السكري Diabetes Mellitus
ربما لا يخلو مجلس إلا ويتطرق أحد المتحدثين للكلام عن مرض السكري وما سببه هذا المرض لفلان من الناس، قريب كان أو صاحب، من مضاعفات ومشاكل صحية كبيرة. وربما لا ندعى إلى مائدة طعام إلا ويتنحى أحد المدعوين معتذراً عن المشاركة في الطعام لإصابته بمرض السكر. أو يطلب نوعاً خاصاً من الطعام. فنرى فيه عزما وتصميما على الإلتزام أحيانا ونراه أحيانا أخرى وقد تهاون تحت ضغط وإلحاح الحاضرين بتناول قطعة الحلوى هذه والمجاملة في تذوق هذه الأكلة. إلى آخره من العادات المتبعة.
ونظرا لأن الداء السكري من الأمراض المتشعبة ويحتاج إلى صفحات كثيرة لإستيفاء الحديث عنه. فسوف نحاول قدر الإمكان الإجابة على ما يجول في خاطر مريض السكر بشكل خاص وكذلك الكثير من الناس الذين أصبح شبح مرض السكر يسبب لهم الكثير من القلق والخوف ويثير في ذهنهم الكثير من التساؤلات عن احتمال إصابتهم بمرض السكر.
ما مدى انتشاره؟
ينتشر مرض البول السكري في جميع بقاع العالم ويصيب الأغنياء والفقراء، الصغار والكبار، الرجال والنساء. ويلاحظ ازدياد انتشار مرض البول السكري مع تقدم الحضارة رغم انه كان معروفا قبل الاف السنين. وربما يكون وراء الإنتشار الكبير تغير نوع الطعام، والرفاهية، والتدخين، والشدة النفسية، والقلق، والسمنة، وأسباب أخرى. ولذلك تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتضاعف عدد المصابين بمرض البول السكري إلى 239 مليون شخص بحلول عام 2010.
وتصل نسبة الإصابة به حوالي 7% من عدد السكان. فمثلا توصلت إحدى الدراسات الكندية التي أجريت في الفترة 1986-1992 إلى أن نسبة الإصابة به في كندا تتوزع كالتالي:
ويقدر انتشارة بين 2 و 4 بالمائة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتوقع أن نسبة الإصابة بالبول السكري في الخليج العربي ربما تصل إلى 10% من عدد السكان. وتشكل مضاعفات السكري ما يزيد عن 25% من حالات القصور الكلوي، وما يزيد عن 50% من حالات بتر الأطراف. كما يعتبر داء السكري السبب الرئيسي للعمى بما يقدر بحوالي 5000 حالة جديدة كل عام. وبالإضافة لذلك يشغل مرضى السكري 10% من أيام المكوث في المستشفيات للسيطرة على الحالات الحادة منه.
ما العلاقة بين الإنسولين والسكر؟
في البداية من المفيد أن نعرف أن السكر في الدم (الجلوكوز Glucose أو سكر العنب أو سكر الدم) يعتبر مصدر الطاقة الرئيسي لكافة التفاعلات الحيوية المهمة لاستقرار خلايا الجسم في الحياة وتأدية الوظائف المطلوبة منها والتي تشكل في مجموعها عمل الجسم ككل من جهد عقلي وعضلي. ويحتوي جسم الإنسان الطبيعي على كمية محددة من السكر في الدم تتراوح عند شخص صائم ما بين 70-120 ملغرام لكل 100 مل (أو سنتيمتر مكعب) من بلازما الدم، أو بالمقياس الآخر تكون من 3.5 إلى 6.7 ملي مول للتر الواحد. وهذه الكمية قابلة للزيادة والنقصان بحسب كمية ونوعية الغذاء المتناولة.
ولكي يستطيع الجسم استعمال الجلكوز كمصدر للطاقة فلابد من وجود هرمون الإنسولين Insulin الذي يساعد على دخول الجلكوز إلى داخل الخلية وبدء عملية التمثيل الغذائي للجلكوز لإنتاج الطاقة الحرارية. وتتم عملية دخول الجلكوز إلى داخل الخلايا بواسطة مستقبلات خاصة بالإنسولين على سطح الخلايا. أي فقط بوجود الإنسولين على المستقبلات الخاصة به على سطح الخلايا يتم نفاذ الجلكوز إلى داخل الخلايا. هنا نستطيع أن نقول أن داء السكري هو عبارة ارتفاع نسبة السكر في الدم فوق المعدل الطبيعي نتيجة لنقص في إفراز هرمون الإنسولين أو عدم فاعليته أو كليهما معا.
