التربية لها العديد من الوظائف والأهداف منها : إعداد الفرد ومساعدته ليتكيف مع بيئته، ويكون مواطنا صالحا في مجتمعه، وتمنحه من العلوم والمعارف والاتجاهات ما يسهم في نمو شخصيته نموا متكاملا، وتتحدد هذه الوظائف والمهام من خلال ثلاثة عوامل رئيسة تؤثر تأثيرا واضحا في تحديد تعريف التربية ونوع المهام :
1. العوامل البيولوجية التي تؤثر تأثيرا واضحا في بروز الفروق بين الأفراد في طريقة تفكيرهم وقدرتهم على التعلم ، فلكل فرد خصائص تتشابه مع الآخرين في معظمها لكن ثمة خصائص تؤثر في تحديد قدرات الأفراد ومستوياتهم العقلية والنفسية والعصبية.
2. العوامل الطبيعية وتعد مؤثرا فاعلا في تكوين فكر الإنسان وثقافته وعاداته ، وتساعد على ظهور مسلكيات جديدة ، فسلوك الأفراد في بيئة ريفية يختلف عن سلوكهم في بيئة مدنية ، إلا أن هذا السلوك غير ثابت، بل يتطور بتطور المعارف الإنسانية مما يجعل الفرد في حالة تحد دائم مع سلوكه لإحداث التكيف بينه وبين بيئته.
3. العوامل الاجتماعية والثقافية التي تساعد الفرد على تعلم القيم والعادات والتقاليد واللغة التي تمكنه من التفاهم مع الآخرين ونقل ثقافتهم وتراثهم، كما تمد البيئة الاجتماعية الفرد بنماذج من السلوك في مختلف المواقف مما يجعله قادرا على تمثل السلوك الاجتماعي المقبول من خلال التربية .
وسنتناول في هذا الفصل أشكال التربية وأهم ملامح الفكر التربوي على مر العصور، وسيكون الطالب بعد دراسته لهذا الفصل قادرا على :
أ. تصنيف الأدوار التربوية بحسب المؤسسات التي تقوم بها .
ب. إجراء مقارنة بين سمات التربية في كل مرحلة تاريخية من مراحل تطور الفكر التربوي.
ت. التعرف إلى أعلام الفكر التربوي في كل مرحلة
ث. توجيه النقد لبعض الأفكار التربوية التي نادى بها بعض المفكرين في ضوء قيم التربية الإسلامية والاتجاهات الحديثة في التربية .
1. أشكال التربية :
أ. التربية النظامية ، ونقصد بها التربية المقصودة التي يكون لها أهدافا محددة وتلتزم بنظام محدد ولها منهاج لتحقيق هذه الأهداف وتتم في مؤسسات تعليمية كالمدرسة، وتتميز هذه التربية بوضوح خطواتها وأساليبها ، ووجود إدارة تربوية تشرف على توفير ما يلزم لضمان سير العملية التربوية بطريقة فاعلة ، كما أنها تسعى إلى التكامل مع المؤسسات التربوية الأخرى داخل المجتمع ، وعادة ما تحدث التربية النظامية تغيرا إيجابيا في الفرد.
ب. التربية غير النظامية ، ويقصد بها تلك التربية التي تتم من خلال المؤسسات التربوية الأخرى كالمساجد والنوادي والأسر وجماعات الأصدقاء والحياة الاجتماعية ، وفي هذا الشكل من التربية تكون الأهداف غير منتظمة وغير محددة كما أن وسائل تحقيق هذه الأهداف يتبع لاجتهادات الأفراد القائمين عليها وقدراتهم ، وتؤثر هذه المؤسسات في الفرد تأثيرا مباشرا يفوق تأثير المدرسة يعود ذلك لتعدد المؤثرات التي تؤثر في الفرد عن طواعية ورغبة من الفرد نفسه ، ومع التوسع في عالم الاتصالات ازداد تأثير مؤسسات التربية غير النظامية مما يزيد من بروز سلبيات لهذه التربية التي تتطلب تدخلا من المؤسسات التربوية لتداركها وعلاجها .
ت. التربية غير المنظمة ( العرضية )، ويتم هذا النوع من التربية خلال حياة الإنسان بطريقة عفوية دون توجيه من أحد ، ودون تحضير مسبق بحيث تجري في البيئة الطبيعية وفي العالم الواسع للفرد، وتفيد هذه التربية في تكوين الخبرات الذاتية إلا أن لها آثارا سلبية تظهر في نتاج ثقافة الفرد وسلوكه ما لم يتم التدخل من المؤسسات التربوية مجتمعة لمعالجتها بشكل مستمر ، ومن أمثلة التربية العرضية تكون بعض القناعات تجاه سلوك ما كقناعة الشاب بأن التدخين يجعله كبيرا .
ويمكن القول إن شخصية الفرد هي نتاج هذه الأشكال مجتمعة لأن تأثير كل منها يتداخل بشكل يصعب معه التمييز بينها .
س: أذكر أثرا إيجابيا لكل شكل من أشكال التربية ؟
2. التربية البدائية :
ظهرت التربية البدائية بظهور الإنسان واتسمت بأنها :
- تلقائية تتم عن طريق التقليد والمحاكاة حيث يقوم الطفل بتقليد الكبير في كافة سلوكياته التي يتعامل من خلالها مع مواقف الحياة المختلفة، وكان الكبار يوجهون الصغار لما ينبغي عليهم القيام به حيث كانوا يقومون مقام المعلم دون قصد .
- تسعى إلى الحفاظ على حياة الإنسان من كافة ما يهدد حياته .
- يعتمد فيها الصغير على الكبير في عملية التعلم واكتساب الخبرات والمهن من خلال الاتصال المباشر.
- يغلب عليها الجانب الروحي والخلقي وظهور المعتقدات الخاصة.
- لا يوجد فيها مدارس أو مؤسسات تربوية .
- الاعتماد على الصيد كمهنة رئيسة لتأمين الغذاء .
3. التربية القديمة
تطورت حياة الإنسان في العصور القديمة حيث شهد هذا العصر توجها نحو مهن أخرى كالزراعة والاستقرار حول مصادر المياه ، مما أدى إلى نشوء الجماعات وتطور الفكر الثقافي وبروز الهوية الاجتماعية فيما يعرف بالقبيلة الواحدة ، وقد كان من أبرز الأحداث التي أثرت في العصر القديم ظهور الكتابة التي أدت إلى تبلور شكل من أشكال المؤسسات التربوية لتعليم أبنائها تطورت فيما بعد لتصل إلى ظهور المدارس ، ويمكننا التعرف إلى التربية القديمة من خلال استعراض التربية في الصين واليونان ( إسبرطة وأثينا) .
a. التربية في الصين ، وتميزت بمجموعة من الملامح والسمات أهمها أنها :
· تربية محافظة تهدف إلى تنشئة الفرد على عادات وتقاليد محددة ينبغي عدم تعديلها أو تغييرها .
· لها أساليب ومناهج وطرق محددة وضعها كونفوشيوس تقوم على وضع قوالب محددة للسلوك، فالمعلم يعلم تلاميذه كيف يتصرفون إزاء كل موقف بطريقة موحدة دون ترك المجال للمتعلم أن يختار شكل السلوك الذي يريد.
· يخضع الطلبة لامتحانات تشرف عليها الدولة .
· ركزت المناهج على تعليم اللغة والأدب والكتب المقدسة وبعض الموضوعات الأخرى .
b. التربية عند الإغريق (اليونان):
تميزت التربية في اليونان بشكل عام باحترام عقل الفرد والتركيز على تنميته ، وظهور النظم السياسية والاقتصادية والتربوية ، وقد تباينت التربية من قطر إلى قطر داخل اليونان حيث شهدت بلاد اليونان تقلبات عديدة وعاش فيها أجناس مختلفة مثل الدوريون والإيجيون والآريون، وقد شهدت التربية تحولات عديدة ففي إسبارطة :
اتسمت التربية بالقسوة تبعا للفكر الذي كان مسيطرا من قبل النظام الشيوعي العسكري الصارم التي كانت تفرضه الحكومة حيث كان جميع المواطنين:
- يأكلون طعاما واحدا
- يلبسون لباسا واحدا
- لم يكن لهم سيطرة على أبنائهم فعندما يولد الذكر يسلم للدولة فإما أن تقتله أو تبقيه تبعا لقوة جسده.
- كانت التربية تركز على قوة الجسد، و رياضات المصارعة و السباحة والجري.
- كما كانت الموسيقى والأناشيد الوطنية مكونا من مكونات بناء الروح الوطنية.
لقد ساهم النظام التعليمي الإسبرطي في تحقق هدفه في الحفاظ على المصالح الذاتية للإسبرطيين ولنظامهم السياسي ولكنه فشل في بناء مجتمع نبيل تحكمه القيم الإنسانية.
أما في أثينا فقد تميز نظامها بالديمقراطية والطابع المدني وتميزت أثينا بنهضة فكرية وفلسفية وعلمية زاهرة استمرت 1000 عام حتى جاء الإمبراطور الروماني المسيحي جستنيان وأغلق جامعة أثينا "الملحدة".
واهتمت التربية في أثينا بالأسرة حيث أوكل للأسرة والآباء تعليم أبنائهم حتى سن السابعة كما ظهرت مدارس البالايسترا وتعني بالتربية البدنية بعد سن السابعة ثم مدارس الديداسكاليوم وتعني بالأدب والموسيقى والقراءة والكتابة والشعر وكانت فترات الدراسة متفاوتة بحسب رغبة الآباء ، ثم نشأت مدارس السوفسطائيين ، وقد وصلت الفلسفة والعلوم العقلية والمبادئ النظرية أوجها في الفكر التربوي اليوناني وظهر سقراط الذي ولد في أثينا عام 470 قبل الميلاد الذي قال بأن :
- التربية هي الوسيلة لتحقيق الخير والسعادة
- نادى بالأسلوب الاستقرائي الذي يعتمد الحوار للوصول إلى الحقيقة من خلال طريقتي التهكم والتوليد حيث كان سقراط يناقش الناس فيبدأ بتوجيه النقد والاستخفاف والتشكيك بأفكارهم ثم يبدأ يولد لديهم قناعات جديدة .
وقد وجه سقراط انتقادا للمعتقدات السائدة ولأنظمة الحكم حتى اتهم بالكفر وإفساد عقول الشباب .
وأفلاطون الذي ولد عام 427 قبل الميلاد وهو أحد تلامذة سقراط وتميز بكونه مفكرا ومن مبادئه :
• الفرد يتكون من روح وجسد وأكد على أهمية اللعب في المراحل الأولى من عمر الأطفال .
• اهتم بتربية العقل وتهذيبه والتربية الأخلاقية .
• اعتبر أن التربية عملية أخلاقية لتنمية روح الجماعة والولاء للدولة
• قسم النظام التعليمي لخمس مراحل
- مرحلة الطفولة (5-17) ويتعلم فيها القراءة والكتابة والموسيقى والشعر والرياضة
- مرحلة من 17-20 للتدريبات الجسدية والعسكرية .
- من 20-30 لتعليم الفلك والهندسة والحساب والموسيقى .
- من 30 -35 الحوار والمناقشة في دراسة العالم .
- المرحلة الخامسة للعمل في المناصب الحكومية .
• وأرسطو الذي ولد في العام 384 قبل الميلاد ، وكان تلميذاً لأفلاطون لكنه اختلف معه وامتاز بواقعية النظرة وأكد على أن التربية تهدف إلى تحقيق السعادة ، وركز على التربية الجسمية ونادى بمجتمع الأصحاء والتخلص من أصحاب الإعاقات ، كما اهتم بتنمية العقل من خلال تعلم النحو والمنطق، وركز على تعليم الموسيقى والرياضة والرسم لتهذيب النفس .
4- العصر الوسيط:
أ-التربية في العصور المسيحية: على أنقاض الحضارة الرومانية واليونانية جاءت المسيحية وبدأت في وضع نظام تعليمي خاص بها ينسجم مع العقيدة التي يؤمن بها معتنقو الديانة المسيحية، حيث عرفت في هذه العصور أنواعا مختلفة من المدارس هي:
1- مدارس تعليم المسيحية: وكانت تتخذ الكنائس مقرا لها، وكانت التربية في هذه المدارس عقلية وخلقية مع اهتمام بالموسيقى الكنسية والترتيلات الدينية.
2- مدارس الحوار الديني: وهي مدارس أرقى من مدارس تعلم المسيحية وكان يدرس بها القساوسة المسحيين ورجال الكنيسة التراث الفكري اليوناني وقد لعب الإسكندر دورا كبيرا على يد الفيلسوف بانتينوس الذي اعتنق المسيحية وأصبح رئيسا لمدرسة الاسكندر حيث وضع الفلسفة والخطابة في خدمة الكنيسة.
