخريجه
«أن رجلاً قال للنبي ، أوصني، قال، «لا تغضب» صحيح البخاري
«من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يخيّره من أي الحور شاء» سنن الترمذي
«ما ضَرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قَطّ بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلاّ أن يُجاهد في سبيل الله، وما نِيْلَ منه شيءٌ قَطّ فينتقم من صاحبه، إلاّ أن ينتهكَ شيئاً من محارم الله، فينتقم لله عزّ وجلّ» صحيح مسلم
«ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه
«إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» صحيح مسلم
«لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» صحيح مسلم
«إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ» موطأ الإمام مالك
«إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ» المعجم الأوسط للطبراني
«إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» سنن أبي داود
«إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» سنن أبي داود
مُلخص الخطبة
(مُلزم)
• الغضب من الأخلاق الذميمة التي نهى الإسلام عنها فالله تعالى يريد أن يُطهّر النُّفوس من نَّزعات الجاهلية التي عرفها الناس، وألِفوها قبل الإسلام، ويقيم أركان المجتمع على أساس إفشاء السلم الاجتماعي، وإقامة العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد على المودة والرحمة والمحبة.
• للغضب آثار سلبية على دين الإنسان وعلى دنياه؛ أمَّا أثر الغضب السيئ على دين الإنسان، فإنَّه قد يحمل المسلم على التلفظ بكلمات قد يندم عليها فيما بعد، أو يقدح في عرض إنسان أو يشتمه أو يذمّه، فكم من إنسانٍ غضب غضباً لم يتمالك فيه نفسه فطلَّق زوجته، أو ضرب أولاده وأهله، أو هدم علاقته مع جيرانه أو إخوانه أو أخواته، لتحلَّ قطيعة تحتاج إلى سنوات حتى تُرفع.
• من صور الهدي النبوي الشريف في معالجة الغضب، إفشاء السلام بين أبناء المجتمع ليصير سلوكاً عملياً يمارسه المؤمنون فتنتشر قيم المحبة والأخوة في المجتمع، ومنها أن يكظم المسلم غيظه، وإن كان قادراً على إنفاذه؛ وأن يكثر من ذكر الله عز وجل ومن هذه الطرق أيضاً أن يُحدث المسلم نفسه بالأجر العظيم والثواب الجزيل الذي جعله الله تعالى لمن حبس غضبه، وأن يستعين على إطفاء غضبه بالوضوء، وإن يغير الحال التي هو عليها فإن كان قائماً فليجلس وإن كان جالساً فليضطجع.
• ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس حيث قال: لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،87): 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
أركان الخطبة (مُلزمة)
«إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ( ) نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَنْصِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ»، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ( )، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمّة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيِّدَنا وقائدنا وقرةَ أعيُنِنَا محمَّدٍ( ) وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته( ): لقوله تعالى( ) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}( ).
• وتتكرر أركان الخطبة الأولى في الخطبة الثانية، ويُضاف إليها الدعاء لعموم المسلمين في نهاية الخطبة الثانية( ): «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم».
(الغضب وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع)
(المادة العلمية المقترحة)
جاء الإسلام ليقيم أركان المجتمع على أساس إفشاء السلم الاجتماعي، وإقامة العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد على أساس من المودة والرحمة والمحبة، وهذا أمرٌ لن يتحقق إلا إذا هيمن على الإنسان العقل الرشيد، والرأي السديد، وطهّر نفسه من نَّزعات الجاهلية التي كانت توقع العداوة والبغضاء وتشعل الحروب بين الناس، ومن أهم هذه النزعات الغضب المفضي إلى الجهل والأذى، لذلك كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاءه يسأله النصيحة أن قال له: «لا تغضب»، فردَّد مراراً. قال، « لا تغضب» صحيح البخاري، كرَّرها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لعلمه بالأثر السيئ والعاقبة الوخيمة التي يتركها الغضب على من تملّك على عقله، وسيطر على تصرفاته، واستحكم على جنباته.
قال الراغب الأصفهاني، "النفس إذا اشتعلت غضبًا عميت عن الرشد، وصمَّت عن الموعظة، فتصير مواعظه مادة لغضبه، ولهذا حُكي عن إبليس لعنه الله، أنه يقول: متى أعجزني ابن آدم فلن يعجزني إذا غضب؛ لأنَّه ينقاد لي فيما أبتغيه منه، ويعمل بما أريده وأرتضيه".
إنَّ الإنسان إذا وقع تحت تأثير الغضب وأفرط فيه، وقع في الحال المذمومة والعواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة، فالغضب له أسوأ الأثر على دين الإنسان وعلى دنياه؛ أمَّا أثر الغضب السيئ على دين الإنسان، فإنَّه قد يحمل المسلم على التلفظ بكلمات - وهو واقع تحت تأثير الغضب - تُخرجه من ملَّة الإسلام، أو يقدح إنساناً أو يقذفه أو يذمّه، فالغضب فلتة من فلتات الشيطان يُريد أن يوقع الإنسان في الذنب والإثم، مصداق ذلك ودليله: ما رواه مسلمٌ في صحيحه عن سلمان بن صُرد قال:اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَهَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ؟" صحيح مسلم، قال في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم كلمة تضعه في مكان ضيقٍ، وباء بأسوأ ذنبٍ وأقبح إثمٍ، إذ لم يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وحسب، بل جهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض، والله عز وجل يقول لنا في كتابه العزيز، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ الحجرات:2، فكان الغضب سبباً في إحباط عمله.
