مهارات الإبداع الجاد
يعتقد دي بونو أن للإبداع الجاد مهارات يمكن التدرب عليها وهذه المهارات هي :
أ . توليد ادراكات جديدة Generation of new perception
يقصد بالإدراك الوعي أو الفهم ؛ بمعنى أن يصبح المتعلم مدركاً للأشياء من خلال التفكير فيها ؛ بمعنى آخر الإدراك هو التفكير الغرضي الواعي الهادف لما يقوم به المتعلم من عمليات (عقلية ) ذهنية بغرض الفهم أو اتخاذ القرار ، أو حل المشكلات ، أو الحكم على الأشياء ، أو القيام بعمل ما ، فالإدراك نوع الرؤية الداخلية توجه المتعلم نحو الفكرة ، بهدف فهمها . ويؤكد دي بونو على أن التفكير والإدراك أمر واحد . وبناء على تعريف دي بونو للتفكير بأنه التقصي للخبرة من اجل غرض ما ؛ وقد يكون هذا الغرض تحقيق الفهم ، أو اتخاذ القرار ، أو حل المشكلات ، أو القيام بعمل ما
ب . توليد مفاهيم جديدة Generation of new Concepts
يشير دي بونو إلى أن المفاهيم هي أساليب أو طرق عامة لعمل الأشياء ، ويعبر عن المفاهيم أحيانا بطرق غير واضحة ، وحتى يعبر عن مفهوم ما ، لابدّ من بذل مجهود لاستخلاص هذا المفهوم ، وثمة ثلاثة أنواع من المفاهيم هي : مفاهيم غرضية ، أو ذات هدف وهي تتعلق بما يحاول المتعلم أن يحققه ، ومفاهيم آلية حيث تصف مقدار الأثر الذي سينتج من عمل ما ، أمّا النوع الأخير من المفاهيم فهو مفاهيم القيمة والتي تشير إلى الكيفية التي يكتسب العمل من خلالها قيمته .
من المحتمل أن تكون القدرة على تكوين المفاهيم المجردة هي أساس القدرة على التعليل ، حيث أننا نستخدم المفاهيم طوال الوقت في التعامل ، وعلى الرغم من ذلك فأن بعض الناس لا يشعرون بالارتياح في التعامل مع المفاهيم ، خاصة المفاهيم التي تتصف بالغموض ، أو المفاهيم ذات الصبغة الأكاديمية ؛ بينما يكون الارتياح واضحاً عندما يتعامل بعض المتعلمين بالمفاهيم المحسوسة .
هناك عدد من الأسباب التي تبرر الحاجة لاستخلاص مفاهيم واضحة ، أول هذه الأسباب البدائل ، فإذا كانت القدرة متوافرة على اشتقاق المفهوم حينها يمكن استخدام هذا المفهوم كنقطة ثابتة لإيجاد طرق بديلة في تنفيذ هذا المفهوم ، وبعض هذه البدائل قد يكون أكثر قوة من الأفكار التي نستخدمها بشكل مستمر . أمّا السبب الثاني فهو التقوية فعندما نستخلص مفهوماً يمكن تقويته من خلال بذل جهود لتحسينه ، بإزالة الأخطاء ونقاط الضعف ، والعمل على تعزيز قوة هذا المفهوم ، ويكمن السبب الثالث والمتمثل في التغيير فعندما نعرف المفهوم نستطيع أن نقرر تغييره ؛ إذا لم تكن الأمور تسير بشكل جيد ، أو إذا كان هناك تهديد منافس له .
ت. توليد أفكار جديدة (Generation of new Ideas)
يعرّف "دي بونو" الفكرة بأنها : شيء يتصور (يفهم) من خلال العقل ( (Mind، والأفكار هي طرق مادية لتطبيق المفاهيم ، والفكرة يجب أن تكون محددة ، ويجب أن توضع الفكرة موضع الممارسة .
