الإبداع والذكاء :
يعرَّف الذكاء في الاصطلاح بأنه (( سرعة الفهم وحدته ، أو جودة حدس من قوة النفس في زمان قصير )) . كما يعرَّف أيضاً بأنه (( تعاون الوظائف الذهنية المختلفة ، كالتخيل ، والتجريد ، والحكم والاستدلال على حلّ بعض المسائل النظرية والعملية )) .
اختلف العلماء في تحديد العلاقة بين الإبداع والذكاء ، فيرى فريق من علماء النفس أن الإبداع مظهر من مظاهر الذكاء العام للفرد ، وأنهما يمثلان نشاطاً عقلياً واحداً ، وليس هناك قدرة خاصة للإبداع ، في حين يرى باحثين آخرين أن اختبارات الإبداع تقيس ما يسمى بالتفكير المتمايز والتفكير المنتج divergent productive ، إذ يوجد أكثر من إجابة ممكنة لكل سؤال ، بينما تقيس اختبارات الذكاء في جوهرها ما يسمى بالتفكير المتقارب Convergent حيث يوجد حل صحيح واحد لكل سؤال
إن نوع التفكير الذي تستثيره معظم اختبارات الذكاء تفكير التقائي تقريري إذ يكون على التفكير أن يتجه في مسار أجابه بعينها تعد هي الإجابة الوحيدة الصحيحة مثل 2*2=4 وفي مثل هذه المواقف لا يكون الشخص مطالبا بالتحديد أو التأمل أو الاختراع أو الإتيان بحل طريف ، بل يحتمل أن ينظر إلى الحل – إذا كان طريفا على انه خطأ . أما في التفكير الإبداعي فهو في أساسه تفكير افتراقي تغييري يتميز ببحث وانطلاق في اتجاهات متعددة ، أي يتميز بطريقة مبتكرة طريفة مع الرموز اللغوية والرقمية وعلاقات الزمان والمكان . وهذا النوع من التفكير ألتغييري هو ما غفلت عنه اختبارات الذكاء الشائعة برغم وجود علاقة بين ما تقيسه اختبارات الذكاء وبعض القدرات الإبداعية فان دلائل كثيرة تؤكد الشك في تغطية اختبارات الذكاء لأنواع الامتياز العقلي التي تمثلها القدرات اللازمة للتفكير الإبداعي
والإبداع صفة مرتبطة بالذكاء ولكنها ليست حكراً على الأذكياء ، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الإبداع يتزايد مع زيادة الذكاء حتى يصل الذكاء إلى حوالي 120 درجة حيث يبدأ الذكاء والإبداع يتباعدان مما يعني أن الذكاء المرتفع لا يضمن مستوى مرتفعا من الإبداع . لذلك فان الذكاء يساعد على تنمية الإبداع ولكن الذكاء العالي ليس شرطاً للإبداع العالي
فهناك كثير من المبدعين يبدعون أعمالاً متفوقة ولكنهم مع ذلك متوسطون في الذكاء العام
يرى ستيرنبيرج أن هناك علاقة جدلية بين الإبداع والذكاء والحكمة. فالذكاء عامل ضروري للإبداع ، لأنه ليس من المهم فقط توليد أفكار جديدة بل أيضا من المهم التحليل النقدي لتلك الأفكار. فتوليد عدد من الأفكار الجديدة يتطلب قدراً أساسياً من الذكاء ، ولكن لتحليل ونقد تلك الأفكار يتطلب مستوى أعلى من الذكاء .
ويرى البعض انه إذا كان الذكاء يعنى باختيار البيئة وتشكيلها والقدرة على التكيف الهادف معها ، فان هذا هو جوهر عملية الإبداع ، فحتى يتمكن الفرد من اختيار البيئة وتشكيلها فان هذا يتطلب القدرة على تخيل البيئة المناسبة للوصول إلى مستوى يجعل عملية التكيف ممكنة ، فضلاً عن القدرة على تحويل هذا الوضع المثالي إلى واقع .
ويرى العلماء انه بالرغم من أن درجة معينة من الذكاء تعد ضرورية للتفكير الإبداعي ، إلا إن الإبداع والذكاء قدرات مستقلة . بمعنى أن الطلبة ذوي الذكاء العالي ليسوا دائما طلبة مبدعين ، وتعتقد العديد من نظريات الذكاء بان العمليات المعرفية المتضمنة في الذكاء والإبداع قد تختلف عن بعضها البعض ، كما إن الإبداع اقل ثباتا من الذكاء ، فنحن عادة نلاحظ تغيرات في مستوى الإبداع لدى الطلبة مع مرور الزمن ، لذلك يجب علينا الافتراض عندما تسرع البيئة الصفية وتشجع الإبداع فان أي طالب بإمكانه أن يتصرف ويفكر بطريقة إبداعية .
