مراحل العملية الإبداعية :
تمكن " جراهام والاس " Wallas من تمييز أربع مراحل للدورة الإبداعية هي على سبيل التحديد : مرحلة الإعداد أو التحضير ، الاختمار أو الاحتضان ، الإلهام أو الإشراق ثم مرحلة التحقق
أولاً : مرحلة التحضير أو الإعداد ( Preparation )
وفيها يتاح للمبدع أن يحصل على المعلومات والمهارات والخبرة التي تمكنه من تناول موضوع الإبداع أو تحديد المشكلة .
إن أي فعل إبداعي يستلزم تحضيراً واعياً وقوياً لفترة طويلة ، وهذا التحضير يكون عاماً وخاصاً . أما التحضير العام فهو يتعلق بالاختصاص كفرع من فروع العلم ، بينما التحضير الخاص يرتبط بالمشكلة المبحوثة مباشرة والتي يفترضها الباحث ويحاول البحث عن حل لها
وهي مرحلة الخلفية المعرفية الشاملة والمتعمقة في الموضوع الذي يبدع فيه الفرد ، وفسرها جوردن (Gordon) بأنها مرحلة الإعداد المعرفي والتفاعل معه .
ومن النادر أن يتوصل احد إلى اخترق إبداعي دون أن يكون قد اجتاز مرحلة إعداد وتحضير صعبة
ثانياً : مرحلة الكمون أو الاحتضان أو الاختمار ( Incubation )
هي مرحلة تعقب عدة محاولات يائسة للتوصل إلى حل خارق للمشكلة بعد التفكير في كل الاحتمالات الممكنة . وفي هذه الحالة قد يلجأ الباحث إلى عدة أساليب لتحويل انتباهه عن المشكلة كأن يمشي أو يذهب للسباحة أو اصطياد السمك أو لعب الجولف أو النوم أو الاستحمام أو تعمد الانشغال بموضوع آخر .
وهي مرحلة هدوء وانصراف ظاهري عن موضوع الإبداع ، إذ لا يعتقد الباحثين بانصراف عقل المبدع ، وأنه يكون منشغلاً بصورة غير شعورية في التفكير بالموضوع . وفيها يترك الشخص المفكر المشكلة مؤقتاً ولا يفكر فيها شعورياً أي قد يلتمس لنفسه شيئاً من الراحة أو الاسترخاء تاركاً المشكلة شعورياً ، وفي هذه المرحلة تبدأ المشكلة في التبلور كما تبدأ حلولها في الظهور .
وفسرها جيلفورد (Guilford) : بأنها حالة من القلق والخوف اللاشعوري والتردد بالقيام بالعمل والبحث عن الحلول ، وركز تورانس على عملية الاحتضان كأصعب مراحل العملية الإبداعية ، وقدم بالتعاون مع (سمنتر) برنامجاً تدريبياً موجهاً للتدريب على الإبداع منطلقاً من مرحلة الكمون إذ أنها تحتاج لمقومات أساسية وخاصة
ثالثاً : الإصرار والمثابرة ( Persistence)
أن مراجعة سير العظماء الين قدموا للبشرية ما يستحق ، يجد عدة أعمال أبداعية في العلوم والفنون تكشف بوضوح عن أهمية توافر مستوى رفيع من الإصرار والمثابرة خلال مرحلة اختزان الفكرة وبعدها . وقد أمضى اينشتاين أربعة عشر عاماً وهو يطور اختراعه الأول في بحثه عن النظرية النسبية الذي نشره عام 1905م ، وقبل أن يصبح نجماً عالمياً وينال جائزة نوبل عام 1922م ، كان عليه أن يخوض مواجهات جادة مع أشهر الفيزيائيين المعاصرين له من الذين عارضوا نظريته أو لم يعيروها اهتماما يذكر أمثال ماخMach وبوينكير Poincare وبلانك Planck ولورينتز Lorentz وخصوصاً في السنوات الأولى التي أعقبت نشر ورقته الأولى عن النظرية .
رابعاً : الإشراق ( IIIumination )
وهي مرحلة العمل الدقيق الحاسم للعقل في عملية الخلق (عيسى ، 1979م ، 37) . وهي الحالة التي تحدث بها الومضة أو الشرارة التي تؤدي إلى فكرة الحل والخروج من المأزق ، وهذه الحالة لا يمكن تحديدها مسبقاً فهي تحدث في وقت ما ، في مكان ما ، لدى الفرد دون سابق إنذار . وربما تلعب الظروف المكانية والزمان والبيئة المحيطة بتحريك هذه الحالة ، ووصفها الكثيرون بلحظة الإلهام (
وفي هذه المرحلة تتحدد أو تتولد الفكرة الأساسية أو المطلوبة لحل المشكلة ، مصحوبة بمشاعر الانجاز والمتعة والدهشة .
أن الإشراق هو الخبرة التي تنتهي بحل اللغز المحير والشعور بالرضا والارتياح بعد معاناة ذهنية قد تطول أو تقصر لأنه لا يمكن التنبؤ بها أو استعجالها .
خامساً : التحقيق والبرهان ) (Verification
وهي مرحلة الحصول على النتائج الأصيلة المفيدة والمُرضية ، وحيازة المنتج الإبداعي على الرضا الاجتماعي .
وتتضمن هذه المرحلة الاختبار التجريبي للفكرة المبتكرة أي التأكد من صدق الحلول التي وصل إليها الشخص كما قد يعدل من هذه الحلول أو يضيف إليها لتصبح أكثر ملائمة لحلها
وتشير حياة المبدعين إلى أن عملية الاختراق الإبداعي لا تنتهي عادة بمجرد حدوث الإشراق وتوارد الأفكار أو التوصل إلى حل المشكلة ، وذلك هناك حاجة وضرورة لبذل مزيد من الجهد الواعي والمتابعة الحثيثة للتغلب على العقبات التي تعترض عادة الاختراقات الإبداعية . وقد تضيع الفكرة أو يفقد الحل قيمته ما لم يتواصل التفكير الإبداعي حتى تبلغ الفكرة مداها بالفحص والتطوير وتقديم الأدلة على أنها منفردة وأصيلة وعملية غير مسبوقة .
ومن المفترض أن الإعداد والتحقق عمليتان تتمان عن وعي تام كما أنها عمليات منطقية . لكن الحضانة تتضمن أن ينحى المرء جانبا التناول الواعي للمشكلة .
هذه هي الأبعاد أو المراحل التقليدية التي أخذ بها كثير من المفكرين في دراسة عملية الإبداع ، ولكن هناك من لاحظ أن هذه المراحل ليست بالضرورة موجودة عند جميع المبدعين ولا عند المبدع الواحد في مسيرة انجازاته الإبداعية ، فقد ظهر أن هناك استعدادات مستمرة على مدار رحلة العمل ، وهناك اختيارات متنوعة وكثيرة أيضا مما يدل على مدى المجهود الضخم المبذول في عملية الإبداع ، والذي يتطلب أحياناً الكف عن العمل بسبب الملل أو الإجهاد أو الغموض أو الانصراف إلى أعمال أخرى ، ثم هناك اشراقات أخرى شتى (وليس إشراقاً واحداً) خلال رحلة العملية الإبداعية .
وتحدث البعض عن وجود سيطرة لأحد نصفي المخ على الآخر في مراحل الإبداع ، ثم تحل بعدها سيطرة النصف الآخر . ففي مرحلة الإعداد ، وحيث تحليل المشكلة نجد سيادة النصف الأيسر ، في حين تكون السيطرة للنصف الأيمن في مرحلتي الاختمار والإشراق ، ثم يستعيد النصف الأيسر سيطرته على الإبداع في مرحلة التحقيق والتنفيذ ويتعاون مع النصف الأيمن من اجل تنظيم الأفكار الإبداعية وجعلها واقعية وهناك من يرى بان مراحل الإبداع المختلفة تتضمن نشاطاً تفاعلياً لنصفي المخ معاً مع سيادة نسبية لأحدهما عن الآخر في كل مرحلة .
بينما نجد أن "موريس شتاين" ينظر لعملية الإبداع على أنها تتكون من ثلاث مراحل ، كما انه ينظر إليها نظرة ديناميكية غير ستاتيكية ، وأن مراحل عملية الإبداع لا تحدث بطريقة منظمة ومرتبة ، بل أنها تتداخل وتمتزج في أوقات معينة خلال عملية الإبداع . وهذه المراحل هي :
1. المرحلة الأولى : تكوين الفرض
وتبدأ بالإعداد وتنتهي بتكوين فكرة منتقاة من بين عدد كبير من الأفكار تتراءى للفرد .
2. المرحلة الثانية : اختبار الفرض :
لتحديد صلاحية هذه الفكرة من عدمه .
3. المرحلة الثالثة : الاتصال بالآخرين :
لتقديم الإنتاج الإبداعي للآخرين حتى يستجيبوا له ويتقبلوه .
كما قدّم مكينون نموذجاً عن مراحل عملية الإبداع مكونا من خمس مراحل هي :
1. مرحلة الإعداد وفي أثنائها يكتسب المفكر المهارات الأساسية والمعارف الضرورية التي يستطيع عن طريقها أن يتعرف على ما يوجد في المجال من مشكلات .
2. مرحلة جهد مركز لحل المشكلة .
3. مرحلة انسحاب من المجال أو ابتعاد عن التفكير في المشكلة ، أو كما يعبّر عنها هي مرحلة مفارقة سيكولوجية للمجال .
4. مرحلة الاستبصار إذ يكتشف الحل وهي تصاحب بمشاعر سرور فياضة .
5. مرحلة التحقق من صدق الحل المكتشف .
بينما يقول شنايدرمان ( Shneiderman)أن عملية الإبداع هي دورة من أربع مراحل ، يمكن لأي شخص الانتقال من مرحلة إلى أخرى حسب الحاجة وهذه المراحل هي :
1. الجمع : جمع المعلومات من مصادر متنوعة .
2. الربط : التشاور مع الأفراد القادرين ذوي البصيرة على تقديم معلومات مفيدة .
3. إبداع : تجريب الاحتمالات والمحاولة لإيجاد حلول جديدة .
4. الذيوع والانتشار: نشر النتائج وتعميمها على المجتمع .
ومن المحاولات الهامة لدراسة فكرة المراحل ، محاولة هاريس(Harris) لتقسيم عملية الإبداع ، والتي تتكون من ست مراحل هي :
1. الإحساس بالحاجة .
2. جمع المعلومات .
3. التفكير في المشكلة .
4. تخيل الحلول الممكنة .
5. اختيار الحلول المناسبة .
6. تحويل الأفكار إلى عمل .
أن مراحل العملية الإبداعية التي يقترحها الباحثين والعلماء ، ما هي إلا خطوات من الأسلوب العلمي لحل المشكلات والتي تظهر بوضوح في المرحلة الأولى والأخيرة عند شنايدرمان ، ولا تتضح فيها العملية الإبداعية أو عناصرها ، وكذلك كانت المراحل التي افترضتها هاريس إلا إنها تميزت في المرحلة الرابعة "تخيل الحلول الممكنة" .