أعلمت أشرف أو أجلّ من الذي يبـني وينشيء أنفسنا وعقــولا ؟
إنه المعلم الذي تحمّل على عاتقه أنبل وأشرف مهنة على وجه هذه البسيطة ألا وهي مهنة الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه ، المهنة التي علم أجرها وفضلها عند رب السماوات والأرض ، قال تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }(1)
لم يثنه في دربه جهد ولا تعب ولا مشقة ، ولا حتى أمواج عاتية ، ولا بروق ورعود قادمة . صنديد في الميادين التربوية ، وأبي في الشدائد التعليمية ، وجواد في العطايا والسجايا التكريمية ، لا يلتفت لقيل ولا قال ، بل يثبت كثبات الجبال الراسية ، ويشمخ كشموخ الأعلام العالية ، ويسير في معيارية ثابتة كالأفلاك السائرة ، رغم ما يعتريه – أحيانا – من هضم للحقوق وصد وإعراض وعقوق .
ويواظب على الحضور ، ويحافظ على البكور تمشيا مع دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم - : »اللهم بارك لأمتي في بكورها«(2). كما أنه يلتزم النظام وكل ما يمليه عليه مديره من تعليمات وتوجيهات وأنظمة تخدم الحركة التعليمية وتساعد في تطورها وتقدمها إلى الأمام وإلى الأفضل والأحسن ، ولا يتكاسل عند بدء حصصه الأساسية أو حصص الاحتياط المكلّف بها ، ويتقيد بأوقات الدوام والاختبارات ، وعند وضع الأسئلـــــــة وتسليمها ، وكل ما من شأنه المصلحة العامة للمدرسة والمعلمين والطلاب .
(1) : سورة المجادلة:11
(2) رواه الإمام أحمد في المسند، رقم: (1320)، (1/424) ، ورواه أبو داود في سننه ، كتاب: الجهاد، باب: في الابتكار في السفر، رقم: (2606)، (3/57)، قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ حَدِيدٍ عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا« ، وزاد: (قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهُوَ صَخْرُ بْنُ وَدَاعَةَ(.
يربي ويعلم محتسبا الأجر في ذلك من رب السموات والأرض ، شعاره التربية والتعليم وكل أمر في طلب للعلم ، وديدنه الإخلاص والإتقان ، ومنهجه كتاب الله وسنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – والتمسك بهما ، وعن مالك بن أنس مرسلا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله " . رواه في الموطأ "
يتشّوق لبدء العام الدراسي ، وربما ينتظره بفارغ الصبر حبا منه في العمل في ميدان التربية والتعليم ، ثم يأتي العام ليبدأ مرحلة التحضير وتوزيع المقرر المعهود ، وقبل ذلك فهم الأهداف السلوكية وكتابتها على الأسطر الأولى من دفتر التحضير ، كل يوم يحضر دروسه بلا سآمة ولا نفور ولا تضجّر وصدور ، ثم ينطلق مع أسراب الطيور ، ومع إشراقة شمس صباح جميل والأمل يحدوه إلى مستقبل مشرق ومنير ، يُشارك في الطابور الصباحي ويُساعد ويشرف بلا تكبر ولا غرور ، ويستمع إلى البرنامج الإذاعي بلهفة وشوق وسرور , ثم يدخل فصله فيلقي تحية الإسلام الخالدة على تلاميذه ، ويصبحهم بالخير ، والدعوة بالتوفيق ، ويمهد لدرسه بتمهيد مشوّّق في حدود دقائق لا تزيد ، فيشرح الدرس الجديد بإخلاص وصدق وحب أكيد .
يبدع عند شرح الدروس وكل ما من شأنه التجديد ، فتارة يستخدم الوسائل التوضيحية ، والمكتوبة بخط جميل ، وتارة باستخدام طريقة المجموعات بين الطلاب ، وتارة باستخدام الحاسب الآلي وعمل برنامج لكل درس جديد ، أو باستخدام أجهزة العرض وكل جهاز يُساعد في الشرح وتوصيل المعلومة بشكل آخّاذ مفيد .
