الاتجاهات النظرية المفسرة للإبداعيعرض الأدب التربوي ما يزيد عن (45) نظرية في الإبداع كل منها يتطرق للإبداع من جانب أو أكثر، فربط ابستاين (Epstain) الإبداع بالنظام البيئي والقدرة على حل مشكلة ما ، كما وصف الإبداع بوجوب الاتسام بالاستمرارية والأصالة والتكيف . أما كانت (Kant) فأكد على علاقة الإبداع بالموهبة والعبقرية وأعتبره تميز طبيعي ، في حين بحث كالتون (Galton) في علاقة الإبداع بالاستعداد الوراثي ، إلا أن تايلور (Taylor) فسره بالتخيل والتصور ، وعبّر ماريتيان (Maritian) عن الإبداع بالوعي واللاوعي وما بينهما . أما بلاتو (Plato) فقد رأى الإبداع في الإلهام الناجم عن قوة خارجية إلهية تعمل على وجوده . وربط اريستوتل (Aristotle) الإبداع بالإنتاجية الخاضعة لقوانين الطبيعة ، إذ تحدث بعض المنتجات بشكل تلقائي أو عن طريق الحظ . وركز ميدنك (Mednick) على العلاقات الارتباطية واعتبرها الأساس الذي يبنى عليها الإبداع ، وفسر الن ادجار (Allan Poe Edgar) الإبداع بأنه قوة التأثير والاستمرارية ، والمحال المبني على الإلهام ، الذي لا يأتي بمحض الصدفة لكنه يأتي نتيجة المثابرة والعمل المتواصل . ، ويصبح كأنه حرفة .النظرية السلوكية (Behaviorism Approach (
حاول ممثلو هذه النظرية دراسة ظاهرة الإبداع من حيث إنها ظاهرة تتم عبر تكوين العلاقة بين المثيرات والاستجابات ، ويدخل ضمن هذا الإطار مفهوم الاشتراط الوسيلي أو الإجرائي الذي يرى أن باستطاعة الطفل الوصول إلى استجابات مبدعة بإيجاد الارتباطات بين المثيرات والاستجابات مع تقديم التعزيز وتحديد نوعه لتعزيز السلوك . ويتم التعزيز بتعزيز الاستجابات المرغوب فيها واستبعاد الاستجابات غير المرغوب فيها . أي أن الطفل لديه القدرة على أن يستجيب استجابة مُبدعة ( إيجاد ارتباطات بين المثيرات والاستجابات ) ولكنه يحتاج إلى التعزيز الفوري للاستجابة المبدعة المرغوب فيها ، ويتم توجيه تلك القدرة بناءً على تقديم التعزيز الفوري بعد الاستجابة المبدعة أو أن يعقبها إحباط وعقاب مما يؤدي إلى استبعادها . إلا أن محاولة دراسة الإبداع على أساس المثير والاستجابة أسقطت من اعتبارها الفرد كعنصر هام ( آلية السلوك ) ، فأصبح الفرد كالآلة التي طالما ظهر أمامها المثير فلابد أن تستجيب بآلية ما
ومن النظريات المنتمية لهذا الاتجاه أيضاً نظريتي الاشتراط الكلاسيكي والاشتراط الإجرائي اللتان اتفقتا على أهمية المعززات التي تعقب الاستجابات المرغوبة في تنمية السلوك الإبداعي
وهناك فرع ثالث لهذا الاتجاه وهو نظرية العمليات الوسيطية والتي يمثلها أوزكود (Osgood) وتقوم على أن ما بين المثير والاستجابه تتدخل جملة من العناصر المختلفة تسهم مع المثير في إظهار السلوك الإبداعي
النظرية الترابطية للإبداع
من ابرز مؤيدي هذه النظري مالتزمانJ.Maltzman ، وميدنيك Mednick اللذين يريان في الإبداع تنظيماً للعناصر المترابطة في تراكيب جديدة متطابقة مع المقتضيات الخاصة أو التمثيل لمنفعة ما . وبقدر ما تكون العناصر الجديدة الداخلة في التركيب أكثر تباعداً الواحد عن الآخر بقدر ما يكون الحل أكثر إبداعا. أي أن معيار التقويم في هذا التركيب هو الأصالة ، والتواتر الإحصائي للترابطات ( كلما كان نادرا كلما كان الحل إبداعيا ) . ولذلك يعتبر ممثلوا هذا الاتجاه من العلماء الذين أسهموا في تفسير الإبداع وبحثه . .
