العلاقة بين الموهبة والإبداع :
اعتبرت الموهبة في العصور الوسطى نزعة شيطانية ، لذلك تم التعامل مع الموهوبين بنفس الطريقة التي كان يعامل بها السحرة . وفي بداية عصر النهضة اعتبرت الموهبة شكلاً من أشكال الأمراض العصبية . وفي القرن التاسع عشر _ وهو الوقت الذي سادت فيه أفكار "داروين و "توماس هكسلي" و "هربرت سبنسر" ساهمت هذه الأفكار في تقديم منظور جديد للطبيعة البشرية واعتبرت الموهبة جزءاً من عملية الانتقاء الطبيعي .
يؤكد بعض الباحثين على ضرورة التمييز بين الموهبة والإبداع باعتبار أن الموهبة تتعلق بنشاطات الأطفال ، أما الإبداع فيتعلق بنشاطات الكبار.
وهناك من يرى أن الفرق المهم بين الموهبة والقدرة الإبداعية . هو أن للموهبة ارتباطاتها العصابية ومن الممكن دراستها على أنها " ممنوحة " لشخص ما موهوباً سواء استخدم موهبته أو لم يستخدمها . أما الإبداع فلا يمكن أن يرى إلا في الفعل فحسب ولا يمكن التحدث عن شخص مبدع وإنما عن الفعل المبدع وحده دون سواه
أن الشخص الموهوب شخص قادر على أداء نشاط معين بشكل متميز لا يقدر عليه غيره . وإذا أدت الموهبة إلى كشف جديد أو إدراك علاقات بين الأشياء يكون الإبداع . وإذا أدت إلى قدرة على إدراك علاقات بشكل متميز ودون إضافة يكون الذكاء ، والذكاء إذا ما استثمر في نشاط أكاديمي أو دراسي يكون التفوق .
وهناك من يرى أن الإبداع يمكن اكتسابه والموهبة موروثة ، والإبداع نتيجة لأثر اجتماعي والموهبة نتيجة لأثر شخصي ، والموهبة يلزمها ذكاء خاص والإبداع لا يلزمه ذلك ، والمبدع يلزمنا إيجاد أدوات وطرق تكوينه وتربيته والموهوب يلزمنا إيجاد أدوات كشف موهبته ، فالمبدع نصنعه والموهوب نكتشفه ، والموهوب لا يستطيع العيش في الأجواء والظروف العادية دون عناء والمبدع يستطيع ذلك
والموهوب ليس مبدعاً بالضرورة ، فهو متميز في أداء بذاته وليس مولفا بين أجزاء أو متناقضات حتى ذهب بعضهم إلى اعتبار الموهوب نقيض المبدع
ويعرف مكتب التربية في الولايات المتحدة الأمريكية الشخص الموهوب بأنه من يظهر تحصيلاً أو قدرات غير عادية في أحد المجالات الآتية :
1.قدرة ذهنية عامة .
2. تفوق أكاديمي نوعي .
3. تفكير إبداعي متدفق .
4. قدرات قيادية .
5. فنون أدائية عملية أو بصرية .
6. مهارات نفسحركية .
كما يضم النموذج الثلاثي الذي قدم( قطامي ه ستيرنبرج Robert Sternberg ثلاثة عناصر أو أنماط هي :
1. الموهبة التحليلية analytic
2. الموهبة الابتكارية Creative
3. الموهبة العملية practical .
بينما قدم جوزيف رينزولي نموذجاً مطوراً صُنفت الموهبة في ضوئه إلى فئتين عامتين هما :
1. الموهبة المدرسية schoolhouse giftedness : وهي الموهبة التي تتسم بقدرة كبيرة من جانب الفرد على اجتياز الاختبارات المختلفة .
2. الموهبة الإنتاجية الإبداعية creative productive giftedness : وتضم هذه الفئة مجالات عديدة من النشاط الإنساني التي تضمنها تعريف مكتب الولايات الأمريكية المتحدة بعد استبعاد التفوق الأكاديمي . ويرى رينزولي Renzulli أن هناك قدراً ما من التداخل والتفاعل بين الفئتين ، كما يرى أن الفئة الثانية من الموهبة تتضمن عدداً كبيراً من المجالات مما حدا به إلى تقسيمها لفئتين أخريين أطلق على الأولى اسم الذكاء العملي أو الالتزام بأداء المهام task commitment بينما أطلق على الثانية الابتكارية creativity ليصبح عدد الحلقات بذلك ثلاثاً هي : الأولى مستوى فوق المتوسط من القدرة أو الذكاء ، الثانية الالتزام بأداء المهام ،والثالثة هي الابتكارية
وإذا نظرنا إلى الإبداع نظرة شمولية نستطيع القول : انّه التعبير المتطور والمتقدم عن الموهبة ، بمعنى أن الإبداع شكل راقٍ من أشكال الموهبة .
يتبين من خلال تعريف مكتب التربية في الولايات المتحدة الأمريكية ونموذجي ستيرنبرج و رينزولي للشخص الموهوب أنه أكثر شمولية من الشخص المبدع .
ويمكن توضيح العلاقة بين الموهبة والإبداع من خلال الأنماط الآتية:
1. الموهوب غير المبدع : بدايتها في سلوك الأطفال عندما تظهر الموهبة في سلوكهم لفترة قصيرة ثم تختفي ، ويحدث ذلك ما بين الثالثة والخامسة من العمر .
2. الموهوب المبدع : وتظهر فيه قدرات التفكير الابتكاري أو الإبداعي الفرعية الطلاقة ، والمرونة ، والأصالة ، وتتوفر في سلوك الأطفال بدافعية ذاتية جيدة وليس كمجرد رد الفعل أو الاستجابة لمطالب الآخرين وتستمر هذه المرحلة من سن ( 6 – 13) سنة .
3. المراهق المبدع غير الموهوب : وهو الذي تستمر فترة موهبته من سن ( 13 -20) سنة وتظهر في شكل إبداعات غير مكتملة مثل : كتابة الشعر أو القصة أو التفكير في ابتكارات علمية ولا تكتمل هذه المجالات غالباً وان اكتملت فتكون بشكل ناقص أو مبتور في اغلب الأحيان .
4. الراشد المبدع الموهوب : وتكون موهبته في سن العشرين وما بعدها . ويمكن القول انه ليس هناك إبداع دون موهبة بكل عناصرها وان المبدع الموهوب هو الذي يبحث عن الجديد والأصيل ويعبر عنه بشكل جيد ويحاول دائماً التحرر من القصور الذاتي ومن تكرار المألوف أو المعتاد ، ويستفيد من إمكاناته في تقديم كل ما يعبر عن التفاعل الخصب بين الموهبة والإبداع .
وعلى أية حال فان الموهوب متفوق عقلياً ، ويمكن اعتبار الموهوبين متفوقين ولكن لا يجب وصفهم فقط بالمبدعين ، على الرغم من أن كل هؤلاء يمارسون التفكير كأحد العمليات النفسية العقلية وأرقامها .