العلاقة بين الإبداع والخيال :
أن الخيال "هو تصور لأشياء وحوادث لم تدرك أو تحدث من قبل، ولم تدخل في دائرة الخبرات الماضية " . كما يعرَّف التخيل بأنه القدرة على التأليف بين الصور القديمة التي سبق للنفس أن استمدتها من الواقع لتحصل على شيء جديد من شأنه أن يحسّن الحياة .
يرى دي بونو أن الخيال كلمة كبرى ومفيدة ، ومحاولة وضع تعريف دقيق لها أمر صعب ولن يضيف إلى أهميتها . ويبدو أن هناك أربعة مظاهر للخيال هي :
1. حيوية الصورة Picture vividness
كلمة حيوية تدل على دقة التفاصيل ووفرتها . وبدلاً من انطباعات مشوشة يمكنك انتقاء كافة التفاصيل.
2. عدة بدائل Number of alternatives
من الصعوبة بمكان من ناحية عملية التمييز بين الخيال والمعرفة ، إذ هناك تداخل بين الذاكرة والمعرفة والخيال ، ولكن المهم هو غزارة الإجابة . ففي الحالة الأولى ( حيوية الصورة ) ، أما هنا فهي وفرة البدائل وتعددها .
3. النظر إلى الشيء بأكثر من طريقة Different ways of looking at something
المقصود من النظر إلى الشيء بأكثر من طريقة يمكن توضيحه بالمثال الآتي : قد يقول قائل أن القارورة نصف مملوءة بالحليب ، ويصفها آخر بقوله : إنها نصف فارغة ، وثالث بوصفه أن القارورة مملوءة بمزيج حليب وهواء .
4. الخيال الإبداعي Creative imagination
ويتضمن الخيال الإبداعي التحرر من قيود الشكل التقليدي والقدرة على تخيل شيءٍ ما لم يجربه مسبقاً . وبهذا فهو خلق تجربة جديدة .
ولا يعد الخيال بحد ذاته إبداعاً بل عنصر من عناصر الإبداع ، مثلما أن الأرقام تشكل عنصراً من عناصر الرياضيات . وإذا لم تكن لديك المقدرة على تخيل تفسيرات بديلة ، فانه من السهولة بمكان اعتقادك بان التفسير الوحيد الذي توصلت إليه هو صواب مطلق . كما يزيد الخيال من انسياب وطلاقة عمليات التفكير الأساسي ، ولكنه لا يجعلها أكثر صواباً .
والتخيل يكون على نوعين : تخيل وهمي لا يمت إلى الحقيقة بصلة أبداً ومثاله أفعال السحرة ، وتخيل مبدع يجمع عناصر المواد الموجودة في الواقع ليؤلف منها مركبات جديدة
من المفيد أحيانا في البحث عن أفكار مبتكرة ، التخلي عن التفكير الموجه المقيد الذي نادى به "ديوي" وإطلاق العنان لشطحات الخيال
وبالخيال يستطيع الإنسان أن يطور أفكاره ثم يحولها إلى واقع ملحوظ، وذلك لأن التفكير عندما يكون مرتبطًا بالواقع ارتباطًا شديدًا فإن ذلك يمكن أن يثبط من عملية التجريب للاحتمالات الغريبة التي قد يكون لها فوائد غير مدركة. ولكن عندما يكون التفكير فيه نوع من الخيال فقد يصل إلى نتائج إيجابية مفيدة. " ونحن لا يمكن أن نتصور مخترعًا أو مبتكرًا دون خيال واسع، لأن الاختراع يبدأ عنده بتصور شيء ممكن تحقيقه، أو بتصوره عندما يتم، ثم بعد ذلك السعي نحو التحقيق .
يعد حب الاستطلاع والتخيل من المكونات الضرورية للتفكير الإبداعي ، فالتخيل يساعد في اكتشاف إمكانية الحلول الإبداعية والتي تؤدي إلى اكتشافات جديدة . ويعتقد فيجوتسكي (Vegotsky) أن الإبداع يبدأ بتخيلات الطفولة عند الشخص ، والتي تتقدم إلى نمط جديد من التفكير خلال مرحلة المراهقة ، ويحدث الدمج للحديث الذاتي والتفكير المعرفي ، والذي يصل في النهاية إلى النضج في مرحلة عمرية متقدمة . كما أن التخيل هو المفتاح لتكوين وابتداع أشياء وأفكار جديدة
لقد اختلف العلماء والمتخصصون في طبيعة العملية الإبداعية وهل تعتمد على الخيال أم على العلم والمعرفة والجهد والمنطق ، فيرى أديسون أن الإبداع هو (98%) جهد و (2%) خيال ، في حين يرى اينشتاين أن الخيال أهم من المعرفة . والتخيل مرحلة من مراحل الإبداع ، بل هو بداية الإبداع ، ولكن ليس بالضرورة أن يؤدي كل خيال إلى إبداع ، في حين إن كل إبداع لا بد له من قدر من الخيال يستطيع به المبدع أن يأتي بالجديد المتميز.