ويذكر ميدنيك ثلاثة أساليب لحدوث الارتباطات هي :
1. المصادفة Serendipity
وذلك حين تستثار العناصر الارتباطية مقترنة مع بعضها البعض بواسطة مثيرات بيئية تحدث مصادفة.
2. التشابه Similarity
قد تستثار العناصر الارتباطية مقترنة مع بعضها البعض نتيجة للتشابه بين المثيرات التي تستثيرها .
3. التوسط Mediation
يرى ميدنيك أن العناصر الارتباطية المطلوبة قد تستثار مقترنة زمنياً بعضها البعض عن طريق توسط أو وساطة عناصر أخرى مألوفة
انه بالرغم من أن إيجاد الترابطات عبر التشابه يلعب دوراً في تفسير الإبداع ، إلا انه لا نجاح لنظرية تقوم على أساس التربطات في تفسير الإبداع فقط . أي أن الإبداع ليس مجرد إيجاد مجموعة من الترابطات
النظرية الجشطالتية في تفسير الإبداع
نشأت هذه النظرية على يد كل من فرتهايمر(Werthimer) وزملائه كوفكا (Koffka) وكوهلر (Kohler) وليفن (Lewin) وكلمة جشطلت تعني العينة أو النمط أو الشكل
النظرية الجشطلتية واحدة من بين عدة مدارس فكرية متنافسة ظهرت في العقد الأول من القرن العشرين كنوع من الاحتجاج على الأوضاع الفكرية السائدة آنذاك والمتمثلة بالنظريات الميكانيكية والترابطية
يرى فرتهايمر أن التفكير الإبداعي يبدأ عادة مع مشكلة ما وعند صياغة المشكلة والحل ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار، أما الأجزاء فيجب تدقيقها وفحصها ضمن إطار الكل ( أن إدراك الكل يسبق الجزء ) . ويميز فرتهايمر الحل الإبداعي من بين الحلول التي تأتي بالصدفة أو القائمة على أساس التعلم بأنه الحل الذي يتطلب الحدس وفهم المشكلة . أن الحدس الذي اعتمده الجشطالتيون عليه في تفسيرهم للإبداع لا يشكل أكثر من وجه من وجوه عملية الإبداع ، فالحدس هو الإشارة التي تسبق الحل . أي أن الإبداع يتم تفسيره في ضوء لحظة استبصار يسبقها فهم ودراسة متأنية للمشكلة المراد حلها وهذا تفسير غير كاف
ويشير موني إلى أن الإبداع يعني البناء الدينامكي بين الإدراك الخارجي ، والإدراك الناتج عن تأثير الصيغ التي يدركها المركز البصري للمخ وأن الشخص المبدع كائن دينامكي متفاعل ككل مع جميع المتغيرات المحيطة به . فضلاً عن مجموعة قوانين تحكم الأسلوب الإدراكي للشخص المبدع من خلال تنظيم ما يراه من أشكال
أن الإبداع من وجهة نظر الجشطلت ، إنما هو نتاج ذلك التفاعل الخصب ما بين خيال الفرد الذي يظهر في تأمله للأشياء من حوله وتلقائيته التي هي اقرب إلى المعرفة الحدسية من جهة والعمليات العقلية كالإدراك والتجريد والاستدلال والتحليل والتركيب التي تمثل المعرفة العقلية من جهة أخرى
النظرية التحليلية ( Approach (Psychodynamic
تنتمي النظرية التحليلية للعالم فرويد الذي يفسر الإبداع وفق مفهومي التسامي والإعلاء بمعنى أن الدافع الجنسي يتم إعلاؤه عند كبته وصراعه مع جملة الضوابط والضغوط الاجتماعية ، ليتم توجيه هذا الدافع ليصبح دافعاً مقبولاً اجتماعياً ، ثم يتسامى نحو أهداف ومواضع ذات قيمة اجتماعية ايجابية