وأمَّا أثر الغضب على دنيا الإنسان فكم من غضبٍ لم يملك فيه المرء نفسه، ففعل جرماً يُعاقب بسببه أسوأ العقاب، وكم من إنسانٍ غضب غضباً لم يتمالك فيه نفسه فطلَّق زوجته، وكم من إنسانٍ غضب غضباً لم يملك فيه نفسه فضرب أولاده وأهله، وكم من إنسانٍ غضب غضباً لم يملك فيه نفسه فهدمت علاقته مع جيرانه أو إخوانه أو أخواته، لتحلَّ قطيعة تحتاج إلى سنوات حتى تُرفع، وكم من إنسان سمح لغضبه أن يسيطر عليه فأدى به إلى ارتكاب جريمة نكراء كالقتل أو إيذاء الآخرين والاعتداء عليهم، فأصبح بعد سعة العيش وراحة البال، يعيش في الحسرة والندامة وعقوبة تنتظره في الدنيا قبل الآخرة.
وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده أروع الأمثلة في علاج الغضب، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أحلَم الناس، وارفقهم، لم يكن يغضب لأمر من أمور الدنيا، وهو الذي لاقى ما لاقاه من أذى الناس وحربهم إياه، ومع ذلك كان يعاملهم بالرحمة فيقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله عز وجل، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضَرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قَطّ بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلاّ أن يُجاهد في سبيل الله، وما نِيْلَ منه شيءٌ قَطّ فينتقم من صاحبه، إلاّ أن ينتهكَ شيئاً من محارم الله، فينتقم لله عزّ وجلّ» صحيح مسلم.
وها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأتيه رجلٌ يقول له : والله لأسبنَّك سبَّاً يدخل معك إلى القبر، فنظر إليه أبو بكر رضي الله عنه وقال له بنفس الواثق بالله المؤمن به، يدخل معك لا معي.
ولمَّا كان للغضب ما كان من سوء العاقبة، فقد شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم مجموعةً من الخطوات التي تؤدي إلى علاجه، ومن هذه التوجيهات إفشاء السلام في المجتمع، فالسلام اسم من أسماء الله الحُسنى، والسلام هو تحيةُ الإسلام في الدنيا، وهو تحيةُ المؤمنين أهل الفوز والنجاة في الجنّة، وكان من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم للناس قوله: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» صحيح مسلم، وإفشاء السلام لا يكون بمجرد التلفظ القولي، بل لا بدّ أن ينعكس سلوكاً عملياً على جوارح المؤمن، فيشعر أهله وجيرانه، وجميع من يتعامل معه بالأمن والطمأنينة والسلام، فلا يكون المسلم أسير نوازع غضبه، أو يخشى الناس معاملته اتقاء شرّه وغضبه، فإن هذا الصنف من الناس قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ» موطأ الإمام مالك.
ومن أخلاق المسلم إن رأى ما يغضبه أو يزعجه، أن يجاهد نفسه ويكظم غيظه وإن كان قادراً على إنفاذه، وعليه أن يتذكّر بأن الشعور بالغضب وما ينتج عنه أمرٌ سلوكي يمكن السيطرة عليه بمجاهدة النفس وتدريبها على السكينة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ» المعجم الأوسط للطبراني؛ وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن كتم الغيظ دليل على كمال العبودية لله تعالى وتقواه، وحرية النفس وعدم انقيادها لفلتات النفس، فقال صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، متفق عليه، وكما قيل:
واتق الله فتقوى الله ما***جاورت قلب امرئٍ إلا وصل
ليس من يقطع طرقاً بطـلاً***إنا من يتقِ الله البطــل
وقد مدح الله تعالى أولئك الذين يجاهدون أنفسهم عن أذية الغير أو الانتقام للنفس، ولا يستسلمون لثوران الغضب أن يمتلكهم، بل طالبهم الله عزّ وجل بدرجة أرفع من ذلك تتعدى كظم الغيض إلى درجة العفو والإحسان إلى من أساء، فقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران: 134، ووعد الله عز وجل من كظم غيظه أن يملأ الله سبحانه وتعالى قلبه رضىً يوم القيامة، فلقد روى أبو داوود في سننه عن سهل بن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه دعاه الله عزّ وجل على رؤوس الخلائق يخيّره من أي الحور شاء» سنن الترمذي.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران: 102 .
عباد الله: على من وجد في نفسه سرعة الغضب وشدّة الانفعال، أن يعلم بأن الغضب إن سيطر على صاحبه صار كالنار المشتعلة في الصدر، حتى تصبح أنفاس الغضبان كالمرجل، فيُغلق على عقله، ولا يسيطر على أفعاله وأقواله، لذلك كان من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمد المُسلم إلى إطفاء هذه النار بالوضوء، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» سنند أبي داود.
وكذلك يوجّه النبي صلى الله عليه وسلم الغضبان إلى السكون وتغيير الحال من الوقوف إلى الجلوس أو الاضطجاع، فالغضبان في حال الجلوس أقدر على تمالك نفسه، والسيطرة على أعضائه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» سنن أبي داود.
وعلى المُسلم أن يكثر المسلم من ذكر الله عز وجل، ويتأمل أن الله سبحانه وتعالى قادرٌ عليه، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ الكهف: 24، قال عكرمة في معرض التفسير لهذه الآية: (أي اذكر ربك إذا غضبت)، وإن من أفضل الذكر أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس حيث قال: لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،87): 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد، إنه سميع مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين