مقومات التربية في القرآن والسنة
تقوم التربية في القرآن والسنة على مقومات تجعلها تمتد عميقا في جذور النفس البشرية ، وتسمو بها إلى أعلى المراتب ؛ فتصفيها من كل ما يعلق بها من الأدران ، وتزيل عنها كل ما يتراكم عليها من الران ، وتجعلها تسير بخطوات هادئة مستقيمة على أرض الواقع البشري ، وتحلق في جو الكمال الإنساني.
وهذه المقومات هي : العقيدة التي يفيض بها القلب ، فتجعل النفس نقية مطمئنة ، والعبادة التي يقوم بها المرء ، فتزيده صفاء وإشراقا ، والأخلاق التي يتحلى بها فترفعه إلى عليين.
أولا العقيدة
تطلق العقيدة على الفكرة التي اقتنع بها المرء قناعة تامة ، فقبلها عقله واستقرت في قلبه ، واطمأنت بها نفسه ، وامتزجت بروحه.
وهي تشمل في هذا الدين أركان الإيمان الستة التي ذكرها الرسول صلىاللهعليهوسلم بقوله :
«الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره» (1) وبينها الله سبحانه وتعالى في قوله :
(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). (2)
وحذر من الكفر بها في قوله :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً). (3)
أما الإيمان بالقضاء والقدر فقد ورد في آيات أخرى ، نبينها بعد تناول ما سبقه من الأركان بالأدلة والتفصيل ، ونذكر الآثار التربوية لكل منها إن شاء الله تعالى ، وبه التوفيق.
1 ـ الإيمان بالله
إن الإيمان بالله جل جلاله أهم قضية في الدين ، وأعظم أساس في التربية. ولا يحتاج الإيمان بالله إلى أدلة فلسفية وبراهين معقدة رغم كثرة الأدلة التي تدل على وجوده ووضوحها. ومنها :
1 ـ دليل وجداني :
إن الإنسان مهما كان بعيدا عن الله في حياته ، ومهما جادل وعائد في وجوده فإنه يلتجئ إلى الله حين المصيبة ، ويدعوه حين الشدة قال سبحانه :
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). (4)
(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً). (5)
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً (6) إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ (7) نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً (8) لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ). (9)
ولو بقي الإنسان على الحالة التي خلقه الله عليها لكان مؤمنا بالله مائلا عن الشرك ، كما قال سبحانه :
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً (10) فِطْرَتَ اللهِ (11) الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). (12)
ولكن التأثير السيء للمجتمع ، والتربية المنحرفة للأسرة يجعل الإنسان يتردى في مهاوي الشر والوثنية.
2 ـ دليل اجتماعي تاريخي :
إن البشرية منذ أن كفرت في عهد نوح ـ عليهالسلام ـ وما بعده ، لم تنكر وجود الله عزوجل ، ولم تخل أي لغة من لغاتها من كلمة تدل عليه. وإنما كان كفرهم يتجلى في شركهم بالله وعبادتهم الأصنام وكانوا لا يتصورون حقيقة الإلهية تصورا صحيحا ، ولا يجعلون علاقتهم بالله وبالكون الذي يعيشون فيه. مستمدة من شريعة الله.
ولم ينكر الكافرون في أي عصر عدا قلة من الذين تمادوا في طغيانهم وشذوا في تفكيرهم وجود الله سبحانه ، وإنما كانوا يعترضون على شخص الرسول وعلى دعوته ، ويرفضون ترك آلهتهم واتباعه :
فقوم نوح اعترفوا بوجود الله ، ولكنهم لم يصدقوا بأنه أرسل إليهم رسولا من البشر مثلهم ، وظنوا أن رسل الله يكونون من الملائكة لا من البشر. قال تعالى :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ. فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ). (13)
وقوم عاد أصروا على الشرك بالله ، وعلى عبادة ما كان يعبد آباؤهم
(قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ (14) ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (15)
وقوم ثمود اعترضوا على الرسالة ، وكفروا بما جاء به الرسول :
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ). (16)
والمشركون من العرب أقروا بأن الله هو الخالق لكل شيء :
(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ). (17)
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ). (18)
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً (19) لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (20)
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ). (21)
وعبادة الأصنام تدل على أن الإنسان لا يستغني عن إله يعبده ويتقرب إليه ، فإذا لم يعبد الإله الحق عبد آلهة زائفة ، وإذا لم يهتد إلى العبادة الصحيحة قام بطقوس يعتبرها عبادة.
والكفر عارض في تاريخ البشرية ، والإيمان هو الأصل وكلمة الكفر نفسها تدل على وجود الله ، لأنها بمعنى التغطية ، فهي محاولة لإخفاء شيء موجود ، ولو كشف الغطاء لظهر وجوده لكل ذي بصيرة ، وكل شيء غطى شيئا فقد كفره ، ومنه سمي الكافر لأنه يستر نعم الله عليه. والكافر الزارع لأنه يغطي البذر بالتراب والكفار : الزراع (22)
3 ـ دليل الوجود :
إن وجود هذا الكون الذي نعيش فيه يدل على وجود الله عزوجل ذلك أن الكون وما فيه من مجرات وشموس وكواكب لم يكن موجودا من الأزل وإنما وجد من العدم. ولقد كان الفلاسفة المسلمون يستدلون على ذلك بما يطرأ على الكون من تغير وتبدل ، وبما أن كل متغير حادث ؛ لأن القديم يبقى على حال واحدة ، فالكون حادث مخلوق. قال الإمام الغزالي رحمهالله :
«كل جسم فلا يخلو عن الحوادث ، وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ، فيلزم منه إن كل جسم فهو حادث إذ لا يستريب عاقل قط في ثبوت الأعراض في ذاته من الآلام والأسقام والجوع والعطش وسائر الأحوال ولا في حدوثها ، وكذلك إذا نظرنا إلى أجسام العالم لم نسترب في تبدل الأحوال عليه ، وأن تلك التبديلات حادثة (23)».
والعلماء في هذا العصر متفقون على حدوث الكون ، ويحسبون عمره بما يتراوح بين خمسة آلاف إلى عشرين آلف مليون سنة. وتعليل وجوده لا يتعدى ثلاثة افتراضات هي :
أ ـ وجد بدون موجد : وهذا الافتراض لا يقبله عقل ، لأن المادة تتصف بالعطالة فلا توجد بدون موجد ، ولا تتحرك بدون محرك. وقانون السببية الذي هو من بديهيات العقل ، يجعل الإنسان يسأل عن موجد الكون ، ولا يصدق بإمكان وجوده بدون موجد.
ب ـ أوجد نفسه بنفسه : وهذا الافتراض لا يقل في تهافته عن السابق ، لأن المعدوم لا وجود له ، فلا يمكن أن يوجد نفسه ، ولا بد له من موجد.
ج ـ هناك قدرة عظيمة أوجدت الكون. وصاحب هذه القدرة لا يمكن أن يكون أحد أجزاء هذا الكون ، لأن الإنسان أعظم الكائنات لا يستطيع أن يوجد ذرة رمل من العدم فضلا عن خلق نفسه وخلق هذا الكون الهائل.
قال تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (24)
ومن صنع شيئا بدقة وإحكام فإنه لا يسمح لغيره بأن ينسب لنفسه ما صنعه. فصاحب القدرة العظيمة الذي خلق الكون هو الله ، وهو الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب إلى الناس ليؤمنوا به ويعبدوه.
4 ـ دليل الحكمة والنظام :
ليس هذا الكون موجودا بشكل عشوائي ، بل منظم تنظيما دقيقا يدل على اتصاف خالقه بالقدرة والعلم والحكمة. وآيات القرآن الكريم تلفت أنظار الناس إلى هذا الكون ونظامه العجيب ، ليكون إيمانهم بالله نتيجة للنظر والتفكير في بديع صنعه.
قال تعالى :
(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (25).
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ (26) يَطْلُبُهُ حَثِيثاً (27) وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). (28)
(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ. وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ (29) وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ (26) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (30)
والله هو الذي سخر الشمس والقمر والنجوم والبحار والليل والنهار والجبال والأنهار للناس.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. وَما ذَرَأَ (31) لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ. وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ (32) وَلِتَبْتَغُوا (33) مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَأَلْقى
فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ (29) أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ. أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (34)
وتوالي الليل والنهار ، ونقصان أحدهما وطول الآخر ، بما يتناسب مع فصول السنة ، وبما يتفق مع دورة الحياة لدى النباتات شاهد على وجود الله وحكمته.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ (35) وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ). (36)
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً (37) إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ. وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا (33) مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (38)
ودوران الشمس والقمر والنجوم والكواكب بسرعة منتظمة ، وبدون أن تنحرف عن أفلاكها المرسومة لها منذ آلاف السنين دليل على قدرة الله وعلمه :
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). (40) وكلما تقدم العلم اكتشف العلماء في الكون الفسيح وفي الأنفس البشرية مزيدا من الأدلة الشاهدة علي وجود الخالق والناطقة بالحق الذي يقوم عليه هذا الدين ، والذي جاء به الكتاب المنزل :
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). (41)
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). (42)
5 ـ دليل الحياة :
لم يكن أي شكل من الحياة على ظهر الأرض عند بدء تكوينها فقد كانت حرارتها مرتفعة إلى درجة لا تتحملها الكائنات الحية ، ولم يكن هواؤها مناسبا للحياة كما يقول العلماء. ثم ظهر عليها النباتات والحيوانات والإنسان بعد عصور مديدة.