ولا يكتف بذلك ، بل يحاول دائما تطوير نفسه والتزوّد من كنوز المعرفة والثقافة ، وكل أمر فيه فائدة تعود عليه بالخير الوفير ، كما أنه يجعل شغله الشاغل – بعد عبادة ربه والمحافظة على اتباع أوامره واجتناب نواهيه – بتلميذه المحبوب وتربيته وتعليمه بكل إخلاص وحرص أكيد ، ينشئه على الدين الحنيف ، ويربط قلبه بكتاب رب الخلق أجمعين ، وسنة نبيه الأمين ، يحافظ عليه من الانحراف وكل ما فيه مخالفة للدين الحنيف ، ويبعده عن قرناء السوء ، ويحذره من مصاحبتهم ، لأنه قد علم أن الصاحب ساحب إما إلى الفضيلة والسعادة وإما إلى الرذيلة والشقاوة ، قال تعالى :) الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ( 67 الزخرف. وبيّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذلك في قوله : ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) [رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح] [1].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما من شيء أدل على شيء؛ من الصاحب على الصاحب)، ومن كلام بعض أهل الحكمة: (يظن بالمرء ما يظن بقرينه).
فلا غرو حينئذٍ أن يعنى الإسلام بشأن الصحبة والمجالسة أيما عناية، ويوليها بالغ الرعاية، حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كل فرد من أفراد الأمة إلى العناية باختيار الجلساء الصالحين، واصطفاء الرفقاء المتقين، فقال عليه الصلاة والسلام:
((لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) [رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن] [2].
كما ضرب صلى الله عليه وسلم للأمة مثل الجليس الصالح والجليس السوء بشيء محسوس وظاهر، كل يدرك أثره وعاقبته، ومقدار نفعه أو ضرره.
فقد أخرج الشيخان عن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة)) [3].
قال الإمام ابن حجر تعليقًا على هذا الحديث: (فيه النهي عن مجالسة من يتأذى من مجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما)
[1] سنن أبي داود : كتاب الأدب – باب من يؤمر أن يجالس ، حديث (4833) ، سنن الترمذي : كتاب الزهد – باب ما جاء في أخذ المال بحقه ، حديث (2378) ، وقال : حسن غريب.
[2] سنن أبي داود : كتاب الأدب – باب يؤمر أن يجالس ، حديث (4832) ، سنن الترمذي : كتاب الزهد – باب ما جاء في صحبة المؤمن ، حديث (2395) وقال : هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه.
[3] صحيح البخاري : كتاب الذبائح والصيد – باب المسك ، حديث (5534) ، صحيح مسلم : كتاب البر والصلة – باب استحباب مجالسة الصالحين . . . حديث (2628).
فمن شقاء المرء أن يجالس أمثال هؤلاء الذين ليس في صحبته سوى الحسرة والندامة؛ لأنهم ربما أفسدوا عليه دينه وأخلاقه وعلمه، حتى يخسر دنياه وآخرته، وذلك هو الخسران المبين، والغبن الفاحش يوم الدين، كما قال سبحانه:
وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً يٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً [الفرقان:27-29].
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكـــل قرين بــــــالمقـــــارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
المعلم يكتشف المواهب والقدرات ثم يُنميها ويُعزز مواطن القوة فيها، ويرمم مواطن الضعف ، ويشحذ الأذهان ويقوّم الأفكار ، ويبصر الجنان ، ويدل على الطريق الواضح المبين الذي لا اعوجاج فيه ولا سراب بل غض طري وعذب زلال ، ويشيد بالموهوبين والمتفوقين ، ويثني عليهم بلا إفراط ولا تفريط ، كما يغدق عليهم الجوائز والهدايا والعطايا الجسام ، وذلك استجلابا للعقول والقلوب ثم غرس البذور والزهور لتنمو وتترعرع فتصبح زاهية برّاقة على مرّ الأزمان والدهور . إنها لحظات سعيدة وفرحات غامرة تُشاغف القلوب عندما تجد تلميذك بعد سنين يتبوأ منزلة رفيعة ومكانة عالية، ويشمخ في ذرا العلياء والمجد يبني بلاده ويخدم وطنه ومجتمعه ، حيئنذ يتذكّر معلمه المخلص فيقدر له جهده ، ويحفظ له وده ، ويبقي له ذكره مهما طال العمر أو قصر ، وعندما يقابله يقبله على جبينه قبلة الاحترام والتقدير والتبجيل وكأنه أبوه الحنون .
