العلاج المعرفي:
يعد النموذج الذي قدمه "بيك "من ابرز النماذج العلاجية في هذا الاتجاه وأكثرها شيوعا، ففي الوقت الذي يركز فيه
على معارف ومعتقدات الفرد في الهنا والآن .Here and now كسبب في اضطراب الشخصية فإنه يستعين أيضا ببعض الفنيات السلوكية لتعليم الفرد المهارات التي يجب أن تتغير بتغير معارفه ومدركاته عن ذاته وعن العالم والمستقبل، ويرى بيك أن الشخصية تتكون من مخططات وأبنية معرفية (shemas) تشتمل على المعلومات والمعتقدات والمفاهيم والافتراضات والصيغ الأساسية لدى الفرد والتي يكتسبها خلال مراحل النمو (مصطفى، وعلي، 2011 ، ص177).
ويشير بيك (Beck ) إلى أن الاضطرابات النفسية لدى الأفراد لا تنشأ من الأحداث في ذاتها من قبيل حدث ضاغط، بل تنشأ من الأفكار والتفسيرات والمعاني الخاطئة التي يعطيها الفرد للموقف والتي لا يكون على وعي بها، لأنها تحدث بطريقة تلقائية فالموقف الواحد يثير استجابات انفعالية مختلفة لدى الأفراد تبعا لاختلاف الطريقة التي يدركون بها الموقف، وعلى ذلك، يرى بيك أن الضغط هو استجابة يقوم بها الفرد نتيجة لموقف يضعف من تقديره لذاته أو مشكلة ليس لها حل تسبب له إحباطا وتعوق اتزانه أو موقف يثير لديه أفكار عن الشعور بالعجز واليأس (عبد العظيم ،2006، ص 268).
ويرى بيك (Beck ) مستحدث العلاج المعرفي السلوكي أن طبيعة الاستجابة الانفعالية أو الاضطراب الانفعالي لشخص ما تتوقف على مدى إدراكه للحدث، بالنسبة لمجاله الشخصي، الذي يتكون من مجموعة من الأشياء التي لها أهمية خاصة، ومن بينها رؤيته لذاته وعالمه ومستقبله، وتستند نظرية بيك(Beck ) المعرفية للسلوك المختل وظيفيا،ً إلى الافتراضات التالية: (عبود وعبود،2003)
1. إن الاضطرابات النفسية قد تم الإبقاء عليها عن طريق نماذج تفكير محرفة ، ومختلة وظيفياً.
2. إن التشويهات المعرفية تعكس وجهة نظر غير واقعية، وسالبة بشكل كبير عن كل من الذات والعالم والمستقبل.
3. إن المعارف المختلة وظيفياً قد تبدو للآخرين غير واقعية، ولكنها تكون متناسقة مع وجهات نظر المسترشد
الشخصية عن الواقع.
4. من الناحية الإكلينيكية، تكون التشويهات المعرفية المزعجة قد تم استثارتها غالباً عن طريق أحداث الحياة غير الملائمة، بالإضافة إلى أنه قد تم الإبقاء عليها عن طريق الإدراك الثابت للقواعد أو المخططات.
5. إن المخططات توفر الأساس لإنتظام وتصنيف وتعميم الخبرات الجديدة، وذكريات الأحداث الماضية.
6. إن المخططات غالباً ما تنمو في مرحلة مبكرة من الحياة، وتتشكل من خلال الخبرات الملائمة
وذهب بيك (Beck ) إلى أن الأفكار التلقائية السلبية تؤدي إلى التشويه المعرفي وان هذه التحريفات والتشويهات المعرفية تؤدي إلى الضغط وتزيد من الصعوبة في مواجهة المواقف الضاغطة وبعبارة واضحة يمكن القول أن الأفكار التلقائية السلبية أو الاعتقادات المختلة وظيفيا لدى الفرد تحدث تحريفا في معالجة المعلومات ومن ثم فإن الأفكار السلبية التي تنتج من هذه التحريفات المعرفية تعتبر هي لب وصميم الاضطرابات النفسية لدى الفرد.
