الاتجاهات الرائدة في العلاج المعرفي السلوكي
إذا ما كان هذا الأسلوب الإرشادي يهتم بالأفكار والاعتقادات المختلة وظيفيا فإن هناك نمطين للإختلال الوظيفي المعرفي:
يتمثل الأول منها في : اختلال الأداء المعرفي أو العمليات المعرفية وهو ما يتضمن تلك المشكلات التي تعوق الأداء المعرفي.
بينما يتمثل النمط الآخر في اختلال المحتوى المعرفي وهو ما يتناول التشويهات المعرفية. وفي تناول النمط الأول يعتبر أسلوب التدريب على التعلم الذاتي هو الأفضل ويعد ميكينبوم .Meichenbaum من أبرز أنصاره، ويقوم نموذجه على استدخال مجموعة من التعليمات الذاتية التي تحل محل الأفكار اللاتواؤمية.
أما النموذج الثاني : والذي يهتم بمحتوى الأفكار والاعتقادات فيعمل على أن يوضح للعميل محتوى أفكاره المشوهة أولا، ويعد كل من بيك وإليس من أبرز أنصاره (عبد العظيم، 2006، ص262-265).
وبذلك يمكن القول أن الإرشاد المعرفي السلوكي تندرج تحته ثلاثة اتجاهات رئيسية، وهي اتجاه ألبرت إليس (العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي)، واتجاه أرون بيك (العلاج المعرفي)، واتجاه التعديل السلوكي المعرفي على يد ميكينبوم ولكل من هذه الاتجاهات أهدافها والفنيات التي تستند إليها في تحقيق الأهداف.
أولا : العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي:
يعتبر "البرت إليس "من أهم رواد الاتجاهات المعرفية السلوكية في الإرشاد والعلاج النفسي، ولقد اقترن اسمه بالإرشاد العقلاني الانفعالي السلوكي.
وفي هذا يشير إليس إلى انه بدأ اتجاهه الإرشادي تحت تسمية الإرشاد العقلاني والذي توصل إليه في يناير 1955 ، ثم في عام 1961 أسماه الإرشاد العقلاني الانفعالي، وأخيرا في عام 1993 توصل إلى أن أسلوبه سلوكي وانفعالي بنفس القدر كما هو معرفي فقام بتغييره إلى الإرشاد العقلاني الانفعالي السلوكي.( جابر ،2013).
ويرجع "إليس "نشوء الأمراض النفسية إلى ما تم تعلمه من الأفكار غير العقلانية من الناس المهمين خلال فترة الطفولة (بفعل التنشئة الاجتماعية ) بالإضافة إلى ما يبتدعه الأطفال أنفسهم من اعتقادات غير منطقية وخرافات، وبعد ذلك يقوم الناس بإعادة تنشيط هذه الاعتقادات غير الفعالة من خلال الإيحاء الذاتي والتكرار وتنتج معظم الانفعالات من التفكير ويشكل اللوم للنفس وللآخرين حجر الأساس في معظم الاضطرابات الانفعالية.
ولذلك فإن الاضطرابات الانفعالية تنتج عن أنماط التفكير الخاطئة وغير المنطقية ومن ثم لا بد من مساعدة الأفراد في التغلب عليها واستبدالها بأفكار أكثر عقلانية ومنطقية و يشير "إليس "إلى أن نسق الاعتقادات لدى الفرد يتكون من جزأين وهما:
الأفكار اللاعقلانية، وتعتبر هي المسؤولة عن إحداث الاضطرابات الانفعالية للفرد والسبب في معظم الأعراض المرتبطة بالضغوط، حيث تسيطر على تفكير الفرد وتوجه سلوكه وهي عبارة عن معارف وأفكار غير واقعية وغير أمبريقية وغير مرنة في طبيعتها وغير ملائمة لأنها تؤدي إلى نتائج انفعالية سلبية، والفرد الذي يقع تحت وطأة الضغوط النفسية يجد نفسه يفكر في الأمور بطريقة كمالية مطلقة . وهذا التفكير الكمالي يتحول إلى مصدر للاضطراب بسبب نقص جوانب غير معلومة ومخاوف من العجز عن الوصول الى كمال ليس له وجود فعلي.