ومن اجل توليد أفكار جديدة يحذر "دي بونو" من الرفض السريع والفوري للأفكار ؛ ويشير إلى أن الرفض السريع للأفكار يأتي من القيود التي فرضت على العقل ، فإذا كانت الفكرة لا تتوافق مع هذه القيود فإنها تتجه نحو الرفض ، وهذا هو الاستخدام المبكر للتفكير المتشائم ، لكن الأمر يتطلب أن يتم التفكير في هذه الحالة بطريقة التي تشير إلى التفاؤل ، بل قد يتطلب التفكير في هذه الحالة الإبداع وذلك للحصول على مزيد من الأفكار الإبداعية ، أما تقويم الأفكار المطروحة فسوف يأتي لاحقاً ، وحتى هذه اللحظة أن الجهد المبذول يجب أن يتركز نحو تحسين وبناء الفكرة ، ويورد دي بونو أكثر التعبيرات شيوعاً وقوة لرفض فكرة ما منها : استخدام شبه الجملة آلاتية من قبل المتعلمين ( مثل كذا ....) ، أو ( هذه الفكرة مثل الفكرة التي نقوم بها ) ، أو قد يستخدم تعبير الفكرة نفسها التي تعودنا عليها ، أو يعبر عنها من خلال جملة أخرى مثل ( الفكرة نفسها التي حاولنا توليدها لكنها لم تنجح ). ويوضح دي بونو أن شبه الجملة ( مثل كذا ) تبدو غير ضارة ، ولكنها قاتل قوي للأفكار ، وهي تعني انه لا حاجة لعطاء ايّ انتباه للفكرة ، أو إعطائها أي جزء من التفكير ؛ لأنها ليست فكرة جديدة على الإطلاق ، يبدو انه من الصعب الدفاع عن فكرة ما من هذا التعليق ، كما يمكن القول أن هناك أفكارا كثيرة مشابهة لأفكار أخرى ، فعلى سبيل المثال : الحصان هو مثل الطائرة ؛ لان كليهما وسائل للانتقال من مكان إلى آخر ، وبطاقة الائتمان هي مثل بطاقة المصرف (البنك) ؛ لأنهما مثل الصك ( الشيك) حيث أنهما وسيلة لدفع الفواتير دون استخدام النقود . كثير من الأفكار المهمة والقيم الجديدة سوف تضيع إذا سمحنا باستخدام شبه الجملة الخطيرة ( مثل كذا)
ث. توليد بدائل جديدة Generation of new Alternatives
مهارة مهمة من مهارات التفكير تتطلب بذل جهد موسع للبحث عن خيارات أخرى للموقف ، وكذلك انتقاء بدائل وخيارات جديدة بدلاً من اقتصار تركيز الفرد على البدائل والخيارات الواضحة (حسين وفخرو ، 2002م،ص147) .
إن توليد بدائل جديدة طريقة خاصة لتأمل الحلول من بين مجموعة ممكنة ومتاحة ، إذ يهتم الإبداع الجاد باكتشاف أو توليد طرق أخرى لإعادة وتنظيم المعلومات المتاحة ، وتوليد حلول جديدة بدلاً من السير في خط مستقيم ، والذي يقود عندئذ إلى تطوير نمط واحد ، إن البحث عن طرق بديلة أمر طبيعي لدى المتعلمين الذين يشعرون أنهم يقومون بذلك ، وهذا أمر صحيح إلى حد ما ، لكن البحث من خلال الإبداع يذهب إلى ما هو ابعد من البحث الطبيعي ، ففي البحث الطبيعي عن البدائل يبحث المتعلمون عن أفضل البدائل الممكنة ، لكن البحث عن البدائل من خلال توظيف الإبداع الجاد يتيح للمتعلمين توليد بدائل كثيرة بحسب قدرة هؤلاء المتعلمين ، ولا يبحث الإبداع الجاد عن أفضل البدائل ، ولكن عن البدائل المتعددة . في البحث الطبيعي عن البدائل يهتم المتعلم بالبدائل المنطقية ، وقد يشكل احد البدائل نقطة بداية مفيدة ، كما يعمل على حل بعض المشكلات دون عناء
ج .توليد إبداعات (تجديدات) جديدة (Generation of new Innovations )
يؤكد "دي بونو" أن الإبداع هو العمل على إنشاء شيء جديد ، بدلاً من تحليل حدث قديم ، وتشمل الإبداعات أو التجديدات نمطاً من الإبداع الجاد . وغالباً ما يكون توليد الإبداعات المألوفة سريعاً ، بينما إنتاج الإبداعات الأصيلة يحدث ببطىء ، ومن ثمّ يكون من السهل استبعاد الإنتاج الأكثر شيوعاً من خلال الطلب من المتعلمين الاقتصار على إنتاج الأفكار الأصلية الإبداعية ، وفي العادة يميل الإفراد إلى إنتاج الاستجابات الأكثر أصالة من خلال الاستمرار في العمل على المهمة التعليمية أو المشكلة التي تواجههم ، أن نتائج الجهد المركز في المهمة يعمل على زيادة إنتاج الأفكار الإبداعية أو التجديدات الجديدة ، ولا يشترط لتوليد إبداعات جديدة أن يتصف الفرد بمستوى عال من الذكاء فقط ؛ فالذكاء وحده غير كاف للإبداع ، إنما يحتاج الإبداع إلى درجة معينة من الذكاء .
إن ممارسة المتعلم لمهارات الإبداع الجاد التي عُرضت تعمل على جعل المتعلم ، يفكر خارج حدود التفكير التقليدي ، ويواجه المشكلات بأفكار أفضل للحصول على نتائج فورية ، ويولد فكرة ما من خلال أفكار أخرى ، ويصمم طرقاً متعددة لحل مشكلات مطروحة ، ويطور أفكارا جديدة ، ويعمل على تطوير عادات وممارسات إبداعية ، ويعمل على تحويل المشكلات إلى فرص للإبداع