لا شك أن المتتبع للعملية السياسية يرى أنها تسير بخطى متسارعة ومنذ اتفاق أوسلو ما بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وإن وتيرة التسارع بدأت مؤخراً نتيجة الإصلاحات والثورات العارمة التي تشهدها منطقتنا العربية تأخذ أبعاداً جدية. إن سرعة الأحداث وإيقاعها وأبعادها أخذت العديد على حين غرة، بحيث وقفوا مشدوهين لا يعرفون ماذا يصنعون وخاصة تلك الأطراف التي كانت تعارض التسوية السياسية مستندة على البرنامج التاريخي الرسمي بحيث أصبحت تلك الأطراف أمام منعطف هام يفرض عليها أن تطرح برامجها وبدائلها الخاصة بها لمواجهة المستجدات الطارئة.
لقد اعتادت المنطقة العربية سابقاً وفي غياب الديمقراطية الحقيقة على نوعين من الممارسات السياسية وهما التفرد في الحكم وبالتالي كبت المعارضة ودفعها إلى العمل السري أو الحكم من خلال حزب قائد أو نخبة سياسية ضيقة تقوم على اصطناع المعارضة وإخراجها بالحلة التي تريد وبالقدر الذي تحدده.
لقد اصطبغت المعارضة العربية سابقاً بالصبغة السياسية في معظمها حيث كان يتركز المحور الأساس للمعارضة على المواقف السياسية وكون القضية الفلسطينية كانت محور العمليات السياسية رسمياً وجماهيريا ً فإن اصطفاف المعارضة كان يتمحور حول مواقف الأنظمة أو الأفراد أو الأحزاب من هذه القضية وكذلك كان شأن الأحزاب، التي غلب عليها الطابع السياسي أيضاً.
إن التطور الذي تشهده معظم المجتمعات العربية وانتشار مفهوم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان سيجعل العمليات السياسية الراهنة والقادمة تنصب على موضوع الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبالتالي فإن المعارضة ضمن هذه الفترة ستأخذ شكلين وهما المعارضة السرية، والتي تطلب بتطبيق الديمقراطية في الدول العربية التي لازالت خارج الإطار الديمقراطي الصحيح، والمعارضة العلنية السلمية التي تطالب بالتغيير ضمن الإطار الديمقراطي في الدول التي فضلت انتهاج الخط الديمقراطي على ضوء المتغيرات المحلية والدولية المتسارعة.وهذه الفئة جاءت بثمارها كما هو الحال في تونس ومصر،وما زالت مسيرات سلمية في سوريا تنادي بالحرية والتغيير؛ بل أصبحت تنادي بسقوط النظام، ويتكرر هذا المشهد في اليمن.
لقد شهد عام 2011 منعطفاً للأحزاب والحركة الشعبية تجاه الأنظمة المستبدة والحكومات التي يحكمها حزب واحد؛ لأنها لا تنتهج الأسلوب الديمقراطي في الحكم.
ولقد كانت المواقف في الشارع العربي تتمحور حول ثلاث اتجاهات وتيارات.
1. التيارات والاتجاهات الإسلامية وهذه الاتجاهات تأخذ أشكالاً سياسية عديدة فمنها ما تأخذ طابع المعارضة السلمية في الأنظمة الديمقراطية أو طابع العمل السري في الأنظمة الاستبدادية.
2. التيارات القومية: وهذه التيارات وقفت في حيرة من أمرها عندما وجدت بعضها قد وقفوا مع الأنظمة والحكومات وعلى ذلك لم يكن أمامها من طريق سوى الانشقاق أو الإذعان مع التناقض مع الذات، وفي محاولة من هذه التيارات في تجميل صورتها السياسية أو معالجة حالة الانفصام فإنها كانت تعترض على فنية الاصلاحات ولقد ضعفت معظم هذه التيارات كثيراً بعد الثورات الشعبية السلمية وما أفرزته من نتائج لم يتوقع أي احد بسقوط أنظمة طال حكمها.
3. التيارات ذات البعد القطري او الحزب الحاكم: وهذه كانت في الغالب انعكاساً للسياسات الرسمية للدول العربية، وقد اشتد أزر هذه التيارات بالمطالبة بالاهتمام بالقضايا القطرية كما في سوريا بعد أن أصبح حزب البعث هو السلطة الاولى في الدولة ويبدو ان نهاية هذه التيارات هو السقوط او الانقلاب للاسباب التي ذكرناها والدليل هو المشهد السوري في الوقت الحاضر.