وإذا عرفنا أن أي كمية من الطعام يتناولها الإنسان، وخاصة اذا كان يحتوي على مواد نشوية أو سكرية كما هو الحال في الطعام العادي، تؤدي إلى ارتفاع كمية السكر عن الحد السوي وهذا يؤدي إلى استثارة مستقبلات خاصة تحرك البنكرياس Pancreas على إفراز هرمون الإنسولين Insulin الذي يتدخل بآليات معقدة ليعيد كمية السكر إلى الحدود السوية. وكذلك إذا عرفنا أن الكبد ومجموعة كبيرة من الهرمونات تتدخل في هذا العمل أدركنا أهمية السكر في الدم وعرفنا تفسير ترافق مرضى السكر مع الكثير من أمراض الغدد الصماء والكبد وكذلك اضطراب هذه الأجهزة إذا كان الداء السكري هو المرض الأولي الذي له علاقة بالأنسولين والبنكرياس. فما هو البنكرياس؟ وما هو الأنسولين؟ وما علاقتهما بمرض البول السكري؟
ما هو البنكرياس؟
البنكرياس عضو فريد يقع في أعلى البطن من جسم الإنسان وقريبا من المعدة، ويحتوي على غدد قنوية تعرف باسم الغدد النسخية، تفرز عصارة البنكرياس في الاثنى عشر. وتحتوي هذه العصارة على أنزيمات لهضم الطعام، كما يحتوي البنكرياس على غدد صماء تعرف بجزر لانجرهانز Langerhans وهي تحتوي على خلايا بيتا beta التي تفرز هرمون الإنسولين الذي ينظم السكر في الدم، وتحتوي أيضا على خلايا ألفا alpha التي تفرز هرمون معروف باسم جلوكاجون glucagon له مفعول معاكس لمفعول الأنسولين.
كيف يتم المحافظة على توازن السكر في الدم؟
إن معدل سكر العنب (الجلكوز) في دم الإنسان السليم ثابت، ويبلغ حوالي جرام واحد لكل كيلوجرام من بلازما الدم. إلا إن هذه النسبة وسطية، لأن نسبة سكر العنب قد ترتفع بعد وجبة غنية بالسكر والنشاء مثلا، وقد تنخفض هذه النسبة قليلا إذا امتنع الشخص عن تناول الكربوهيدرات كالسكر والخبز والأرز. وفي مطلق الحالات لا يحتمل دم الإنسان نسبة عالية من سكر العنب (الجلكوز). فإذا ارتفعت نسبة سكر العنب عن معدل 1.8 جرامات بالألف، تقوم الكليتان بطرح الفائض في البول، وتسمى هذه الحالة المرضية بالبول السكري (داء السكري).
كيف تتم المحافظة على نسبة السكر في الدم؟
عندما ترتفع نسبة السكر في الدم تفرز غدد البنكرياس الصماء، أي خلايا بيتا، هرمون الإنسولين الذي يحول سكر العنب إلى مادة نشوية (مادة احتياطية) لكي تنخفض نسبة السكر في الدم، فتعود إلى معدلها الطبيعي. ويطلق على هذه المادة اسم النشاء الحيواني أو الجلايكوجين glycogen. يخزن الجلايكوجين في الكبد والعضلات وذلك لآستعماله فيما بعد كوقود للجسم حيث يتحول عند ذلك إلى سكر عنب. كما أن بعضا من الجلوكوز يتحول إلى دهون ثلاثية تخزن في المناطق السمينة من الجسم.
أما إذا انخفضت نسبة السكر، فتفرز غدد لانجرهانز هرمونها الثاني من خلايا ألفا alpha (الذي له مفعول معاكس لمفعول الأنسولين) والمعروف باسم جلوكاجون glucagon، فيحول النشاء الحيواني (المادة الاحتياطية) إلى سكر العنب، فترتفع نسبة السكر في الدم مرة أخرى إلى معدلها الطبيعي.
