*بسم الله الرحمن الرحيم*
*( حقُّ النبي صلى الله عليه وسلم على أمَّته )*
__________________________
الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعظم النعم التي أنعم الله تعالى بها على العالمين، ومن نعمه السابغة أن بعثه الله تعالى هادياً للناس إلى صراط مستقيم، وجمع ببعثته الكلمة، لذلك كان حقاً على كل مؤمن أن يشكر الله ربه سبحانه على هذه النعمة العظيمة من خلال الإيمان به صلى الله عليه وسلم وإظهار محبته وتوقيره. يقول الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) آل عمران: 164،
ولذلك يجب على الأمة أن تعرف قدرَ نبيها صلى الله عليه وسلم، وأن تؤدي حقه تعظيماً وتفخيماً، لأنه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وفي اتباع هديه دخول إلى الجنة، وفي شفاعته لأمته نجاة من النار، وفي تعظيمه صلى الله عليه وسلم انعكاس لمحبته الراسخة في قلوب المحبين الذين يفدونه بأرواحهم، وينتصرون لسنته الشريفة، وقد نبّهنا صلى الله عليه وسلم، إلى عظيم فضل الله تعالى على الأمة ببعثته حين خاطب الأنصار بعد غزوة حنين قائلاً: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي» متفق عليه.
ومن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته الاتباع والطاعة وأن تتجلى في المؤمن صفة الإخلاص لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن تفيض محبته القلبية على جوارحه سلوكاً عملياً، يبرهن على صدق هذه المحبة التي جمعت بين الروح والقلب تعظيماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، والالتزام بمنهجه صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة.
لذلك كان حقاً لكلِّ نعمةٍ أن تُشكر، ولكلّ منَّةٍ أن تُذكر، فإن الشكر يديم النِعم، ولما كان قدر النعمة عظيماً وهو إرسال النبي الأكرم الذي تتقاصر دون شكره الهِمم، وتنقطع دون حقه العزائم، لعظيم حقه، وجليل قدرها، كان واجباً على المؤمنين بذل وسعهم وطاقتهم واستنفاذ جهدهم فإن ما لا يدرك كله لا يُترك جلّه، وأول هذه الواجبات، هي وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم وإظهار محبته، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء: 136، ويكون ذلك بالمداومة على الصلاة عليه، ودراسة سيرته الشريفة والمداومة على تذكر فضائله وخصاله الحميدة ليكون قدوة حية بين الناس (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب: 56.
ومن عرف قدر نبيه صلى الله عليه وسلم علِم بأن حقّه أن يُعظم ويوقر، وأن يُقدم على النفس والمال والولد، لأنه الهادي إلى الطريق القويم، والصراط المستقيم، يقول تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) الشورى، 52-53، ولأنه صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يقول تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الأحزاب: 6، ولأن في اتباع هديه دخول إلى الجنة، وفي شفاعته لأمته نجاة من النار، لذلك كان حقه علينا التعظيم والتوقير والتقدير، يقول تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الفتح: 8-9، قال المفسرون: أي لتعظموا نبيكم وتفخموا قدره وتسودوه بينكم، وتسبحوا ربكم بكرة وأصيلاً، وهذا التعظيم يكون بإظهار ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والمداومة عليه والإكثار من الصلاة عليه، متمثلين بقول الله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الشرح:4، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ» سنن الترمذي.
إن تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا أثر عطر، وانعكاس لمحبته الراسخة في قلوب محبيه يقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة: 24.
ومن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته كذلك الاتباع والطاعة يقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) آل عمران: 31-32، وإن من لوازم هذا الاتباع أن تتجلى في المؤمن صفة الإخلاص لنبيه الكريم، وأن تفيض محبته القلبية على جوارحه سلوكاً عملياً، يبرهن على صدق هذه المحبة، والالتزام بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته الحسنة، يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب: 21، وعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» صحيح مسلم.
قال الإمام الآجري: " والنصيحة لرسول الله على وجهين: فنصيحة من صَاحَبَهُ وشاهده، ونصيحة من لم يره. فأما صحابته، فإن الله شرط عليهم أن يعزروه ويوقروه وينصروه، ويعادوا فيه القريب والبعيد، وأن يسمعوا له ويطيعوا، وينصحوا كل مسلم، فَوَفُّوا بذلك وأثنى الله عليهم به. وأما نصيحة من لم يره: فأن يحفظوا سُنَّته على أمته وينقلوها ويعلموا الناس شريعته ودينه ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، فإذا فعلوا ذلك فهم ورثة الأنبياء".
ومن حق النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أن نتخلق بأخلاقه الكريمة وأن نتعرف عليه وعلى آل بيته الأطهار وصحابته الكرام، من خلال قراءة سيرته الشريفة فهو الذي أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين واجتمعت فيه جميع صفات الحُسن والبهاء في أقواله وأفعاله، حتى أخبر عن نفسه بأنه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» مسند الإمام أحمد، وقد مدحه الله تعالى وزكاه في صفاته وأخلاقه فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم: 4، ووصفه الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنه أحسن الناس خلقاً فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا » متفق عليه، وعن سعد بن هشام، قال: سألت عائشة، فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: "كان خلقه القرآن " مسند الإمام أحمد.
لذلك كان حقاً على المؤمنين أن يتخلقوا بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقتفوا أثره في حسن التعامل وإشاعة المحبة والمودة والرحمة بين العباد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «المُتَكَبِّرُونَ» سنن الترمذي.
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران : 102.
*عباد الله :* وجوب الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم: بأن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تامة، يقيم الإنسان حروفها وحدودها سواء عند التلفظ بذكر الصلاة عليه أو عند كتابة صيغة الصلاة عليه، فلا يتلفظ بها إلا مع استحضار قدر نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يكتبها إلا بإقامة حروفها فلا يكتبها اختصاراً أو ترميزاً.
ومن مظاهر توقير ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وكمال الأدب معه، أن الله تعالى نهى المؤمنين أن يخاطبوه باسمه مجرداً، لأن ذلك تشبه بفعل المنافقين، بل أمرهم بإظهار قدره وعظيم شأنه حتى في ذكر اسمه الشريف، يقول الله تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) النور: 63، والله تعالى لم يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم إلا موصوفاً بصفة النبوة أو الرسالة، فخاطبه الله تعالى بقوله: (يا أيها النبي)، وخاطبه بقوله: (يا أيا الرسول)، فالواجب على المسلم أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ النبوة أو الرسالة، وكمال الأدب والتعظيم أن يخاطبه بإضافة لفظ السيادة إلى اسمه الشريف، بأن يقول: "سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع» صحيح مسلم، فهو صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين وسيد الأنبياء والمرسلين، ويستحب كذلك أن يذكر المسلم النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ السيادة في التشهد وفي الصلاة الإبراهيمية سواء أكان في الصلاة أم خارجها.
ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس حيث قال: لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،87) 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
*سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد ، إنه سميع مجيب*
*والحمد لله رب العالمين*