بسم الله الرحمن الرحيم
يتميز قاع البحر بأنه إقليم ذو تباينات مثيرة. وتوجد تحت البحر سهولٌ شاسعة تمتد لمسافات كبيرة، وسلاسل جبلية برجية تحيط الأرض، وبراكين بحرية ذات فوهات شاهقة ترتفع نحو السطح، وخنادق عميقة ووديان تشق قاع المحيط بعمق.
الحواف القارية. تشكل الحواف القارية الجزء الصخري البحري الذي يحد القارات. وهو يشمل ثلاثة أجزاء هي:
1ـ الفريز القاري
2ـ المنحدر القاري
3ـ المرتفع القاري
الفريز القاري
هو اليابسة المغمورة بماء البحر، وتقع بالقرب من حافة القارات، ويبدأ الفريز القاري من خط الشاطئ الذي ينحدر تدريجيًا تحت الماء إلى عمق معدله 130 م تقريبًا، ويبلغ معدل عرضه 75كم. ويمتد في مناطق معينة، مثل بعض أجزاء المناطق القطبية الشمالية، لأكثر من 1,200كم. ويصل اتساعه في مواقع أخرى ـ وخاصة في كثير من المناطق التي تقع حول المحيط الهادئ ـ إلى 1,6كم فقط أو أقل من ذلك. ويقطع الفريز القاري وديانًا ذات أعماق مختلفة، ويجمع رواسب كثيرة مثل رواسب الرمل والوحل تحملها الأنهار وترسبها في المحيط.
المنحدر القاري
يبدأ عند الحدود الخارجية للرصيف القاري. ويكون المنحدر أكثر عمقًا من الرصيف القاري، ويغطس لأعماق 3,6 كم. ونتيجة لذلك، يشكل المنحدر جوانب القارات. ويتراوح عرضه بين 20 و 100 كم. وفي مناطق عديدة عميقة تحت سطح الماء، تشق الأخاديد مجراها بالمنحدر القاري. وتماثل بعض الأخاديد في حجمها الأخدود العظيم في أمريكا الشمالية. وتقع معظم هذه الأخاديد المائية في وسط البحر بعيدة عن الأنهار الكبيرة، ومن المحتمل أن تكون الأنهار السابقة قد قطعتها، وكذلك قد تتشكل الأخاديد أيضًا على طول قاع المحيط نتيجة لحركة الرواسب.
المرتفع القاري
يتكون من رواسب الرصيف القاري والمنحدر القاري التي تتراكم عند قاع المنحدر القاري. ويمتد الراسب السميك المترسب من المرتفع القاري إلى حوالي 1,000كم من المنحدر.
القمم البحرية والوديان والسهول الغَوْريّة
تقع قمم الجبال البحرية والوديان والسهول بعد الحافة القارية في حوض المحيط. وتُشَكِّل الهضاب في وسط المحيط معلمًا رئيسيًّا للحوض. وتتكون الهضاب من سلسلة جبال تمتد حوالي 60,000كم عبر المحيطات الرئيسية الثلاثة. واكتشف العلماء كل سلسلة من الجبال في كل محيط على انفراد، وأطلقوا عليها أسماء مختلفة تشمل سلسلة وسط المحيط الأطلسي، ومرتفع شرقي المحيط الهادئ، وسلسلة وسط المحيط الهندي. وترتفع غالبية هضاب وسط المحيط إلى حوالي 1,500 م فوق قاع البحر. كما ترتفع بعض القمم فوق سطح الماء مشكِّلة جزرًا مثل الآزور وآيسلندا في المحيط الأطلسي. وتقطع الوديان السحيقة سلسلة الهضاب في أماكن عديدة منتجة سطوحًا وعرة ومكسرة. وبعض الهضاب الوسطى في المحيط تنزلق متعمقة خلال مراكزها. وتحدث نشاطات بركانية متكررة على طول هذه الوديان المركزية. وتنحدر جوانب هضاب وسط المحيط إلى أسفل نحو مناطق متسعة تسمى السهول الغَوْرية. وتغطي الترسبات المتراكمة معظم معالم قاع المحيط على امتداد السهول الغورية، ونتيجة لذلك، تكون أسطحها منبسطة. والمصدران الرئيسيان لترسبات البحر العميقة هما صخور اليابسة نفسها والحياة البحرية. وتنتج ترسبات اليابسة من تفتت صخور القشرة الأرضية وتآكلها، حيث تحملها الأنهار إلى المحيط. كما تنقل الرياح ترسبات اليابسة ـ ومعظمها من الصحاري ـ إلى المحيط. وبالإضافة إلى ذلك، تنثر الثورانات البركانية كميات كبيرة من الترسبات فوق المحيط. وتتكون ترسبات الحياة البحرية أساسًا من أصداف صغيرة، وبقايا كائنات العوالق المائية الميتة. وعندما تبني هذه المواد العضوية جزءًا كبيرًا من راسب المحيط، يسميها العلماء الردغة.