يؤدي دوره في المناوبة بكل اقتدار وإخلاص ومراقبة لرب الناس ، يُبكر في الدوام ويصل قبل المعلمين الكرام ، ثم يسجل اسمه في ورقة الدوام ، فينطــلق استعدادا لطابور الصباح ، ويتأكد من عدم وجود أي تلميذ في الصفوف إلا من عذر أكيد لا يقبل الشك والتضليل ، ثم يتوجه إلى الطابور الصباحي فيساعد معلم التربية الرياضية في صف الطلبة وترتيبهم وتنظيمهم كالمعتاد ، ثم يواصل المناوبة بين الحصص وفي وقت الفسحة أو الفرصة ، ينصح هذا ويرشد ذاك ، ويستأصل بعض الصفات الذميمة الصادرة من بعض الطلبة كالشرور والتكبر والغرور ، يراقب التصرفات العشوائية ويسرع في معالجة الخطأ والقصور ، يتأكد من وضع الطلبة للعلب الفارغة وبقايا الطعام في سلة المهملات ، ولا ينتقص من شخصية طالب ولا يجور ، ثم يواصل إشرافه ومناوبته بعد الفرصة.
يُشارك في الأنشطة اللا صفية ، ويتفاعل معها ، دون كسل أو خمول ، بل ويفعّل النشاط على أكمل وجه ممكن ، ويبذل الجهد الكبير في سبيل إبراز النشاط وجعله محققا الفائدة المرجوّة للطالب ، ومن ثم فهمه للمادة العلمية أيا كانت وفي جميع العلوم ، ويحث الطلاب على القراءة الجادة من خلال مكتبة المدرسة وعمل المطويات واللوحات والوسائل الحائطية ، وذلك بشكل منظم ودقيق ، كما يهيب بطلابه على اختيار المعلومات بكل دقة وعناية فائقة لتبرز في المدرسة وخارجها بشكل جميل وجديد . كما يقيم ويُشارك في الندوات والمحاضرات والمسابقات والدروس المفيدة بين الفينة والأخرى ،وكل أمر فيه تجديد ، ويساهم في إثراء معلومات الطلاب بأي وسيلة كانت ، وذلك وفق معيارية ثابتة وتخطيط سليم وترتيب وتنظيم .
يتصف بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والسجايا الكريمة ، بل يجعل نصب عينيه قدوة الناس أجمعين محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – قال تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" (الأحزاب:21). يستضيء منها، ويتفيء تحتها ويقتبس من سناها ذلك النور المبين ، فيرسله عناقيدا من ضياء ليعانق النجوم المضيئة في السماء فينعكس على قلوب الطلاب النجباء والزملاء الأعزاء فيوقد قلوبهم وينير عقولهم ويسعد نفوسهم لترتقي وتعلو بالبناء .
و اذا نظرنا الى علماء المسلمين من الأئمة نقرأ أبيات ( الشافعي ) التي يقول فيها :
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ وأكره أن أكون له مُجيبا
يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حلماً كعودٍ زاده الإحراق طيبا
يُخرج الكلام من فمه عذبا رقيقا بلا إيجاز ولا إطناب ، يحكمه جيدا قبل أن يخرج من فمه ، فتراه لا يتشدّق في كلامه ولايتكبر ، ولا يتعرض لأعراض الناس بالهمز واللمز والنميمة والغيبة وكل ما يندرج تحت ذلك من آفات اللسان ، لأنه قد علم التحذير من رب العباد عندما قال ) :وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ( (1) ، والتحذير كذلك من رسول العالمين – صلى الله عليه وسلم - : "عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذِكرُك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه"(2) .