الأفكار العقلانية التي تكون منطقية ومتسقة مع الواقع وتساعد الفرد على تحقيق أهدافه والتوافق النفسي والتحرر من الاضطرابات الانفعالية وتؤدي بالفرد إلى الإبداع والإنجاز والايجابية والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
ويستند الإرشاد العقلاني الانفعالي في تفسيره للاضطراب النفسي على نموذج "إليس "المعروف بالأحرف (A B C ) ويعتبر هذا النموذج من أهم الفنيات التي تستخدم في عملية الإرشاد العقلاني السلوكي.
ويشير الحرف (A) إلى الحدث النشط أو الخبرة النشطة Experience. Activating
ويشير الحرف (B) إلى نسق ( نظام ) المعتقدات (Belief system) لدى الفرد التي يكونها عن الحدث.
ويشير الحرف (C) فهو يشير إلى النتيجة الانفعالية والسلوكية (Consequences) التي تنجم عن اعتقادات الفرد.
وطبقا لهذا النموذج فإن الحدث ليس هو السبب في حدوث الضغط لدى الفرد، وإنما الأفكار والاعتقادات الخاطئة،
فنحن نسلك ونشعر طبقا لطريقة تفكيرنا.
ولقد أورد "إليس " (12) فكرة غير عقلانية ( في المجتمع الأمريكي ) هي المسؤولة عن الاضطرابات الانفعالية (العصابية ) يقابلها مجموعة الأفكار العقلانية ومن أمثلة هذه الأفكار ما يلي:
- الفكرة العقلانية : ليس من الضروري أن أكون محبوبا ومقبولا من كل الأفراد لان هناك من الأفراد من يحب ومن
يكره.( عبد الـلـه ، 2012)
ويستخدم الإرشاد العقلاني في عملية دحض الأفكار اللاعقلانية ومهاجمتها عدة فنيات متنوعة منها :الحوار السقراطي، والإقناع والمناقشة وفي إطار ذلك يقوم المعالج بتوجيه بعض الأسئلة للفرد تدور حول الأفكار اللاعقلانية الموجودة لديه وحول الحدث الضاغط ويجيب عنها بموضوعية ومن خلال هذه الإجابات يتضح خطأ الفكرة اللاعقلانية الباعثة على الإحساس بالضغط واستبدالها بفكرة عقلانية تقلل من الشعور بالضغط مما يساعد ذلك في دحض الأفكار اللاعقلانية، فالهدف من وراء استخدام هذه الفنيات هو توضيح عدم صحة الاعتقادات اللاعقلانية لدى الفرد مما يؤدي به في نهاية الأمر إلى التخلي عنها.
ويمكن استخدام فنيات أخرى نذكر منها ما يلي:
• لعب الدور، ولعب الدور العكس (العكوس).
• النمذجة وأسلوب الفكاهة والمرح.
• مهاجمة الشعور بالخجل والدونية، ومهاجمة المشاعر السلبية بشكل عام.
• الواجبات المنزلية.
• أساليب الاشتراط الإجرائي مثل التعزيز والعقاب والتشكيل.
• أسلوب التدريب على الاسترخاء.
• أسلوب التعريض، وقد يكون تخيليا أو تعريض واقعي. (دبور، و الصافي ، 2007، ص130)
أما خطوات الإرشاد العقلاني الانفعالي : فيؤكد "دريدان وديجوسيب "انه على الرغم من أن نموذح إليس يعد هو جوهر أسلوب الإرشاد العقلاني الانفعالي السلوكي وتطبيقاته، فإن الخطوات المتتابعة المتضمنة في تطبيق هذا النموذج ليست مصورة أو محددة بوضوح، وحتى يتم توضيح هذه العملية قاما معا بتطوير هذا الأسلوب ليصبح في تتابع يضم إثنى عشرة خطوة تشبه إلى حد كبير تلك التي يتم استخدامها في الإرشاد وتشمل:
1. البحث عن المشكلة.
2. تحديد المشكلة المستهدفة.
3. تقييم النتائج (C)
4. تقييم الأحداث النشطة (A)
5. تحديد وتقييم المشكلات الانفعالية الثانوية
6. التدريب على تحديد العلاقة بين الاعتقادات والنتائج (B - C ) وتقييمها
7. تقييم الأفكار اللاعقلانية (B)
8. ربط الأفكار اللاعقلانية (B ) بالنتائج (C) (الاضطراب الانفعالي)
9. دحض وتفنيد الأفكار اللاعقلانية.
10. إعداد العميل لتعميق اعتقاده في أفكاره العقلانية من خلال المناقشة.
11. إعطاء العميل واجبات منزلية حتى يتسنى له الممارسة.
12. مراجعة الواجبات المنزلية (عسل ، 2008، ص71)