وتشمل المعالم الأخرى لحوض قاع البحر كلاًّ من الخنادق الضيقة والطويلة، وجبالاً منعزلة تحت سطح الماء تسمى جبال البحر، وتشكل الخنادق أعمق أجزاء المحيط. كما تنشأ جبال المحيط من الثورانات البركانية. ولهذه الجبال جوانب شديدة الانحدار، وربما ترتفع حتى 4,000م فوق قاع البحر.
كيف تشكَّل قاع البحر
منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، قام العلماء بتطوير عدة نظريات لشرح كيفية تَشَكُّل قاع البحر، وخلال أوائل القرن العشرين الميلادي، اهتم العلماء اهتمامًا كبيرًا بنظرية زحف القارات. وطبقًا لهذه النظرية، فإن القارات كانت منذ نشأتها مُكَوَّنة من يابسة واحدة كبيرة محاطة بمحيط واحد. ثم تقطعت هذه الكتلة إلى القارات التي زحفت ببطء مبتعدة بعضها عن بعض. وتشرح نظرية زحف القارات لماذا يبدو شكل الساحل الشرقي للقارتين الأمريكيتين، والساحل الغربي لإفريقيا متطابقين مثل لعبة القطع المخرّمة. ونتيجة لزحف القارات، تكون المحيطان الأطلسي والهندي.
رفض العديد من العلماء منذ البداية نظرية زحف القارات، بحجة أنه لا يستطيع أحد أن يشرح نوع القوى التي بإمكانها تحريك القارات. وفي أوائل ستينيات القرن العشرين، أعطت نظرية تسمى اتساع قعر المحيط بعض الشرح عن أسباب زحف القارات. تقول النظرية: إن قعر المحيط نفسه يتحرك حاملاً القارات. وينشأ عن الحركات الدائرية العميقة التي تحدث بداخل وشاح الأرض ـ أي الطبقة السميكة للصخور المنصهرة الساخنة التي تقع تحت قشرة الأرض ـ ينشأ عنها قوة دافعة تجعل قعر البحر يتحرك، وتحمل الحركات الدائرية الصخر المنصهر إلى أعلى نحو هضاب وسط المحيط (الحيد المحيطي الوسطي) وتدفعها بقوة إلى الوديان المركزية للهضاب، وعندما يبرد الصخر المنصهر ويتصلب، فإنه يشكل قعرًا جديدًا للبحر، ومن ثم يدفع القعر القديم للبحر والقارات بعيدًا عن هضاب وسط المحيط. وهناك نظرية أخرى تسمى تكتونية أو حركية الصفائح، تربط مفهوم فكرتي زحف القارات واتساع قعر البحر. وطبقًا لتكتونية الصفائح، تتكون قشرة الأرض الخارجية من صفائح كبيرة صلبة تتحرك بشكل مستمر. وعندما تتحرك الصفائح، فإنها تحمل قعر البحر ومعها القارات. وتتحرك الصفائح سنويًّا إلى مسافات تتراوح بين حوالي 1,3 و20سم تقريبًا. ويكون للحركات المختلفة للصفائح آثارٌ متباينة في كل من قعر المحيط والقارات. ويحدث اتساع في قعر البحر لتشكيل قعر بحري جديد في المناطق التي تتباعد فيها الصفائح. وتمثل سلسلة هضاب وسط المحيط هذه المناطق. وحيث تتحرك الصفائح مبتعدة واحدة عن الأخرى في مكان واحد، فإنه لابد أن تتحرك مقتربة واحدة من الأخرى في مكان آخر. وإذا تصادمت صفيحتان، فإن إحداهما ربما ترتكز فوق الصفيحة الأخرى مُشَكِّلة بذلك الجبال، أو ربما تغطس صفيحة إلى أسفل نحو الوشاح تحت الصفيحة الأخرى مُشَكِّلة بذلك الخنادق والبراكين.
وتحدث الزلازل عند حدود الصفائح التي تنزلق ماضية واحدة وراء الأخرى. وبسبب تكتونية الصفائح، يزداد عرض المحيط الأطلسي ببطء، ويصغر المحيط الهادئ.
وتشكل القشرة المحيطية قاع المحيط. وهي تتكون من صخر صلب يسمى البازلت. وتقع القارات على القشرة القارية التي تتكون أساسًا من صخر الجرانيت. وكثافة الجرانيت أقل من كثافة البازلت، ولذلك تطفو القشرة القارية أساسًا على الوشاح فوق القشرة المحيطية. ولأن لأحواض المحيطات مناطق غائرة، فإن المياه تتجمع فيها. ويعرف العلماء نظريات عديدة لشرح كيفية امتلاء أحواض المحيطات بالمياه، ولكن معظم العلماء يعتقدون أن المياه أتت في الأصل من باطن الأرض، وتحررت كبخار من خلال البراكين. ولأن الأرض قد بردت، فإن البخار قد تكثف متحولاً إلى ماء، وسقط مطرًا مالئًا أحواض المحيط.
إعداد : عبد الرحمن الحلو