(1) سورة الحجرات / 12
(2) رواه مسلم ( 2589)
تتشوّق إلى الجلوس معه ، وتتمنى البقاء بجانبه لتنهل من عذب كلامه، وجميل لسانه ، وحياء وجه ، ونقاء قلبه ، وغزارة فكره وعقله . كما تستفيد من نصحه وتوجيهه وقصصه المشوقّة والتي لا زخرف فيها ولا تكلّف ، ثقافة عامة ، ومعلومات نابضة ، وأخبار صادقة كصدقه وصراحته في تعاملاته .
يحرص على المشاركة في إبداء الرأي ، وبيان وجهة نظره ، سواء أكان ذلك في اجتماعات خاصة بينه وبين زملائه أو في اجتماعات عامة داخل المدرسة أو خارجها ،أو ما تقتضيه المصلحة العامة من عقد لمثل تلك الاجتماعات التي تخدم الطالب والمعلمين وأولياء الأمور ، وبعض المناسبات الخاصة والعامة ، مع الالتزام بالنقد البناء دون الخدش والسب والشتم ، وكل ما فيه نهر وزجر وعُجب وغرور .
يستغل وقت فراغه في المفيد سواء في تصحيح أوراق أو دفاترالطلاب والنظر فيها بعين الاعتبار لا بعين العشوائية والاختيار ، يتأكد من إجاباتهم وكتاباتهم مهما اعتراها من خطأ أو قصور ، مع وضع بعض العبارات التشجيعية كوفقك الله ، أو حفظك الله ، أو أحسنت أو ممتاز لمن كانت إجاباته صحيحة ومنظمة ، ووضع بعض الملحوظات لمن قصّر في الواجبات ولم يهتم بها ، ومراقبته مستقبلا وعدم إهماله وتركه بلا متابعة ولا حساب ، ثم التشجيع بالثناء والشكر والتقدير ، كما يقوم بتحضير الوسائل التعليمية ، أو باستغلال وقت فراغه في قراءة الكتب المفيدة والمجلات النافعة وكل مصدر يدر عليه بالمعرفة والثقافة ، وذلك من خلال المكتبة المدرسية ، والجلوس مع الأصدقاء من الكتب، حيث يقول المتنبي :
خير مكان ٍ بالدنا سرجُ سابح ٍ .... وخيرُ جليس ٍ في الزمان ِ كتابُ
ولأن الكتاب أنيس في الوحشة ، يفيد ولا يستفيد ، ويحفظ السر ولا يفشيه ، وتُنال منه الحكمة والموعظة وكل معلومة مفيدة . فقد وصف د. الشيخ عائض القرني فوائد المطالعة والقراءة :
طرد الوسواس و الهم والحزن(1) ...
اجتناب الخوض في الباطل ...
الاشتغال عن البطالّين واهل العطالة ...
تنمية العقل .. وتجويد الذهن .. وتصفية الخاطر ...
غزارة العلم .. وكثرة المحفوظ والمفهوم ...
الاستفادة من تجارب الناس وحكم الحكماء واستنباط العلماء ...
فتق اللسان وتدريب على الكلام .. والبعد عن اللحن .. والتحلي بالبلاغة والفصاحة ...
ايجاد الملَكَة الهاضمة للعلوم .. والمطالعة على الثقافات الواعية لدورها في الحياة ...
زيادة الايمان خاصة في قراءة كتب أهل الإسلام فان الكتاب من أعظم الوعّاظ .. ومن اجّل الزاجرين.. ومن اكبر الناهين .. ومن احكم الآمرين
الرسوخ في فهم الكلمة .. وصياغة المادة .. ومقصود العبارة .. ومدلول الجملة .. ومعرفة أسرار الحكمة ..
نعم الأنيس إذا خلوت كتاب تلهو به إن خانك الأحباب
لا مفشيا سرا إذا استودعتـــه وتنال منه حكمــة وصواب
(1) الدكتور الشيخ عائض القرني: في كتابه الرائع" لا تحزن"
يُعامل زملاءه وطلبته معاملة حسنة ، يقدّرهم ويحترمهم ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالحسنى ، وكأنهم أسرة واحدة ، قال تعـــــالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(1) . ويثني عليهم الخير ويُحسن إليهم ، لأنه قد علم أن الإحسان إلى الناس مدعاة لكسب قلوبهم والـتأثير فيها ، كما قال الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالمـــــا استعبد الإنسان إحسان
والتعرف على أخبار السابقين ، والتعايش مع كل عصر وزمان ، لأنه قد علم أن الوقت هو الحياة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ". (2)
وقال الشاعر :
دقات قلب المرء قائلة لـــــــــه إن الحيــــــاة دقائـق وثـــــواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرهـا فالذكر للإنسان عمر ثـــــــــــان
(1) سورة النحل125
(3) رواه البخاري
يُسلم عليهم ويبتسم في وجوههم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق )(1)
وقال – صلى الله عليه وسلم ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) (2)
وعن جرير بن عبدالله رضى الله عنه قال : ( ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي )(3) ،وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((تبسمك في وجه أخيك صدقة )) (4). ويشوّق إلى مقابلتهم والجلوس معهم ، ويبقى على اتصال بهم والسؤال عن أخبارهم ، والأنس بالسماع إلى أصواتهم ، كما يهب لمساعدة وتفريج كربة المحتاج منهم .
وإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم".(5)
(1) رواه مسلم
(2) رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان
(3) رواه البخاري
(4) سنن الترمذي – كتاب البر والصلة
(5) قد علق ذلك البخاري في الصحيح ووصله ابن أبي عاصم في السنة بإسناد صحيح.
يزور المعلول ويدعو له بالشفاء العاجل ، مع إرسال باقة ورد وعطر وريحان عبارة عن دعوة دعا بهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - للمريض: (( طهور طهور إن شاء الله ))(1) ، والالتزام بها عند زيارة كل مريض ، ولا يطيل الجلوس عنده ، بل لحظات قصيرة ثم ينصرف والنفس تلهج بالدعاء الصادق أن يشافيه ويشافي كل معلوم من المسلمين . فالزيارة في الله أمرها عظيم وآثرها كبير سواء للقريب أم للبعيد ، وكذلك حتى للمريض ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر أنا، فقال رسول الله : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة".
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من عاد مريضا ,، أو زار أخا له في الله ، ناداه مناد : أن طبت وطاب ممشاك ، وتبوأت من الجنة منزلا ) (2) وقال صلى الله عليه وسلم ( من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع )(3)
(1) الحديث أخرجه البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل على مريض يعوده قال: "لا بأس طهور إن شاء الله ... الحديث" (3616) فهذا الأسلوب أسلوب خبر، والخبر في مثل هذا يحسن تعليقه على المشيئة.
(2) رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع 6387
(3) رواه مسلم ،النووي 16/361
واخيراً وليس آخراً أن يتحمل الآلآم والأحزان ويصبر عليها ، لأنه قد علم أن الصبر مفتاح الفرج ،ويقابل الإساءة بالإحسان ، والهجران بالوصـــــال ، والغضب بالحلم ، والغدر والخيانة بالحب والحنان ، والصد والإعـراض بالبشاشة والتسامح ، لا تضيره التخرصات والتكهنات ، ولا اللذات والشهوات ، بل يصمد أمامها كجبل أشم لا تزعزه ولا تنال منه ، حيث إنه قد حصّن نفسه باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ، والتمسك بكتابه وسنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم .قال صلى الله عليه وسلم ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة ، لمن ترك المراء وإن كان محقا ، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب ، وإن كان مازحا ، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )(1) ،وقال صلى الله عليه وسلم ( أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق ، وأكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج ) (2). وحسن الخلق يدخل فيه أشياء كثيرة لخصتها عائشة - رضي الله عنها عندما سُئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ( كان خلقه القرآن )(3) ، والرسول هو قدوتنا وقد امتدحه تبارك وتعالى بقوله { وإنك لعلى خلق عظيم } (4)
فلننظر في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وسيرة أصحابه رضي الله عنهم لنتعلم ما هو الخلق الحسن وكيف نكتسبه .
(1) رواه أبو داود والضياء ، صحيح الجامع 1464
(2) أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد سلسلة الأحاديث الصحيحة 977.
(3) رواه مسلم وأحمد وغيرهما
(4) سورة القلم : 3