وهناك فرق بين التخيل وأحلام اليقظة، فالتخيل هو عملية التفكير في فكرة معينة إلى أن تتولد صورة ذهنية لها. والصورة العقلية أو الذهنية تتيح للفرد معايشة الموقف أو الحالة التي لم تتحقق في الواقع بعد. فالتخيل عملية واعية تتم على مستوى الشعور ويكون لها اتجاهات عقلية ومعتقدات تم تحديدها بشكل مسبق وتستخدم في دعم تحقيق غاية أو هدف نهائي. والهدف من التخيل هو بناء الثقة اللازمة من أجل اتخاذ الإجراءات. أما أحلام اليقظة فهي انفصال عن الواقع، كما أنها ليست أفكارًا شعورية واعية تم تحديدها مسبقًا وتدعم اتجاهات عقلية أو معتقدات معينة
ويحتاج الخيال إلى تدريب لكي ينمو عند الطفل ، ومن ثم لابد من التشجيع عليه منذ الصغر. وتعتبر "ممارسة الخيال أمر ضروري لتنمية قوى الإبداع...وكلما كان الخيال ممتلئًا وعميقًا كان دليلا على قدرة إبداعية وتصورية كبيرة . فالعلاقة بين الخيال والإبداع وثيقة جدًا وتشير نتائج الدراسات التي بحثت العلاقة بين الإبداع والخيال إلى الدور المهم الذي يساهم به الخيال في الإبداع،" فالنشاط العقلي الخاص بتنشيط كل إمكانيات التصور والخيال هو نشاط شديد الأهمية في إثراء عملية الإبداع بوجه عام، فوظيفة الخيال عبارة عن عملية كيميائية لمعالجة عقلية، حيث تتفاعل القوى الفكرية والانفعالية وتسهم في تنشيط التنبيه وخلق العمل الإبداعي .إذ يرى عبد الحليم محمود أن القدرة على التخيل الإبداعي – الذي يؤلف ويفرق بين صور وخبرات سابقة – هي اللبنة الأساسية التي يُخلق منها الإبداع .
التخيل في جوهره عبارة عن عملية إعادة تركيب الخبرات السابقة في أنماط جديدة من التصورات أو الصور الذهنية التي لدينا عن الموضوعات أو الأحداث التي سبق أن كان لنا بها خبر سابقة . ويحاول السيكولوجيون حصر وظائف عملية التخيل وتصنيفها إلى عدد من التصنيفات أهمها :
1. التخيل الذي هو اقرب ما يكون إلى عملية استحضار واستعادة الانطباع الـذهني للإحـداث أو هــو
« نسخة ضعيفة من الإدراك الحسي » ، أو صورة ذهنية تستحضر الإدراك الحسي الذي أنتجها ولا تنفصل عنه ، وهي تشغل موضعاً متوسطاً بين الإدراك الحسي والتفكير العقلي .
2. تخيل أحداث المستقبل أو توقعها ، فيما يتصل بهدف معين ، أو تخيل الحركة أو الخطوات التي تحقق هذه الأهداف .
3. تخيل تحقق الأهواء والميول ، ويكون دور الشخص في هذا النوع من التخيل سلبياً إلى حداً ما ، إذ تمتزج خبراته الماضية دون اختيار منه وإرادة كما يحدث في أحلام النوم وأحلام اليقظة ، وهذه التخيلات عادة سارّة ، وتمثل نوعاً من تحقيق الرغبات والأهواء ، ولا ترتبط بإعادة الخبرات ، ولا بالابتكار والخلق .
4. التخيل الإبداعي أو الإنشائي :
يتمثل في القدرة على إعادة التركيب بطريقة مبتكرة لما يتم استعادته من صور ذهنية أو معانٍ أو خبرات أو أحداث سابقة ، أو ما يتم توقعه من أشياء ، أو أحداث في المستقبل . ويتم هذا السلوك بوصفه هدفاً في ذاته ، أو كنوع من التخطيط لفعل معين .
وتعد القدرة على التخيل الإبداعي الذي يؤلف ويفرق بين صور وخبرات سابقة ، هي اللبنة الأساسية التي يُخلق منها الإبداع في مجالات الفنون والآداب والعلوم وفي مراحل العمر المختلفة ، مما يتجسد إما في العاب توهميه للأطفال ، أو انتاجات فنية أو قصائد شعرية ، أو أحلام وآمال ، أو بناءات وتصورات نظرية أو خطط مستقبلية
كما أشارت الدراسات التي استهدفت بحث العلاقة بين الإبداع والخيال إلى الدور المهم الذي يسهم به الخيال في الإبداع ، فالنشاط العقلي الخاص بتنشيط كل إمكانيات التصور والخيال هو نشاط شديد الأهمية في إثراء عملية الإبداع (خليفة ،2000م، ص139).
وبالرغم من التشابه بين الخيال والحدس الإبداعي ، فان الخيال لا يهتم بمدى ملائمة الأفكار والاستجابات ، بينما يتضمن الحدس الإبداعي كما أشار( جولدبرج ) عدة بدائل أو احتمالات أكثر منه حقائق أو معلومات مثبتة ، ويولد أفكاراً تلاؤم الموقف وليس بالضرورة أن تكون صحيحة أو خاطئة