وسواء أكان الكائن الحي بسيطا أو معقدا ، وبدائيا أو راقيا فلا يمكن أن يوجد بنفسه. إذ لا يمكن للمادة الميتة أن تدب فيها الحياة بدون خالق. ولقد أجرى علماء الشرق والغرب تجارب طويلة استغرقت عشرات السنين ، حاولوا فيها أن يحولوا المادة الميتة إلى أبسط أجزاء الخلية الحية فلم يستطيعوا وباؤوا بالفشل الذريع.
ولا يمكن أن يكون أصل الحياة هبط إلى الأرض من الكواكب والنجوم الأخرى ، لأن كواكب المجموعة الشمسية التي هي أقرب إلى الأرض من غيرها لم يكتشف العلماء وجود كائنات حية عليها. وهي بسبب قربها من الشمس أو بعدها عنها ، وبسبب تركيب جوها المختلف في نسبة عناصره عن جو الأرض لا تصلح للحياة الموجودة على هذا الكواكب. ولو وجدت حياة على الكواكب التابعة للشموس الأخرى فلا يمكن أن تقطع مسافات تقدر بالسنين الضوئية (43) لتهبط على كوكبنا. ولو أمكن ذلك لعدنا نسأل عن سبب نشوء الحياة فيها.
وبعد انبثاق الحياة لا يمكن استمرارها وتكاثرها بالانقسام أو التوالد بدون خالق جعل فيها هذه الخاصية ، وأوجد لها ما تحتاج من عناصر للغذاء والنمو والبقاء إلى أجل مسمى.
ولترسيخ الإيمان بالخالق أمرنا بالتفكير في خلق الحيوانات ، كما أمرنا بالتفكير في خلق السموات والأرض ، وجعلها ممهدة لعيش الانسان.
(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ). (44)
وأمرنا بالتفكير في خلق أنفسنا وأصل تكويننا :
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ. يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ). (45)
(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (46) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (47) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ. فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ). (48)
وأمرنا بالتفكير في أعضائنا وحواسنا :
(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (49)
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (50) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ. يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (51). أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (52).
وأمرنا بالنظر في المراحل التي يمر بها الإنسان منذ أن يكون نطفة حتى يصبح جنينا سوي الخلق ، ثم حتى يدركه الموت ، ويبعث يوم القيامة :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً (53) فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ). (54)
الهوامش
__________________
(1) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
(2) سورة البقرة : 285
(3) سورة النساء : 136.
(4) سورة يونس : 12
(5) سورة الإسراء : 67
(6) راجعا
(7) أعطاه
(8) شركاء
(9) سورة الزمر : 8
(10) مائلا إليه ، أي أخلص دينك لله
(11) خلقته.
(12) سورة الروم : 30
(13) سورة المؤمنون : 23 ـ 24.
(14) نترك
(15) سورة الأعراف : 70
(16) سورة الأعراف : 75 ـ 76
(17) سورة المؤمنون : 84 ـ 89
(18) سورة لقمان : 25
(19) طرقا
(20) سورة الزخرف : 9 ـ 10
(21) يعزفون عن عبادته وتوحيده. والآية في سورة العنكبوت : 61
(22) مختار الصحاح ، مادة كفر
(23) الاقتصاد في الاعتقاد ص 16.
(24) سورة الطور : 35 ـ 36
(25) سورة يونس : 101
__________________
(26) يغطي كلا منهما بالآخر
(27) سريعا.
(28) سورة الأعراف : 54.
(29) جبالا.
(30) سورة الرعد : 2 ـ 3
(31) خلق
(32) الفلك : السفن ، تنخر الماء : تشقه بجريها فيه.
(33) لتطلبوا
(34) سورة النحل : 12 ـ 17.
(35) أي يدخل كلا منهما في الآخر.
(36) سورة الحج : 61
(37) دائما.
(38) سورة القصص : 71 ـ 73
(39) العرجون : عذق النخلة ، أي العود الذي يحمل حبات التمر المصطفة كالعنقود ، شبه به القمر حين يكون هلالا.
(40) سورة يس : 37 ـ 40
(41) سورة النمل : 93
(42) سورة فصلت : 53
(43) يستغرق الضوء المنبعث من أقرب النجوم حتى يصل إلينا أكثر من أربع سنوات.
(44) سورة الغاشية : 17 ـ 20
(45) سورة الطارق : 5 ـ 7 والترائب : عظام الصدر
(46) ضعيف وهو المني
(47) حريز وهو الرحم
(48) سورة المرسلات : 20 ـ 23
(49) سورة الذاريات : 20 ـ 21
(50) نصب وشدة
(51) كثيرا
(52) بينا له طريق الخير والشر. والآيات في سورة البلد : 4 ـ 10
(53) لحمة قدر ما يمضغ
(54) سورة المؤمنون : 12 ـ 6