ويذهب أنصار هذا الرأي إلى القول بان شهرة الفرد وظهور نبوغه يتوقف على مبلغ ما في نفسه من عنف وصراع بين الدوافع الحيوية حسب علاقة الطفل بآبائه وأخوته ومركزه في الأسرة ، وكونه موضع الرضا أو موضع السخط وكونه مدللاً أو محروماً فهتلر Hitler لا ترجع شهرته إلى قدرات ومواهب خارقة ، بل ترجع شهرته إلى عوامل ذاتية وعُقد نفسية أحدثت عنده القلق والسخط والكراهية والنزعة العدوانية وما كان يعكسه على الغير بتصرفاته التي قادت إلى الحرب والدمار . مثال على ذلك : دراسة فرويد للفنان المبدع ليونارد دافنشي حيث أن فرويد عندما قام بتفسير الإبداع الفني لهذا المبدع لم يتعامل مباشرة مع مشكلة الإبداع الفني لديه بل عزا إبداعه الفني إلى الدوافع اللاشعورية وراء شخصيته ، بدءاً من عمليات الكبت التي قام بها لا شعوريا الى الغرائز البدائية التي شعر بها في طفولته إلى عمليات التسامي
والإبداع عند فرويد لا يختلف كثيراً في أساسه وديناميته بها بعد ذلك والتي وجهته نحو البحث والمعرفة والإبداع الفني
عن الاضطراب النفسي . إذ يرى أصحاب التحليل النفسي أن الإبداع ينشأ عن صراع نفسي يبدأ عند الفرد منذ أيام حياته الأولى ، وهو بمثابة الحيلة الدفاعية لمواجهة الطاقات اللبيدية التي لا يقبل المجتمع التعبير عنها ، فالإبداع إذاً هو نتيجة لما يحدث من صراع بين غرائز الجنس وغرائز العدوان من جهة وضوابط المجتمع ومطالبه من جهة أخرى
أما يونج فيتفق مع فرويد بأن اللاشعور هو منبع الإبداع ، في حين أن معظم اللاشعور شخصي عند فرويد نراه يتألف من قسمين عند يونج : أحدهما شخصي والآخر جمعي ، انتقل بالوراثة حاملاً آثار وخبرات الأسلاف .
وعند تقويم النظرية فانه لا يمكن تفسير الإبداع فقط على انه مجرد مجموعة من الدوافع اللاشعورية التي تم كبتها ليتم الإعلاء والتسامي بها لتدفع الفرد إلى الإبداع ، فمهما كانت هذه الدوافع فأنها لا تخلق من الغبي ذكياً أو من ضعيف العقل عبقرياً ، لان العبقرية تعتمد أساساً على الدرجة العالية من الاستعداد والقدرة العقلية العالية كما لا يمكن الأخذ بالتسامي باعتباره مفسرا لعملية الإبداع لأنه فكرة غامضة كل الغموض ، ويصعب الوقوف على ملامحها وأبعادها .كما تتسم نظريات التحليل النفسي الشائعة عن الإبداع بسمتين : الأولى ، أنها إحالية Reductive بمعنى أنها تحيل الإبداع إلى عملية أخرى والثانية ، أنها تجعله تعبيراً خاصاً عن النماذج العصابية Neurotic والتعريف المألوف للإبداع في أوساط التحليل النفسي هو أنه " ارتداد في خدمة الأنا" وفي الحال تشير كلمة ارتداد إلى التناول الإحالي . وبذلك لا ينبغي أن يُفْهم الإبداع بإحالته إلى عملية أخرى , أو بأنه في جوهره تعبير عن مرض نفسي .كما انتقد "ناجل" سنة 1959م نظرية التحليل النفسي بسبب عدم تحديد التعريف الإجرائي لطبيعة المفاهيم النظرية أو القوانين التي تربط بينها وبين السلوك ، كما أن الإطار لا يؤدي إلى تنبؤات جديدة ، وهذا يرجع إلى أن اللغة التي صيغت بها النظرية هي لغة مجازية شعرية ذات نسيج مفتوح
الاتجاه الإنساني في تفسير الإبداع
يمثل هذا الاتجاه مجموعة من العلماء مثل فروم ، وماسلو ، كارل ، وروجرز وآخرون ، فالإبداع وفقاً لهؤلاء العلماء هو عبارة عن عملية من العلاقة تتم بين الفرد ذي التفكير السليم المبدع والوسط المشجع والمناسب والملائم لظهور إبداع الفرد وهي علاقة طردية والعكس صحيح .