وقد ذكر جروان أن علاقة الارتباط بين الإبداع والذكاء ايجابية ومتوسطة حتى مستوى ذكاء 120 . أما مستويات الذكاء الأعلى فقد وجد أن الارتباط بين الذكاء والإبداع ينعدم تقريباً . فضلاً عن أن اختبارات الإبداع تقيس ما يسمى بالتفكير المتباعد Divergent ؛ إذ يوجد أكثر من إجابة محتملة لكل سؤال ، في حين تقيس اختبارات الذكاء ما يسمى بالتفكير المتقارب Convergent ؛ حيث يوجد حل واحد صحيح لكل سؤال .
وهناك من يرى أن الأذكياء يخافون من الوقوع في الخطأ ، وهذا يبعدهم عن المغامرة التي تعد سمة من سمات الشخص المبدع ، كم أنهم ( الأذكياء) يفكرون بسرعة ويقفزون إلى النتائج بسرعة في كثير من الحالات ، وكلا الأمرين يعدّان من أخطاء التفكير أو من أخطاء المفكر الجيد
إن اختبارات الذكاء تهتم بعوامل معرفية معينة ، كالقدرة اللفظية والعددية والمكانية ، والقدرة على الاستدلال وإدراك العلاقات ، في حين تهمل قدرات عقلية أخرى كالأصالة والطلاقة الفكرية والإبداع والمرونة التلقائية والحساسية للمشكلات ، وهي قدرات أثبتت بحوث عديدة وجودها وارتباطها بالناتج التحصيلي والإبداعي وبعض سمات الشخصية عند الأطفال والمراهقين والراشدين .
ويلخص (أنصاري ،2004 ) العلاقة بين الذكاء والإبداع في العبارات الآتية :
1. الأبحاث لم تشر إلى علاقات ارتباطيه ايجابية بين مستويات الذكاء والإبداع في المستويات المرتفعة من الذكاء .
2. تختفي العلاقة بين الذكاء والإبداع عند المستويات المرتفعة من الذكاء .
3. عند تطبيق اختبارات الإبداع في وقت ومكان غير رسميين ( في وقت غير محدد وفي جو اللعب ) يتضح أن الارتباط بين درجات الذكاء والإبداع يختفي .
4. ليس بالضرورة أن يكون كل ذكي مبدعاً .
5. المبدع يتميز بالحد المناسب من القدرات العقلية المرتفعة ، وهذا يؤكد أن اختبارات الذكاء لا تكشف عن 70% من المبدعين .
أن الذكاء والإبداع _ وهما بعيدان كل البعد عن الفصل الحاد _ ليسا سوى طريقتين للنظر إلى شيء واحد. فالإبداع يشتمل على كل من التفكير التجمعي ، والمتشعب بالإضافة إلى الكثير من عوامل الشخصية . وبأكثر العوامل شمولاً ، فأن الذكاء يتضمن الاستخدام الأمثل للإبداع .
لا يعني هذا عدم أهمية الذكاء العام للأداء بوجه عام وللأداء الإبداعي بوجه خاص ، إذ لا يتوقع انجاز الإبداع مع انخفاض الذكاء الذي يمكن صاحبه من فهم الرموز والأشياء والمواقف وتناولها بطريقة معقولة قبل أن يعيد تشكيلها أو تشكيل سلوكه إزاءها بطريقة مبتكرة .فهناك مستوى معين من الذكاء لا يقل عن المتوسط يلزم الإبداع ، على انه إذا كان مستوى الذكاء الذي يلزم الدراسة بإحدى الكليات الجامعية يلزم أيضا العمل الإبداعي . فان هذا المستوى من الذكاء لدى شخص معين لا يعني انه سيصبح مبدعا بالضرورة ، لأنه لست العبرة بما نملك من قدرات ؛ وإنما بما نعمل بهذا الذي نملكه . وعلى هذا فان الشخص الذي يقوم ذكاؤه أساسا على تمثل عدد من الحقائق ، ولكنه يستطيع استخدامها بطريقة مرنة كما يستطيع مزجها بطرق مبتكرة ، ويكون لديه الدافع لاكتشاف حقائق جديدة _ هو الذي يتوقع أن يكون مبدعا
أن الذكاء يختلف عن الإبداع فقد يكون الإنسان ذكيا ولكن غير مبدع .
