الأدوار المستقبلية للمعلم في مجال تفعيل الإدارة الصفية في ضوء مدخل إدارة الجودة الشاملة:
إذا كانت العولمة أصبحت من أهم القضايا المعاصرة وتفرض على العملية التعليمية العديد من المتطلبات فمن الضروري أن تكون متوفرة في المعلم حتى يتمكن من التفاعل بكل قوة وعزم مع سماتها ومظاهرها دون أن تخل بالقيم الأساسية والمعتقدات الثابتة، والمعلم هو المسؤول عن ترقية وإذكاء القدرات العقلية لدى طلابه وإثراء قدرتهم على التصرف الذكي والحكيم، والتغلب على المشكلات في المواقف التعليمية المختلفة، والإدراك الواعي للعلاقات بين الأشياء والأفكار، وتطبيق النظرية على مشكلات الحياة الواقعية.
كذلك لا بد أن يتسم المعلم في إطار متغيرات العولمة على إشباع ميول ورغبات واتجاهات الطلاب تجاه العملية التعليمية وتوجيههم بعقلية ذكية بما يحقق تكامل بناء شخصياتهم، وبما يتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم علاوة على تمتعه بدقة الملاحظة التي تساعده على استخدامه للبرامج والوسائل المتنوعة التي تساعد الطلاب على الاستفادة الكاملة من المواقف التعليمية بناءً على ملاحظته العلمية الذكية، هذا إلى جانب استثارة عقول الطلاب وقدح العصف الذهني لديهم بما يفجر الطاقات الفكرية والإبداعية والابتكارية لديهم إضافة إلى قدرتهم على إنتاج أفكار حديثة وجديدة ومبتكرة في إطار فكري يتسم بالأصالة والموضوعية والقدرة على استخدام أسلوب حل المشكلات في المواقف التعليمية، هذا إلى جانب تنمية قدرة الطلاب العقلية على الاستبصار للمستقبل وتقديم حلول بديلة مبتكرة للمشكلات التعليمية الحالية.
ومن جانب آخر فإن ضبط السلوك تحت مظلة التربية الأخلاقية يحتاج إلى قدرة عالية من المعلم في ضبط وتوجيه الانفعالات لصالح عملية النمو المتكامل عند المتعلمين وتحقيق أعلى درجة من الإيجابية نحو تحريك سلوك الطلاب إلى الغايات العليا والآمال الكبرى والطموحات الراقية أو فيما يسمى بإعداد الطلاب للمواطنة الصالحة وتحقيق الانتماء والولاء لديهم ولمجتمعهم ولوطنهم.
وعن تحديات العولمة وانعكاساتها على مؤسسات التعليم أي تداعياتها المؤثرة على البيئة التربوية تحتاج إدارة المدرسة إلى تحقيق جو من الضبط الاجتماعي أو فيما يدعو إلى تحقيق العلاقات الإنسانية الطيبة بين جميع العاملين ويكمن دور المعلم في ذلك من خلال تحقيق روح التعاون الجماعي بين الطلاب، والمشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات التعليمية فيما يخص المواقف التعليمية بالنسبة لهم، وإكسابهم عنصري الانتماء والولاء للوطن والجماعة، وغرس مبدأ تقبل النقد البناء الصالح وتقبل نقد الآخرين وكذلك نقد الذات بغرض التقويم للإصلاح، وتعميق مفهوم التربية الأخلاقية في سلوك الطالب من خلال منحهم هامش كبير من الحرية والديمقراطية وإقرار مبدأ الشورى والتسامح وتقبل الرأي والرأي الآخر (سلامة، 2003م: ص78).
ولا بد على المعلم أن ينمي فكرة التعليم المرتبط بالعمل بجانب إتقان هذا العمل وإجادته وإخراجه بشكل عالي من الجودة والفاعلية وتحقيق الكفاءة والمقدرة الخلاقة في إطار من السرعة والمهارة الفائقة الجودة وهذا يستدعي تنمية البصيرة المستقبلية لدى الطلاب وتدريبهم على التخطيط العلمي السليم والواعي لكل أمور التعليم والحياة والقدرة على التنبؤ وتحديد الأهداف ووضعها في إطارها التنفيذي.
ومن ثم لا بد أن يكون المعلم على وعي كامل بتكوين مفهوم الإنسان العالمي الذي يتسم بمقدرة عالية على التقويم الذاتي وتقبل نقد الآخرين بطريقة موضوعية بعيدة عن الحساسية والإيمان بالعدل والتعاون والبعد عن الذاتية والتحيز، ولا يتم ذلك إلا إذا امتلك المعلم معطيات الخبرة الحياتية ليعمل جاهداً على إكسابها لطلابه حتى يستمر النظام الاجتماعي داخل المجتمع في مسيرته التقدمية دون خوف أو قلق على مستقبل الأمة.
لذا يتحتم على المعلم ضرورة أن يكون لديه حسٌّ مستقبلي أو ما يمكن أن نطلق عليه الاستشعار المستقبلي في ضوء ما يشهده عالمنا المعاصر من متغيرات مثل ثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا الثالثة وثورة التكتلات الاقتصادية العملاقة وعليه يجب أن يتمتع المعلم بالتنبؤ بالمستقبل والتعمق الثاقب لاستراتيجية التحول السريع والتفاعل معه، ومعرفة متطلبات الحاضر بدقة وبدون نقص مع الزيادة المتوقعة، ودراسة الواقع بصورة مؤكدة وواقعية بعيدة عن الخيال وتحديد متطلبات المستقبل والبدائل المتاحة، والتنبؤ بالمستقبليات للبيئة المحيطة بالمدرسة، ومعرفة عوامل وأسباب ومسببات التغيرات المتوقعة، وقدرته على استخدام التقنية التكنولوجية، والاعتماد على البيانات والمعلومات في مجال الخدمات التعليمية وتحليلها وتفسيرها، واختيار أفضل السبل والأساليب التي يمكن من خلالها وضع الخطة المستقبلية بصورة يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة، وقدرته على التعرف على احتياجات السوق من المهارات والتقنيات المستقبلية، والوعي الكامل بالموارد المحلية البيئية المتاحة واستغلالها استغلالاً أمثل لصالح العملية التعليمية بما يعود على جودة، وإدراك مفهوم التكنولوجيا وانعكاساتها على البيانات والمعلومات ومدى تأثر الموارد البشرية لها، و تقدير المدى السكاني للبيئة ومدى الزيادة المحتملة.
وإذا كانت سمات قرن الحادي والعشرين هي فن الاتصال بين الأشياء واقتران الفكرة بالتطبيق والتخيل بالتحقق، وارتباط الزمان بالمكان من خلال إحكام السيطرة عليها بحسابات السرعة الغير متناهية وبمعنى آخر أصبح العالم الآن قرية كونية صغيرة مما يجعل المعلم مشاركاً في إدارة المدرسة تحت مفهوم الإدارة الجماعية أو الإدارة بالمشاركة أو إدارة الفريق، وتحقيق الشراكة بين الإدارة المدرسية والمجتمع المحلي المحيط بها لتحقيق الحفاظ على التراث الثقافي والعمل على تنقيته وتجديده وإيجاد خطوط متوازية بين المدرسة والبيئة ثقافياً حتى يكون التفاعل على الدرجة المطلوبة بينهما وذلك لمواجهة انتشار آليات الغزو الثقافي وارتفاع درجة تطور الأجهزة التكنولوجية المؤثرة على سلوك الأفراد نحو الانحراف.
وعلى المعلم أن يحقق التوازن بين سلوك أفراده بين المحلية والقومية والعالمية على نحو التأكيد بالاحتفاظ بالأصالة المحلية، والإيمان بالقومية وضرورة الحفاظ عليها وفي ذات الوقت الوعي الكامل بأهمية التحول إلى العالمية أو فيما يسمى بالكوخ الإلكتروني، وعلى نحو آخر الانطلاق من جغرافية وثقافة القومية إلى العالمية دون إحداث أية خطورة على ثوابت المحلية والقومية وهذا يحتاج إلى درجة عالية من الوعي والبصيرة النافذة، والحس الراقي للحفاظ على كل مستوى من المستويات الثلاثة دون خلل أو انحراف.
وعلى المعلم أن يكون ملماً بأصول وتقنيات التخطيط الاستراتيجي للمدرسة والإلمام بالبعد المستقبلي وأثره على تغيير البنية الهيكلية والإدارية بالمدرسة، وعليه فلا بد له أن يتسم بالقدرة على التخطيط الاستراتيجي القادر على التفاعل مع المتغيرات دون فقدان السيطرة على المضمون الاجتماعي للجماعة، والتحول من اللفظية والشعارات إلى العمل الجاد المثمر، والتفاعل مع العالمية دون فقد الأصول العقدية، والقدرة على المناورة وعدم الخوف من التهديد، والقدرة على المبادرة في اتخاذ القرار، وتحديد مجموعة من البدائل للموقف الواحد وتوظيف الموارد والإمكانات لخدمة التغيير المقصود وتحقيق الأهداف المستقبلية، وإعداد مجموعة من الأفراد لديهم قدر عالٍ من القيم والسلوكيات والمعارف والمهارات العلمية والمهنية التي تتفق ومتغيرات المستقبل لكي يكونوا أفراداً مواطنين ومنتجين، والمشاركة في إدارة مرنة واعية بالصورة المستقبلية، وإدارة علمية تعرف خطوات السير لتحقيق الأهداف (الرشيدي، 2000م: ص67).