إذ يرى ماسلو (Maslow) أن الإنسان المبدع يسعى دائماً إلى تحقيق ذاته ، كما أكد ذلك بعض الباحثين عند تعريفهم للأفراد المبدعين بأنهم هم المبدعين الذين يحققون ذواتهم ، وهم الأصحاء عقلياً ، والمتكيفون بصورة حسنة في جميع جوانب الحياة بصورة إبداعية ويرى جولد شتاين K . Goldstein أن دافع (( تحقيق الذات )) هو الدافع الوحيد الذي يوجه نشاط الحياة السوية لدى الإنسان ، بوجه عام ، كما يوجه تقدم الحياة الإنسانية كلها . وأن الانجازات الثقافية ما هي إلا تعبير عن قدرة الإنسان على الإبداع وميله إلى تحقيق ذاته من خلال فعل الإبداع نفسه
كما يرى الإنسانيون أن القدرات الإبداعية موجودة لدى كل الأفراد ويمكن لها أن تنمو وتتطور إذا ما توافرت لها البيئة المناسبة التي تخلو من الضغوطات والتهديد ، كما يرى روجرز أن تنمية الإبداع منوطة بتوافر شرطين أساسيين هما : السلامة النفسية وتحقيق السلامة النفسية يتم من خلال تقبل الفرد واحترام آرائه وشخصيته ، و الحرية النفسية التي يمكن أن تتحقق من خلال إتاحة الفرص المختلفة والغنية للفرد عبر حب الاستطلاع والاكتشاف بهدف الوصول إلى الخبرات والمعارف واكتسابها
يذكر ماسلو نوعين من الإبداع هما : النوع الذي يؤدي إلى إنتاج الجديد من الأشياء ، وهو الذي يعتمد على الموهبة _ على حد تعبير ماسلو _ والعمل الجاد المتواصل ، وما يسميه خبرة القمة Peak Experience ، وهو مفهوم قريب جداً مما يذكره الوجوديون عن اللحظة الوجودية Existential moment . ثم النوع الثاني من الإبداع ، وهو إبداع تحقيق الذات ، أو بعبارة أخرى الإبداع كأسلوب لتحقيق الفرد لذاته ، وهنا يصبح وصول الفرد إلى مستوى مناسب من تحقيقه لطاقاته الإبداعية مرادفاً لوصوله إلى مستوى مناسب من الصحة النفسية السليمة ، أو وصوله إلى مستوى مناسب من الإنسانية المتكاملة .
ويعاب على هذه النظرية اعتماد تفسيرها للإبداع على التجربة الذاتية والتحليل الظاهري لظاهرة الإبداع استناداً على المقولات الدينية والاجتماعية وليس على التحليل السببي . كما يعاب عليها معارضتها لتفسير الإبداع وفقاً للضبط التجريبي والتفسير الحتمي
نظرية السمات ( المنحى العاملي أو النظرية العاملية) (Factor Approach)
النظرية العاملية هي نظرية يحاول عن طريقها صاحبها أن يفسر ظاهرة معينة في ضوء عدد قليل من العوامل ، والعامل مفهوم إحصائي لا وجود له إلا في جداول الإحصائيين وما يكتبون ، وقد يكون العامل قدرة عقلية ، أن تحدّث الاحصائيون عن عامل عقلي ، وقد يكون سمة أن تناول الحديث عوامل انفعالية ، وقد يكون دافعاً أن تناول الحديث عوامل دافعية . ويستخدم أصحاب النظريات العاملية أسلوبا معيناً في تحليل ما يجمعون من بيانات ، يطلق عليه بالتحليل العاملي ، ويحاول الباحث عن طريق هذا الأسلوب أن يصل إلى عدد محدود من العوامل الإحصائية التي قد تكمن خلف المظاهر المختلفة التي تعبّر عن الظاهرة موضع الاهتمام
ويسمي بعض الباحثين هذه النظرية بنظرية جيلفورد Guilford theory ويتركز اهتمام أصحاب المنحى العاملي في تحليل الظاهرة المعقدة كالشخصية والذكاء والإبداع إلى مكوناتها الأساسية ، أو عواملها الأولية التي تتكون منها ، ويستند هذا المنحى في دراسته للإبداع على تطبيق الاختبارات النفسية المختلفة ، ومن ثم معالجة نتائجها بطرق إحصائية على جانب كبير من التعقيد .ومن ابرز النظريات العاملية نظرية التكوين العقلي (Structure of Intellect Theory) للعالم جيلفورد
وتستند هذه النظرية بشكل أساسي إلى العقل ، وتتساوى في ذلك مع أفكار سبيرمان وثيرستون ، غير أن جيلفورد ادخل الخصائص اللااستعدادية كالحالة المزاجية والدافعية التي ترتبط بالإبداع ، إلا انه لم يولها اهتماما كافياً .
وقد ميز جيلفورد الخصائص المرتبطة بالإبداع على أساس التحليل العاملي : وهي الطلاقة والمرونة والأصالة والتوسع والحساسية تجاه المشكلات
واعتمد جيلفورد في تفسيره للإبداع على انه مكون من ثلاثة أبعاد هي . العمليات والمحتوى والنتاجات ، وافترض أن الذاكرة هي أساس جميع أنواع السلوك المرتبطة بحل المشكلة ، وقد تمكن جيلفورد في نموذجه لحل المشكلات من تحديد سمات أو قدرات فرعية وقدرة عامة ترتبط بحل المشكلة وهي :
1. القدرة على المعالجة السريعة لمجموعة من الصفات المميزة للشيء المرتبط بالمشكلة بهدف سبر أعماق الموقف المشكل .
2. القدرة على تصنيف العناصر والأفكار الرئيسة المتضمنة في الموقف المشكل استناداً إلى معايير محددة .
3. القدرة على إيجاد عناصر وعلاقات مشتركة بين الصفات المكونة للموقف المشكل .
4. القدرة على التفكير في النواتج البديلة لمشكلة معينة أو موقف معين .
5. القدرة على تشكيل قائمة تتضمن الصفات المرتبطة من اجل حل المشكلة .
6. القدرة على استنباط القدرات السابقة المطلوبة في الموقف المشكل .
7. القدرة العامة على حل المشكلات
كما ترى نظرية جيلفورد أن عملية الإبداع هي عملية مرادفة لعملية حل المشكلات من حيث الأصل ، وهو يعدها ظاهرة واحدة
المنحى الباطني The Mystical Approach
يذكر ستيرنبرج (Sternberg ,2003) أن هذا الاتجاه من الاتجاهات القديمة المفسرة للعملية الإبداعية ، إذ يرى هذا الاتجاه أن الإبداع احد أمرين ، الأمر الأول أن يكون الإبداع نتيجة تدخل قوى خارجية غير قابلة للشرح والتفسير ، والأمر الثاني هو نتيجة تدخل الهي . وفي هذا الشأن أكد أفلاطون على أن الشاعر يمكن أن يصل إلى درجة الإبداع إذا كان تأمله فقط إلهاماً . وما يزال هذا الاعتقاد سائدا إلى يومنا هذا ؛ إذ يعتقد كثير من الناس أن الأفكار الإبداعية هي نتيجة الهام الهي ، وفي الوقت نفسه تحت سيطرة قوى خارقة للطبيعة ، أو غير قابلة للفهم والتفسير من خلال المنهج العلمي المعروف . وبالتالي فان هذا الاتجاه لا يستند إلى الاتجاه العلمي في تفسير العملية الإبداعية ؛ ولا يمكن أن يكون له تطبيقات في المجال التربوي
كما ظهرت عدة نظريات لتفسير الإبداع وفقاً لتعريفه كالآتي :
النظرية العبقرية
يأتي على رأس دعاة هذه النظرية أفلاطون الذي يرى أن الإبداع مصدره وحي يأتي من عالم خارجي مثالي ، وانه لا دخل للفرد لما يحدث نتيجة للعملية الإبداعية .