ولكن إذا نقص إنتاج الإنسولين من البنكرياس بسبب تلف خلايا بيتا أو بسبب نقص في عدد مستقبلات الإنسولين على سطح الخلايا أو بسبب خلل في شكلها فإن الجلكوز لا يتسطيع دخول الخلايا مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الجلكوز بالدم والإصابة بداء السكري.
ما هي أعراض داء السكري؟
أما أعراض وعلامات داء السكري فهي كثيرة جدا ولكن أهمها وأكثرها ملاحظة من قبل الإنسان هي العطش الزائد والتبول الكثير وخاصة في الليل. في كثير من الأحيان لا يظهر على المريض أعراض محددة تدل على المرض. وقد يكتشف المرض عند اجراء فحص طبي
أما الأعراض فيمكن فهمها بما يلي:
*
كثرة التبول
بسبب وجود كمية كبيرة من السكر في البول يتم طرح كميات كبيرة من الماء معه
*
كثرة العطش
وهذا بسبب طرح كميات كبيرة من الماء في البول
*
جفاف في اللسان، والفم، والجلد مع الإعياء والخمول
هذا إذا لم يتم شرب كمية كافية من الماء لتعويض الكميات المطروحة في البول
*
فقدان أو هبوط الوزن
إن فقدان الوزن يعتبر من الأعراض المبكرة لداء البول السكري. فكثرة طرح السكر في البول تجعل جسم المصاب يبدأ مضطرا باستهلاك المواد الدهنية والشحوم المختزنة في جسمه ولهذا يبدأ وزنه بالإنخفاض.
*
نهم زائد أو الإحساس المفرط بالجوع بسبب اختلال التمثيل الغذائي في الجسم
ثم تأتي الأعراض التالية التي يجب أن تثير الإهتمام للتقصي عن احتمال وجود داء البول السكري:
*
مشاكل الرؤية (زغللة العين) وضعف قوة الإبصار
*
الحكة وخاصة في منطقة الأعضاء التناسلية
السكر مادة تساعد على نمو الجراثيم لذلك تكثر الإلتهابات في المناطق الرطبة من الجسم مثل الأعضاء التناسلية (خاصة لدى السيدات)، والجلد. كما تساعد على تقليل مقاومة الجسم ضد الجراثيم في مواقع أخرى من الجسم.
*
التأخر في التئام الجروح والرضوض عند حدوثها (تقرحات بالقدم)
*
أحيانا يشعر المريض للحاجة للتنفس بسرعة، وكأنه جوعان للهواء (يحصل هذا إذا كانت بعض التفاعلات الكيمائية في الجسم قد انتجت ما يسمى بالأسيتون الذي يهيج المراكز الموجودة في الدماغ والمسؤولة عن تنظيم سرعة وعمق التنفس)
*
مشاكل لها علاقة بالجهاز العصبي (الأعصاب الطرفية) مثل الإحساس بالتنميل (خدر) في الأطراف وخاصة الطرفين السفليين وربما يحدث فقدان الإحساس في باطن القدم
*
الضعف الجنسي ويكون واضحا عند الذكور
*
مولود كبير الحجم لحد غير طبيعي عند السيدات، أو إسقاطات متكررة عند الحامل دون سبب واضح
*
وفي بعض الحالات يمكن للمريض أن يأتي بشكوى خناق الصدر بسبب تصلب أوعية القلب وبالتالي نقص تروية العضلة القلبية، أو الإحتشاء (الجلطة). وكذلك أوعية الدماغ والجلد، وهنا يسبب تقرحات جلدية يساعد ارتفاع السكر على تأخر اندمالها
ما هو سبب داء السكري؟
هذا السؤال من أكثر الأسئلة تكرارا على ألسنة الناس. وبالرغم من الدراسات الكثيرة والمتقدمة، والتي تعتمد على دراسات المورثات الجينية فلا يزال الغموض يكتنف بعضا من ملامح، وأسباب هذا المرض. ولكنه أصبح من المؤكد تواتر الإصابة بالداء السكري في الأسرة الواحدة. ويمكن التأكيد بأنه في السكر الوراثي يولد الإنسان ولديه استعداد للأصابة بمرض السكر. هذا الإستعداد الكامن لا يمكن لإحد أن يتنبأ متى سوف يترجم إلى مرض حقيقي. وكثيرا ما يحدث ذلك. عقب هزة عصبية قوية (حزن، فرح، رعب أو كارثة) أو خلال الحمل عند السيدات، أو مع إصابة التهابية شديدة أو الإفراط في الأكل والسمنة الزائدة وغيرها.
وقد يكون السبب فيه السمنة الزائدة إلى حد أن البنكرياس تعجز عن إنتاج الكمية الكافية من الإنسولين لمعالجة السكر الزائد في الدم. أو قد يكون السبب له علاقة بتحطيم خلايا بيتا الموجودة بجزر لانجرهانز في البنكرياس. هذا التحطيم قد يكون كاملا او جزئيا، ومن هنا تعتمد أنواع المعالجة على كمية الخلايا الفاعلة المتبقية في البنكرياس.
البعض يفسر المرض بأن كميات الأنسولين التي يفرزها البنكرياس كافية لكن يوجد في الدم أو الجسم أشياء تمنع الأنسولين من القيام بواجبه، وبالتالي يبقى السكر عاليا في الدم.
كيف يصنيف داء السكري؟
هنالك تقسيمات مختلفة للمرض، فبعض الأطباء يتحدثون عن تقسيمات وتسميات مختلفة منهم من كان يقسم المرض الى نوع أو نمط يصيب صغار السن. ونمط يصيب كبار السن أو الكهول. بصفة عامة فإن البول السكري يصنف إلى قسمين رئيسيين (راجع جدول تصنيف داء السكري)
1.
النوع أو النمط الأول، أو النوع الذي يصيب الأطفال واليافعين ويشخص قبل سن 30 عاما، وهذا غالبا يعتمد على الإنسولين Insulin Dependent Diabetes Mellitus أو اختصار IDDM، وسببه في الغالب وراثي وهو مسؤول عن 10-15% من جميع حالات داء السكري، ويعتبر أشد خطورة ويحتاج إلى عناية خاصة. يتصف هذا النوع بضآلة إفراز الأنسولين الداخلى أو غيابه، لذلك يتعرض هؤلاء المرضى لحدوث المضاعفات الحادة للسكري مثل كثرة التبول والعطش والنهم وحموضة الدم الكيتونية ketoacidosis أو حموضة الدم الديابيتي diabetic acidosis وهي حالة غير سوية تقل فيها قلوية الدم أو تكثر حموضته بسبب إحدى النتائج الثانوية لعملية أيض المواد الدهنية التي تولد مواد أسيتونية acetone substances أو أجسام الكيتونات ketone bodies وتؤدي بالتالي إلى حالة غيبوبة سكرية diabetic coma قد تكون مميتة. ولمنع حدوث حموضة الدم الكيتونية والموت يلزم الإعاضة بالأنسولين الخارجى. قبل اكتشاف العلاج المناسب بواسطة الأنسولين والحقن الوريدية الأخرى كانت حالة حموضة الدم Acidosis تعتبر السبب الرئيسي لحالات الوفاة بين المصابين بداء البول السكري.
من أسباب ذلك قد يكون إصابة الشخص في الصغر بأمراض تؤثر على البنكرياس كالأمراض الفيروسية والنكاف أو وجود حالات من الحساسية ضد خلايا البنكرياس بحيث يعاملها الجسم على أنها أجسام غريبة فيحطمها وبعض الحالات وجد فيها نقص أو خطأ في بعض الجينات أو المورثات بحيث لا تستطيع خلايا البنكرياس إنتاج الأنسولين. هذه الحالات يجب أن تعالج بالحمية الغذائية ويجب إعطاء المريض حقن إنسولين.
إن ذروة بدء النمط الأول للسكري بين عمر 11 و 13 سنة وتتواقت مع بدء البلوغ، لكنه قد يبدأ في أي عمر بما فيها الشيخوخة. يكون المريض عادة نحيلأ أو سوي الوزن.
2.
النوع الآخر والمعروف بالنوع أو النمط رقم اثنين، او الذي نراه يصيب كبار السن أكبر من 30 عاما، وغالبا لا يعتمد على الأنسولين Non-Insulin Dependent Diabetes Mellitus أو اختصار NIDDM. والسبب في هذا النوع هو نقص في إفراز الإنسولين إستجابة للجلكوز أو في فعاليته (مقاومة الإنسولين insulin resistance) بسبب خلل في مستقبلات الإنسولين أو نقص عددها أو بسبب خلل في تمثيل السكر داخل الخلايا يمنع حرق السكر بداخلها بشكل طبيعي. وعادة يتم علاجه بالحمية الغذائية. أحيانا يحتاج المريض بعض العقاقير التي تعطى بالفم للسيطرة على ارتفاع مستوى السكر في الدم. لهذا سمي هذا النوع بالنوع الذي لا يعتمد على الأنسولين.
كثير من المرضى بهذا النوع من داء السكري يكونون سمينين، وبتنزيل الوزن يمكن عمل موازنة بين كمية الأنسولين التي يفرزها البنكرياس عندهم وكميات الغذاء الذي يتناولونه، وبالتالي يكون علاجهم سهلا نسبيا. وقد لا يحتاجوا لإعطائهم أية علاجات غير الحمية الجيدة وإنزال الوزن للحدود العادية بالنسبة لطولهم.
يتصف هذا النوع بغياب الأعراض الحادة لداء السكري إلا في حالات الارتفاع الشديد في نسبة السكر بالدم. لذلك يجب على من هو معرض للإصابة بهذا النوع مداومة الكشف الدوري على نسبة السكر بالدم سنويا.
جدول تصنيف داء السكري
1.
نمط I أو سكري معتمد على الإنسولين Insulin Dependent Diabetes Mellitus أو اختصار IDDM
2.
نمط II أو سكري غير معتمد على الإنسولين Non-Insulin Dependent Diabetes Mellitus أو اختصار NIDDM
3.
سكري ثانوي Secondary Diabetes
*
آفات البنكرياس (التهاب - تليف - ورم - استئصال)
*
هرموني (آفات الغدد النخامية، الكظرية أو الدرقية)
*
أسباب دوائية
*
اضطراب مستقبلات الإنسولين
*
بعض المتلازمات الوراثية الخاصة
*
سكري الحمل
4.
اضطرابات وراثية في مستقبلات الإنسولين (نادر)
كيف يتم التشخيص؟
والآن يبرز السؤال الهام متى يقال أن هذا الشخص مصاب بالداء السكري؟
يعتمد التشخيص على قياس نسبة السكر في الدم، ويقال أن هذا الإنسان البالغ (غير الحوامل) مصاب بداء السكري إذا كانت:
1.
نسبة السكر في عينة عشوائية أعلى من 200 مغ / 100 مل أو دسل (11.1 مل مول / لتر) مع وجود أعراض وصفية للسكري مثل كثرة التبول وكثرة العطش ونقص الوزن السريع.
2.
نسبة السكر بالدم على الريق (صائم) لأكثر من مرة أعلى من 140 مغ / 100 مل أو دسل (7.8 مل مول / لتر)
3.
نسبة السكر في الدم على الريق (صائم) أقل من 140 مغ / 100 مل (115 إلى 140) مع حدوث ارتفاع تركيز السكر أثناء اختبار تحمل الجلكوز عن طريق الفم لأكثر من أو يساوي 200 مغ / 100 مل (11.1 مل مول / لتر) في عينتين إحداهما بعد ساعتين من تناول الجلكوز
ملحوظة: لتحويل الأرقام من مليمول/لتر الى مليغرام/100 سنتي متر مكعب أو 100 ملم أو ديسيلتر (كما نرى في بعض التقارير الطبية) نضرب الرقم المذكور بالملي مول بالعدد 18 للحصول على رقم معبرا عنه بالمليغرام/100 سنتي متر مكعب.
كيف يتم اختبار تحمل الجلكوز؟
اختبار تحمل الجلكوز عن طريق الفم Oral Glucose Tolerance Test أو اختصارا OGTT يتم بإعطاء 75 غم جلكوز عن طريق الفم بعد 3 أيام من طعام غير محدد (سكريات أكثر من 150 غم) من السكريات والمجهود الفيزيائي. يصوم الشخص مدة 10 ساعات على الأقل ويبقى جالسا أثناء فترة الاختبار. ويتم أخد عينات من الدم لقياس نسبة السكر قبل إجراء الاختبار (أثناء الصوم) ثم كل نصف ساعة بعد تناول الجلكوز لمدة ساعتين.
اختبارات السكر المنزلية
1.
فحص البول
هذه طريقة قديمة - والحديث فيها ما نراه في الأسواق من أشرطة خاصة، إذ يضع المريض بعض قطرات من بوله على جزء من هذه الأشرطة، وبعد دقيقة تقريبا يقارن لون الشريط مع ألوان موجودة على علبة الأشرطة. إذا كان البول يحتوي على سكر فإن لون الشريط يتغير. يمكن مقارنة درجة التغير بطيف الألوان الموجودة على علبة الأشرطة.
هذه الطريقة لها مشاكلها، ومن أخطاؤها:
*
أنها تعتمد على خبرة المريض في قراءة التغير في لون الشريط.
*
أنها تدل على كمية السكر الموجودة في البول - والذي قد يكون متجمعا منذ فترة في المثانة - وبالتالي فإنه لا يمثل حقيقة مستوى السكر بالدم في تلك اللحظة. هذا بالإضافة الى ان السكر يظهر في البول اذا تعدى معدل السكر في الدم 180 ملغ جلوكوز، أي تخطى ما يسمى بالحد الخاص للكلوتين renal threshold.
وفي بعض الأشخاص يكون هذا الحد غير الرقم المذكور أعلاه إذ قد يكون أعلى خاصة في كبار السن، أو أقل من ذلك وخاصة في صغار السن. وبالتالي لا يعكس حقيقة مستوى السكر في الدم. ولهذا يعتبر فحص البول بهذه الطريقة أوليا، ويجب التأكد من نتائجه بالفحوصات الخاصة للدم.
2.
فحص الدم
يتم ذلك اما بالأجهزة الحديثة بالمنزل التي تعتمد على وضع نقطة من دم الإصبع فوق شريط خاص. فإذا كان الشخص مصابا بارتفاع في مستوى السكر فإن الفحص يظهر ذلك سواء بتغير لون الشريط او بقراءة النتيجة بواسطة الجهاز نفسه كما هو الحال في الأجهزة الإلكترونية الحديثة.
من مساوءى هذا النوع من الفحص انه يحتاج الى تدريب على إجراء الفحص والدقة في تنفيذ التعليمات الموجودة مع كل جهاز كما يجب مراعاة ان البطارية التي يعمل عليها الجهاز سليمة ويجب التحذير انه من الواجب التأكد من صلاحية الجهاز بواسطة مقارنة نتائجه مع نتائج الفحص الذي يقوم به أخصائيو المختبرات الجيدة.
السكري والصوم Diabetes & Ramadan
*
المرضى المصابون بالنوع الثاني من مرض السكر " البدينين " والذين يتبعون نظام غذاني خاص كعلاج ، يمكنهم الصوم بدون أي مشاكل لأن الصوم سيساعدهم على تخفيف الوزن وتخفيض مقاومة الجسم للأنسولين.
*
المرضى الذين يحتاجون إلى تناول أقراص عن طريق الفم لتخفيف نسبة السكر في الدم وذلك بالإضافة إلى النظام الغذائي:
o
النوع الأول يتناول جرعة واحدة من الأقراص يوميا ، يمكنه الصيام وتناول الأقراص مع وجبة الإفطار في المغرب
o
النوع الثاني يتناول جرعتين من الأقراص يوميا ، يمكنه الصيام وتناول الجرعة الأولى من الحبوب مع وجبة الإفطار ، أما الجرعة الثانية فيأخذها مع وجبة السحور مع تقليل الجرعة إلى النصف بعد استشارة الطبيب وذلك حتى لا تسبب هبوطا في السكر أثناء النهار
*
المرضى المصابون بالنوع الأول من مرض السكر ويستخدمون الأنسولين كعلاج . في حالة استخدام جرعة واحدة من الانسولين يوميا ، يمكن للمريض الصوم وتناول جرعة الأنسولين عند وجبة الإفطار في المغرب . أما المرضى الذين يحتاجون إلى حقنتين من الأنسولين يوميا فيجب عليهم في حالة رغبتهم في الصوم مناقشة ذلك مع طبيبهم قبل بدء شهر رمضان مع ملاحظة إمكانية حدوث انخفاض "هبوط شديد في مستوى السكر في الدم " في بعضهم عند الصوم
*
في حالة الصوم يجب على مريض السكر مراعاة الآتي:
o
المحافظة على كمية ونوعية الطعام اليومية كما حددتها اخصائية التغذية
o
تقسيم كمية الطعام المحددة يوميا إلى وجبتين رئيسيتين هما الفطور والسحور ووجبة ثالثة خفيفة بين الوجبتين
o
يجب تأخير وجبة السحور إلى ما قبل الإمساك فجرا
o
يمكن ممارسة النشاط اليومي كالمعتاد مع الحرص على أخذ قسط من الراحة بعد الظهر
o
يجب الإكثار من تناول الماء في وقت الإفطار لتعويض فترة الصيام
o
في حالة حدوث هبوط / انخفاض في مستوى السكر في الدم يجب قطع الصيام فورا وتتناول مادة سكرية حتى لو كان ذلك قبل المغرب بفترة قصيرة
الملح والسكر
" تجنب الإكثار منهما " عبارة تتكرر كثيرا ، ربما تكون قد سمعتها من قبل أحد الأطباء أو العاملين في المجال الصحي أو من مرضى قد تجاوزوا الأربعين من العمر وهم يشتكون مما يسمى سموم البدن كما هو معروف بالمفهوم الشعبي .