مدخل أو أسلوب فرق العمل كأحد مداخل تفعيل الإدارة الصفية:
وتكمن أهمية بناء فرق العمل في الإدارة الصفية في تحقيق التنسيق والتعاون الجماعي بين أعضاء الفريق الذي يقود الإدارة الصفية إلى النجاح والفاعلية كما أن العمل بروح الفريق يؤدي إلى التكامل بين المهام والوظائف والمنجزات المختلفة والمتنوعة ولا سيما إذا كان حجم العمل كبير ومتعدد الأنشطة والاتجاهات، وترجع أهمية استخدام فرق العمل داخل الإدارة الصفية إلى ما يلي :
1. تمكين الإدارة الصفية من مواجهة التحديات المحلية والعالمية حيث تؤدي المتغيرات العالمية التي أوجدتها ظاهرة العولمة إلى فرض مجموعة من التحديات مثل تطبيق الجودة الشاملة وملاحقة التطورات التكنولوجية المتلاحقة، وهي تحديات لا يمكن مواجهتها إلا بجهود منسقة لفرق عمل متكاملة وليس بعمل فردي أو إدارة فردية (مصطفى، 2001م: ص230).
2. تمكين الإدارة الصفية من مواجهة مشكلاتها بطريقة أكثر كفاءة وفاعلية، حيث أن إحكام السيطرة على المشكلات والصعوبات والمعوقات لا يتم إلا من فرق العمل التي يمكن أن تتصدى لتلك المشكلات من خلال تقديم بدائل متعددة ومختلفة لتلك المشكلات، واختيار الأنسب منها بطريقة جماعية وتطبيقها بكفاءة عالية (كوتمان، 1944م: ص ص 59-60).
3. تمكين الإدارة الصفية من تحقيق الجودة الشاملة في عملياتها الإدارية، حيث يؤدي استخدام مدخل أو أسلوب فرق العمل إلى تحقيق درجات عالية من الجودة الشاملة في أدائها للعمليات الإدارية مثل المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات، وفي اختيار المناهج وتطويرها و طرائق التدريس، وفي مجال الإنفاق والتمويل، وفي تحريك الجدول المدرسي (مرونة الجدول المدرسي)، وفي التكليفات الخاصة بأداء المعلمين (سواب، 1999م: ص 74).
4. تمكين الإدارة الصفية من تبادل أدوار القيادة بين أعضاء فرق العمل، حيث يؤدي استخدام مدخل أو أسلوب فرق العمل إلى تبادل الأدوار القيادية فيما بينهم في داخل الإدارة الصفية، هذا إلى جانب إطلاق القدرات الابتكارية والإبداعية لديهم في أداء العمليات الإدارية وبلوغ مستويات عالية من الجودة في أداء كافة المهام والأعمال والأدوار لتحقيق أهداف الإدارة الصفية وقدرتها على مواجهة كافة التغيرات والتحديات التي تواجهها (جويلي، 2001م:ص 73).
5. تمكين الإدارة الصفية من تدعيم العلاقات الإنسانية بين كافة أفرادها بما ينمي مشاعر الود والاحترام بين كافة أعضاء الفريق، وتدعيم أسس المشاركة والتعاون في العمل والمساواة والعدالة في المعاملة واحترام الآراء وتقديرها (عبد الوهاب، 2000م: ص 63).
6. تمكين الإدارة الصفية من تحقيق الرضاء الوظيفي لكل فرق العمل بداخلها، وإشباع حاجات الأفراد ورفع الروح المعنوية لديهم بالإضافة إلى تحقيق درجات عالية من الرضا الوظيفي لديهم، وتنمية مهارات الابتكار والإبداع وقيم العمل والإنجاز واحترام الذات (خطاب، 1999م: ص 64).
7. تمكين الإدارة الصفية من تحقيق إدارة التغير كتدعيم نظم سياسات الموارد البشرية ونظم المعلومات والاتصالات ونظم التقويم والقياس ونظم الثواب والعقاب.
8. تمكين الإدارة الصفية من تحقيق الشراكة المجتمعية مع مؤسسات المجتمع المحلي، وتحقيق الشراكة معه في مجال الإدارة والتمويل والتعلم ومن مجال تحقيق التعاون مع أولياء الأمور وممارسة الأنشطة التربوية، وتدعيم أواصر الصلة مع مؤسسات العمل والإنتاج في المجتمع لممارسة الأنشطة التدريبية بها.