وتتحدد التحريفات المعرفية التي من شانها أن تؤدي إلى الفشل في مواجهة المواقف الضاغطة والتوافق معها في
عدة أنواع كما يلي:
• التفكير بطريقة الكل أو اللاشيء، أي التفكير في الحصول على كل شيء أو لا شيء.
• التهويل والتضخيم ويعني تحميل الأمور أكثر مما تستحق.
• القفز إلى الاستنتاجات ويعني التوصل إلى استنتاجات خاطئة دون وجود أدلة تدعمها.
• التعميم الزائد ويعني تفسير جميع الأحداث في ضوء قاعدة واحدة.
• التفكير الثنائي ويعني التفكير بشكل بعيد عن الوسطية (أبيض، أسود).
التجريد الانتقائي ويعني التركيز على جانب واحد من الموقف وإغفال الجوانب الأخرى فيه
فهذه التحريفات المعرفية تتوسط العلاقة بين الأحداث والشعور بالضغط تؤثر سلبا على أسلوب تعامل الفرد مع الحدث الضاغط ، فعلى سبيل المثال قد يكون لدى الفرد اعتقاد وتوقعات غير واقعية مثل :إذا لم أستطيع مواجهة الموقف الضاغط فهذا يمثل بالنسبة لي كارثة وأنني فاشل .وبالتالي يقلل الفرد من شأن ذاته وقد يميل إلى لوم الآخرين والذات على فشله في التعامل مع المواقف الضاغطة.
وهنا ينبغي التأكيد على الحذر من الوقوع في التهويل والتضخيم وغيرها من التحريفات المعرفية فلا شك أن إعطاء
الموقف حجما أكبر من حجمه يؤدي إلى زيادة الشعور بالضغط والقلق لدى الفرد (عبد العظيم ،2006، ص 269).
وفي الأخير، فإن العلاج وفقا لهذا النموذج يهدف التعامل مع التفكير اللامنطقي الخاطئ والتشويهات ( التحريفات ) المعرفية والتعامل مع المشكلات المختلفة والسعي إلى تخفيضها، معتمدا في ذلك على عدة مبادئ أهمها:
المشاركة العلاجية وتوطيد المصداقية مع المريض، وتقليل أو اختزال المشكلة. فالعلاج المعرفي يستخدم مجموعة كبيرة من الفنيات المعرفية التي تساعد العملاء على تغيير أنماط التفكير الخاطئة والافتراضات والمخططات غير التوافقية، مثال ذلك : ملء الفراغات، التعرف على الأخطاء المعرفية، الإبعاد والتركيز، تغيير القواعد .
وأدى عدم الرضا المتزايد عن النهج السلوكي بالعديد من الباحثين إلى ذلك تحويل اهتمامهم إلى دراسة المفاهيم المعرفية، وغالبًا ما يُقال أن النهج المعرفي يميل إلى التأكيد على العقلانية و إهمال العواطف (Ingram and Scott.1990).
إن العلاج المعرفي السلوكي يعتبر من أهم التطورات في علم النفس الحديث، فهو يبـدو كتحـول جذري عن السلوكية الكلاسيكية، ومن الجدير بالذكر أن التعلم الشرطي يعـد هـو الأسـلوب الـذي يلعب الدور الرئيسي في نشأة اضطراب الضغط ما بعد الـصدمة موضـوع دراسـتنا، ومـن ثـم فـإن العلاج السلوكي والعلاج المعرفي السلوكي هما الأكثر شيوعا والأفضل في نتائجهما في هذا الميدان، وإن تفوق العلاج المعرفي السلوكي نظرا لاعتماده عـلى فنيـات انفعاليـه تعتمـد عـلى اسـتخراج المـشاعر العميقة والتأثير عليها حتى يصبح الفرد أقل تشددا في حكمـه عـلى الموقـف، ويـصبح بإمكانـه أن يتقبل الأمر برمته . ( عادل ، 2000، ص 235).