الملح والسكر مادتان أساسيتان للحياة ، لا يستغني عنهما أبدا ، ولا تطيب الحياة والصحة دونهما . إن المفهوم الخاطئ لاعتبارهما سموم البدن يرجع إلى ارتباطهما الوثيق بمرضين خطيرين يؤرقان البشرية ويحصدان ملايين البشر سنويا وهما مرض السكري ومرض ارتفاع ضغط الدم ، ويعتبران من أكثر أسباب الوفيات في العالم ، وتنفق الدول أموالا تقدر بالمليارات لعلاج مثل هؤلاء المرضى ، بالإضافة إلى ما يفرضه من ميزانية خاصة وكبيرة على المريض . لا يتفق المفهوم العلمي بتسميتهما بسموم البدن لأن السم عادة يكون خطيرا ومميتا في حالة أخذه بجرعة معينة ، لكن بالنسبة إلى السكر والملح فأن نقصهما في الجسم يؤدي إلى أمراض خطرة لا يقل أذاها عن المرضين السابقين ، لكن هذه الأمراض ليست شائعة الوجود مثل مرضي السكر وارتفاع ضغط الدم .
لا أود الحديث هنا عن المادتين بمفهومها الكيميائي و الفيزيائي ، بل سيكون الحديث عن المرضين المرتبطين بهاتين المادتين ، وسيكون التركيز على مرضى السكري المصابين بارتفاع ضغط الدم. الملح كما هو معروف بعلاقته الكبيرة وكونه أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بارتفاع ضغط الدم ، وينصح دائما بالتقليل منه عند مرضى ارتفاع ضغط الدم والقلب والكلى وكبار السن وغيرهم . والملح المقصود هنا هو ملح الصوديوم ، الذي يشكل 99 % من ملح الطعام ويكون بشكل كلورايد الصوديم ، ويحتوي ملح الطعام بالإضافة إلى الصوديوم على أملاح البوتاسيوم والكالسيوم واليود لكن بتراكيز قليلة جدا. أما بالنسبة للسكر فمن أسمه يظهر ارتباطه الأساسي بمرض السكري الذي يتميز بارتفاع معدل السكر بالدم .
ارتفاع ضغط الدم عند مرضى السكري :
مرض السكري من أكثر الأمراض انتشارا في العالم ، يقدر عدد المصابين به على مستوى العالم 10% ، علما أن نسبة الإصابة به تختلف بين دولة وأخرى . ويعتبر انتشار مرض السكري في الوطن العربي من أعلى النسب في العالم ، ففي السعودية 16% ، الإمارات 24% ، مصر 10% ، البحرين 10% ، عمان 12% . أما في الولايات المتحدة الأمريكية فتصل النسبة إلى 10% . وتشكل هذه النسب العالية كارثة محلية لكل مجتمع. هناك نوعان رئيسيان لمرض السكري : النوع الأول يصيب الأطفال عادة ويقدر بـ 10% من عدد المصابين بالسكري . أما النوع الثاني فيصيب البالغين ويصل عدد المصابين به إلى 90% ، وهناك أنواع أخرى منها سكر الحمل الذي يظهر أثناء فترة حمل المرأة ويظهر عادة بعد الشهر الرابع من الحمل .