التي تفسر الإبداع على انه إيحاء فجائي يحدث للفرد المبدع الذي يتمتع بالقدرة على تجاوز حدود المعرفة الحالية وإنتاج ما هو جديد بخطوة واحدة بغض النظر عما أنجز سابقاً أو التجارب والخبرات المتوفرة عند المبدع عن مجال إبداعه . وتكاد تتشابه هذه النظرية مع تفسير النظرية الجشطالتية للإبداع ولكن الاختلاف في أن المبدع لا يُبدع بدون خبرة وفهم للمجال المراد الإبداع فيه . ومما يؤخذ على النظرية انه لا يمكن تفسير الإبداع وفقاً للحظة الهام فُجائية ليس لها أية علاقة ببيئته أو تجاربه أو معرفته السابقة
نظرية القياس النفسي
وهي نظرية تعتمد على حركة القياس النفسي للعالم الفرنسي ( الفرد بينيه ) Binet الذي طوّر أول اختبار لقياس الذكاء ( فإذا كان بالإمكان قياس الذكاء فمن الممكن قياس الإبداع أيضاً ) ، فهذه النظرية تؤكد على ضرورة أن يخضع الإبداع للبحث التجريبي والقياس ، فهو موجود لدى كل الأفراد ولكن بنسب متفاوتة . وعند تقويم النظرية فلا بد من وجود مقاييس لقياس الإبداع للتعرف على الأفراد المبدعين ، وبالتالي فمن الضروري تحديد مكونات الإبداع وما يجب أن تقيسه اختبارات الإبداع
نظريات حل المشكلة والإبداع
وتُفسر هذه النظريات الإبداع على انه عملية إيجاد حل إبداعي لمشكلة غير عادية . إذ يعرف سدورو Sdorow الإبداعي بأنه أسلوب لحل المشكلة ينتج عنه كل ما هو جديد أو غير مألوف وهذه الحلول للمشكلات تكون موضع تقدير واحترام من الناحية الاجتماعية . كما يرى تشمان Tishman أن حل المشكلة الإبداعي هو عملية تفكير مركب يتألف من استراتيجيات التفكير الناقد والإبداعي لتساعد على التصور ، والإتقان والأداة الدقيقة للمشكلة . ومن هذه النظريات الآتي :
نظرية أُسبورن Osborn theory
يُعد أسلوب العصف الذهني (Brain storming) الذي توصل إليه أُسبورن من أكثر الأساليب المستخدمة في تحفيز الإبداع ومعالجة المشكلات ، وتقوم هذه العملية على الفصل بين عمليتي توليد الأفكار وتقويمها .
يتم تفسير الإبداع في هذه النظرية على أساس أن تفعيل القدرة على التخيل هو المفتاح لعملية الحل الإبداعي لأي مُشكلة ، وهي إحدى الطرق المستخدمة في تنمية التفكير الإبداعي عن طريق توليد اكبر عدد من البدائل المحتملة وتقييمها واحدة بعد الأخرى للوصول لأفضلها . ويتم هذا وفقاً لعدة خطوات كالآتي :
1. إيجاد المشكلة .
2. إيجاد الحقائق .
3. إيجاد الأفكار .
4. إيجاد الحل .
5. قبول الحل .
عند تقويم النظرية نجد إنها ترى أن الإبداع هو إيجاد حل إبداعي لمشكلة ما ، وهذا يتفق مع المفهوم التربوي للإبداع بأنه عملية تساعد المتعلم على أن يصبح أكثر حساسية للمشكلات وجوانب النقص والثغرات في المعلومات واختلال الانسجام . ومما يؤخذ على النظرية اقتصارها على جانب واحد من جوانب العملية الإبداعية
نظرية التشلر Altshuller theory
ظهرت هذه النظرية في الاتحاد السوفيتي سابقاً ، وعرفت باسم نظرية الحل الابتكاري للمشكلات (TRIZ) وقد أجريت بحوث هذه النظرية على يد هنري التشلر ، الذي تنسب إليه هذه النظرية . وتشكل هذه النظرية (TRIZ) نموذجاً عملياً للنظم المستندة إلى قاعدة معرفية تستخدم طرائق وعمليات لاستيعاب المعرفة وتوظيفها في حل المشكلات . وتقترح هذه النظرية إجراءات محددة وأدوات واستراتيجيات تمكن مستخدميها من تطبيق قاعدة المعرفة في توليد حلول جديدة . وبالرغم من ظهور هذه النظرية (TRIZ) في منتصف القرن الماضي ، إلا أنها انتقلت خارج حدود الاتحاد السوفيتي – سابقاً في بداية التسعينات من القرن العشرين عندما هاجر عدد من خبراء هذه النظرية وكبار المهتمين بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم الغربي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي . وخلال فترة زمنية لا تزيد كثيرا عن عشرة أعوام استطاع عدد من الباحثين الذين كرسوا حياتهم لنشر هذه النظرية ، أن يقدموها لمجموعة من كبريات المؤسسات في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم