تعد إدارة الصف علمًا وفنًا، حيث تعتمد من الناحية الفنية على شخصية المعلم وأسلوبه في التعامل مع الطلاب داخل الصف وخارجه، ومن الناحية العلمية تعد علمًا بذاته له قوانينه وإجراءاته وفلسفاته ونظرياته؛ فالمعلم والمتعلمون يحتاجون إلى جوٍ يتسم بالهدوء والنظام حتى يتم التفاعل المثمر بين المعلم والمتعلم من ناحية، وبين المتعلمين من ناحية أخرى فلا تعلم دون نظام، ولا نظام دون إدارة صف ناجحة " العجمي 1440ه".
إن إدارة الصف عنصر مهم من عناصر العملية التعليمية للمعلم؛ فالحكم على انجازاته في أدائه لعملية التعلم مرتبط بإدارة الصف المدرسي و ضبطه. ولا شك أن هناك علاقة وثيقة بين مفهوم إدارة الصف و ضبطه من خلال تركيز الإدارة على استغلال كل طاقات الطلاب بشكل عام، واستثمار الوقت حيث إنه موردٌ نادرٌ لا يمكن إحلاله أو تراكمه أو ايقافه. و بالتالي يفترض أن يستغل بشكل فعال لتحقيق الأهداف المحددة في الفترة الزمنية المعينة لذلك. الإدارة الصفية ذات أهمية خاصة في العملية التعليمية لأنها تسعى إلى توفير وتهيئة جميع الأجواء والمتطلبات النفسية والاجتماعية لحدوث عملية التعلم بصورة فعالة . فالتعليم في رأي البعض هو ترتيب وتنظيم وتهيئة جميع الشروط التي تتعلق بعملية التعليم سواءً تلك الشروط التي لم تتصل بالمتعلم وخبراته واستعداداته ودافعيته, أم تلك التي تشكل البيئة المحيطة بالمتعلم في أثناء حدوث عملية التعلم, إن هذه الشروط والأجواء تتصف بتعدد عناصرها وتشابكها وتداخلها وتكاملها مع بعضها.
[size=41]
مفهوم الإدارة الصفية
[/size]
التعريف اللغوي:
ورد في لسان العرب: "الصَّفُّ: السَّطْرُ المُسْتَوي من كل شيء معروفٌ، وجمعه صُفُوفٌ". "وصَفَّ القوم يَصُفُّونَ صَفّاً واصْطَفُّوا وتَصافُّوا: صاروا صَفّاً".
التعريف الاصطلاحي:
التعريف الأول: "تنظيم معين، وتنسيق معطيات وعوامل التعليم والتعلم بصيغ تسهل عملية التربية الصفية، وتتجه بالطاقات والإمكانات البشرية والمادية نحو تحقيق أهداف معينة"(كريم وآخرون،1415هـ:22).
التعريف الثاني: "مجموعة من المبادئ والإجراءات التنظيمية التي تتولى تنسيق معطيات وعوامل التدريس بصيغ تسهل عملية التربية الصفية" (حمدان،1404هـ:100).
التعريف الثالث: "قدرة المعلم على القيام بمجموعة أعمال ومهام داخل الصف تمكنه من أداء الممارسات المختلفة المرتبطة بمهنته كمعلم وتهيئة المناخ التعليمي المناسب" (النويصر،1420هـ:7).
إن تطور التربية والتعليم، واتساع مفهوميهما، زاد من مهمة المعلم، فقد كانت مهمته في البداية تقتصر على التعليم، ونقل المعلومات إلى الطلاب، أما اليوم فتعددت أدواره، وزادت مهمته، حتى أصبح لزاماً عليه أن يكون ذا كفاية، وقدرة عالية على الإلمام بهذه المهام، قادراً على أدائها، ومن أهم أدواره في الإدارة الصفية، قدرته على التفاعل الإيجابي مع طلابه داخل الصف، فلم يعد المعلم مخزناً للمعلومات، وناقلاً لها، بل أصبح دوره متعدد الجوانب، فهو القدوة الحسنة لطلابه، في كل أعماله، وتصرفاته، وهو المنظم، والموجد للمناخ الاجتماعي، والنفسي داخل الفصل، وهو المعد للمادة العلمية، والأسئلة الصفية، ومنظم للتعليم، والمؤثر في الطلاب كأفراد وجماعات، والمهيأ للجو الصحي لجميع الطلاب، والباحث عن العلاقات الاجتماعية الحسنة مع الطلاب بعضهم ببعض، ومع أولياء أمورهم وهو المعني بكل ما يواجه الطلاب من مشكلات تعليمية، أو تكيفيه، وهو المرشد، والموجه لطلابه في مختلف المجالات التربوية، والتعليمية، من أجل تحقيق نتائج تعليمية، وتربوية هادفة، تفيد طلابه حاضراً ومستقبلا، ويشير (إبراهيم وآخرون 1422هـ ) إلى أن إدارة الصف تتوقف على طبيعة المعلم نفسه؛ إذ أن المعلم الديمقراطي يؤمن بأهمية ومشاركة الطلاب له في التفكير، والعمل من بداية الدرس حتى نهايته، أما المعلم الدكتاتوري فإنه لن ينظر بعين الاهتمام للأدوار التي يمكن للطلاب القيام بها، وتتوقف أيضاً إدارة الصف على إمكانيات المعلم الذهنية، وتمكنه من محتوى المادة العلمية، وقدرته على استخدام أساليب وطرق التدريس المتنوعة، ومعرفته بخصائص النمو لدى الطلاب وحاجاتهم المختلفة.
مفهوم الإدارة الصفية:
يشير المفهوم التقليدي لإدارة الصف إلى الضبط وحفظ النظام داخل الصف، الذي يكفل الهدوء التام للطلاب ليتمكن المعلم من تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة إلا أن عملية إدارة الصف لا تتوقف عند حفظ النظام والانضباط، بل تتعدى إلى مهام وأعمال أخرى كثيرة يقوم بها المعلم، وفيما يلي مفهوم الإدارة الصفية من وجهة نظر بعض الباحثين:
الإدارة الصفية هي: "مجموعة الأنشطة التي يستخدمها المعلم لتنمية الأنماط السلوكية المناسبة للتلاميذ، وحذف الأنماط غير المناسبة"(الإبراهيم، 2002م: ص 186)، ويقول (خطابية وآخرون، 2002م:ص 19) : " يمكن توضيح الإدارة الصفية ضمن مفهومين هما:
1. المفهوم التقليدي للإدارة الصفية: ويقصد بها جميع الإجراءات التي يتبعها المعلم، ويقصد بها الضبط وحفظ النظام، بما يكفل هدوء الطلاب في الصف، وإفساح المجال أمام المعلم لكي يلقي المعلومات، ويشتق هذا المفهوم من الفلسفة التقليدية، أو من التربية التقليدية، والتي تنظر إلى التعليم على أنه عملية نقل المعلومات من بطون الكتب إلى أذهان التلاميذ، والمعلم هو الناقل لهذه المعلومات.
2. المفهوم الحديث للإدارة الصفية ويقصد به: "مجموعة من الإجراءات التنظيمية المصححة وفق مبادئ وقواعد تضمن تحقق بيئة تعليمية فعالة، من خلال الأنشطة ومتابعة سلوك المتعلمين عن طريق سجلاته الخاصة".
ويورد (قطامي وقطامي، 2005م) مفهوماً مختلفاً لإدارة الصف الدراسي من خلال النظرة السيكولوجية إلى أن الإدارة الصفية هي: "العملية المنظمة والمخططة التي يوجه فيها المعلم جهوده لقيادة الأنشطة الصفية، وما يبذله الطلبة من أنماط سلوك تتصل بإشاعة المناخ الملائم لتخطيط أهداف تعليمية يخططها المعلم ويعيها الطالب"
ويرى (آل ناجي، 2005، ص 489)أنها "مجموعة من العمليات الإدارية والتربوية التي تمارس مع الطلاب داخل غرفة الصف لتوجيههم وتسهيل تحقيق الأهداف التعليمية الموضوعة من خلال استغلال الإمكانات البشرية والمادية والتنظيمية من وسائل تعليمية وطرق تدريس ومن ثم فالإدارة الصفية لا تقتصر على الجوانب الإدارية التي تتمركز حول الضبط والنظام الذي يكفل هدوء الطلاب في الصف ليتمكن المعلم من التدريس، ويرتبط مفهوم الإدارة الصفية بالتربية الصفية بجوانبها المختلفة، والتي تشمل المتعلم والمعلم، والمنهج الدراسي، وتوطيد العلاقات الإنسانية بين المعلم والطلاب وغيرها من العمليات التربوية التي تحدث داخل غرفة الصف"
ويري (الفتلي،2017م: ص33) أنها " توجيه مجموعة من التلاميذ نحو هدف معين مشترك، من خلال تنظيم جهود هؤلاء الأفراد، وتنسيقها واستثمارها بأقصى طاقة ممكنة للحصول على أفضل النتائج بأقل وقت وجهد ممكن".
ويرى (ألاغا، و عساف، 2015م:ص 96) " عملية تتضمن عددًا من العمليات المختلفة من تخطيط وتنظيم وتقويم للعمل تهدف إلى توظيف جميع الإمكانيات لتنمية جوانب شخصية المتعلم وتوفير مناخ صفي إيجابي".
ويقدم (الترتوري والقضاة، 2006م) مفهوماً للإدارة الصفية في ضوء مدخل الجودة الشاملة حيث يوضحان الإدارة الصفية بأنها تلك المنظومة التي تهدف إلى تنظيم الإمكانات المتاحة لتحقق التربية المتكاملة لشخصية الطفل داخل بيئة الصف بمعناه الواسع، وتتضمن عدداً من العمليات الإدارية المختلفة من تخطيط وتنظيم وتوجيه وتسيير وتقويم للعمل والإدارة والأفراد.
فيما يرى (باول، 2005م) بأنها أعمال المعلم لتكوين بيئة تعلم تشجع على التفاعل الاجتماعي الإيجابي والانخراط النشط والفعال بالتعلم والدافعية الذاتية.
ويرى (آل سرار،1430هـ:ص17) "أنها عبارة عن الممارسات والإجراءات التي يقوم بها المعلم لتوجيه التفاعلات بين العناصر المختلفة في البيئة الصفية للوصول إلى التربية المتكاملة للطالب".
ويرى(سمارة والعديلي،1428هـ:ص32)" أن الإدارة الصفية تشمل أعمال المعلم لتكوين بيئة تعلم تشجع على التفاعل الاجتماعي الإيجابي والانخراط النشط والفعال في التعلم والدافعية الذاتية".
ويرى(عبد السميع وحوالة،2005م)أن الإدارة الصفية: "مجموعة من الأنشطة المنهجية وغير المنهجية التي يسعى المعلم من خلالها إلى توفير بيئةٍ صفيةٍ تسودها العلاقات الاجتماعية الإيجابية بين المعلم والمتعلمين وبين المتعلمين أنفسهم، بالإضافة إلى توفيرها متطلبات وظروف نجاح عملية التعليم والتعلم لدى المتعلمين".
ويرى (الزغول والمحاميد،1427هـ:ص22) أن الإدارة الصفية ترتكز على عدد من المرتكزات وهي:
1. الإدارة الصفية هي عملية منظمة وهادفة.
2. تتعلق بإدارة سلوك المعلم والمتعلمين.
3. تتعلق بتنظيم المناخ الصفي.
4. تسعى إلى تحقيق أهداف مخطط لها.
5. تعمل على تنظيم الخبرات بشكل فعال.
6. تعمل على تنظيم الوسائل والأنشطة والتسهيلات التي تيسر حدوث عملية التعلم.
ويرى (الحيلة،2009م:257) أن المقصود بالإدارة الصفية: "مجموعة من الأنشطة التي يستخدمها المعلم لتنمية الأنماط السلوكية المناسبة لدى الطلاب، وحذف الأنماط غير المناسبة، وتنمية العلاقات الإنسانية الجيدة بينهم، وخلق جو اجتماعي فعال ومنتج داخل الصف والمحافظة على استمراريته".
ويرى (نبهان،2008م:ص21) أن الإدارة الصفية هي: "مجموعة من الممارسات المنهجية واللامنهجية يؤديها المدرس أثناء تواجده داخل غرفة الصف، وهي علم له أسسه وقواعده وفي الوقت نفسه هي فن تطبيق هذا العلم"، وهناك من يرى أن الإدارة الصفية هي: "مجموعة من الأنماط السلوكية التي يستخدمها المعلم لكي يوفر بيئة تعليمية مناسبة ويحافظ على استمرارها بما يمكنه من تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة" (عبد الله، 1428هـ:ص17) ويوضح (السفاسفة، 2005م:ص182) الإدارة الصفية بقوله هي: "خلق المناخ التربوي الدافئ في غرفة الصف ليجعل منها بيئة جاذبة وليس طاردة ومنفرة".
ويعرفها (المهوس، 2015م: ص6) بأنها: "قدرة المعلم على ضبط الصف والنظام، والتحكم به، بما يوفر الهدوء للمتعلمين؛ من أجل مساعدة المعلم على تحقيق أهداف العملية التعليمية بشكل فاعل".
التعليق على المفاهيم:
من خلال المفاهيم السابقة لإدارة الصف، يتضح أن إدارة الصف وضبطه من الجوانب المهمة في عملية التدريس، وأنه يمكن حصر المفاهيم السابقة في ثلاثة اتجاهات، كل منها يمثل موقفاً فلسفياً معيناً لإدارة الصف، يمكن اختصارها فيما يلي:
الاتجاه الأول: الذي يركز على أن إدارة الصف هي عملية ضبط سلوك الطلاب، ودور المعلم هو توفير النظام والمحافظة عليه داخل الصف.
الاتجاه الثاني: ينظر إلى إدارة الصف على أنها عملية تعديل لسلوك التلاميذ، ودور المعلم فيها أن يعمل على تنمية السلوكيات المرغوبة، وإطفاء السلوكيات غير المرغوبة.
الاتجاه الثالث: ينظر إلى إدارة الصف على اعتبار أنها عملية إيجاد جو اجتماعي إيجابي داخل الفصل الدراسي، عن طريق تكوين علاقات صحية بين المعلم والطلاب من جهة، وبين الطلاب بعضهم ببعض من جهة أخرى.
إضافة إلى ذلك ومن خلال المفاهيم السابقة لمفهوم إدارة الصف يمكن بلورة الغرض منها في العناصر التالية:
1. أن الإدارة الصفية تتضمن تحديداً دقيقاً لدور كل من المعلم والطالب، وما يقوم به المعلم من تنظيم للإجراءات التعليمية، التي تسهم في تعلم الطالب إلى أقصى طاقاته الممكنة.
2. أنها عملية تهدف إلى تنظيم فعال، لجعل التعليم والتعلم في غرفة الصف أمراً ممكناً وهادفاً ومشوقاً.
3. أنها عملية تهدف إلى توفير المناخ الصفي، أو الجو الملائم لبلوغ الأهداف المخططة.
4. أنها تتضمن تنظيماً للخبرات والمواد والأدوات لتيسير التعلم.
5. تتضمن التخطيط الجيد لإدارة الصف.
6. تتضمن إدارة الصف مجموعة من الأنشطة المنظمة، والمحددة التي تتطلب ظروفاً وشروطاً مناسبة، والتي تعمل الإدارة الصفية على تهيئتها.
7. العمل على الوصول إلى الأهداف التعليمية المقصودة.
8. التنسيق بين معطيات وعوامل التدريس المختلفة.
9. توفير جو الفصل المناسب الذي تسوده العلاقات الاجتماعية الإيجابية.
10. العمل على توفير السلوك المرغوب فيه عند الطلاب، وإلغاء السلوك غير المرغوب فيه.
11. العمل على اكتساب الطلاب لاتجاهات مناسبة كالانضباط الذاتي، والمحافظة على النظام، وتحمل المسئولية، والثقة بالنفس، والعمل التعاوني، واحترام آراء الغير، وتقدير مشاعرهم.
وعليه فإنه يقصد بالإدارة الصفية في هذه الدراسة: كل ما يقوم به المعلم داخل الصف الدراسي من نشاطات وإجراءات وتعليمات وتنظيمات لتهيئة الجو المناسب لعملية تعليمية وتربوية فاعلة تحقق الأهداف المرجوة منها.