يحصل مرض السكري نتيجة نقص أو انعدام إفراز هرمون الأنسولين من قبل خلايا بيتا في جزر لانكرهانز الموجودة على البنكرياس ، ويعمل الانسولين على إدخال سكر العنب ( الجلوكوز ) إلى داخل الخلايا من أجل استهلاكه والحصول على الطاقة . أن هذا النقص أو الانعدام في هرمون الانسولين سيؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدم مما يؤدي مع مرور الوقت إلى مضاعفات خطيرة كأمراض القلب والجهاز العصبي واعتلال شبكية العين وتلف في الكليتين ، بالإضافة إلى جعل الجسم عرضة للإصابات الجرثومية والفطرية . تعتبر هذه بعض المعلومات عامة نوعا ما بالنسبة للكثير من المرضى المصابين بالسكري نتيجة الاهتمام الواسع بتوعية الناس بخطر هذا المرض ، حيث يزود الأطباء والعاملين بالمجال الصحي مرضى السكري بهذه المعلومات في سبيل توضيح المرض .
أما ما قد يجهله الكثير من مرضى السكري هو الارتباط الكبير بين السكري وارتفاع ضغط الدم ، حيث يصل عدد المصابين بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم معا إلى ما يقارب الـ 70% من مرضى السكري . وتشير التقارير إلى أن أكثر من 65% من مرضى السكري يموتون نتيجة أمراض القلب والسكتة الدماغية ، التي تعتبر من مضاعفات ارتفاع ضغط الدم . بالإضافة إلى أن معدل إصابة مرضى السكري بارتفاع ضغط الدم هو الضعف عند البشر غير المصابين بمرض السكري . وقد أشار تقرير عرض في العام 2000 في ملتقى جمعية السكري الأمريكية أن 71% من مرضى السكري مصابين بارتفاع ضغط الدم ، وأن 12% فقط هم ممن يسيطرون على ضغطهم بشكل طبيعي .
ارتفاع ضغط الدم الذي يطلق عليه أحيانا " المرض الصامت " بسبب عدم وجود أعراض خاصة به ، وفي حالات كثيرة لا يشخص المرض إلا بعد أن تظهر المضاعفات أثر الإصابة به . علما أن 90% من المصابين بارتفاع ضغط الدم لا يعرف سبب لأصابتهم . هناك الكثير من الأسباب التي يعزى إليها الإصابة بهذين المرضين ، السكري وارتفاع ضغط الدم ، منها عامل الوراثة أو الإجهاد والتوتر أو القلق . بالإضافة إلى الأسباب الأخرى التي تعبر وظيفية أو خاصة بكل مرض .
يعتبر ارتفاع ضغط الدم المستمر وغير المسيطر عليه عامل أساسي في تطور مضاعفات مرض السكري المتمثلة في اعتلال شبكية العين ، و خلل في وظائف الكلى ، و أمراض الشريان التاجي ، و اختلال الأوعية الطرفية ( في الساقين والذراعين ) . أثبت ذلك من خلال النتائج التي تم الحصول عليها من اختبارات تمت السيطرة فيها على ضغط الدم عند المستوى الطبيعي عند بعض المرضى .
من أجل تشخيص دقيق وصحيح لمرض ارتفاع ضغط الدم لابد أن تتم عملية قياس ضغط الدم عدة مرات ولأيام مختلفة . عادة يزيد ارتفاع ضغط الدم من المضاعفات التي يسببها السكري ، فقد يؤثر هذا الارتفاع على الأوعية الدموية الصغيرة ( Microvascular ) فيسبب أذى قد يصيب الكلى ( Nephropathy ) أو شبكية العين ( Retinopathy ) ، او قد يصيب الأوعية الدموية الكبيرة ( Macrovascular ) فيسبب تصلب الشرايين ( Atherosclerotic ) . وعادة يزيد من حالات الوفاة المبكرة .
إن الهدف من علاج ارتفاع ضغط الدم عند المرضى هو المحافظة على القياس أقل من 140 \ 90 ملم زئبق . أما عند مرضى السكري فيجب المحافظة على القياس أقل من 130 \ 80 ملم زئبق ، لأن ارتفاع ضغط الدم عن 130 \ 80 ملم زئبق يعني الإصابة بارتفاع ضغط الدم ، ويتوجب وصف العلاج لخفض ضغط الدم . بالإضافة إلى المتابعة المستمرة لمراقبة ضغط الدم ، وأجراء كل الاختبارات الدورية لتجنب المضاعفات .