3-مدارس الكاتدرائية: وكانت على غرار مدارس الحوار الديني إلا أن لها نظاما ثابتا واهتمت بإعداد رجال الدين لتولي مسئولياتهم الكنسية وكانت ترقية رجال الدين متوقفة على ما يدرسونه في هذه المدارس.
4-الجامعات: باستثناء جامعة الاسكندرية لم تكن هناك أي جامعة أخرى بعد إغلاقها من الكنيسة، ولم تكن الجامعة في العصر المسيحي هي نفسها الجامعة بالمعنى الحديث وإنما كانت عبارة عن مدارس تتميز بكبار المدرسين والفلاسفة ويلتحق بها كبار السن من الطلبة والمتميزون.
ويمكن الحديث عن الفكر التربوي المسيحي من خلال آراء ثلاثة من أشهر مفكري هذه العصور وهم:
1- القديس أوغسطين:
وتمثلت آراؤه في:
o الإنسان ذو طبيعة مزدوجة الروح والجسد وأن الروح مطمئنة متصلة بالله أما الجسد فذو طبيعة شريرة ومليئة بالغرائز وحب الدنيا.
o رأى أن الماضي يدرك بالذاكرة وأن الحاضر يدرك بالرؤية البصرية والمستقبل بالتوقع.
o يرى أن العقاب البدني وسيلة لابد منها في التربية.
o يرى أن العلم الحق هو الذي يتوجه لمعرفة الحق أي معرفة الله.
2- الكوين: وهو شخصية هامة أدخلت تصنيفا جديدا في العلوم مقسما إياها لمجموعتين:
الأولى: وهي المجموعة الثلاثية وتشمل النحو والخطابة والجدل.
الثانية : وهي المجموعة الرباعية وتشمل الحساب والهندسة والفلك والموسيقى وقد أضيف إليها فيما بعد الطب.
وتميزت طريقة ألكوين بطرح أسئلة من قبل التلاميذ وأجوبة جاهزة من قبل المعلم وما على التلميذ إلا حفظها واستظهارها.
3- أبيلارد:
وقد أطلق على عصره العصر المدرسي، ويعتبر ابيلارد من أهم ممثلي التربية المدرسية مع نزعة إلى التحرر الفكري حيث كان يقول:
" إنه لمن المضحك أن نعظ الآخرين بما لا نستطيع أن نفهمهم إياه ولا نفهمه نحن".
ب- التربية في العصر الإسلامي:
تنوعت التربية في العصر الإسلامي وتدرجت بتدرج المراحل حيث شهدت التربية في عهد النبوة نقلة نوعية تجاوزت الجاهلية الأولى إلى نور المعرفة وتنزل آيات القرآن وبناء جيل قرآني، ثم امتدت إلى مرحلة الخلفاء الراشدين التي شهدت كتابة القرآن في عهد عثمان وجمعه في مصحف واحد، وشهدت مرحلة الخلافة الأموية تحولات اجتماعية واقتصادية وفتوحات أدت إلى نشاط ثقافي زاهر وحركة عمرانية عظيمة ثم مرحلة الحكم العباسي التي شهدت أوج الحضارة وازدهارها.
أهداف التربية الإسلامية:
1- عبادة الله وحده وعمارة الأرض والتأكيد أن هدف الإنسان هو مرضاة الله تعالى.
2- تهذيب الأخلاق وضبط السلوك الذي يحترم العقل ويؤكد على الرقابة الذاتية ويزود الإنسان بالقدرة على الاختيار والتمييز بين الحق والباطل.
3- تنمية التفكير والبحث من خلال الحث على النظر والتدبر والبحث في كل ما خلق الله "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق".
4- إتقان العمل والإخلاص فيه باعتباره عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" والربط بين العلم والعمل "تعلموا فإذا علمتم فاعملوا".
5- الاستمتاع بزينة الله : "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" ، "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
6- احترام عقائد المخالفين: حيث دعا الإسلام إلى احترام راء الآخرين ومجادلتهم بالتي هي أحسن لا سيما أهل الكتاب والديانات السماوية ، وعدم إجبار أحد على الدخول في الإسلام " لا إكراه في الدين" ، "وجادلهم بالتي هي أحسن"، كما أمر الإسلام بالانفتاح على الثقافات الأخرى حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها".