*وقفة مع آيات الضيافة في سورة الذاريات*
:pen_fountain:إحسان العتيبي
وفقه الله
آيات الذاريات جامعة لآداب الضّيافة ، وقد ذكر العلماء فيها تجلّيات وتدّبرات عظيمة جدا ، تدلّنا على أنّ الله -سُبحانه وتعالى- ذكرَ هذه القصة ليُبيّن للناس كيف تكون آداب الضيافة ، واستقبال الضيوف ، وإكرامهم..
قال تعالى *{هل أتاك حديثُ ضيف إبراهيم المُكرَمين * إذْ دخلُوا عليه}*
بيّن تعالى أنّهم لم يستأذنوا في الدّخول مما دلّ هذا على أنهُ بيتُ كرم ، وإبراهيم -عليه السلام- جاء في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال " كان أوَّل مَن أضاف الضَّيف إبراهيم"
فهو بيتٌ مفتوح للجميع ، فلم يحتاجوا للاستئذان .
*وقوله تعالى {فقالوا سلاما قال سلامٌ }* ففرّق بين سلامهِ وسلامهم، فسلامهم جاء بالنصب ، وسلامه جاء بالرفع ، والرفع أجلّ وأعظم من النّصب لأنه يدلّ على الجُملة الاسمية التي تدل على الثبوت والاستمراريّة ، أما المنصوب فيدلّ على الفعلية فقط .
*وقوله { قومٌ منكرون }*
لم يقل أنكرتُهم ولا إنّي أنكرتهم ، لأنه لا يليق أن يأتي باسم الفاعل ، أو يأتي بالفاعل عن نفسه ، وإنّما قال قوم منكرون بناهُ للمجهول أي: " أنتم لا تُعرفون " ولم يقل أنا لا أعرفكم أو إنّي أُنكركم ، هذا لا يليق بأن يُواجه الضيف بمثلِ هذا الأسلوب ، وإنّما قال قوم منكرون.
ثم *قال تعالى {فراغ إلى أهلهِ..}*
فراغ أي : ذهب خُفيةً ، ولم يقُل: الآن أحْضر لكم الطعام ، أو الآن يأتي لكم الطعام ، لأنّ الضيف يمتنع عادةً ، بل ذهب خفية ليُحضر الطعام، ولم يُشاورهم ولم يستأذنهم، ولم يُخبرهم ..!
ثم *قال {إلى أهله}* دليل على أنه ربّى أهله على الإكرام ، فدلّ قوله *{إلى أهله}* أنّ الطعام طعام بيتٍ ، وأنّ الأهل هُم الذين يخدمون ، ويقومون بالضيافة.
*{فجاءَ بعجلٍ سمين}* دلّ هذا أن الطعام كان مطهيًّا ، فلم يذهب لهم ليُخبرهم بإعداد الطّعام ، وإنما ذهب لهم ليُحضر الطعام ، دل فعلا على أن بيت إبراهيم بيت كرم ، وأنه طعامه أصلا مجهّز للضيفان.
*وقوله تعالى {فجاء}* دلّ أنهُ خدم الضيوف بنفسه ، فهو الذي أحضر الطعام ، وهذا أبلغ في الإكرام أن يأتي صاحِب المنزل بالطعام للمضيف .
*وقوله {بعِجل سمين}* أي: طيّب كامل ، وفي سورة هود قال {حنيذ} أي : مشويّ ، فذكر تعالى أنّ العجل سمين اللحم ، وأنه قد أُعدّ بأفضل أنواع الإعداد وهو : الحنيذ المشوي على الصخر .
*قال تعالى {فقرّبهُ إليهم}* وهذا من أعظم آداب الضيافة ، أن يُقدّم الطعام إلى الضيف ، وليس أن يُقدّم الضيف إلى الطعام ، ولم يقل : فقرّبهم إليهِ ، وهذا من الآداب والكمال ، وليس عن الجواز نتكلّم ، لكنهُ الأليق والأكرم في الآداب ، أن يُقدَّم الطعام إلى الضيف ، لا أن يُقدم الضيف إلى الطعام.
ثم *قال{ألا تأكلون}* بتلطّف ، أسلوب فيه أدب ، فهذا عرضٌ فيهِ تلطّف في القول .
هذا مُجمل هذه الآداب التي ذكرها تعالى في هذه السورة.
والحمد لله رب العالمين